سورة النَّمل 027 - الدرس (14): تفسير الأيات (064 – 73)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة النَّمل 027 - الدرس (14): تفسير الأيات (064 – 73)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة النّمل

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة النَّمـل - (الآيات: 064 - 072)

08/12/2011 13:56:00

سورة النمل (027)
الدرس (14)
تفسير الآيات: (64 ـ 72)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الرابع عشر من سورة النمل .
 في بدْء الخلق تتمثَّل أسماء الله الحسنى وفي إعادة الخلق يتمثَل اسم الحق :
 
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
 
﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
 ( سورة النمل)
الله سبحانه وتعالى يطْرحُ أيضاً هذا السؤال على الناس ، أمَّن يبدأ الخلق ثم يعيده؟ الله سبحانه وتعالى بدأ الخلق وسوف يُعيد الخلق ، في بدْء الخلق تتمثَّل أسماؤه الحسنى ، وفي إعادة الخلق يتمثَل اسم الحق ، قال تعالى :
 
﴿  أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) 
الإيمان بالله عز وجل من لوازمه أن تؤمن باليوم الآخر ، لأنّ الحياة فيها قويّ وضعيف ، صحيح ومريض ، فيها طويل العمر وقصيره ، وفيها أنواع مُنَوَّعة من الحظوظ ، الله سبحانه وتعالى وزَّع الحظوظ في الدنيا توْزيع ابْتِلاء ، فكلّ إنسانٍ حظُه من الدنيا مادَة امْتِحانه مع الله عز جل ، قال تعالى :
 
﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)
(سورة هود)
 الله تعالى وزَّع الحظوظ في الدنيا توْزيع ابْتِلاء لكنّها في اليوم الآخر تُوَزَّع توزيع جزاء :
 
لكنّ اليوم الآخر من أجل أن تُوَزَّع الحظوظ ثانيةً توزيع جزاء ، قال تعالى :
 
﴿ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ (22)
(سورة الجاثية)
يوم الدِّين ، ويوم الجزاء ، ويوم الحِساب ، ويوم الدّينونة ، ويوم يقوم الناس لربّ العالمين  .
في إعادة الخلق يأخذ كلّ إنسانٍ حقَّه ، ويُعْطى كلّ ذي حقٍّ حقَّهُ ، فالإنسان إن رأى الأمور على غير ما يرام في الدنيا فليصبر فنحن في دار ابتلاء ، ونحن في دار عمل ، ونحن في دار سِباق ، ونحن في دار تكليف وامتِحان ، أما اليوم الآخر فهو يوم الجزاء ، ويوم العدل ، ويوم القسط ، ويوم الفصل ، ويوم الدَّينونة ، قال تعالى  :
 
﴿  أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (64) 
هذه السماء من الذي جعلها تُمطِر ؟ هل في الأرض كلّها جِهةٌ تستطيعٌ أن تتَّخِذ قراراً بإنزال المطر ، مهما علَتْ هذه الجِهة ، ومهما سَيْطَرَت ، ومهما اتَّسَعَ نفوذها ، ومهما امْتَلَكَتْمن أسْلحةٍ ، هل تستطيعُ جهة في الأرض أن تمتَلِكَ إنزال المطر ؟!! لذلك في البلاد المطيرة التي تشْهد عمَّا يزيد عن ألف ميلي متر في العام ، في العام الماضي عانَتْ من قحْطٍ وعطشٍ شديد ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يسْمحُ للسَّماء أن تُمْطر ، لو أنَّ السماء أمْطَرَت من الذي يجْعَلُ هذه البِذْرة تُنْبِتَ ؟ فهذه البِذْرة فيها رُشَيْم ، وإذا كان قد بلغنا أنَّ بعض أنواع البذور السَّبْعين ألف بذرة منها يساوي غراماً واحداً ! وكلّ بذرة فيها غِشاء ، وفيها محفظة غِذاء ، ورشيم حيّ ، هذا الرُّشَيم مؤلَّف من سُوَيْق ، ومن جُذَيْر ، من يجعل هذا الرُّشَيم ينبت في الجوّ المناسب ؟ وفي الرطوبة والدِّفء والضَّوء ؛ ثلاثة شروط ، هو الله ! لذلك من يرزقكم من السماء والأرض ؟ لو أنَّ السماء لا تُمْطِر والأرض لا تُنبت هل يبقى على وجه الأرض إنسان ؟
 
آية النبات وحدها آية كافِيَةٌ لِمَعرفة الله عز وجل :
 
قال تعالى :
 
﴿  أإله مَعَ اللَّهِ (64) 
هل تستطيعُ جهة في الأرض أن تدَّعي ذلك ؟ هل تستطيعُ جهة في الأرض أن تقول : أنا أُنْبتُ النّبات وأُنزلُ المطر ؟ آية النبات وحدها آية كافِيَةٌ لِمَعرفة الله عز وجل ، هذه الأشجار الآن أزْهَرَت وقد كانت أخْشاباً ، من جعل هذه العُصارة تمشي فيها ؟ من جعَلَ هذا الماء الذي تمتصُّه من باطن التربة يصْعد إلى أعالي أغْصانها ؟ هل هناك مضَخَّة ؟ ومن جعل هذه الأنابيب التي تصعدُ نحو الأعلى مُزَوَّدة بِأجهزة دقيقة جدّاً تُسمَى الخاصة الشَّعريّة ؟ ومن جعل هذه الأنابيب الهابطة مُزوَّدة بِمَصافٍ ؟ هذه العُصارة الهابطة هي التي تصنع الفاكهة ، فالمعمل هو الورق ، والورقة تُصْنع فيها العُصارة الهابطة ، وتهبطُ وتُصبحُ تُفَّاحة أو كُمَّثْرى أو أنواعاً منوَّعة من الفواكه ، قال تعالى :
 
﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ(4)
(سورة الرعد)
 كلمة إنَّ في الآية تعني التَّوكيد :
 
الإنسان إذا لم يلْتَفِت إلى هذه الآيات الصارخة ، فإلى ماذا يلْتفت ؟ قال تعالى :
 
﴿  أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (64) 
ما قيمة المال لو لم يكن هناك الثَّمرات ؟ مِن القِصص المألوفة أنَّ إنساناً كان يقطعُ البوادي والقفار على راحلته ، فضلَّ الطريق ، نفِدَ في هذه الرِّحلة طعامه وشرابه ، فلاحَ له عن بُعْدٍ شجرةً فأشْرقَ في نفسِهِ نور من الأمل ، هرع نحْوها ، فإذا إلى جانب الشَّجرة بِرْكة ماءٍ ، شرِبَ منها حتَّى ارْتوى ، ثمَّ تولَّى إلى الظلّ فإذا كيسٌ مملوء ، فَسُرَّ به سُروراً عظيماً وهو يحْسبُ أنَّ فيه خبزاً ، ولكن فتَحَ الكيس فما وجد بهإلا لآلئ ، فصاح قائلاً: وا أسفاه ! هذه لآلئ !! ماذا يفعلُ بها ؟ ما قيمة اللآلئ والجواهر والألماس والذَّهَب إذا فقد الطعام والشراب ، فالرِزق في السماء والأرض ، الأرض تُنبت والسماء تُمْطر ، ولولا أنّ السماء تمطر والأرض تنبت لما كانت هناك حياة إذاً هذهالعُمْلة ؛ النُّقود هي أشياء رمْزِيَة ، أما الأساس أنّ الله عز وجل هو الرَزاق ذو القوَّة المتين ، وكلمة إنَّ في الآية تعني التَّوكيد ، تقول : إنّ العِلم نافعٌ ، وتقول : العِلَم نافعٌ ، ماذا أضافَت إنَّ على التَركيب ؟ التَّوكيد ، فالله تعالى قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)﴾
(سورة الذاريات)
أكَّدَ لك أنَّه هو الرزاق بكلمة (إنَّ) ، وأكَّدَ لك أنَّه رزَّاق بِكلمة (هُوَ) ، وأكَّدَ لك أنَّه هو الرزاق بصيغة الرَّزاق ، وهي صيغة مبالغة على وزن فعَّال .
 كلمة (على) هنا تُفيد الإلزام والله سبحانه وتعالى ألْزَمَ نفْسهُ بِرِزق المخلوقات :
 
قال تعالى:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِيالْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (6)
(سورة هود)
مَن لاستغراق أفراد النَّوْع ، أيَّةُ دابَّة مهما ضؤُلَتْ ، وإنَّ الله يرْزقُ النَّملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظَّلماء ، قال تعالى:
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا (6)
(سورة هود)
أيُّ دابَّة على سبيل الاستقصاء ، وعلى سبيل التَّقَصِّي إلا على الله رزقها ، وكلمة (على) هنا تُفيد الإلزام ، والله سبحانه وتعالى ألْزَمَ نفْسهُ بِرِزق المخلوقات ، لذلك قال تعالى :
 
﴿  أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (64) 
يقول لك : الله هو المُسعِّر ، فقبل سَنَتَيْن ، الذين ضَمِنوا فاكهة المِشْمِش كما تُسمَّى دفعوا ثمنها عشرة ليرات للكيلو ، فإذا أسعارها خمس ليرات ، جاءَتْ كمِّيات كبيرة جدّاً فانْخَفَضَتْ الأسعار ، من جَعَلَ أسعار الحِمْضِيَّات في هذه السَّنة قليلة ؟ الله سبحانه وتعالى ، يكثر المحصول فتنخفض الأسعار ، لذلك إن قلتَ : إنَّ الله هو المُسَعِّر فهذا كلامٌ صحيح لأنّ السِّعْر يتناسب مع الكميَّة ، أحياناً تأتي الكمِّيات خياليّة  ، كلّ سنة يظْهر لِعباده بعض آياته ، في العام الماضي القطن كان بِكَمِّياتٍ كبيرة فربّنا عز وجل هو الرَّزاق ، يُضاعف الكمِّيات أضعافاً مُضاعفة فيهْبط السِعْر ، لذلك هو المسعِّر ، قال لي مرَّةً أخٌ : إنَّ الدُّراق دائماً غالٍ وقد بيع الكيلو منه بليرة في سوق الخضار هذه المرة ،قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)﴾
(سورة الذاريات)
 
الله عز وجل إذا قنَّنَ فتقْنينُهُ تقنين تأديب وليس عنده تَقنين عَجْز :
 
الله عز وجل إذا قنَّنَ فتقْنينُهُ تقنين تأديب ، وإذا أعطى فهذا إكرام والله عز وجل ليس عنده تَقنين عَجْز ، أما نحن بني البشر إذا قنَّنا فعن عَجْز ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ (36)
(سورة سبأ)
 وفي آية ثانية :
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ(27)﴾
(سورة الشورى)
فهناك حِكمة مِن التَّضييق ، قال تعالى :
 
﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً(16)﴾
(سورة الجن)
قال تعالى
 
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96)﴾
(سورة الأعراف)
 الرِّزْق مُتَعَلِّق بالله تعالى فِعْلاً ومُتَعلِّق بالعبد اسْتِحقاقًا وحِكمةً :
 
قال تعالى :
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)﴾
(سورة المائدة)
الرِّزْق مُتَعَلِّق بالعَبد ، ومتعلِّق بالله تعالى فِعْلاً ، ومُتَعلِّق بالعبد اسْتِحقاقاً وحِكمةً ، وفي الأثر :
(( إنّ من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغْنَيْتُهُ أفْسَدتُ عليه دينه ـ لِمُجَرَّد أن يغتني يعْصي ، فرحمةً به يبقى في ضيقٍ ـ وإنَّ من عِبادي من لا يصْلحه إلا الغِنى فإذا أفْقرْتُهُ أفْسدْتُ عليه دينه )).
[ورد في الأثر]
يُحِبّ العطاء لذلك الرِّزق متعلِّق من حيث الفِعْل بالله عز وجل ، ومن حيث الإنسان بالاسْتِحقاق أو الحِكمة ، قال تعالى :
﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
قبل سنوات قليلة حصَلَتْ في إفريقيا مجاعَة ، شحَّتْ الأمطار ، ويبسَ النبات ، ومات الحيوان وأوْشَكَ الإنسان أن يموت فرحل ، الله عز وجل بيَدِهِ المِفتاح ، والرِّزق بيَدِهِ إما أن يفتحَهُ أو يقننه ، أحياناً ترى أنَّ هذه البلاد تُعاني مِن شُحّ الأمطار ، وبلاد أخرى تُعاني من كثرتها حتى أصبَحَت سُيولاً قال تعالى :
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)﴾
(سورة الحجر)
 الإنسان في قبْضة الله لن ينْجُوَ من قضائه إلا أن يكون كما يريد :
 
أحياناً يأتي الصَّقيع فَيُتْلِفُ كلّ المحصول ، قبل أربعة أسابيع جاءَت موجة صقيع في المنطقة الوُسطى من القطر ؛ تسعة تحت الصِّفر ، محاصيل كثيرة تلِفَتْ ، جاء الصَّقيع في وقتٍ غير مناسب وإنَّ الله هو خالق كلّ شيءٍ ، وأنت تحت ألطاف الله عز وجل ، وأنت في قبْضة الله تعالى ، يكون لك محصول يُقدَّر بالملايين ، من خِلال مَوْجة صقيع نصف ساعة يصبحُ أسود اللَّون ، قال تعالى :
﴿ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ(45)
(سورة الكهف)
الآية الكريمة :
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)
(سورة القلم)
أنت وتِجارتك وزراعتك وصناعتك ومتْجرك وصحتك وصناعتك في قبْضة الله ، لا يُنَجِّيك ممَّا يريد إلا أن تكون كما يريد ، إذا كنتَ له كما يريد كان لك كما تريد ! ابْن آدم كُنْ لي كما أريد أكن لك كما تريد ، كُن لي كما أريد ولا تُعْلِمني بِما يُصْلحك ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلَّمْتَ لي فيما أريد كَفَيْتُكَ ما تريد وإن لم تُسلِّم لي فيما أريد أتْعَبْتُكَ فيما تريد ، ثمّ لا يكون إلا ما أُريد وهذه حقيقة أساسيّة في الدِّين ، إذا وصلْتَ إليها وصَلْتَ إلى كلّ شيء ، يعني أنت في قبْضة الله ، لن تنْجُوَ من قضائه إلا أن تكون كما يريد ، لذلك أرْجحكم عَقلاً أشدّكم لله حبّاً وطاعةً ، كلّما رجَحَ العقل ارْتَفَعَ مستوى الطاعة ، وكلّما انْخفض مستوى الطاعة فهذا لِخَلل في العقل ، لأنَّ المصير بيَدِهِ ، مصيرك ، وصحَّتك ، ورزقك ، وأولادك ، وأهلك ، ومن حولك ، ومن فوقك ، ومن دونك ، كلّهم بيَدِ الله عز وجل .

 
الله تعالى بيَدِهِ كلّ شيء وفي الكون حقيقة كبرى ولا حقيقة سواها وهي الله سبحانه :
 
سَمِعتُ قبل شهْرٍ أن عاصفةً من الرِّياح هبَّتْ في بلدٍ أوروبي ، سرعتها مائة وثمانون كيلو متراً بالساعة ، سبعون مؤسّسةٍ زراعيّة فلَّسَتْ ، ضاعَتْ أصولها ، وحتى البناء قُلِعَ من أساسه ، وحتى النباتات ، والمحصول ، والبيوت كلّها أصبَحَ هباءً منثوراً ، فالرِّياحُ تُدَمِّر والسيول والأمراض ؛ إذْ هناك أمراض للنباتات وأوبئة ، أحياناً ذُبابة تقضي على المحصول كلّه ، وهناك أمراض تُصيبُ البشر ، فَكُلّ الناس في قبضة الله عز وجل ، هؤلاء في الغرب الذين حكَّموا عقْلهم في كلّ شيء ، واسْتَغْنوا عن الله عز وجل جاءَتهم الأمراض التي لم تكن في أسلافهم ، فمرَض الإيدز ؛ هذا مرض وشبحٌ مخيف ، أقلق الناس ، وهزَّهم من أعماقهم ، فالله عز وجل بيَدِهِ كلّ شيء ، وهذه حقيقة خطيرة ، وفي الكون حقيقة كبرى ، ولا حقيقة سواها وهي الله سبحانه وتعالى ، فكلّ إنسانٍ يتجاهَلُ هذه الحقيقة ، ويتجاهل أمرها ونَهْيَها ، ويتجاهل ما عندها من عطاء وعذاب ، إنسانٌ أحمق ، فلو كنتَ بِمَكان عملك ، وشخصٌ أمرُهُ نافذ ، وكلمته هي الأولى ، بيَدهِ كلّ التَّفصيلات ؛ هل بإمكانك أن تتجاهل وُجودهُ أو سُلْطَتَهُ أو تأثيرهُ ؟ هذا فيما يتعلَّق بِعَملنا ، فكيف فيما يتعلَّق بِعَلاقة الإنسان بالله عز وجل ؟ الله عز وجل يقول :
﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (64)
بدْءُ الخلق مَظْهرٌ لأسمائِهِ الحُسنى ، وإعادة الخَلْق مَظْهرٌ لِعَدالته ، أتمنَّى عليكم أنْ تَفْهموا هذه الحقيقة ؛ الدُّنيا دار ابتِلاء وليْسَتْ دار جزاء فَيُمكن أن تُبْتَلى بها ويكون لك عند الله تعالى مقامٌ كبير ، وقد تُعْطى الدُّنيا لأهل الدنيا ، وليس لهم عند الله مِن شأنٍ إطلاقاً ، معظم الناس يظنُّون أنَّ الدنيا مِقياس رضاء الله عز وجل ، وأنَّ الله أكرمني ، وأعطاني ، وأخذ بيدِي ، إذا كنتَ مستقيماً على أمر الله فهذا كلّه عطاء صحيح ، فإيَّاك أن تفْهم أنَّ الدنيا وحدها مؤشِّر لرِضاء الله عز وجل إطلاقاً ، ولكنَّك إذا اسْتخدمتَ الدنيا في مرضاة الله عز وجل تُصبحُ الدنيا مؤشِّراً لم‍رضاة الله عز وجل .
 الإكرام بعد الطاعة مباشرة والعقاب بعد المخالفة مباشرة يُلغي الاختيار ويحل محله الاضطرار:
 
قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)كَلا
(سورة الفجر)
ليس هذا ولا ذاك ، وهذا كلامكم ، وهذه مَقولتكم ، لذا قال تعالى (كَلاَّ) نَفيٌ ورَدْع وزجر ، فليس عطائي إكراماً ولا مَنْعي هواناً ، إنَّما عطائي ابْتِلاء ، وحِرْماني دواء ، أَتُرَى أنَّ هذا الطِّفل الذي يُحِبُّه أبوه إذا التَهَبَتْ أمعاؤُهُ ، ومنعهُ من الطَّعام ، أمَنْعُه ابنه من الطَّعام يُعَدُّ إهانةً له ؟ لا والله :
(( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام )) .
وفي رواية أخرى :
(( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة)) .
[ أخرجه البيهقي عن حذيفة بسند فيه ضعف ]
فأنت إذاً في دار امْتِحان ، وقد تكون مستقيماً على أمر الله ، وقد تأتي الأمور على غير ما تريد ، لِيَنظر الله كيف تفْعَل ‍؟
والنُّقطة الثانيَة : لو أنَّ الله تعالى أَطَعْتهُ في شيء فجاء الإكرام مباشرةً خالفْتَهُ في شيءٍ فجاء العقاب مباشرةً ، الْتغى الاختيار وحلَّ محلّه الاضطرار ، ما الفرق بين المؤمن والكافر ؟ إذا رأى الكافر أنّ هذه المعصِيَة تُسَبِّب له مشكلة كبيرة ، تركها وهو كافر ، عندئذٍ يُلغى الاختيار ، والله عز وجل مِن سنَّتِهِ في خلْقهِ يمكن أن يَعْصيهِ الإنسان ويبقى صحيح الجِسم ، قَوِيَّ البُنْيَة ، غَنِيّاً ، وفي عمله متفوِّقاً ، إلى أمدٍ ثمَّ يأتي الحِساب ، ويمكن أن تُطيعَهُ وأن تبقى في وَضْعٍ مُحْرج ، لِيَمْتَحِنَ حبّك له ، أَتُحِبُّه من أجل ما عنده أم من أجل ذاته ؟ والحديث القدسي :
(( منْ أحبَّنا أحببْناه ، ومن طلبَ مِنَّا أعْطَيناه ، ومن اكتفى بِنَا عمَّا لنا كنَّا له وما لنا )).
[حديث قدسي]
 الله سبحانه وتعالى يريد أن تستقيم على أمره حُبّاً به لا حُبّاً بما عنده ولذلك يمْتَحِنُكَ :
 
يا ترى أنت تستقيم على أمر الله طمَعاً في رِزْقٍ وفير ؟ هذه اسْتِقامةٌ مَشوبة ،  وتستقيم على طاعة الله طمعاً في رِفْعة مكانتك عند الناس ؟ هذه اسْتِقامة مَشوبة ، الله سبحانه وتعالى يريد أن تستقيم على أمره حُبّاً به ، لا حُبّاً بما عنده ، ولذلك يمْتَحِنُكَ ، وتستقيم على أمره والدنيا مُدْبِرَةٌ عنك ، ويأتي إنسانٌ آخر يعْصيهِ والدُّنيا مُقْبلة عليه ، تقول : والله هذا شيءٌ غريب ! هذا يعصي الله ليل نهار ويزداد قوَّةً وغِنىً ، وهذا الطائع هكذا حاله ؟!! هناك حِكمة بالغة ، لو أنَّ الله سبحانه وتعالى أعقبَ الطاعة بِثَوابها ، وأعْقبَ المعْصيَة بِعِقابها لالْتغى الاختيار ، وصار هناك اضْطرار ، ولانْتَفَتْ قيمة الأعمال ، لا يمكن أن تُسمَّى طاعتك طاعة إلا إذا أطَعْتهُ لِوَجهه الكريم ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً(9)
(سورة الإنسان)
قال تعالى :
﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
 
في الآية التالية صِياغة قَصْر وحصر فالغيب لا يعلمه إلا الله:
 
الآية التي بعدها قال تعالى  :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) ﴾
إذا قلنا الله يعْلمُ الغيب فهذه العِبارة لا تعني أنّ أحداً آخر لا يعلم الغيب ، فالله يعلمُ الغيب ، وقد يعلمُ الغيب غيره ، لو أنَّ الله عز وجل قال : للإنسان ما سعى ، وقد يكون له ما لم يسْعى ، أما لمَّا قال :
﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى(39)
(سورة النجم)
فهذا فيه قَصْر وحصر ، وفيه قَيْد ، وربّنا عز وجل لو قال : الله يعلمُ الغيب ، هذا لا ينفي أنَّ جِهةً أخرى تعلمُ ذلك ، ولكنّ الله عز وجل يقول :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
هذه صِياغة قَصْر ، إذاً الله وحدهُ يعلمُ الغيب  .
 النبي مع رِفْعة شأنِهِ ومع أنه سيد الخلق وحبيب الحق إلا أنه لا يعلم الغيب :
 
الآن إذا اعْتَقَدْت أنَّ جِهةً في الأرض تعلمُ ما سيَكون ـ قال بعض العلماء ـ يُخْشى أن يكون هذا الاعتقادُ كُفْراً ، فالغَيب لا يعلمُهُ إلا الله ، والنبي عليه الصلاة والسلام مع رِفْعة شأنِهِ ، ومع أنَّه سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد الخلق وحبيب الحقّ ، ومع ذلك لا يعلم الغيب ، والدليل قوله تعالى :
﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(188)
(سورة الأعراف)
الإمام مالك فيما ترْوي الكُتب والسِّيَر رأى في المنام ملكَ الموت ، فقال : يا ملكَ الموت كم بقيَ لي من عمري ؟ فأشار له بأصابعه ـ يعني خمسة ـفاسْتَيْقظ الإمام مالك وهو يظنّ أنَّهُ بقيَ له خمسُ سِنين وقال : لمَ لا تعني هذه الإشارة خمسة أشْهر ، أو خمسة أسابيع ، لمَ لا تعني خمسة أيام ، أو خمسة ساعات أو أقلَّها ، فهب الإمام مالك صاحب دار الهجرة إلى الإمام ابن سيرين وكان وحيد عصْرهِ في تفسير الأحلام ، فقال له : يا إمام رأيْتُ ملكَ الموت وسألْتُهُ كم بقيَ لي ، فأشار لي خمسة ؟ فماذا تعني هذه الإشارة ؟ فقال له هذا الإمام : يقول لك ملكُ الموت : إنَّ هذا السؤال من بين خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله ! فملَكُ الموت لا يعْلمُ متى قبْض الأرواح ، فهو يُؤْمَر أمراً فوْرِيّاً .
 المَقصود في الآية غيب المستقبل أي ما سيكون بعد هذه الساعة وهذا لا أحدَ يعلمُهُ إلا الله :
قال تعالى  :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
الغيب غَيب الماضي ، وغَيب المستقبل ، وغَيب الحاضِر ، فَغَيْبُ الحاضر مثلاً ما يجري الآن في حلب ، نحن هنا لا نعلمُ ما يجري ، أما أهل حلب فيعلمون ما يجري ، ولو اتَّصلنا هاتفيّاً عرفنا ما يجري ، لذلك الجنّ أحياناً تسْتخدِمُ غَيب الحاضِر لإيهام الناس أنَّهم يعلمون الغيب ، ولكنّ المَقصود في الآية غيب المستقبل ، أي ما سيكون بعد هذه الساعة ، هذا لا أحدَ يعلمُهُ ، تجِدُ مدينة عامرة ، وفجأةً يأتي زلزال يدمرها ، فهناك زلزال وقع في قرية من قرى إيطاليا ، وهذا الزِلزال قبل خمسين عاماً أثناء التَّنقيب وجدوا آثار مدينة مَغْمورة برَماد بُركاني ، حينما نقَّبوا عن الآثار وحقَنُوا هذه الآثار بالجبصين السائل رأَوْا مدينة تقريباً بعد الظُّهر ، وهي في أوْجِ نشاطها انفجرَ بركان في شمالها ، وخرجَت منه حمم ورماد بركاني غطَّاها على ارتفاع خمسة أمتار ، الناس في بيوتهم كانوا يتناولون طعام الغذاء حتى أنَّهم وجدوا نوع الطَّعام ، والأمَّهات تحنو على أطفالها ، ووجدوا بعض الأغنياء ينْدفِعون إلى جمْع الذّهب والفضّة لِيَهربوا بها ! من يعلمُ الغيب ؟ الله سبحانه وتعالى ، الزِّلزال قد يأتي فجأةً تُصبح الأمور بِوَضْع آخر وقد يأتي موتٌ زؤام ومُعجّل ، والإنسان قد يموت بِحَادِث ، وقد يموتُ بِسَكتَة دِماغِيَّة .
 المؤمن يأخذ بالأسباب ويعتمدُ على الله والكافر يأخذ بالأسباب ويعتمدُ عليها :
 
طبيبٌ سَمعتُ عنه كان يُثْبتُ للناس أنَ الرَكْض هو خَيرُ رِياضة ، وأنّ من يركض لا يصيبُه أيّ مرض ، ماتَ وهو يركض ! طبيبٌ شهيرٌ جدّاً في مِصر ، وهو أوَّل طبيب في القلب ماتَ بِسَكتة قلْبِيَّة !! من يعلمُ الغيب ؟ الله سبحانه وتعالى ، وأيَّةُ جِهة أخرى لا تعلمُ الغيب ، فلذلك الإنسان حينما يعْتَمِدُ على الأسباب يكون قد أشْرك ، ولكنَ المؤمن يأخذ بالأسباب ويعتمدُ على الله ، والكافر يأخذ بالأسباب ويعتمدُ عليها ، فهذا الصاروخ الذي سمَوهُ المُتَحَدِّي بعد سبعين ثانِيَةٍ أصْبحَ كتلةً من اللَّهَب !! من يعلمُ الغيب ؟ الله سبحانه وتعالى ، لذا الحظوظ التي تكتب وترسم في المجلاّت برج كذا وبرج كذا هذه كلّها كلامٌ باطل ، ومن فعلَ هذا فقد كفر ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد )).
[مسلم عن أبي هريرة ]
(( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة )).
[مسلم عن صفية]
لذا انْتبِهوا ، والله عز وجل قال :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
الله وحده العالم للغيب ، لذلك قال أحدهم : بيني وبين الملك يومٌ واحد فما مضى انْقطَعَ خيْرُهُ وشرُّه ، وما سيكون بِعِلم الله ، هذا اليوم الذي أعيشهُ هو الذي بيني وبينه ! فَكُلّ إنسانٍ يُجْزِئُهُ لُقَيْماتُ خبزٍ وفِراشٌ ينام عليه ، حديث :
(( من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) .
[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]
 
من عدَّ غداً من أجلهِ فقد أساء صُحبة الموت :
 
ثمَّ يقول تعالى :
﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
هذا اللِّقاء الذي مع الله عز وجل ماذا أعْدَدْتَ له ؟ تجد الإنسان يُخَطِّط لِعشرين سنة قادمة ، قال لي أحدهم : أخاف أن أُركِّب تدفئة مركزية ، وأجعل الأنابيب تحت البلاط ، وبعد مدة اضطر فأكسر البلاط ، وبقيَ سنة في حَيْرة ، وبعدها اسْتقرّ الأمر أن يركِبّه داخلياً ، قال لي: بعد عشرين سنة إذا صار هناك عِطل سأُقيم تركيباً ظاهراً ما الذي يُدْريك أنّك تعيش عشرين سنة أخرى ؟ والله الذي لا إله إلا هو الْتَقَيْتُ مع شخْصٍ خطَّطَ لي لِعَشرة سنواتٍ قادمة ، قال لي : سأتقاعَد أنا إن شاء الله ، وأريد أن أعمِلَ إعارة للجزائر ، وسأزور أوروبا كلّ صَيْفِيَّة ؛ فرنسا وإنجلترا ، وأرى المعالم والآثار والمتنزَّهات ، وبعد أن تنتهي الإعارة أفْتحُ محلاً تِجارياً أضعُ فيه هدايا ، وأرتاح ، وهذا الكلام قاله لي الساعة العاشرة صباحاً ، كنت في مركز المدينة وأنا في طريقي إلى البيت رأيْتُ نَعْوَتَهُ على الجدران !! والله في اليوم نفسِهِ !!! لا تقل : بعد سنة وبعد كذا ! لذا من عدَّ غداً من أجلهِ فقد أساء صُحبة الموت لذلك :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
أحدهم عنده دَين عند صاحب له ، فالمدين عمرهُ خمسةٌ وثمانون والدائن عمرهُ اثنان وثلاثون سنة ، تمازحا فقال الدائن للمدين : اِدْفَع لنا الدّين قبل أن تموت ، فَماتَ قبل ذاك الشيخ بِسَكتة قلبيّة ، من يعلمُ الغيب ؟ الله سبحانه وتعالى ، هناك إنسان قال عنه الأطِبَّاء أنه انتهى ، وكُتِبَت النَّعْوَة ، واشترى النِّساء اللِّباس المناسب للعزاء ، وانتهى كلّ شيء  ثمَّ أكْرمَ الله هذا الإنسان الميؤوس منه بالحياة ، الذي كتَبَ النَّعْوَة تحت أطباق الثرّى ، والذي كُتِبَتْ نَعْوتُهُ حيّ يُرْزَق ، دائماً إذا قال الإنسان : إن شاء الله فقد تأدَّب مع الله ، هذه ليْسَت كلمة  والأجانب يسْخرون من المسلمين لاستخدام كلمة إن شاء الله ، فهم إذا قالوا إن شاء الله دلّ هذا على عدم فِعلهم للشيء ، فإذا قال لك إن شاء الله سآتي يعني لن يأتي ، وإن شاء الله سأدفع يعني لن يدْفَع ، أما إن شاء الله تعالى التي يقولها المؤمن له عزيمة تقْهر الجِبال أن يفْعل هذا الشيء إلا أن يُحاط به ، فهو يقول إن شاء الله تأدُّباً مع الله عز وجل قال تعالى :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
 الموت حقّ والتَفَكُّر به ليس تشاؤماً ولا يقدِّم ولا يؤخِّر لكنَّ التَّفكّر بالموت تهيئة له :
 
الإنسان يسأل سؤالاً محرجاً : أنا أموت في هذا البيت أم في بيتٍ آخر ؟ أموت بين أهلي ؟ أم في الطريق ؟ أو أنا مُسافر ؟ أين أموت ؟ قال تعالى :
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
(سورة لقمان)
العِبرة أن تسْتَعِدَّ للموت ، هذا الأعرابي الذي قال للنبي عليه الصلاة والسلام أُريد أن تُعلِّمني من غرائب العِلم ، فقال: وماذا صنعْتَ في أصل العِلم ؟ قال : وما أصل العِلم ؟ قال : هل عرفْت الربّ ؟ قال : إن شاء الله ، قال : فماذا صنَعْتَ في حقِّهِ ؟ هذا هو السؤال ؛ إذا كنتَ تعرف الله فماذا صَنَعْتَ من أجلهِ ؟ وماذا أعْطَيْت ومنعْت من أجله ؟ ومن وصلْت ؟ ومن قطَعْت ؟ ومن وددت ؟ ومن عادَيْتَ ؟ وما الموقف الذي وقفْتهُ من أجل الله ؟ وما الذي تركْتهُ لله ؟ قال له : هل عرفْت الموت ؟ قال : نعم ، قال : فماذا أعْدَدْت له ؟ فقط هذا السؤال! الموت حقّ ، والتَفَكُّر بالموت ليس تشاؤماً ولا يقدِّم ولا يؤخِّر ، لك عند الله أجل لا يزيد ولا ينقص ، لكنَّ التَّفكّر بالموت تهيئةٌ له ، واسْتِعداد له ، وتأتي الدنيا وهي راغمة ، ولقد أوحى ربّك إلى الدنيا أنَّه من استخدمك فاسْتَخدميه ، ومن خدَمَني فاخْدُميه ، تفرَّغْ لِعِبادتي أملأُ صدرك غِنىً ، وخلقْتُ لك السماوات والأرض ولم أعْيَ بِخَلْقِهِنّ ، أَفَيُعْييني رغيفٌ أسوقُهُ لك كلّ حين .
(( وعِزَّتي وجلالي إن لم ترض بِما قسَمْتُهُ لك ، فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا تركضُ ركْض الوحش في البريّة ، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا أُبالي ، وكنتَ عندي مَذْموماً )).
[ورد في الأثر]
 من حاسب نفسهُ في الدنيا حِساباً عسيراً كان حسابهُ يوم القيامة يسيراً والعكس صحيح :
 
قال تعالى :
﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ (66)
أيْ تتابعَ علمهم ، بعضهم قال : هناك آخرة ، وبعضهم قال : ليس هناك آخرة ، وقد اختلفوا في هذا الموضوع ، قال تعالى  :
﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
الطالب لا يكون الأوّل في القطر إلا بِحَالة واحدة ؛ إذا كان الامتِحان ماثِلاً في ذهنه دائماً ، أراد أن يذهب إلى نزهة فتذَكَّر الامتحان ، فقال : لا ، هذا الوقت ثمين جدّاً ، وأراد أن ينامَ باكراً فتذكَّر الامتحان ، إذا تذكّر الإنسان الموت ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أكثروا ذكر هادم اللذات )) .
[ رواه الديلمي عن أنس ]
مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به)) .
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن سهل بن سعد البيهقي عن جابر ]
قال تعالى :
﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
تجد غير المؤمن ساحة نفسه كلّها دنيا ،  فهي أكبر همِّه ومَبْلَغَ عِلمه ، ولا يعرف إلا الحياة الدنيا ، وذلك مبلغهم من العلم ، أما المؤمن دائماً يُفَكِّر كيف يُجيب الله عن هذا السؤال ؟ لمَ فَعَلْتَ كذا ؟ أَجِب الله عز وجل ، ودائماً في تصوّر الحِساب مع الله عز وجل ، لذلك من حاسب نفسهُ في الدنيا حِساباً عسيراً ، كان حسابهُ يوم القيامة يسيراً ، ومن كان حِسابهُ لِنَفْسِهِ يسيراً كان حِسابهُ يوم القيامة عسيراً .
 
الكُفْر باليوم الآخر هو كفْر بالله فإذا كفرْتَ بالدار الآخرة فكأنَّكَ كَفَرْت بِعَدالة الله تعالى :
 
قال تعالى :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
الكُفْر باليوم الآخر هو كفْر بالله أيضاً ، إذا كفرْتَ بالدار الآخرة فكأنَّكَ كَفَرْت بِعَدالة الله عز وجل ، غنيّ ويموت وهو غنيّ ، وفقير يموت وهو فقير ، ضعيفٌ ضعيف ، وقويّ قويّ ، ومظلوم وظالم ، إذا كفرْت بالدار الآخرة فهذا نَوْعٌ من الكفر بالله عز وجل ، فهؤلاء الذين يقولون :
﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
هذه دَعْوى الكفار ، وأنَّ الحياة هي كلّ شيء ، والموت نهاية كلّ شيء ، لذلك يصحّ للإنسان أن يفعل ما يشاء حسب هذه العقيدة ، وقد قال شاعر جاهليّ طرفة  :
فإن كنتَ لا تستطيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي       فدَعْـني أُبادِرْها بما ملكَتْ يدي
***
أيْ دعْني أعبّ منها ما أشاء ، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
هذا دليل آخر ، ونحن عندنا دليل كوني ، ودليل قرآني ، ودليل يومي وهو دليل الأحداث .
 الفاء في هذه الآية تُفيد الترتيب على التعقيب أيْ قد يأتي العِقاب بعد الانحراف :
 
قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
هؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله ، وهؤلاء الذين أجْرموا ، وهؤلاء الذين ظلموا ، انْظُر إلى نهايتهم ، فانظروا ، والفاء في هذه الآية تُفيد الترتيب على التعقيب ، أيْ قد يأتي العِقاب بعد الانحراف ، وفي آية أخرى قد يأتي العِقاب بعد أمَدٍ طويل ، قال تعالى :
 
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
وقال  :
﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
وقال أيضاً :
﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30) ﴾
(سورة الأنفال)
الله عز وجل مُطَّلِع والمَكْر سِلاحُ الضَّعيف ، حينما ينْكشفُ هذا المَكْر يفْقِدُ قيمته ، فالله عز وجل يطَّلِعُ على مَكْر الأعداء دائماً .
 الله عز وجل  مُطّلع على كل إنسان :
 
قال تعالى  :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)
(سورة إبراهيم)
لو خطَّطَ الإنسان لِعَمل سيئ ، والذي بيَدِه الأمر أخذ صورة عن تخطيطه ، فهو يظنّ أنّ هناك مَنْجاة ، فالإنسان حينما يمْكر يجب أن يعلمَ أنَّ الله تعالى مُطَّلِعٌ عليه ، لذلك أن ترى أنَّ الله رقيب عليك ، وأن تعلم أنَّ الله يعلم ؛ هذا سرّ الاستقامة ، والإنسان إذا شعَرَ أنَّه مُراقب تجده يلتزمُ الصحيح ،ويأخذ احْتِياطه ، ويضبط كلامه وحركاته وسكناته ، إذا الإنسان راقبَ إنساناً ينضَبِط ، فكيف إذا راقبك الواحد الدّيان ؟‍قال تعالى  :
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1)
(سورة النساء)
وقال أيضاً :
﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
يقولون هذا اسْتِهزاءً ، لمَّا يأتي البلاء والعِياذ بالله ، تجد كما قال تعالى :
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2)
(سورة الحج)
 
اعْرِف الله في الرَّخاء يعْرفْك في الشِّدّة :
 
سمعتُ أنَّ امرأة في حادث زلزال تضعضع البناء الذي تسكن فيه ، فمن خوفها حملَتْ حِذاءها بدل ابنها !! هذا في الدنيا فكيف يوم الحشر ؟ فإذا عرف الإنسان الله تعالى في الرّخاء ؛ صحَّتهُ طيّبة ، ومالهُ وفير ، مكانتهُ الاجتماعيَّة مرْموقة ، في هذا الوضع الجيّد عرف الله عز وجل ، فإذا جاءَت الشّدة فالله سبحانه وتعالى يعرفهُ ، اعْرِفهُ في الرَّخاء يعْرفْك في الشِّدّة ، قال تعالى :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)
(سورة الأنبياء)
وقال :
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(47)
(سورة الروم)
وقال أيضاً :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ(87)
(سورة الأنبياء)
 على كل إنسان أن يشكر الله عز وجل على نعمه الكثيرة :
 
قال تعالى :
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ (72)
أيْ جاء تِباعاً  :
﴿ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)
لمَّا يرى الإنسان نِعَم الله عز وجل ، كَنِعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونِعْمة الهدى ، ونعمة السَّمع والبصر ، ونعمة العقل والقوّة ، ونعمة الزوجة والأولاد ، ونعمة الصِّحة عليه أن يشكر ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)
أرجو الله عز وجل أن يجْعلنا من القلّة الشاكرة ، لا من الكثرة الكافرة .
والحمد لله رب العالمين
 
 

 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب