سورة آل عمران 003 - الدرس (24): تفسير الآيات (081 - 091)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة آل عمران 003 - الدرس (24): تفسير الآيات (081 - 091)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة آل عمران

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة آل عمران - تفسيرالآية: (081 - 091)

21/03/2011 01:54:00

سورة آل عمران (003)
الدرس (24)
تفسير الآيات: (81 – 91)
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
        الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
        أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس سورة آل عمران ، ومع الآية الواحدة والثمانين ، وهي قوله تعالى :
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ
( سورة آل عمران )
 
 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ
 
1 ـ الأنبياء يصدِّق بعضهم بعضًا :
        
      الله جل جلاله في هذه الآية يبين أن كل نبي أرسله الله عز وجل ، وأيده بالمعجزات ، ومنحه الحكمة ، ينبغي أن يؤمن بالنبي الذي بعثه ، لأن الأصل واحد ، ولأن هذه الرسالات ، وهؤلاء الأنبياء يصدرون عن الله عز وجل ، الإله الواحد ، فالأنبياء ينهلون من مشكاة واحدة ، والرسل يوحي الله إليهم ، فلا معنى نظرياً أن يرفض نبي أن نؤمن بنبي بعده ، ولا أن يرفض رسولٌ أن يؤمن برسول بعده ، هذا الشيء ما كان له أن يكون ، لأن الأنبياء والرسل قمم البشر، ينصاعون إلى الله انصياعاً لا يوصف ، في أدق التفاصيل .
 
2 ـ هذه الآية تعني أتباع الأنبياء :
   
     الحقيقة هذه الآية تعني أتباع الأنبياء ، لأنه بالمنطق كيف يكلف نبيٌ أن يؤمن بنبي بعده ، وبينهما ستمائة عام ؟ مستحيل ‍! سيدنا موسى مكلف أن يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، مستحيل ، لكن بعض العلماء قالوا : هذه الآية تخص أتباع الأنبياء ، لأن أتباع الأنبياء يتبعون أنبيائهم ، وينفذون شرعهم ، الأنبياء أخذ عليهم العهد .
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ
 
3 ـ يجب الإيمان بجميع الأنبياء :
     
      الإيمان به التصديق ، النصر أن تنطوي تحت إمرته ، وأن تكون في خدمة هذه الرسالة الجديدة .
      أوضح لكم ذلك بمثل من حياتنا اليومية ، مؤسسة لها مدير عام ، هذه المؤسسة تابعة لوزير ، لهذه المملكة ملك ، الملك غير الوزير ، لعله نقله إلى مكان آخر ، لعله جعله سفيرًا ، لعله ألّف وزارة جديدة ، هل يستطيع مدير هذه المؤسسة أن يقول : أنا لا أتلقى أوامري إلا من الوزير السابق ؟ معنى ذلك أن ولاءه للملك غير صحيح ، ما دام الملك قد غير الوزارة مثلاً ، ما دام الملك قد كلف هذا الوزير الذي كنت تابعاً له لمهمة أخرى ، وعين وزيرًا آخر ، فعلامة ولائك للملك أن تنصاع للوزير الجديد ، ولتعليمات الوزير الجديد ، وأن تكون منفذاً لتعليماته قابلاً لخدمته  .
   هذا المعنى دقيق ، لأنه لا يعقل أن نكون مسلمين أصلاً إلا إذا آمنا بالأنبياء السابقين واحداً واحِداً ، وأتباع الأنبياء السابقين ينبغي أن يتبعوا النبي الأخير ، النبي الخاتم الذي ختم الله به الرسالات ، مضمون هذه الآية كذلك :
 
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ
 
4 ـ أخذُ الله ميثاقه على الناس بالإيمان بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
 
      الميثاق هو العهد ، أخذ عليهم العهد ، والحقيقة أخذ عليهم أن يبلغوا أتباعهم أنه إذا جاء نبي فينبغي أن يؤمنوا به ، ويتبعوا رسالته .
      وتعلمون أيها الإخوة أن اليهود وفي كتبهم كلام واضح كالشمس ، أن الله عز وجل سيبعث في آخر الزمان رسولاً اسمه أحمد .
     عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَا كَانَ أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِكَ ؟ قَالَ :
(( دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ، وَبُشْرَى عِيسَى ، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ )) .
[ أحمد ]
وقال تعالى :
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ
( البقرة : من الآية 129 )
بشارة أخي عيسى ، قال تعالى :
 
﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
( الصف : من الآية 6 )
     إذاً : الأنبياء أصالة ووكالة عن أتباعهم ، كلفوا أنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم ينبغي أن يؤمنوا به ، وأن ينصروه بأن يكونوا في خدمته ، وخدمة الحق الذي جاء به .
     أيها الإخوة ، الله عز وجل يقول :
 
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
 ( سورة الأنبياء)
     فحوى دعوة الأنبياء واحدة ‍، وقد ذكرت لكم في درس سابق أن الأنبياء جميعا من دون استثناء ذكروا في القرآن الكريم ، ووصفوا بأنهم مسلمون ، والإسلام بمعناه الواسع أن تستسلم لمنهج الله ، أنت عبد كائن معقد تعقيد إعجاز ، لك خالق عظيم هو الخبير ، أنت مكلف أن تنفذ تعليماته ، أما أن تعبد الله وفق ما تهوى فمستحيل أن تكون عبداً لله بهذه الطريقة ، فينبغي أن تكون عبداً لله وفق رأيك لا وفق منهج الله ، مستحيل أن تكون عبداً لله ، وأنت بهذه العقلية ، أما أن تحدد أني أتلقى تعليماتي من هذا النبي وحده ، ولم أعترف بني آخر فمن المستحيل أن تكون عبداً لله بهذه العقلية .
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ
    أخذ ميثاق النبيين من أجل أن يبلغوا أتباعهم لأنه من الممكن أن يكونوا أتباع نبي في عصر جاء نبي جديد .
 
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
      الدعوة واحدة ، والإله واحد ، الجنة والنار ، الاستقامة على أمر الله ، عدم العدوان على الآخرين ، عدم الزنى ، عدم القتل ، المنهج واحد .
      بالمناسبة ، لا يعقل أن يكون لكل نبي منهج ، هناك مناهج مختلفة ، لكن بحسب تطور الشعوب ، والمجتمعات الإنسانية ، لكن لا يعقل أن يكون الشيء محللاً هنا ومحرمًا هناك ، الإله واحد ، فإذا كان ضاراً لِمَ أُحِلّ في هذا الدين ؟ وإذا كان نافعاً لمَ حرم في هذا الدين ؟ إله واحد ، هذا يأباه العقل السليم ، لذلك إن رأيت شيئاً حلالاً في دين ، وحراماً في دين آخر ، فهذا يعني أن في هذين الدينين تزويرًا ، أو تغيرًا ، أو تبديلاً ، قال عزوجل :
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
 (سورة البقرة : الآية 183)
     فلذلك الأنبياء أخذ الله عليهم العهد أن يبلغوا أتباعهم أنه إذا جاء نبي في آخر الزمان مصدق لما معهم ، ويدعو إلى عبادة إله واحد ، وإلى الاستقامة على أمره ، والإحسان إلى خلقه ، فينبغي أن يؤمن أتباع الأنبياء بهذا النبي الجديد ، وينبغي أن ينصروه ، وأن يضعوا إمكاناتهم - كما يقال الآن - تحت تصرفه ‍!  .
 
﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
 
 قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا
 
الإصر هو العهد .
 
﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
    بلغوا أتباعكم ليكون هذا منهجاً في كل دين ، لأن أتباع كل دين ينبغي أن يؤمنوا بنبيهم ، فإذا جاء نبي آخر ينبغي أن يؤمنوا به ، لأن الله سبحانه وتعالى هو الآمر ، والولاء له .
    المثل واضح جداً ، أعيده مرة ثانية : مدير مؤسسة تابع لوزير ، ولهذا البلد ملك ، فالملك نقل هذا الوزير إلى منصب آخر ، هل يحق لمدير المؤسسة أن يقول : أنا لا أتلقى تعليماتي إلا من الوزير السابق ، معنى ذلك هو يرفض أن ينصاع للملك ، هذا أمر ملكي ، هذا التوجيه من الملك ، إذاً : يشك في حكمته ، وفي علمه ، ولا يواليه ، المعنى أصبح واضحًا .
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ
 
  قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ
 
     وقد ذكرت في دروس سابقة أن شهادة الله عز وجل تعني أن أفعال الله تأتي مصدقة لكلامه .
﴿فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ
        والدليل : أن الله ينصر نبيه الكريم الذي جعله خاتم الأنبياء ، ويؤيده بالمعجزات النيرات الواضحات ، ثم يقول الله عز وجل :
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
 
  أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
 
1 ـ يجب اتباع الدين الذي اختاره الله :
 
     يجب أن تكون تابعاً للدين الذي اختاره الله للناس .
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا
(سورة المائدة : من الآية 3)
    رضي الله لنا هذا الدين ، رضي لعباده ، وللناس قاطبة ، فإن لم نعتنقه معنى ذلك أننا رفضنا هذا الدين ، ورفض دين الله عز وجل شيء كبير في عالم الإيمان .
 
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
2 ـ الكون أسلمَ لله قسرا :
 
       هذه شاملة شمولا مطلقًا ، الكون يعبر عنه في القرآن الكريم بالسماوات والأرض ، والكون بالتعريف الدقيق ما سوى الله ، والله عزوجل واجب الوجود ، وما سواه فممكن الوجود ، ما سواه الكون ، والتعبير القرآني للكون السماوات والأرض ، وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ، كرهاً هذا واضح ، كل واحد منا مؤمنًا كان أو كافراً ، مستقيماً أو منحرفاً ، عربياً أو عجمياً ، يسلم قسراً لله عز وجل ، من منا يستطيع أن يعيش ساعة بلا قلب ، لو توقف قلبه عن الحركة لكتب نعيه ، وانتهى أمره ، فأنت مقهور بعمل القلب ، مقهور بعمل الرئتين ، مقهور بنمو الخلايا ، مقهور بالحركة ، مقهور بالتنفس ، أيّ خلل في جسمك يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، أوضح من ذلك ، الملوك يموتون ، والطب كله بين أيديهم ، وأموال الدنيا بين أيديهم ، وبإمكانهم أن يستقطبوا أطباء العالم ليعالجوهم ، فالملك مقهور ، والفقير مقهور ، والغني مقهور ، قد تجد غنياً يملك ملايين طائلة ، ويمكن أن ينفقها كلها على بقائه حياً ، ولا يبلغ ذلك ! يأتيه ملك الموت .
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
 
3 ـ المؤمن خضع له طوعاً :
      
     المؤمن عرف الله طوعاً ، فخضع له طوعاً في حياته ، أما الكافر فعرفه عند الموت ، فكان مقهوراً بالموت ، وسبحان من قهر عباده بالموت ، المؤمن عرفه طواعية في حياته ، فأطاعه طواعية ، هذا أعلى أنواع الطاعة ؛ أن تطيعه مختاراً ، أن تطيعه محباً ، وتطيعه بمبادرة منك ، لا بقهر ، أو ضبط من الآخرين ، أن تطيعه ، وأنت صحيح ، شحيح ، قوي ، أنت تطيعه ، وأنت في مقتبل حياتك ، وأنت في عز تألقك ، أن تطيعه ، وأنت معافى في جسمك ، لكن هناك إنسان يسهو ، ويغفل عن الله عز وجل ، فإذا جاءته الشدة يطيع الله ، على كل حال جيد ، فقد استجاب لله عز وجل ، ولكن لا بد أن نخضع لله اختياراً أو اضطراراً .
     هناك قصة تروى ؛ في بلد من بلاد المسلمين امرأة منحرفة أشد الانحراف ، لا تحب أن ترى فتاة محتشمة إطلاقاً ، فكانت تبالغ في إيذاء من كانت محتشمة في هندامها ، وكانت تنزع أي شيء على رأس الفتاة ، ثم رئِيت بعد حين تضع على رأسها الحجاب ، فلما سُئلت قالت : أصابني مرض في رأسي ، ونصحني الطبيب بوضع شيء من القماش على رأسي ، ولما رجوته أن أضع ما يسمى بالباروكة رفض ، قال : هذه تسبب حساسية ، ضعي قماشة على رأسك ، وهكذا يقهر الله عز وجل الإنسان في أي لحظة .
    يمكن أن تركع أمام أحقر الناس ، يمكن أن تنقب في الحاويات ، يمكن أن ترى الموت أكبر نعمة ، قد تأتيه الأمراض مجتمعة فلا يرى نعمة أعظم من الموت ، سبحان من قهر عباده بالمرض والموت !!!
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
 
4 ـ لماذا الخضوع لغير الله ؟
 
       أتخضع لغير الله ؟ أتنصاع لغير الله ؟  أتأبى أن تكون عبداً لله ؟ أنت أكبر من أن تطيع الله ؟ مركزك أكبر من أن تطيع الله ؟ أتخشى على الدنيا ، وهي فانية ، وتعصي الله ؟
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
      أتبغي أن ترضي مخلوقاً ضعيفاً يموت قبلك ؟ أتبغي أن تكون تابعاً لجهة أرضية ، وأنت مكرم عند الله ؟ أترضى أن تكون محسوباً على غير الله ؟
 
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
      ماذا تبغي ؟ تبغي المال ، ماذا تفعل بالمال إذا زاد عن حده ؟ انقلب إلى ضده ، ماذا تبغي ؟ ثم ماذا ؟ وصلت إلى أعلى ثروة في العالم ، ثم ماذا ؟ هؤلاء الذين ملكوا ثروات بأرقام فلكية ، واحد عنده سبع وثمانون مليار دولار بأمريكا ( بل غيت ) ، هذا ماذا يفعل بها بعد أن يأتيه ملك الموت ؟ ثم ماذا بعد المال ؟ وصلت إلى أعلى مرتبة عليمة في الدنيا ، ثم ماذا بعدها ؟ وصلت إلى أعلى منصب في العالم ، ثم ماذا بعدها ؟ سبحان من قهر عباده بالموت .
 
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ
      أتتجه إلى غير الله ؟ أتطمع بغير رحمة الله ، ألك مصير إلا إلى الله ؟ هل في الإمكان أن تطلب لجوءًا من جهة أخرى ؟ هذه الجهة لا يملكها الله عزوجل ؟ في الدنيا ممكن ، تتجه إلى بلد يعادي بلدك فتأخذ اللجوء السياسي ، لكن هل تستطيع أن تلجأ إلى غير الله ؟ لا ملجأ منه إلا إليه .
 
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
 
خيار الإيمان خيار وقت فقط :
 
      فرعون ألم يسلم ؟ مات مسلمًا ، لكن إسلام قهر ، قال تعالى :
 
﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ
 (سورة يونس : من الآية 90)
       لكن متى آمن ؟ وهو يغرق ، أيقن أن دعوة النبي الكريم موسى عليه السلام حق ، وأن الله أغرقه ، وقهره ، أيليق بالإنسان أن يقهره الله عز وجل إذا كان معانداً ؟
 
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
  طبعاً :
 
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا
 (سورة الأنعام : من الآية 158 )
        تقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، إذا كان في النزع الأخير لا توبة أمامه !
 
﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ
 (سورة النساء : من الآية 18)
     هذا الكلام له معنى آخر ، معناه الآخر أنك في شؤون كثيرة مخيّر خيار قبول أو رفض ، قد ترفض هذا البيت لضيقه ، وقد ترفض الزواج من هذه المرأة لكبرها في السن فرضاً ، وقد ترفض هذه التجارة لأنك مهضوم الحق فيها ، وقد ترفض هذه السفر لأن مردودها قليل ، فأنت في أمور كثيرة جداً مخير خيار قبول ، أو رفض ، إلا في الإيمان فأنت مخير خيار وقت فقط ، فإن لم تؤمن في الوقت المناسب فلابد أن تؤمن في وقت آخر ، لكنه غير مناسب ، بعد فوات الأوان ، كما آمن فرعون .
 
الديانات الأرضية لا تكاليف فيها :
 
         وأنا أشهد الله أنه ما من عبدٍ على وجه الأرض ، ولا أستثني أحداً إذا جاءه ملك الموت آمن بفحوى رسالات السماء تماماً ، لأنها هي الحق ، لكن في الدنيا يرفض أن يؤمن ، يقول : أنا أعتز بأنني بوذي مثلاً ، كل واحد يعتز بدينه ، لكن المشكلة أن هذه الأديان الوضعية ذات انتشار واسع جداً بسبب أنها تفتقر إلى التكليف ، فلا تكليف فيها ، بل القضية إعلان ولاء فقط ، وهي لا تقدم ولا تؤخر    .
     قال لي أحدهم : لماذا يحبون دين البوذية هناك ؟ لأنه دين لطيف ، لا تكاليف فيه ! فيه طقوس خفيفة ، فأصبح دينًا ، لكن من دون تكاليف ، يفعل ما يشاء ، يأكل ما يشاء ، يمارس أي شهوة كما يشاء ، دون أن يحاسب ، ومع ذلك فهو بوذي فرضاً ، أو هو من السيخ أو من ديانة أخرى .
    لذلك الديانات الأرضية ديانات لا تكاليف فيها ، فقط فيها ولاءات ، الديانات السماوية حينما تنحرف تخف فيها التكاليف ، لا تكاليف فيها ، وتظهر فيها العقائد الفاسدة ، لمجرد أن تقترف كبيرة فالنبي يشفع لك ، هذا شيء مريح جداً ، شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .
    ماذا نفعل بحديث النبي ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ :
(( يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي هَاشِمٍ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا )) .
[ متفق عليه ]
     الديانات السماوية حينما ينحرف أهلها عن الصواب ، حينما تعدل ، وتغير ، وتبدل ، وفي بعض الديانات نصوص لن تتغير ، لكن يفهمونها فهماً منحرفاً ، القصد تخفيف التكاليف ، يقولون : الله قال :
 
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
أكمل الآية :
 
﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ
   يقول لك : الله قال :
 
﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
 (سورة الزمر : الآية 53)
أكمل :
 
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ
(سورة الزمر : الآية 54)
كمن يقول :
 
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
 (سورة الماعون : الآية 4)
أكمل :
 
﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
(سورة الماعون : الآية 5)
    إذاً : الآن انتقلنا إلى شيء آخر ؛ كل ضلال في الأديان فيه تخفيف التكاليف ، واعتماد النصوص الموضوعة ، وتأليه الأشخاص ، والنزعات العدوانية .
﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
       القصص أيها الإخوة التي تقع كل يوم حول :
 
﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا
 
الإنسان عبدُ قهرٍ أو عبدُ شكرٍ : 
 
       لا تعد ولا تحصى ، إنسان يتمتع بدراسة في جامعات راقية جداً في أوروبا ، وإنسان بالتعبير المعروف حضاري راقٍ جداً ، وتسلم منصبًا رفيعًا جداً ، فقد بصره ، بعد شهر أحيل على التقاعد ، زاره صديق ، قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف أتسول على أن يرد الله لي بصري ! أين الدكتوراه ، والزوجة ، والبيت في أحلى أحياء دمشق ، والدخل ، الفلكي والمركبات ، أين ؟ أتمنى أن أجلس على الرصيف ، أمد يدي للناس ، على أن يرد الله لي بصري ! أنت مقهور ببصرك ، وسمعك ، وحركتك ، وعمل قلبك ، وعمل رئتيك ، وعينيك ، وأذنيك ، ولسانك ، وذاكرتك .
     أحد إخوتنا الكرام رحمه الله اتصل بابنه وقال له : أين بيتي يا بني ؟ قال : ساعة وأنا أبحث ، و لم أعرف أين بيتي ، هذا فقدُ ذاكرة جزئيٌّ ، فقد ذاكرته ! من الذي يضمن لك أنك إذا ذهبت إلى عملك ترجع إلى بيتك ؟ الله جل جلاله .
   لي أقرباء ، وهم قبل أن يموتوا بسنوات فقدوا ذاكرتهم ، تزورهم يقولون : من أنت ؟ يأتيه ابنه ، من أنت ؟ لا يعرفه ، ذاكرتك ، وحركتك ، وقلبك ، وصماماتك ، وشريانك التاجي ، أعصابك ، وعضلاتك ، وسمعك ، وبصرك ، ولسانك ، وعمل جهازك الهضمي ، الكظر كله بيده، الغدة النخامية ملكة الغدد ، أما وزنها فضخم جداً ، نصف غرام ، تعطي اثني عشر أمرًا هرمونيًا ! أحد هذه الأوامر هرمون النمو ، لولا هذا الهرمون لعاش الإنسان قزماً ! أحد هذه الأوامر هرمون توازن السوائل ، لو اضطرب هذا الهرمون كان شغلك الشاغل أن تقبع جنب الصنبور ، ودورة المياه ، تشرب ثلاث قارورات ماء في اليوم ، شرب وطرح ، لو قرأتم عن هذه الغدة التي هي ملكة الغدد لوجدتم شيئًا لا يصدق ، فأي خلل بهرموناتها ، وأوامرها تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، فسبحان من قهر عباده بالمرض والموت ، فأنت عبد لله فكن له عبداً طائعاً .
     لذلك فرق الله عز وجل بين العبيد والعباد ، العبيد جمع عبد القهر ، والعباد جمع عبد الشكر قال :
 
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا
( سورة الفرقان : من الآية 63 )
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
(سورة الحجر : من الآية 42)
لكن :
﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
 (سورة فصلت : من الآية 46)
     أي إنسان عبد قهر ، مقهور ، ألا يوجد أشخاص ماتوا في أوج عظمتهم ؟ وفي أوج صحتهم ؟ بحادث ، وفي أوج قوتهم ، وفي أوج غناهم ؟ سبحان الله الإنسان بالتعبير المعاصر سريع العطب ، مائة سبب يفقد الإنسان حياته في ثانية !
     لي قريب طالب في الطب ، كان متألقًا جداً ، وعلى مستوى مرتفع ، وعالٍ جداً ، فجأة حدث معه فقر دم ، زار أطباء كثر فقالوا له : إنه فقر دم ! صحته جيدة ، ويأكل طعامًا جيدًا ، وهو طبيب درس الطب ، بعد حين ، وبعد سفر إلى أوروبا كُشف أن الطحال عنده يعمل بنشاط زائد ، الطحال مقبرة كريات الدم الحمراء ، ومعمل كريات احتياط ومخزن لكريات الدم ، ومستودع ، ومعمل ، ومقبرة ، وهو مهمته أن يلتقط كرية الدم الحمراء الميتة ، يقبرها عنده ، ثم يحللها إلى هيموغلوبين يرسلها إلى الكبد ، وإلى حديد ، يرسله إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ، المشكلة أن هذا الطحال بدأ يأخذ الكريات الحية ، ويقتلها ليحللها ، نحن فرضاً نأتي بمعمل ، ونكبس السيارة التي هي للأنقاض ، أما هذا المعمل نستخدمه لسيارات حديثة جداً ؟ غير معقول ، فالخطأ البسيط لهذا الجهاز الطحال أودت بحياة هذا الأخ ، العالم كله وقف مكتوف اليدين ! ماذا نعمل مع الطحال ، يأخذ الكرية الحمراء الشابة ، ويقتلها كي يحللها ، أصبح هناك فقر الدم ، هذا الإنسان غذاؤه جيد جداً ، فبرأيك كم من جهاز ينهي حياتنا ؟ والله هناك مليون سبب للموت ، ولا أبالغ ، وهناك موت بلا سبب ، والرجل بكامل صحته !
      حدثني أخ رجل رياضي من الطراز الأول من ثلاثين سنة ، كل شيء يتكلم به عن الرياضة ، والمشي ، والجري ، والصحة ، وخبز النخالة ، والخضراوات والسلطة ، والحركة ، والنشاط ، والفيتامينات ، ليس له شغل شاغل غير صحته ، حدثني أخ كريم ، وهو في سن مبكرة ، وليست متأخرة عندما كان في المسبح وقع ميتاً بلا سبب .
      أخ ثان كان يقول في جلسة سمر : أنا أمامي وقت لأموت ، فقال له واحد : لماذا لا تموت ؟ قال : أنا رجل طعامي قليل ، وأعتني بصحتي ، ولا أدخن ، هذا كلام علمي ، تكلم ، وكل شيء صحيح ، كل يوم سبت عنده جلسة ، في السبت الثاني كان مدفوناً في التراب !
      نحن جميعاً مقهورون ، لا أحد يعرف متى يموت ، لا أحد يعلم ما في جسمه ، تجد شخصًا بأعلى درجة من العناية بصحته ، تجده فجأة ينشأ تفلت بنمو الخلايا بلا سبب ، هذه سبحان الله أمراض عضالة لا سبب لها ولا علاج ، أنا سميتها بوابات خروج ، كيف سيخرج الواحد ؟ قالت امرأة لطبيب قلب : ما نسبة نجاح العملية ؟ قال : ثمانون بالمائة ، قالت : ما تعني هذه النسبة ؟ قال : يأتي مائة شخص يموت منهم عشرون ، قالت : لا أريد ، فقال لها الطبيب : إذاً كيف نموت نحن ؟ إذا كان كله ينجح ، لم يعد هناك موت ، فنحن :
 
﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
 ( سورة الزمر : الآية 30 )
    بطولتنا أن نعمل لهذه الحفرة التي لابد منها ، شئنا أم أبينا ، نحن محكومون جميعاً بالموت مع وقف التنفيذ .
﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(83)قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
    فحوى دعوة الأنبياء واحدة ، ومضمونها واحدة .
 
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
 (سورة الأنبياء : الآية 25)
﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(84)وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
 
نحتاج إلى إسلام الباطن أولا : 
 
      الإسلام في جوهره أن تستسلم لله ، ليس عند الله دين فلكلور ، جلابية بيضاء ، ومسواك ، ومسبحة ، وعطر مسك من مكة أحضره معه ، والمعاصي لا حدود لها ، ليس عند الله مثل هذا الدين ، هذا دين فلكلور ، دين ثقافة فقط ، إسلام صالونات ، دين حفلات ، وإلقاء كلمات ، هذا غير موجود عند الله ، الدين فكر فقط ، رد على أفكار أعداء الدين ، لكن لا يوجد التزام أبداً ، هذا كله أنواع من الدين عجيبة ، إسلام صالونات ، إسلام عزائم ، إسلام أناشيد ، طرب ، أو مظاهر ، إسلام ألقاب علمية .
     الدين عند الله أن تستسلم له في كل أمر وفي كل نهي ، إن الدين عند الله الإسلام ، أن تخضع لله في شؤون حياتك كلها ، الدين الحقيقي أن يحكمك الإسلام بكل تفصيلاته ، لا أن تنتقي منه ما يعجبك ، كثير من الناس يحبون العمرة ، ركوب طائرة ، وإقامة بفندق ، وسفر ، ومشاهدات ، يقول لك : اعتمرت ثلاثا وثلاثين عمرة ، العمرة واجبة ، لكن في غير العمرة لا التزام في الدين إطلاقاً ، فأكثر المسلمين ينتقون من الدين ما يعجبهم ، هذه سهلة ، هذه فيها رحلة ، هذه فيها نشاط ، أما قل له : دع هذه السهرة المختلطة فلا يقبل ، أنفق من مالك في سبيل الله ، اضبط نفسك ، كل شيء يتعارض مع مصالح وشهواته يرفضه ، هو يختار من الدين ، وينتقي ما يعجبه ، فهذا الدين لا قيمة له عند الله ، ولأن هذا الدين ليس مرضياً عند الله فلا يمكّن أصحابه في الدنيا .
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
(سورة النور : من الآية 55)
     هذا الدين ليس مرضياً عند الله ، ونحن له مسلمون ، لذلك قال الله عز وجل :
 
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ
 (سورة البقرة : من الآية 62)
    إذاً : في الانتماءات الشكلية ، الانتماء الشكلي لا قيمة له إطلاقاً .
 
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
(سورة البقرة : من الآية 62)
   أي من آمن بالله الإيمان الحقيقي ، وكان عمله انصياعاً لمنهج الله ، وعطاء للناس آمن بالله ، واليوم الآخر ، وعمل صالحاً ، فهذا الناجي ، فلا خوف عليه ولا هم يحزنون .
 
﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
     ثم يقول الله عز وجل :
 
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
 
 كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
 
1 ـ هكذا كفر اليهود بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام :
 
       هؤلاء اليهود الذين استفتحوا على المشركين ، أنه سيأتي نبي في آخر الزمان ، وسنؤمن به ، وسنسبقكم إلى الإيمان به ، فلما جاءهم نبي كريم أنكروا عليه نبوته ، ورفضوا أن يؤمنوا ، قال بعض العلماء : هذه الآية تعني هؤلاء ، آمنوا به قبل أن يأتي ، ولما أتى كفروا به ، كيف هنا تفيد النفي ، لا يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ، هم يدينون لمصالحهم ، تحصيل حاصل .
 
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ
 
2 ـ كلُّ الأدلة تشهد على أحقية هذا الدين :
 
     والله أيها الإخوة هناك أدلة لا تعد ولا تحصى على أحقية هذا الدين ، قبل يومين أطالع في بعض المواقع المعلوماتية ، وجدت صورة لجامع في إزمير ، والقصة قديمة جداً ، ومعهدًا شرعيًا ، لم يبق سالماً إلا هذا المسجد والمعهد الشرعي ، وما سوى ذلك أنقاض لا يزيد ارتفاعها على أربعين سنتيمترًا ! البنية كلها ، أليست هذه رسالة من الله ؟ آلاف الرسائل من الله ، وهل يهلك إلا القوم الكافرون ؟ وهل نجازي إلا الكفور ؟ تجد كلما انحرف الناس جاء العلاج الإلهي .
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
    هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم .
 
3 ـ لابد من الثبات على الدين وعدم التزعزع :
 
    إخواننا الكرام بالمناسبة : أفضل ألف مرة أن تبدأ حياة الإنسان في شرود عن الله ، ثم يصطلح مع الله ، لا أن يبدأ حياته في اصطلاح مع الله ، ثم ينتكس ، الارتداد مخيف جداً ، يسبب اختلال توازن كبيرًا ، ومرضًا شديدًا ، ينبغي أنك إذا اصطلحت مع الله أن تكون ثابتاً ، قال تعالى :
﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
 (سورة الأحزاب : الآية 23)
     في معركة الخندق حينما كاد المشركون أن ينتصروا ، وأن يمحى الإسلام أصلاً قال أحدهم : أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى ، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ كأنه ارتد، والآن يقول لك أحدهم : أين الله ؟ !
     والله البارحة سألني أخ فقال : الكفار أقوياء جداً ، يفعلون ما يريدون ، هذا امتحان صعب ، الكافر الملحد المتغطرس القوي يبطش ، ويهدم ، ويسحق ، ويهدر ، ولا أحد يحاسبه ، أما إذا أصيبت هرة من طرفه بشظية تقوم الدنيا ولا تقعد ، شيء لا يحتمل .
     نحن في امتحان صعب جداً أيها الإخوة ، والله عز وجل له امتحانات عديدة ، أحد هذه الامتحانات أن يقوي الكافر إلى درجة أن يقول ضعيف الإيمان : أين الله ؟ ثم يظهر الله آياته ، إلى أن يقول الملحد لا إله إلا الله، ينبغي أن نصبر .
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
 (سورة آل عمران : الآية 139)
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
 
4 ـ هؤلاء قوم ظالمون :
 
   هؤلاء ظلموا أنفسهم فابتعدوا عن الهداية ، أرادوا الدنيا ، ظلم نفسه ، أو ظلم غيره ، فالظالم محجوب عن الله عز وجل .
 
﴿أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
 
 أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
 
انظر مَن لعن هؤلاءِ ، واعتبر بعدها :
 
     الله يلعنهم ، والملائكة تلعنهم ، والناس أجمعون يلعنونهم ، فشتان بين أن تكون في رحمة الله ، أو في لعنة الله ، الكافر في لعنة بعيد حياته شقاء ، قال تعالى :
 
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى
(سورة طه : الآية 124-126)
 
﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
 
  خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
 
1 ـ أين مَن يدخل الآخرةَ في حساباته ؟!
 
     بربكم كم من المسلمين أدخل الآخرة في حساباته اليومية ؟ ترك مبلغًا قال : معاذ الله ، هذا حرام أن آكله ، أخلص في عمله ، خاف من الله ، ترك مغنمًا كبيرًا خوف غضب الكبير ، كم من هؤلاء المسلمين يخشى الله عز وجل ؟ هم قلة ، والكثرة الكاثرة لا يخشون الله ، لذلك : وكأنهم غير مبعوثين ، وكأن لسان حالهم يقول : وما نحن بمبعوثين .
 
﴿أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(87)خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
 
2 ـ الكافر يوم القيامة في ذلةٍ وصَغارٍ :
 
      هو أصغر من أن يستحق نظرة الله عز وجل ! في الدنيا ما كان يعرفه أبداً ، وما كان يرحم عباده أبداً ، إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي .
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
 
  إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
 
     سبحان الله كلما جاءت آيات الشدة جاءت آيات الرحمة .
 
﴿وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
 (سورة العصر : الآية 1-3)
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا
       دققوا :
﴿وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
 
1 ـ مغفرة الله للعبد بعد توبته وإصلاحه :
 
       هناك آيات كثيرة ، فالله مغفرته بعد أن تتوب ، وتصبح علاقتك بالله عز وجل .
 
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
      غفور يمحو الماضي ، رحيم يعطيك عطاء جزيلاً ، غفور كلمة سلبية ، نظفنا هذا البيت ، ثم فرشناه بأفخر الأثاث ، غفور عفا عن كل ما مضى ، ورحيم منحك كل عطاء ، بشرط :
 
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا
     فالحقيقة التوبة والإصلاح يعنيان أن تقلع عن الذنب فوراً ، وأن تعقد العزم على ألا تعود إليه مستقبلاً ، وأن ترمم ما مضى سابقاً ، فهناك عملية متعلقة بالماضي ، وعملية متعلقة بالمستقبل ، وعملية متعلقة بالحاضر ، فعملية الحاضر إقلاع ، وعميلة المستقبل عزم ، وفي الماضي إصلاح ، فهذا الذي تاب ، وأصلح فإن الله غفور رحيم .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
 
  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
 
1 ـ الموقف الفكري سلوك خطير :
     يروي بعض المفسرين أن اليهود أيضاً آمنوا بالنبي قبل أن يبعث ، ولما بعث كفروا به ، وازدادوا كفراً بإلهه ، أحياناً تجد كافرًا مسالمًا ، هو كافر ، لكن ثمة كافر يتدخل في شؤون المسلمين كي يؤذيهم ، ويضعفهم ، وهذا ما يفعله أعداؤنا ، هو في بحبوحة كبيرة فيحب أن يأكل كل شيء ، يحب أن يضعف المسلمين ، وأن يفقرهم ، ويحتل أرضهم ، فعندنا كافر ، وكافر مؤذٍ.
 
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
     أحياناً الموقف الفكري وحده خطأ كبير ، لكن أحياناً مع الموقف الفكري سلوك خطير ، هناك إنسان نمطه مسالم ، لكنه شهواني ، هذا أقرب إلى التوبة من هذا الذي يفسد ، فاسد مفسد ، ومذنب ، ويحمل الناس على الذنب ، وهناك شخص فاعل ، وشخص يفعل في غيره ما يفعله في نفسه ، هذا من أشد المعاصي والآثام .
﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ
      العلماء أجمعوا على هذا الحل ، أما إذا تابوا فلا مشكلة .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا
     ولقوا الله على هذه الحال ، وحشروا على هذه الحال .
﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ
الآية الأخيرة :
 
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ
 
  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ
   
لا ينفع مالٌ يوم القيامة للنجاة من عذاب الله :
 
     إذا كان مع شخص كيلو من الذهب ، ثمنه خمسمائة ألف ، الأرض كم كيلو ؟ يوجد أرقام كبيرة جداً ، مليارات الأطنان ، لو أن وزن الأرض ذهباً ، وقدمته يوم القيامة لتنجو من عذاب الله لم يقبل ، أما الآن فمطلوب منك دفع ثمن أقلّ بكثير ، واحد بمليار المليار ، أن تستقيم على أمر الله ، وأن تصلي ، أن تدعو الله ، وأن تغض بصرك ، وأن تحصن فرجك ، وأن تحلل دخلك ، أن تنفق مالك في سبيل الله ، أنت مكلف بأشياء ضمن إمكانيتك ، لكن يوم القيامة لو معك ملء الأرض ذهبًا من أجل أن تدفعه كفدية من عذاب الله لا تستطيع .
    الآن مطلوب منك شيء بسيط جداً ضمن إمكانيتك ، قال عزوجل :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
(سورة البقرة : من الآية 286)
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء .
 
والحمد لله رب العالمين
 
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب