سورة البقرة 002 - الدرس (55): تفسير الآيات (168 - 170) قضية الحلال والحرام

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة البقرة 002 - الدرس (55): تفسير الآيات (168 - 170) قضية الحلال والحرام

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة البقرة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة البقرة - تفسيرالآيات: (168 - 170) - قضية الحلال والحرام

20/03/2011 18:34:00

سورة البقرة (002)
الدرس (55)
تفسير الآيات: (168-170)
قضية الحلال والحرام
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً
 وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
قضية الحلال والحرام من شأن الله عزَّ وجل لأنه هو الخالق :
 
أيها الأخوة المؤمنون... مع الدرس الخامس والخمسين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثامنة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى:
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
 
أيها الأخوة الكرام... من رحمة الله بخلقه كلِّهم أن خاطب الناس جميعاً، وقد ذكرت لكم في درسٍ سابق أن الله جل جلاله يخاطب المؤمنين تارةً، ويخاطب الناس تارةً أخرى، يخاطب المؤمنين بتفاصيل الشريعة،
 ويخاطب الناس بأصول الدين، ولكن قضية الحلال والحرام هذه قضيةٌ من شأن الله عزَّ وجل لأنه هو الخالق.
فالإنسان حينما يحكِّم عقله فيما يفعل، وفيما لا يفعل يضل ضلالاً مبيناً، ذلك أن الإنسان قد ينظر إلى الشيء من زاويةٍ واحدةٍ ضيِّقة، وتغيب عنه الزوايا الأخرى، لمَ لا يأكل لحم الخنزير؟ هناك ميزات كثيرة،
 ينمو سريعاً، يذكر الذين يأكلونه ميزاتٍ كثيرةٍ، وإذا قلت لهم: إن الله حرَّمه، ماذا يقولون؟ لماذا خلقه الله؟ هل كل شيءٍ خلقه الله لتأكله؟ هل كل شيءٍ تشتريه للبيت يُؤكل؟
أحياناً يكون عندك مبيد حشرات هل تشربه؟ مستحيل، فكل حيوانٍ له مهمةٌ أناطه الله بها، فمن هو الذي يعلم العلم اليقيني، ماذا ينفعنا وماذا يضرنا؟ إنه الله عزَّ وجل، والدليل أن كل انحرافٍ عن منهج الله عزَّ
 وجل يسبِّب أخطاراً جسيمةً.
 
سبب فساد العالَم الآن الخروج عن منهج الله عزَّ وجل :
 
أضرب لكم بعض الأمثلة: ارتأى مربو الأبقار في بريطانيا أن يطعموها طحين لحم الجيف، طبعاً لحم الجيف يعالج، ويجفف، ويطحن، ويوضع هذا الطحين مع العلف، صمم الله جلَّ جلاله البقرة حيواناً نباتياً؛
 يعيش على النبات فقط، ولم يصمَّمها على اللحم، فلما أُطعمتْ طحين اللحم جنَّتْ، لذلك اضطرَّت بريطانيا ـ وهي أكبر دولة تربي الأبقار ـ أن تحرق ثلاثة عشر مليون بقرة، ثمنها ثلاثون مليار جنيه
 إسترليني، لماذا؟ لأنهم أطعموا البقر وهو حيوان نباتي طحينَ اللحم.
فأي شيءٍ يفعله الإنسان يغير خلق الله عزَّ وجل يدفع ثمنه باهظاً، ولعل الله عزَّ وجل يسمح له أن يمشي خطواتٍ في هذا الطريق ليدفع الثمن باهظاً، الآن سبب فساد العالَم الخروج عن منهج الله عزَّ وجل.
مرَّة قال رئيس أمريكي: هناك خمسة أخطار تهدّد أمريكا ـ فإلى أن ذُكرت هذه الأخطار تصوَّرت الصين، تصورت ألمانيا، تصورت التكتُّل الأوروبي ـ ولكنه ذكر انهيار الأسرة، وشيوع الجريمة، وتفشي
 المخدرات، الجريمة، والمخدرات، وانهيار الأسرة، لماذا؟ لأنهم خرجوا عن منهج الله عزَّ وجل. شرَّع الله عزَّ وجل الزواج، الآن هناك مساكنة بلا عقد مدني، ولا كَنَسَي، ولا هم يحزنون، امرأةٌ تسكن مع
 رجل، فإذا ملَّ منها رَكَلَها بقدمه، هم يدفعون الثمن باهظاً.
مرَّةً صدر قانون في إحدى دول شمال إفريقيا يلزم المطلِّق أن يدفع لامرأته نصف أملاكه، توقَّف الزواج كلياً، فصار الأب يوقِّع سنداً لخاطب ابنته بمبلغ فلكي، ويقول له: إن طلَّقت ابنتنا أبرز هذا السند، كي
 تنجو من أخذ نصف المال، توقَّف الزواج.
ارتأوا في الصين أن يكون للأسرة ولدٌ واحد قسراً، ما الذي حصل؟ تأتي البنت فتُخْنَق، يأتي الذكر فيسجَّل، الآن يوجد في الصين خمسون مليون شاب بلا زوجة، الآن نشأت عصابات لخطف الفتيات في سن
 الزواج، عندما يشرِّع الإنسان يرتكب حماقة كبيرة، لأنه ينظر إلى الشيء من زاوية واحدة، أما خالق الكون فهو الخبير، قال تعالى:
 
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾.
[ سورة فاطر الآية: 14 ]
صمَّم الخبير هذا الحيوان أن يأكل نباتاً، نحن كافحنا الأوبئة النباتية بمواد كيماوية، إلى أن أصبحت التربة مالحةً، إلى أن أصبح النتاج ـ خضار أو فواكه ـ ذو صفات فيزيائيَّة عالية، وصفات كيماوية سيئة
 جداً؛ بلا طعم، الآن عادوا إلى السماد الطبيعي، وعادوا إلى المكافحة الحيويَّة، أنا الذي أراه أنه كلَّما تقدَّم العلم كشف خطأه، واقترب من الدين، فإلى أن يتطابق العلم مع الدين تطابقاً تاماً تحل مشكلاتنا، أما
 ما دام الإنسان يتوهَّم أنه مشرِّع؛ يحلِّل ويحرِّم، فالطريق لازال مسدوداً أمام حل مشكلاته.
 
من ضعف الإيمان أن نضع قضايا التشريع على بساط البحث :
 
هناك دراسة تؤكِّد أن الإنسان يتطبَّع ببعض طباع الحيوان الذي يأكله، والذين يأكلون لحم الخنزير لهم عادات غريبة جداً، كأن الغيرة نُزعت منهم انتزاعاً، فالله عزَّ وجل حرَّمه، لكن كلَّما ازداد إيمانك يزداد
 يقينك أن الذي حرَّمه الله ضارٌ بنا.
ذكرت لكم مرَّةً أن نقاشاً جرى بين عالمٍ من مصر وبين إنسان أمريكي أسلم حديثاً، طرح موضوع لحم الخنزير، وبدأ العالِم المصري يحدِّث زميله عن أخطار هذا اللحم، وعن الدودة الشريطيَّة، وعن تطبُّع
 الإنسان بطباع الخنزير، وعن وعن، فما كان من هذا المسلم الأمريكي إلا أن قال: يا أستاذ، يا دكتور كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرَّمه، فقط تكفيني هذه، إذا الخبير قال لك: هذا حرام !!!
فالقضية قضية إيمان، كلَّما ازداد إيمانك بالله يزداد تعظيمك لأمره ونهيه، وكلَّما ازداد إجلالك لله يزداد إجلالك لأمره ونهيه، ولكن من ضعف الإيمان أن نضع قضايا التشريع على بساط البحث، مع أن المؤمن
 الصادق:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
[ سورة الأحزاب الآية: 36]
أول إشارة في هذه الآية: الله عزَّ وجل رحيمٌ بخلقه جميعاً؛ مؤمنهم وكافرهم، مهتديهم وضالُّهم، رحيمٌ بخلقه جميعاً، فيا أيها الناس، يا أيها الإنسان من أجل مصلحتك، من أجل سلامتك، من أجل سعادتك
 افعل ما أحللت وانته عما عنه نهيت..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
الحلال الطيِّب، الطيِّب هو الذي تطيب به النفس، الله عزَّ وجل خلق كل شيءٍ على صفةٍ كاملة، فكل إنسان منحرف يفسد طبيعة هذا الشيء، خلق الله المرأة زوجةً، وأماً، وأختاً، وبنتاً، لا يوجد في القاموس
 عشيقة، لأنك تمتهنها، لأنك تقطف جمالها ثم تلقيها في قارعة الطريق، لأنها تعيش معك وهي ليست مطمئنةً، ليس منها ولد، ليس هناك ولد يرعاها حينما تكبر، فانظر إلى التصميم الإلهي؛ خلق الذكر والأنثى،
 وخلق نظام الزوجية، فأي علاقةٍ بين الرجل والمرأة خارج نطاق الزوجية فهي علاقة محرَّمة، وعلاقة مُشقية للزوج وللزوجة.
 
على الإنسان أن يطيع الرحمن لأن كل طاعته لمصلحة هذا الإنسان :
 
أريد من هذه الآية أن يتضح لكم أنه انطلاقاً من حبك لذاتك، أو بتعبيرٍ أكثر صراحةً انطلاقاً من أنانية الإنسان، يجب أن يطيع الرحمن، لأن كل طاعته لمصلحته..
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾
يا من آمنتم بي ويا من لم تؤمنوا بي، خالق الكون يقول لكم:
 
﴿ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
فالخمرة حرمها الله، والآن العالم الشرقي والغربي مع بعده عن الدين، ومع إنكاره للأديان، ومع كفره بالواحد الديَّان يعود إلى أحكام الدين لا على أنها دين؛ ولكن على أنها نظامٌ ناجح. فالاتحاد السوفيتي قبل
 أن ينهار حرَّم الخمر، قبل انهياره بعدة سنوات ـ على ما أذكر ـ حُرِمَ الخمر في كل البلاد طولها وعرضها، لماذا؟ لأنهم حسبوا الخسارة التي يدفعها الاتحاد السوفيتي من جرَّاء الخمر أرقاماً فلكيَّة؛ ضعف في
 الإنتاج، تشتُّت في الأسرة، ضياع في الأموال، حُرِم الخمر، والذي يحصل أن كلا الجهتين ـ شرقاً وغرباً ـ يعودون إلى الدين لا على أنه دين بل على أنه نظامٌ دقيق.
هل تصدقون أن بعض جامعات أمريكا خاصة للطلاب الذكور فقط، وبعضها خاصة للطالبات؟ هناك بلاد تجبر الوالد على تطهير ولده ـ على الختان ـ مع أنها سنةٌ إسلاميةٌ نبويَّة، حينما يكتشف أن سرطان
 عنق الرحم يكاد يخلو من البلاد الإسلاميَّة بسبب الختان، وكما اكتشف أن هناك أمراضاً علاجها بحركات الصلاة، مرض انقلاب الرحم علاجه بحركاتٍ كالصلاة تماماً، خالق الكون أمرك أن تصلي، خالق
 الكون أمرك أن تصوم، خالق الكون أمرك أن تحج، أن تغضَّ البصر.
" ألكسي كرين "، هذا مؤلف ألَّف كتاباً شهيراً ـ الإنسان ذلك المجهول ـ اكتشف لا من خلال النص الشرعي بل من خلال التجربة والتأمُّل والتحقق، أن خير نظامٍ للبشرية أن يقصر الرجل طرفه على
 زوجةٍ واحدة، أي غض البصر، فحينما تكتشف ولكن بعد فوات الأوان أن غض البصر أحد أسباب السعادة الزوجية، وأن الأكل المعتدل أحد أسباب الصحة، وأن التقيُّد بما أحل الله وترك ما حرَّم الله أحد
 أسباب السلامة، الإنسان عندئذٍ يرى أن هذا الدين لصالحه.
 
أوامر الدين ضمانٌ لسلامتنا وليست حداً لحريتنا :
 
أيها الأخوة... لا بد من أن نفهم الأوامر والنواهي على أنها ضمانٌ لسلامتنا؛ وليست حداً لحريَّتنا، لا بد من أن نفهم أوامر الدين على أنها ضمانٌ لسلامتنا وليست حداً لحريتنا، إذا رأيت لوحة في الطريق كُتِبَ
 عليها " حقل ألغام ممنوع الاقتراب "، هل تحقد على من وضع هذه اللوحة؟ أبداً، بل يمتلئ قلبك امتناناً منه، لأنه أراد سلامتك، هنا حقل ألغام لا تقترب، فحينما تفهم أوامر الدين على أنها ضمان
 لسلامتك وليست حداً لحريتك، عندئذٍ أنت قد فقهت أوامر الله عزَّ وجل.
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
ماذا يأكل الخنزير؟ يأكل الجرذان، يأكل الجيَف، أكلته المفضَّلة أن يأكل خنزيراً ميِّتاً. نحن لو عقَّمناه، لو وضعناه في مزارع، هناك أخطار كثيرة قد لا ننتبه إليها، ومن يقول: لمَ خلقه الله؟ هذا حيوان له مهمة،
 حينما تموت دابةٌ في الحقول، وتفوح رائحةٌ منها لا تحتمل، يأتي الخنزير فيأكلها، وكأنه نظَّف هذا الحقل من هذه الجيفة، مهمته أكل الجيَف، فأصبح هذا الحيوان الذي مهمَّته أكل الجيف يُؤكل في بلادٍ طويلةٍ
 وعريضة..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
لا يوجد حرمان في الإسلام.
 
نسب الحرام للحلال نسبٌ ضئيلةٌ جداً ولابد منها من أجل أن تصل إلى الجنة:
 
دقِّق في قوله تعالى:
﴿ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾.
[ سورة البقرة الآية: 35]
الشيء المحرَّم نسبته إلى المحلَّل واحد بالمليار، كم نوع لحم مسموح أن تأكله؟ مئات، بل ألوف، حُرِم لحم الخنزير فقط والميتة والدم، كم نوع شراب محللٌ لك أن تشربه؟ مئات، بل عشرات المئات، محرمٌ عليك
 شرب الخمرة فقط، فنسب الحرام للحلال نسبٌ ضئيلةٌ جداً، ولا بد منها من أجل أن تصل إلى الجنة، لو لم يكن هناك شيء محرَّم لما كانت هناك جنة، كان الله عزَّ وجل قادراً أن لا يخلق خنزيراً ولا خمراً، فبم
 تدخل الجنة؟ كله مباح، كله حلال، فمن هو المطيع؟ ومن هو العاصي؟ لا جزاء، ولا عقاب من دون منهج، ومن دون تكليف، فلا بد من التكليف، ربنا عزَّ وجل أباح لنا كل الطيبات، وحرَّم علينا
 الخبائث..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
لكن..
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
 
الشيطان أحياناً يغري بالمعصية، تارةً لأسباب علميَّة ـ هكذا يوهم وليَّه ـ أنه مفيد، إنتاجه غزير، لحمه طري ـ فرضاً ـ دهنه جيد، فهذا من اتباع خطوات الشيطان.
أنا مرَّة ـ القصة لها فائدة ـ كنت عند قريب لي يعمل في إصلاح السيارات، فنزع قطعةً من مكبح المركبة وألقاه، قال: هذه القطعة لا لزوم لها. قلت له: ليس في الإمكان أن أناقشك في هذا الأمر، لأنني
 لست مختصاً بالميكانيك، ولكنني لا أصدق أن هناك خمسة آلاف مهندس في شركة عريقة جداً عمرها مئة سنة، وأن تكون أنت أفهم من هؤلاء، فأرجعها. استنباط عام، أنا لا أصدق أن مخلوقاً يصيب
 والتشريع يخطئ، مستحيل وألف مستحيل، الله هو الخبير، هو الخالق.
 
كلَّما ازداد إيمانك بالله ازداد إيمانك بأحقية تشريعه :
 
كلَّما ازداد إيمانك بالله ازداد إيمانك بأحقية تشريعه، إذا قال الله لك: غض بصرك، ولو أتى مليون إنسان ليقنعوك أن إطلاق البصر يعمل توازناً، يعمل راحة، يخفِّف الضغط، هذا كلام فارغ، إذا كان خالق
 الكون يقول لك: غض البصر، لا يوجد مخلوق يمكن أن تصغي إليه، مستحيل، إذا أمرك خالق الكون أن تؤدي الصلوات الخمس، لا يمكن لمخلوق أن يقول لك: الصلوات تضيع الجهد، كلَّما أردنا أن ننتج
 يأتي فرض الصلاة، قف، أذن، توضأ، ثم صلِّ، هذا كلام فارغ، بهذه الصلوات الخمس تُشحن شحنة روحيةً تعينك على أن تكون على منهج الله قائماً.
عوِّد نفسك أنك إذا آمنت بالله الإيمان الصحيح، لا يمكن أن تقبل من مخلوقٍ كائناً من كان كلاماً يصادم التشريع، مستحيل، هذا التشريع من عند الخالق.
عندك جهاز كمبيوتر أصابه خلل، وبجانب بيتك محللان؛ محل وكالة كمبيوتر وخضري، بائع الخضار صالح جداً، وتحبه كثيراً، هل يمكن أن تدفع هذا الجهاز لصاحب البقالية؟ مستحيل وألف مستحيل، لأن
 هذا ليس اختصاصه، هذا إنسان بائع جيد، صاحب دين، مستقيم، طليق اللسان، بشوش لكنه ليس مختصاً بهذا الجهاز، أعطِ الجهاز للخبير. وأنت أليس لك خبير؟ أليس لك خالقٌ حكيم؟ لماذا أمرك ونهاك
 هذا الخالق؟ أليس ليسعدك، ليسلِّمك، فالعبرة أنه كلما ازداد إيمان الإنسان بالله ازداد تعظيمه لشرع الله، وذلك حينما تؤمن بأن الله ذو الجلال والإكرام، فكيف تجلُّ الله؟ بإجلال أمره ونهيه..
 
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾.
[ سورة الحج الآية: 30]
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ﴾.
[ سورة الحج الآية: 30]
تعظيم الشعيرة، وتعظيم الحرمات هذا دليل تعظيم الله عزَّ وجل..
 
ضبط اللسان جزء من الدين :
 
قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾
 
كأن الله يريد أن يقول لنا: أنا أطلب كل الناس للهدى، أريد أن أسعد كل الناس، أريد أن أهدي كل الناس..
 
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
بالمناسبة أخطر شيء في حياة الإنسان ماذا يدخل إلى هذا الفم وماذا يخرج؟ ماذا يدخل من طعام وماذا يخرج من كلام؟ عدَّ الإمام الغزالي أربعة عشر آفةً من آفات اللسان..
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْساً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ ))
[سنن الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ ]
(( لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ))
[مسند أحمد عن أنس بن مالك ]
ضبط اللسان جزء من الدين؛ هناك غيبة، ونميمة، وبهتان،  وسخرية، ومحاكاة، وتدليس، وكذب، واستهزاء هذه كلها من آفات اللسان، أخطر شيء بالجسم هذا الفم، ماذا يدخل إليه وماذا يخرج منه. قد
 تطعم نفسك طعاماً حلالاً طيِّباً، لحم ضأنٍ مذبوح وفق الشريعة الإسلاميَّة، تكبيرٌ مع التزكية، ولكنك اشتريت هذا الطعام بمالٍ حرام، فهو حرام..
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )).
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ].
 
الحرام نوعان؛ حرامٌ لذاته وحرامٌ لغيره :
 
أخواننا الكرام... هناك نقطة مهمة جداً، هناك حرامٌ لذاته وهناك حرامٌ لغيره. لو أكل الإنسان لحم الخنزير فهذا حرامٌ لذاته، لأن لحم الخنزير محرَّم، أما لو أكل لحم ضأنٍ بمالٍ حرام، فهو حرامٌ لغيره، فأطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة.
أهم شيء أن يكون مالك حلالاً، اكتُسب لا عن طريق الكذب، ولا عن طريق الاحتيال، ولا عن طريق التدليس، ولا عن طريق الاحتكار، ولا عن طريق الإيهام، ولا عن طريق الغش، ولا عن طريق
 المُخادعة، ولا عن طريق القوة والاغتصاب، ولا عن طريق عملٍ لا يرضي الله عزَّ وجل، لذلك ورد أنه يوم القيامة يحشر الناس أربعة فرقٍ؛ فريق جمع المال من حلال ـ تجارة مشروعة ـ أنفقه في حرام ـ
 على الموائد الخضراء والليالي الحمراء ـ فيقال: خذوه إلى النار ـ الموضوع سهل جداً، حساب سريع جداً ـ وفريق جمع المال من حرام ـ عنده ملهى ـ أنفقه في حلال ـ تزوج واشترى بيتاً ـ فيقال:
 خذوه إلى النارـ طبعاً ومن باب أولى فريقٌ جمع المال من حرام وأنفقه في حرام، أما الذي جمع المال من حلال وأنفقه في حلال ـ هذا يحاسب ـ قفوه فاسألوه؟ هل تاه بماله على عباد الله؟ هل ضيَّع فرض
 صلاةٍ وهو منشغلٌ بماله؟ هل قال من حوله: يا رب لقد أغنيته بين أظهرنا فقصر في حقنا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: " وما زال يسأل ويُسأل "، فقضية أن تأكل طعاماً بمالٍ حلال قضية خطيرة جداً..
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )).
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ].
فالعبد يكون:
(( وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ )).
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
هل من الممكن أن يكون عملك إصلاح أجهزة بنيت على إفساد الأخلاق؟ ويقول لك: العمل عبادة. من قال هذا؟ أي عمل عبادة!! ولو بعت أجهزةً تفسد الأُسر؟! ولو بعت دخاناً؟! ولو بعت شيئاً محرماً؟!
 من قال لك ذلك؟ أخطر شيء بحياة المؤمن زوجته وعمله، لأنهما ألصق شيءٍ به، فالمؤمن الموفَّق يختار زوجةً صالحة، وعملاً طيباً مشروعاً، وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك.
 
الحلال ما كان حلالاً لذاته وحلالاً لغيره أما الحرام ما كان حراماً لذاته وحراماً لغيره :
 
هنا..
﴿ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً ﴾
 
لها معنيان، أن تأكل شيئاً أباحه الله لك فهو حلال لذاته، وأن تأكل شيئاً حلالاً دفعت ثمنه من مالك الحلال، أي لا يكفي أن تأكل تفاحاً، التفاح ليس هناك من يحرِّمه إطلاقاً، أما إذا اشتريت التفاح بمالٍ حرام
 فمحرمٌ أن تأكله، فالحلال ما كان حلالاً لذاته وحلالاً لغيره، والحرام ما كان حراماً لذاته وحراماً لغيره. ولعل كلمة حرام أنها تحرم الإنسان من السعادة في الدنيا والآخرة، ولعل كلمة حلالاً طيباً أن النفس
 تحلو به وتطيب..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
 
كلامٌ دقيق، يقول لك مثلاً: العمل حلال، الشغل عبادة، فإذا كان عمله في دار تطبع كتباً فيها الإلحاد، فيها تزوير الحقائق، يقول لك: هذه دار نشر أنا ليس لي علاقة، هذا الكتاب طبعته أنت، وروَّجته أنت،
 وبعته أنت، وأفسدت عقائد الناس فكيف ليس لك علاقة؟
أنا أؤجر بيتاً، أنت تؤجره بالليلة بعشرة آلاف علماً أن أجرة أضخم فندق خمسة آلاف بالليلة الواحدة، معنى ذلك أن هناك مشكلة، ليست قضية أناس نائمين فقط، ولكن هناك قضية ثانية، هذا البيت صار
 بيت دعارة، وتقول: أنا ليس لي علاقة، كلا أنت لك علاقة، فقضية الإنسان أن يتحرى الحلال في دخله، وفي طعامه، وفي شرابه والله لا أبالغ لعل ذلك أربعة أخماس الدين أن يكون مالك حلالاً وطعامك
 حلالاً.
زرت رجلاً ـ والد صديقي ـ قال لي: أنا عمري ستة وتسعون سنة، أجريت فحصاً كاملاً شاملاً للدم والبول، قال لي: الحمد لله كله طبيعي، ستة وتسعون سنة وكل فحوص الدم صحيحة، طبيعيَّة، كل
 فحوص البول طبيعية، قال لي: والله لم آكل قرشاً حراماً في حياتي.
 
الحكمة من جعل الله الحلال صعباً والحرام سهلاً :
 
دخل رجل إلى بيتي زائراً قال لي: كم تقدِّر عمري؟ قلت له: ستين، قال لي: هو ستة وسبعون، قال لي: والله قوتي كالحصان، بإمكاني أن أهد هذا الحائط ولا أشكو شيئاً ـ مع أنه لا يعتني بصحته إطلاقاً ـ
 قال لي: أنا عملت في سلك معين، والسلك دقيق جداً، وفيه مزالق دقيقة جداً، عملت في هذا السلك أربعين عاماً، ولم آكل ليرةً واحدةً حراماً، قال لي: أصبت بإصابة كبيرة جداً كادت تودي بحياتي، قلت
 لربي وأنا مضجع على طاولة العمليات: يا رب إن كنت آذيت لك عبداً من عبيدك واحداً فأمتني وإلا فعالجني يا رب، قال لي: أنقذني الله.
قضية أساسية أن يكون دخلك حلالاً، شيء مهم جداً أن يكون مالك حلالاً، وأن تشتري به طعاماً حلالاً، المال حلال، والطعام حلال..
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )).
[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس ].
رجل كان يعلِّم، فتح مدرسة شرعية، كان يعلم الطلاب، بدأ التعليم بالثامنة عشرة من عمره، واستمر حتى الثامنة والتسعين، علَّم ثمانين عاماً، وكان من عادته أنه إذا رأى أحد طلابه في الطريق يقول له: يا بني
 أنت طالب عندي، يقول له: نعم يا سيدي، وكان أبوك طالباً عندي، يقول له: نعم، وكان جدك طالباً عندي، الأب والابن والجد طلاب هذا الإنسان، علم ثمانين سنة، والذي وصفه تماماً أنه كان منتصب
 القامة، بصره حاد، سمعه مرهف، أسنانه في فمه. يا سيدي ما هذه الصحة؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
أيها الأخوة كل شيء بثمنه، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، أطب مطعمك تعش حياةً هادئةً طيبةً مباركةً، الحلال قليل، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعل الله الحلال صعباً والحرام سهلاً، وطبعاً كمثل حاد جداً:
الآن هناك صرعة بأمريكا، أن يضع الإنسان آلة تصوير في غرفة نومه، ويعرض نفسه على الإنترنت، دخله في السنة مليونَا دولار، وكذلك تهريب الحشيش غالٍ جداً، إذا أردت أن تلغي القيَم فهناك دخول
 كبيرة جداً، والحرام سهل، وفير، افتح ملهى، تجد الزبائن ليلاً ونهاراً، والله قال لي شخص: أرباحه رقم فلكي، الشيء المشروع صعب، هذه حكمة أرادها الله، أراد أن يكون الحلال صعباً والحرام سهلاً.
 
للحلال سعادة وللحرام لذَّة آنية تنتهي بكآبة :
 
ما الذي يحصل لو أن الأمر معكوس؟ لو كان الحرام صعباً والحلال سهلاً، لأقبل الناس جميعاً على الحلال، لا حباً بالحلال، ولا طاعةً للرحمن، ولا خوفاً من النيران، أبداً بل لأنه سهل، لكن ربنا عز وجل فرز
 الناس، جعل امرأة تخدم في البيوت ثماني ساعات بثلاثمئة ليرة، أما المومس فتأخذها في خمس دقائق، تأخذ خمس آلاف في خمس دقائق، فهناك فرق كبير جداً، لذلك الحلال صعب، والحرام سهل.
قد تشتغل سنة، تشتري بضاعة، وتبيع البضاعة، تجمع ثمن البضاعة، وديون، تربح ما يغطي نفقاتك، وهناك طرائق أخرى غير مشروعة للكسب، تجد ملايين مملينة تأخذها بأشهر، فلحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعل الله
 الحلال صعباً، وهو وسام شرف، والحرام سهلاً، فإذا اختار الإنسان الطريق الصعب هذا وسام شرف له ليفتخر، لا يقول: رفيقي صار مليونيراً بسنتين!! إذا  كان سقط بالمعصية فما قيمة هذه الثروة، أما أنت
 فمقيم على أمر الله عز وجل.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
سبحان الله الحلال معه سعادة، أما الحرام فمعه لذَّة آنية تنتهي بكآبة، لذة متناقصة تنتهي بكآبة، يكون دخل الإنسان كله حلال، بيته متواضع لكن الله عز وجل يضفي على هذا البيت تجلي، سعادة، فيصبح
 البيت قطعة من الجنة، هو صغير، فرشه متواضع، الأكل درجة خامسة، الثياب قد تكون درجة عاشرة؛ لكن هناك استقامة، والأمر الإلهي مطبق في هذا البيت، الزوجة مؤمنة، الزوج مؤمن، تقام فيه
 الصلوات، يذكر الله فيه، بربك ألا تعلم أنك قد تكون في مكان متواضع جداً وأنت في قمة السعادة، وقد تكون في مكان فخم جداً وأنت في عذابٍ شديد، هذه قاعدة.. أطب مطعمك تكن مستجاب
 الدعوة .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ﴾
 
زوال الكون أهون على الله من أن تخاف منه ويضيِّعك :
 
الآن دققوا:
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
 
أضرب أمثلة: أنت عندك عيال، أيْ: غشَّ الناس، ارتشِ، اسرقْ، عندك عيال، هل إذا استقمت لا يرزقك الله؟ الله يرزق فقط المنحرف؟ لأنك خفت منه تعيش متسولاً؟ هكذا ظنك بالله عز وجل؟! واللهِ والله
 لزوال الكون أهون على الله من أن تخاف منه ويضيِّعك، أنت خائف منه، هذه حرام لا أريدها، هذه فيها شبهة لا أريدها، هذه لا ترضي الله، أتصبح وراء الناس!! والذي لم يسأل، ولم يرد، ولم يتَّعظ هو
 الغني، أهكذا ظنك بالله؟
 
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾.
[ سورة الجاثية الآية: 21]
﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾.
[ سورة القصص الآية: 57]
هكذا؟ هذا شيء يُطرح كل يوم، إذا  لم أعمل هكذا أموت من جوعي، لا إذاً اكذب؛ غش، واكذب، ودلس، أخي إذا أنا لم أكذب لا أعيش كمحام، من قال لك ذلك؟ محام مؤمن لا يتسلم إلا القضية التي
 فيها ظلم، ويدافع عن المظلوم أيخذله الله عز وجل؟ مستحيل، صار هناك منطق للأحداث غريب جداً، يجب أن تعصي الله.
 
هناك آلاف الوساوس التي يلقيها الشيطان على الإنسان كي يعصي الله :
 
يقول لك: أنت عندك أولاد، أو يقول: ضع رأسك بين الرؤوس وقل: يا قطاع الرؤوس، مثلك مثل هؤلاء الناس، فإذا كان كل الناس منحرفين أتنجو أنت؟! إذا انحرف الناس كلهم أخلصتَ أنت؟ لا تخلص،
 هذه خطوات شيطانية، فلان معه مبلغ، غني، ليس له حاجة. من قال لك هذا؟ الغنى والفقر ليس له علاقة بالحقوق، أدِّ الذي عليك ولو كان غنياً.
أقصد من هذه الكلمة أن هناك آلاف الوساوس التي يلقيها الشيطان على الإنسان كي يعصي الله..
 
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
 
كي لا تكسب مالاً حراماً..
 
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
 
بعت واحداً بيعة، جاءك بعد دقائق وقال لك: والله ندمت، هل من الممكن أن أرجعها؟ لكنك تجيبه: لا أستطيع، فهذه البيعة تخسر ألف ليرة، لمَ تأكل هذا المال؟ لم يفكر بعد، وهي مازالت بغلافها، لك أن تنفذ
 البيع، لأن البيع فيه إيجاب وقبول، لعدم وجود الجهالة، ولك أن تقيل عثرته، فمن أقال نادماً بيعته أقال اللّه عثرته يوم القيامة، أما أن تأخذ ألفاً مقابل إعادتها، ليس لك حق أن تأخذها، وهذه ليس لها وجه
 شرعي.
يا أخواننا الكرام... رجاءً دققوا آلاف المرات في الكسب، إذا كان الكسب حلالاً يبارك الله عز وجل بهذا الكسب، يبارك به، مبلغ ضئيل تفعل به الشيء الكثير، ولكن والله لا أعلم كيف يتم لا أعلم ذلك؟
 تسميها العناية الإلهية المباشرة، قد تجد إنساناً دخله غير معقول، قليل، ولا توجد عنده مشكلة، أموره كلها ميسَّرة؛ آكل، شارب، لابس، نائم، والله ليس معقولاً، هذا اسمه البركة، أتت من القرآن، يقول
 لك: بارك الله بك، أي أن الله عز وجل يعطيك الكثير من القليل، إذا كان الإنسان حراماً يذهب الله عز وجل ماله بأسبابٍ تافهة، تجد مصادرات، ومخالفات، وأخطاء بسيطة يدفع مبالغ طائلة.
 
المؤمن الصادق دائماً عنده حساسية للشيطان :
 
قال تعالى :
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
 
﴿ عدوٌ مبين ﴾ أي: انتبه لأي وسوسة، حدثني أحد أخواننا الدعاة، كان له والد صالح جداً قال له: يا بني إذا حدثتك نفسك بعمل صالح، أو بإنفاق، ثم جاء الشيطان وقال لك: لا تنفق. عاقبه، قال له:
 كيف أعاقبه؟ قال له: ادفع الضعف، عاقبه. المؤمن الصادق دائماً عنده حساسية للشيطان، هذا الخاطر شيطاني، هذا التبرير شيطاني، هذا التعليل شيطاني، هذا التزيين شيطاني، فكثير من الأشخاص يستجيب
 للشيطان..
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ﴾
يأمركم بشيءٍ يسوؤكم، ويأمركم بشيءٍ يفضحكم..
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
عندنا أخ لديه محل، عين موظفاً حديث عهد بالزواج، له زوجة دنيوية مادية، ضغطت عليه، والراتب لا يكفي، فصار يبيع ويضع المال في جيبه، الأمر سهل، يأتي المعلم الساعة الحادية عشر، يكون قد باع
 بخمسمئة أو بستمئة وضعها في جيبه، وجد صاحب المحل هناك نقصاً في البضاعة، هناك خلل في المحل، فهذا الأخ كلَّف صديقاً له أن يأتي إلى المحل الساعة العاشرة ويشتري حاجة بألف ليرة، ثم أتى صاحبُ
 المحل الساعة الحادية عشر، وقال له: يا فلان هل أتى أحد؟ يقول له: أبداً، هل بعت؟ لا، لم أبع، وكان قد اتفق مع صديقه أن يرجع الساعة الثانية عشر ليرجع الحاجة، فجاء: أريد أن أرجعها، قال له: متى
 أخذتها؟ قال له: اليوم الساعة التاسعة، ما هذا الكلام؟ ألم تقل لم أبع شيئاً؟ انتهى، طرده من العمل، لم يترك واسطة للتوسط له، وأصبح بلا عمل، ماذا قال له الشيطان؟ الآن صاحب المحل لا يدري، ولا يوجد
 عنده جرد دقيق، وأنت بحاجة، هو حالته المادية جيدة، لكن الله فضحه.
 
الشيطان دائماً يأمر الإنسان بعملٍ يسوؤه أو يفضحه :
 
دقق في القصص: تجد إنساناً يمد يده للحرام، يدمره الله، يظن نفسه ذكياً إلى حين، يزوِّر، يزيد صفراً، أو يمحو صفراً، ليدبر حاله، يجمع ثروات طائلة، بعد ذلك، يبطش به، يلقى في السجن، يعذب، فأين المال؟
 الشيطان دائماً يأمر الإنسان بعملٍ يسوؤه، أو يفضحه.
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ﴾
 
مثلاً: هؤلاء الذين أخذوا الصائغ وقتلوه، وأخذوا منه ثلاثة عشر كيلو من الذهب في القلمون، بعد أيام عدة أعدموا جميعاً، فأين المال؟ استرد المال، أعطيكم حالات حادة، هناك حالات أخف، فكل إنسان
 يستجيب للشيطان يدفعه الله عز وجل الثمن باهظ..
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ﴾
 
ما يسوؤكم..
﴿ وَالْفَحْشَاءِ ﴾
 
ما يفضحكم..
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
 
يقول لك: لا تدقق، لن يحاسبك الله، النبي سيشفع لك، الذين اخترعوا هذه الشفاعة، الشفاعة حق يا أخواننا لكن لها شروط، ولها تعاريف دقيقة، ولها خصائص، أما يفهمها الناس فهماً ساذجاً، فهما سخيفاً
 جداً: " ادخل أنت وهو الجنة وخلصونا "، مهما فعل من كبائر يدخل إلى الجنة بشفاعة النبي، مع أن الله عز وجل يقول:
 
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾.
[ سورة الزمر الآية: 19 ]
مستحيل..
(( يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسكِ من النار أنا لا أغني عنك من الله شيئاً ، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه )) .
[أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي عن أبي هريرة ]
هذه:
 
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
 
معظم مصائب الناس من اتباع خطوات الشيطان :
 
إذاً:
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ ﴾
ما يسوؤكم..
﴿ وَالْفَحْشَاءِ ﴾
ما يفضحكم..
﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
 
أخواننا الكرام... أريد أن أؤكد لكم أن الشيطان يدخل على بني آدم أو على المؤمن من باب كسب رزقه، فخطواته أن هذه حلال، هذه فيها فتوى، هذه قضية خلافية، هذه بلوى عامة، هذه أنت مضطر،
 أنت عندك أولاد، هذا غني وليس له حاجة بالمبلغ، لم يدر به فخذه، هذه كلها خطوات الشيطان، فكلما جاء للمؤمن خاطر من هذه الخطرات، ينبغي أن يصدَّه، وأن يقيم الدليل الشرعي على خطأ
 الشيطان..
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
 
تكاد تكون كل مصائب الناس من اتباع خطوات الشيطان، ادخل إلى السجن، كل هؤلاء المساجين من دون استثناء، أو ما خلا قلةً قليلةً دخلوا إلى السجن بسبب اتباع خطوات الشيطان، طبعاً الجرائم
 المدنية، الجرائم العادية، معنى هذا أن الإنسان معرض لوسوسة الشيطان، فإذا اتبعه هلك في الدنيا والآخرة، فالإنسان يجب أن يكون يقظاً، ينبغي أن يرفض أي خاطر يتناقض مع الكتاب والسنة، ويتناقض مع
 منهج الله، وأن يكون دقيقاً يقظاً، والمؤمن كيسٌ، فطنٌ، حذر.
 
التقليد لصالح الإنسان لكن بعد مرحلة معينة ينتهي التقليد ولابدّ من التحقيق :
 
ثم يقول الله عز وجل:
    
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾
 
الإنسان مبرمج أن يقلد، لكنه مبرمج أن يقلد لفترة محدودة من حياته، الطفل الصغير يقلِّد آباه في مأكله، ومشربه، ومطعمه، حتى أكثر أولاد المؤمنين إذا قام الأب ليصلي يصلي بجانبه، هكذا فُطر الإنسان،
 والتقليد لصالح الإنسان، لكن بعد مرحلة معينة ينتهي التقليد لا بد من التحقيق.
لذلك: العقيدة الصحيحة لا تقبل إن كانت تقليداً، لا تقبل إلا إن كانت تحقيقاً، فالتقليد مرحلة من مراحل تربية الإنسان، لكن بعد حين الذي يحصل أن هؤلاء الأتباع يقلدون المتبوعين فيما يحلوا لهم، يقول
 لك: هكذا نشأت أنا. لكن كم من إنسان نشأ في بيئة غير متعلمة وأخذ دكتوراه؟  لماذا لم يقبل بوضع أهله؟ كم من إنسان نشأ في بيئة فقيرة وأصبح مليونيراً؟ لماذا رفض هذا الشاب واقع أهله؟ إذاً هو لا
 يقلِّد، هو في الحقيقة يخط لنفسه منهجاً يراه صحيحاً، أما حينما يدَّعي أنه يقلد أعجبه سلوك آبائه المنحرفين فقلدهم..
 
﴿ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ﴾
 
هذا الكلام فيه كذب، أنت في أمور دنياك لا تقلِّد، كم إنسان خرج عن نمط أسرته، وعن بيئته، وخطط لنفسه خطاً آخر لأنه يحقق مصالحه، أما حينما يدَّعي أنه يتبع آبائه هو لأنه أَلِفَ هذه المعاصي وراقت
 له، فادعى أنه يتبع آباءه..
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ﴾
 
لأن ما أنزله الله يحوي قيوداً، قيوداً لشهواتهم، هم يحبون التحرر من هذه القيود فيدعون أنهم يتَّبعون..
 
﴿ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾
 
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب