سورة سبأ 034 - الدرس (8): تفسير الأيات (31 – 39)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة سبأ 034 - الدرس (8): تفسير الأيات (31 – 39)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 22 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 13 - واجبنا في ظل الظروف - الذي أطعمهم من جوع           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - البلاء           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 394 - سورة المائدة 014 - 018           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 47- خماسية النصر- مهدي اسليم -21 - 04 - 2024           برنامج مع الأسرى: مع الأسرى - حلقة46 - 21 - 4-2024         

الشيخ/

New Page 1

     سورة سبأ

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة سبأ ـ (الآيات: 31 - 39)

30/06/2012 15:42:00

سورة سبأ (034)
 
الدرس (8)
 
تفسير الآيات: (31 ـ 39)
 
 
 
لفضيلة الأستاذ
 
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
       الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
         أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس الثامن من سورة سبأ ، ومع الآية الواحدة والثلاثين ، والتي تبدأ بقوله تعالى:
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ(31)قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ
 
حوارٌ في النار بين أهل النار :
 
      حوارٌ طويلٌ ومؤثِّرٌ يجري بين أهل الكفر يوم القيامة وهم في النار ، هذا الحوار ساقه الله لنا ونحن في الدنيا ، لماذا ؟ من أجل أن نأخذ الحذر ، إذا كنت منحرفاً أيها الإنسان ، إذا لم تؤمن بالحق الذي جاء من عند الله عزَّ وجل ، فسيكون وضعك يوم القيامة مثل هؤلاء ..
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
1 ـ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
 
من هم الذين كفروا ؟ الذين أعرضوا عن الله عزَّ وجل ، الإيمان في أدقِّ تعاريفه تصديقٌ وإقبال على الله عزّ وجل ، والكفر تكذيبٌ وإعراض .
 
التكذيب العملي أبلغُ من التكذيب القولي :
 
أيضاً هناك شيئان أساسيَّان في الكفر ، أن الكافر يكذّب بما جاء من عند الله ، فإما أن يكذِّب قولاً ، وإما أن يكذِّب عملاً ، وأنا أقول لكم : التكذيب العملي أبلغ من التكذيب القولي ، التكذيب القولي أن تقول : أنا لست مؤمناً بهذا الكتاب ، ولا بهذه الرسالة ، لو قلت هذا الكلام لجاءك من يقنعك ، من يقدِّم لك الدليل ، البيان ، الحجَّة ، البرهان ، أما إذا قلت : أنا مؤمن ، ولكن في المجال العملي ليس في أعمالك ما يؤكِّد هذا الإيمان ، فهذا التكذيب العملي أخطر لأنه أخفى من التكذيب القولي ، فالإنسان يكون صريحاً ، إذا آمن فليُعلن ، وإذا كفر فليُعلن ، لأنه إذا أعلن قد يأتي أناسٌ يقنعونه ، يبيِّنون له ، يوضِّحون ، أما إذا أخذ موقفاً منحرفاً ، وأعلن أنه مؤمن ، هذا المنافق الذي قال عنه الله عزَّ وجل :
﴿ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ﴾
(سورة النساء : من الآية 145)
       فالكفر في أساسه تكذيبٌ وإعراض ، كيف أن الإيمان تصديقٌ وإقبال ، الكفر تكذيب وإعراض ، هؤلاء الكفَّار :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ ﴾
 
2 ـ لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ
 
لا تتوّهم الدين تقييدًا للحريات :
 
       الحقيقة هو أن الكافر لأنه مقيمٌ على شهواتٍ كثيرة ، وعلى انحرافاتٍ خطيرة ، فإذا لم يؤمن لا لأنه لم يقتنع ، لا ، لم يؤمن لأنه لو آمن لضاقت عليه شهواته ، ولحوسب ، ولطولِب ، فالكافر لا يؤمن لأن الإيمان في نظره سَيُقَيِّده ، ولو علم الكافر أن الإيمان ليس حدَّاً لحريَّته ، ولكنَّه ضمانٌ لسلامته ، وفرقٌ كبير بين أن تتوهَّم الإيمان تضييق لحريَّاتك ، وبين أن ترى الإيمان ضمانٌ لسلامتك ، فكلمة خطر الموت على التوتر العالي ، هذه اللوحة وضِعَت من أجل تحذير الناس ؛ لا من أجل تضييق حريَّتهم ، كلمة : انتبه حقل ألغام ، هذه الكلمة لم توضع من أجل الحدِّ من حريَّة المواطنين ؛ ولكنَّها وضِعَت من أجل ضمان سلامتهم ، فإذا كان في الشرع أمرٌ ونهيٌ ، حلالٌ وحرامٌ ، فالحرام من أجل ضمان سلامة الإنسان .
      يجب أن تعلم أيها الأخ الكريم أن الشيء الذي تتوقَّف عليه سعادتك ـ دقِّق ـ الشيء الذي تتوقَّف عليه سعادتك فَرَضَهُ عليك ، حياتك تتوقَّف على التنفُّس فالتنفس فرض ، تتوقَّف على الماءفالماء فرض ، تتوقَّف على الطعام تناول الطعام فرض ، الشيء الذي تتوقَّف عليه سلامتك وسعادتك جعله الله فرضاً ، أمرك أن تؤمن ، أمرك أن تصلي ، أمرك أن تستقيم ، أمرك أن تنضبط ، والشيء الذي يُسَبِّب هلاكك جعله مُحَرَّماً .
     عندنا في الشرع فرائض ومحرَّمات ، الأشياء التي تُتَمِّم الفرائض جعلها الله سُنَنَاً ومندوباتٍ ومستحبَّات ، والأشياء التي يمكن أن تؤدي إلى الهلاك ، الوسائط التي يمكن أن تودي إلى الهلاك جعلها الله مكروهات ، مكروهات تحريم ومكروهات تنزيه ، والأشياء التي لا علاقة لها لا بسعادتك ولا بهلاكك جعلها مباحات ، فالمباح شيء ، والمندوب شيء ، والمكروه شيء ، والحرام شيء ، والفرض شيء ، فالكافر ما كفر لأن الدين ليس منطقياً ، ما كفر لأن الدين ليس واقعياً ، كفر لأنه توهَّم أن الدين يَحُدُّ من شهواته ، فحينما بعث الله الأنبياء من الذين عارضوهم ؟ عليَّة القوم ، أرباب الأموال ، أرباب الجاه ، من لهم مصالح في الكفر ، لذلك هؤلاء الكفَّار قالوا :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ ﴾
         هنا تعليق : هو أنك إذا رأيت ذهباً وقلت : أنا لست مؤمناً بأن هذا ذهبٌ ، هل يصبح هذا الذهب حديداً ؟ لا ، يبقى ذهباً ، فأنت إذا آمنت بالشيء لا ترفع من قيمته ، وإذا كفرتبه لا تقلِّل من قيمته ، الشيء هوَ هو ، فهذا الكافر المسكين حينما لم يؤمن ماذا فعل ؟ ظلم نفسه فقط ، ما ظلم أحداً غير نفسه ..
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ ﴾
 
ماذا في القرآن ؟
 
   ماذا في القرآن ؟ سعادتك في القرآن ..
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾
(سورة الإسراء : من الآية 9)
       هذا القرآن منهجٌ لك ..
﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(123) ﴾
(سورة طه)
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) ﴾
(سورة البقرة )
       حينما لم تؤمن بالقرآن ماذا فعلت ؟ القرآن قرآن ، هو حقٌ ، وصدقٌ ، وخيرهٌ مطلقٌ ، ونفعه عميمٌ ، هو حبل الله المتين ، هو صراطه المستقيم ، هو حبل النجاة ، هو الطريق إلى الفلاح ، هو الغنى الذي لا فقر بعده ، هو الغنى الذي لا غنىً دونه ، هو الذي يأخذ بيدك إلى الجنَّة ، فإذا قلت : أنا لا أؤمن به .
      مرَّة ثانية يمكن أنتقول : أنا مؤمنٌ بهذا القرآن ، ولا يُرى في سلوكك ما يشير إلى ذلك ، تتعامل بعلاقاتٍ ربويَّة ، مع أن القرآن يقول:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
(سورة البقرة : من الآية 279)
       يمكن أن تقول : أنا مؤمنٌ بهذا القرآن ، ولا تعبأ بقوله تعالى :
 
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
(سورة النور : من الآية 30)
       يمكن أن تقول : أنا مؤمن بهذا القرآن ، وتمتنع عن دفع زكاة مالك ، فهذا الذي يدَّعي أنه مؤمن بهذا القرآن ، ولا ترى في حياته ما يشير إلى صدق إيمانه بهذا القرآن ، هذا اسمه في الحقيقة مكذِّبٌ ، ولكن تكذيبه ليس قولياً ، بل تكذيبٌ عملي .
 
التكذيب العملي للقرآن يودي بصاحبه للهلاك في الدنيا :
 
       ومرَّةً ثانية أقول لكم : إنَّ أخطر أنواع التكذيب هو التكذيب العملي ، فأخطر أنواع الأمراض هي الأمراض التي ليس لها أعراض ، فجأةً مصابٌ بمرضٍ خطير ، أنت ما شعرت به ، أما المرض الذي له عرض مبكِّر ، فالقضيَّة سهلة جداً ، حينما ترتفع الحرارة تذهب إلى الطبيب ، فهذا الذي يقول : أنا لست قانعاً بالقرآن ، هذا أفضل ألف مرَّة من الذي يسكت ، ولا تجد في حياته ما يُشْعِرُ بأنه مؤمنٌ بهذا القرآن ، عندما يقول ربنا عزَّ وجل:
﴿ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾
(سورة البقرة : من الآية 221)
       حينما تبحث عن زوجةٍ على جانبٍ كبير من الجمال مع رقَّةٍ في الدين ، ولا تبالي بهذه الآية ، سوف تكون حياتك معها جحيماً ، أنت لم تبالِ بهذه الآية ، حينما يأتيك رجل شابٌ ترضى عن دينه وعن خُلُقِهِ لكنَّك لا ترضى عن رقَّة أحواله ، ولا عن ضعفه ، فترفض تزويجه أنت ماذا فعلت ؟ أنت ضربت بعرض الطريق بقوله تعالى :
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
(سورة البقرة : من الآية 221)
       فنحن لا نريد إنساناً يضع القرآن في صدره ، ولا في مقدَّمة سيارته ، ولا في محلِّه التجاري ، ولا في مكان بارز من بيته ، ولا تجد في حياته ؛ لا في كسبه للمال ، ولا في إنفاق المال ، ولا في علاقاته الاجتماعيَّة ما يُنْبِئ بأنه مؤمنٌ بهذا الكتاب ، المؤمن إيمانه صارخ ، ظاهر ، بارز ، بَيِّن لأنه مؤمن ، هذه حرام لا أفعلها ، كان سيدنا عمر وقَّافَاً عند كلام الله ، ما دام الله قد أمر بهذا فليفعل ، نهى عن كذا فليمتنع ، إذاً حينما يقول الكفَّار :
﴿ لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ ﴾
  القرآن في السماء ؛ رفعةً ، وسمواً ، وتألُّقاً ، وحجَّةً ، وبرهاناً ، ماذا ينفع قولهم ؟
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾
 
3 ـ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
 
       أغلب المفسِّرين على أن الذي بين يديه هو التوراة والإنجيل ، أي أن هذا الكافر ليس كافراً بالإسلام وحده ؛ بل كافر برسالات السماء كلِّها، كافراً بأن هذا الخالق العظيم لا يعقل أن يرسل لعباده كتاباً ولا رسولاً ، كافراً بأسماء الله الحسنى ..
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾
       أحياناً إنسان منحرف سارق مجرم ، يتبجَّح ، يتطاول ، يقول : أنا أفعل ، أنت لو تراه حينما يلقى القبض عليه وهو ذليل ، وهو خانع ، وهو يتوسَّل ، وهو يبكي ، وهو يرتمي على الأرض ليقبِّل النِعال ، لو تراه في مصيره بعد أن يلقى القبض عليه ، وكذا حال الكافر ، هذا الموقف العنيد ، موقف الإباء ، موقف الاستعلاء ، العنجهيَّة ، الغطرسة ..
﴿ لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ ﴾
   الله عزَّ وجل سيريك نهايته يوم القيامة ، قال:
﴿ وَلَوْ تَرَى ﴾
 
4 ـ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ
 
        ولو ترى يا محمَّد هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم حينما كفروا بالقرآن ، لو ترى يا محمَّد هؤلاء الكفَّار وهم يتعذَّبون في النار ، وهم يتصايحون ، وهم يصرخون ، وهم يُعذَّبون ، فالبطولة أن ترى مصير الإنسان ، تماماً كهذا المجرم الذي يقول : أنا أفعل كذا ، أنا أتحدَّى فلاناً، هذا الكلام لا قيمة له ، انظر إليه وهو في قبضة العدالة ، انظر إليه وهو وراء القُضْبَان ، انظر إليه إذا واجهه الصحفيون كيف ألقى نظره إلى الأرض ، انظر إليه وقد وقع على قدم المحقِّق يقبِّلها ويسترحمُه ، لا تنظر إلى عنجهيَّته ، ولا إلى غطرسته قبل أن يُلقى القبض عليه ، أضرب لكم بعض الأمثلة ، قال :
 
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
ألقي القبض عليهم  ..
 
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾
(سورة القصص)
      أي أُلْقِيَ القبض عليه ، وأُحْضِرَ لينال جزاء عمله ..
 
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ﴾
 
5 ـ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ
 
      الآن سينشأ حوار حقيقي بين هؤلاء الكفَّار ، بين الذين كفروا والذين اتبعوا هؤلاء الكفَّار ، هناك أقوياء وهناك ضعفاء ، أقوياء متبوعون وضعفاء تابعون ، أقوياء يتصدَّرون المجالس وضعفاء يقلِّدونهم ، أقوياء يصدرون التعليمات وضعفاء يتلقَّونها ، في الحياة قوي وضعيف ، غني وفقير ، الفقير يقلِّد الغني ، والضعيف يقلِّد القوي ، فالآن الحوار بين المتبوعين والتابعين ، بين الأقوياء والضعفاء ، بين المُقَلِّدين والمُقَلَّدين ، بين الذين يتزعَّمون الكفر وبين الذين يكفرون ..
﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾
 
6 ـ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا
 
حوارٌ في النار بين التابع والمتبوع :
 
  كانوا تابعين ، كانوا خاضعين ..
 
﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾
7 ـ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
 
        أي أنتم السبب ، أنتم الذين أوصلتمونا لهذا المكان ، أنتم سبب شقائنا ، أنتم سبب تعاستنا ، أنتم السبب في هذا العذاب المهين ..
﴿ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
        الآن اسأل طالباً رسب ، قلَّما تجد طالباً راسباً يقول لك : والله أنا قصَّرت ، يقول لك : أستاذنا لا يفهم ، أستاذنا ما علَّمنا ، الأسئلة غير منطقِّية ، لا ينسب التقصير له أبداً ، قال  :
 
﴿ لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ(31)قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ﴾
 
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواأَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ
 
 الآن الرد ..
﴿ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾
 
الإنسان مختارٌ في اتباع الفساد :
 
        أنتم مثلنا مجرمون ، فهذه الآية تنفي أن يضلَّ إنسانٌ إنساناً ، لأن الإضلال موجود ، لماذا استجاب فلان ، ولم يستجب فلان ؟
        طالب فاسد ، لماذا أفسد زميله فلاناً ، ولم يستطع أن يفسد زميله الثاني ؟ معنى ذلك أن الذي أفسده عنده رغبةٌ في الفساد ، الذي أفسده كان مخيَّراً ، ولم يكن مجبراً ، هذا الذي يُفْسِد ليس معه سلطة ، الآية واضحة ، إنه ليس لك سلطانٌ إلا على الذين اتبعوك ..
 
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ( 42 ) ﴾
( سورة الحجر)
        فالذي يفسد ما معه سلطان ، والذي أفْسِد كان مخيَّراً ، وكان بإمكانه أن يرفض ، فالإنسان كلَّما وقع في خطأ ، في معصية ، يكيل السُباب للشيطان ، هذا كلام فارغ ، وكلام لا معنى له ، عليه أن يُكِيلَ السُباب لنفسه ..
﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنْ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾
      أنتم كنتم مخيَّرين وكنتم راغبين في الفساد ، واتبعتمونا لأنكم اتبعتم هوىً في نفسكم ، ونحن لا علاقة لنا بإفسادكم ، ولا بإضلالكم ، ولا بهذا المصير الأسود الذي وصلتم إليه ، الحقيقة من المؤلم جداً أن تسترشد بإنسان ، وتدفع الثمن باهظاً ، ثمَّ يتخلَّى عنك ، لو أرشدك صديقك على عمل مخالف للقوانين ، ووقعت في قبضة القانون ، وقلت : فلان دلَّني على ذلك ، يسخرون منك ، يقال لك : أين عقلك ؟ يقول عامة الناس : أخي افعلها وضعها في رقبتي ، هذا كلام ليس له معنى أبداً ، كل إنسان محاسب بعمله ..
 
﴿ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
(سورة الأنعام : من الآية 164)
 
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾
 
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
 
          ألم تكونوا تلتقون بنا في الليل ، تقنعوننا بالكفر ، وبأن هذا الدين خرافة ، وبأن هذا الدين غيبيَّات ، وبأن هذا الدين حالات ضعف تعتري الإنسان أمام قِوى الطبيعة المجهولة لذلك يتديَّن ؟ ألم تقولوا لنا سابقاً : إن الأشخاص المخفقين في حياتهم يتديَّنون ؟ هذه الفكرة الآن مطروحة ، فأي إنسان بعيد عن الدين إذا رأى إنساناً صاحب دين يقول : أنت متديِّن لأن الطرق قد سُدَّت في وجهك ، أنت متديِّن لأنك ضعيف ، هذا كلامهم وسوف يكتشفون خطأهم ، والحقيقة المؤمن يؤمن بالله عزَّ وجل وهو في أعلى درجات القوَّة ، وهو في أعلى درجات التألُّق ، وهو في شبابه ، الدنيا كلُّها بين يديه ، ومع ذلك آثر الله والدار الآخرة ، هذا الإيمان .
        ولا يمنع إنسان إذا أصابته مصيبة فاتجه إلى الله ، هذه حكمةٌ أرادها الله عزَّ وجل ، لكن الأصل أنت مؤمن ، لأنك آمنت بالله ، لا لأنك ضعيف فآمنت ؟ هذا كلام مخطئ ، لأنك لا لأنك مخفق في حياتك آمنت ، أو لأنك فقير آمنت ؟ لا ، أنت آمنت لأن الله موجود ، ولأنه واحد ، ولأنه كامل ، ولأن له منهجاً صحيحاً ، هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة ، إذاً :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ﴾   
   يبدو أن الحوار عقيم ، كل فريقٍ يرمي بكرة الاتهام إلى الفريق الآخر ، والفريق الآخر يردُّ هذه الكرة مرَّةً ثانية ، عملية حوار عقيم ، أي أن المستكبرين يتبرَّؤون من أسباب إفساد الناس ، والمستضعفون يُنيحون باللائمة على هؤلاء المستكبرين ، ثم الذي حصل أن كلا الفريقين المستكبرين والمستضعفين ، المتبوعين والتابعين ، الأقوياء والضعفاء ، المفسدين والفاسدين ، أن كلا الفريقين أَسَرَّ الندامة ، أي عرف أنه دفع ثمناً باهظاً لكفره ، وقع في شرِّ عمله .
 
ليس للعاقل أن يوصل نفسه إلى هذا الطريق المسدود :
 
       يا أيها الإخوة الأكارم ... الإنسان العاقل لا يوصل نفسه لهذا المكان ، ولا لهذا الموقف الصعب .
     أضرب مثلاً : لو أن إنسانا تورَّط وقتل إنسانا ، وحُوكِم محاكمةً عادلةً ، وصدر أمر بإعدامه ، والقرار صُدِّق ، وسيق إلى الإعدام ، وهو على حبل المشنقة بدأ يتوسَّل ، يقال له : ابكِ إذا شئت ، فلا بكاؤك ، ولا توسُّلك ، ولا ترجِّيك ، ولا ضحكك ، افعل ما شئت ، تكلَّم ما شئت ، لابدَّ من أن تلقى جزاء عملك  .
       فالإنسان لا يصل مع الله إلى طريق مسدود ، لا يصل مع الله إلى موقف ليس له حل ، لا يصل مع الله إلى موقف لا تنفعه حجَّةٌ ، ولا برهان ، ولا شفاعة ، ولا مال ، ولا أهل ، ولا أولاد ، هذا الطريق خطير جداً ، فما دام القلب ينبض معنى هذا أن هناك أملا ، معنى هذا أنك في بحبوحة ، معنى هذا أن باب التوبة مفتوح ، فالله عزَّ وجل كأنه يسرِّب مشاهد من يوم القيامة ، انتبهوا ، هكذا المصير ، قال تعالى :
﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) ﴾
(سورة آل عمران)
 
لا تغتر بالمترفين :
 
       فإن رأيت إنساناً كافراً في حياة مترفةً ، في بيته ، في مركبته ، في حياته الخاصَّة ، لا تغترَّ بهذه الحياة ، لا تتمنَّى أن تكون مكانه ، لا تراه ذكياً ، إن رأيته ذكياً فأنت لا تعرف شيئاً ، فقارون خرج على قومه في زينته ..
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ﴾
(سورة القصص : من الآية 81 )
 
﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79) ﴾
(سورة القصص)
       والآن إذا مرَّ الإنسان على بيت فخم ، فيلا فخمة بمصيف ، إذا قال : ليت لي مثل ما أوتي صاحبها ، لا يعرف شيئاً ، إن رأى مركبة فخمة فقال : ليتني أملك مثلها لا يفقه شيئاً ..
 
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾
(سورة القصص : من الآية 80)
       فربنا عزَّ وجل يسرِّب لنا مشاهد من يوم القيامة ، مشاهد صارخة ، مشاهد مؤثِّرة ، أن هذا الكافر الذي تراه في الدنيا متغطرساً ، مستعلياً ، مستكبراً ، يأبى أن يصلي ، الآن تجد المشيعون لأكثر الجنائز يقفون خارج المسجد يدخِّنون ، هو أكبر من أن يصلي ، أكبر من أن يدخل بيت الله عزَّ وجل ، هذا الموقف الذي فيه عجرفة ، واستكبار ، وإباء ، يقول لك : أنا علماني ، أنا أؤمن بالعِلم ، هل الدين ليس فيه علم ؟ العلم كله جاء من الدين ، هذا الموقف الذي فيه استكبار ، أنت انظر كيف أن الله سرَّب لك مشهداً ، هذا الكافر المستعلي المستكبر هذا مصيره ؛ ذليل ، خانع ، واقع في شر أعماله ، يدفع الثمن باهظاً ..
 
﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ ﴾
 
وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ
 
ولات حين ندمٍ :
 
       هذا المصير المحتوم ، فالذي أتمنَّاه على كل أخ وهبه الله عقلاً راجحاً أن لا يصل مع الله إلى هذا الطريق المسدود  ، إلى هذا الموقف العصيب الذي لا مندوحة عن تلقي العذاب فيه ، كهذا الذي حُكِمَ عليه بالإعدام ، يبكي سيعدم ، يضحك سيعدم ، يستعلي سيعدم ، يتذلَّل سيعدم، انتهى الأمر ، كان عليه أن يفكِّر قبل أن يقبل على هذه الجريمة ، وهذا الإنسان بعد أن وصل إلى ما وصل إليه كان عليه أن يقف ، ويفكِّر قبل أن يعصي ، قبل أن يكفر ، قبل أن يقول : أنا وأنا ..
﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ ﴾
  والحقيقة كأنَّهم خافوا الشماتة ، فأصعب شيء على الإنسان أن يشمت الناس به ، أصعب شيء أن تغدو أنت قصَّةً للناس ، أصعب شيء أن يعتبر الناس بحياتك ، بقصَّتك ، هؤلاء المجرمون يبدو أنهم كرهوا أن يُشْمَتَ بهم ، قال :
﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
 
 
وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا
 
1 ـ ذلٌّ ما بعده ذلٌّ :
 
        أغلال ، فالإنسان طليق ما دام غير مذنب ، في الدنيا جالس في بيته ، يحب الذهاب إلى مكان جميل ، يحب الذهاب إلى السوق ، يجب السفر يغادر القطر ، الأمور كلها مفتوحة أمامه ، أما إذا ضُبِطَ بجريمةٍ أُلقي القبض عليه ، ووضِعَت يداه في القيود ، وسيق إلى السجن ، وضِعَ في زنزانة ، لماذا فقد حريَّته ؟ لأنه خالف القوانين والأنظمة ..
 
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39) ﴾
(سورة المدثر)
       طُلَقَاء ، القبر يمتدُّ حتَّى يكون مَدَّ البصر ، يتسع حتَّى يكون مدَّ البصر ، القبر روضة من رياض الجنَّة ، وقبر الكافر يضيق عليه حتَّى تختلف أضلاعه ، الآية الكريمة :
 
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾
(سورة غافر : من الآية 46)
       آل فرعون ، منذ ستة آلاف عام ، كل عام ثلاثمائة وخمسة وستين يوم ـ﴿ غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾ ـ مرَّتين في اليوم ، ستة آلاف وخمسمئة عام ، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، ضرب اثنين ، والخير إلى الأمام ..
 
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
 
2 ـ راجع نفسك قبل أن تندم :
 
       فلذلك إذا عطَّل الإنسان عقله يكون شقياً شقاء كبيراً ، قبل أن تتكلَّم هذه الكلمة راجع نفسك ، قبل أن تأخذ هذا المالراجع نفسك .
      حدَّثني أخ في بلاد الحجاز عن بدوي له أرض في أطراف جدَّة ، امتدَّت جدة في العمران إلى أن أصبحت هذه الأرض ضمن حدود جدة الحديثة ، فتوجَّه صاحب هذه الأرض إلى أول مكتب عقاري ليبيعها ، شعر أصحاب هذا المكتب أنه لا يعرف قيمتها تماماً ، فأقنعوه بثمنٍ بخس ، أعطوه مبلغاً يساوي عُشْرَ ثمنها الحقيقي ، وأشادوا بناءً من ثلاثةٍ وعشرين طابقاً ، هم شركاءٌ ثلاثة ، أول شريك وقع من على هذا البناء فدقَّت عُنُقُه ـ هذه القصَّة واقعيَّة ـ الشريك الثاني مات بحادث سيارة ، الشريك الثالث فكَّر ، الآن سلك الطريق الصحيح ، عزا موت شريكه الأول وشريكه الثاني إلى أن الله أتلفهما لأنهما أكلا مالاً حراماً ، فبحث عن صاحب الأرض ، وبقي يبحث عنه ستة أشهر ، إلى أن عَثَرَ عليه ، وأعطاه فرق ثمن الأرض ، أي أخذناه منك بخمسمائة ألف ريال ، الآن ثمنها خمسة ملايين ، فخذ الثلث ، فقال له هذا البدوي : أنت لحقت حالك .
       فكِّر قبل أن تقدم على أكل مال الناس بالباطل ، قبل أن تقدم على أن تنتهك عِرض فلانة ، قبل أن تقدم على تطليق زوجتك المخلصة لنزوةٍ طائشة ، قبل أن تأخذ هذا المحل التجاري كلَّه لك ، وتلقي بالشريك خارج المحل ، لأنه ليس له اسم بعقد الإيجار ، قبل أن تغتصب هذا البيت ، قبل أن تغتصب هذه الأرض ، قبل أن تأكل المال الحرام فكِّر في هذه الساعة التي تقف فيها بين يدي الله عزَّ وجل ليسألك .
      لذلك المؤمن دائماً يبحث عن جوابٍ لله عزَّ وجل ، يعنيه أن يجيب الله عزَّ وجل عن سؤالٍ دقيق : لماذا أخذت هذا المال ؟ لماذا طلَّقت هذه الزوجة ؟ لماذا اغتصبت هذا المحل التجاري ؟ لماذا أخرجت شريكك خارج الشركة ؟ استضعفته ؟ لماذا أكلت مال اليتيم ؟ هذا كلُّه سوف نحاسب عليه ، فالعاقل هو الذي يفكِّر تفكيراً صحيحاً ..
﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
 
هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
 
      لا ظلم ، اسأل أي إنسان جاءته مشكلة في قرارة نفسه يعترف بذنبه .
      أنا أعرف قصَّة جرت في أحد أسواق دمشق ، يظهر أنهم تراشقوا الرصاص ، فرصاصة طائشة أصابت صاحب محل تجاري في عموده الفقري فأصابته بالشلل فوراً ، قال لي أحدهم : هذا ما ذنبه ؟ جاء إلى محلِّه التجاري ليبحث عن رزق أولاده ، ما له ذنب أبداً ، قال لي : أين عدالة الله عزَّ وجل ؟ قلت : هذه قصَّةٌ علمت أنا وأنت بعض فصولها ، أما فصولها الأخرى فنحن لا نعرفها ، والله الذي لا إله إلا هو مضى على هذه القصَّة عشرون يوماً ، لي طالبٌ حدَّثني عن قصَّةٍ ، وهو لا يدري ما الموضوع ، قال لي : لنا جارٌ ياأستاذ أكل مال الأيتام ظلماً ، ومال أولاد أخيه الأيتام ، وكان عليهم وَصِيًّا ، امتنع عن إعطائهم عشرين ألف ليرة ـ والقصَّة قديمة  حدثت في الستينات ـ شكوه لبعض علماء دمشق الأجلاء ، فاستدعى العم ، وحضَّه على دفع المال لأولاد أخيه ، هذا العم امتنع وأبى ، فقال هذا العالِم لأولاد الأخ : أشكوه إلى الله ، هذه القصَّة كانت في الساعة الثامنة مثلاً من مساء السبت ، في الساعة العاشرة في اليوم التالي جاءته الرصاصة في عموده الفقري ، وأصابته بالشلل .
      الإنسان أحياناً يرى حادثة ظاهرها فيه ظلم ؛ لكن وراءها عدالة مطلقة ، والحقيقة كل إنسان آخذ حقَّه ، والإنسان يعرف .
       سأضطر أن أذكر قصَّة ثالثة ، ولكنها ، رمزيَّة وليست واقعيَّة ، أنتم تعرفونها مني سابقاً : شوحة سألت سيدنا سليمان : ربنا عجولٌ أم مهول ؟ فقال لها : إنه مهول كما أعلم ، فاطمأنَّت لهذا التوجيه ، فجاءت لأناسٍ يأكلونلحماً فسرقت هذا اللحم ، وطارت به ، علق بهذا اللحم قطعة فحم مشتعلة ، أحرقت عشَّها ، وبيضها وكل شيء ، رجعت إليه ، وقالت له : ألم تقل : إن ربَّك مهول ، ها هو ذا عجول ، فقال : يا رب بماذا أجيبها ؟ فقال الله عزَّ وجل : قل لها : هذا حساب قديم  .
       أحياناً الإنسانيدفع ثمن أشياء قديمة من عشرات السنين ، من أربعين سنة ضرب والده ، في المكان نفسه جاء ابنه ليضربه اليوم ، هناك قصص كثيرة جداً ، فالإنسان قبل أن يُقْدِم على معصية ، قبل أن يقدم على كسب مال حرام ، قبل أن يأخذ ما ليس له ، قبل أن يغتاب ، قبل أن يتَّهم ، قبل أن يوزِّع التهم على الناس ، قبل أن ينهَش في أعراض الآخرين ، قبل أن يغوص في المعاصي ، ليفكِّر هناك إلهٌ عادل بالمرصاد ..
 
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14) ﴾
(سورة الفجر)
         يرى كل شيء ، ويعلم كل شيء ، وسيحاسبك عن كل شيء  ..
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾
(سورة الحجر)
 
﴿ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
أي يا عبادي هل رأيتموني أجازي إلا الكفور ؟
 
﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ(17) ﴾
(سورة سبأ)
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
(سورة النساء : من الآية 147)
      
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾
 
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
 
          مرَّةً ثانية : المترفون دائماً هم كفارٌ ، المُتْرَف الذي ينفق أموالاً طائلةً بغير حساب ، وبلا تعقُّل ، وبلا حكمة ، على شهواته وعلى معاصيه ، فهذا الذي ينفق أموالاً طائلةً على المعاصي والآثام ، ويحرم منها الفقراء والمحتاجين ، هذا قول واحد كافر ، لأن كلمة ترف لم ترد في القرآن إلا في ثمانية مواضع حصراً ، وفي هذه المواضع الثمانية اقترن الترف بالكفر ..
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ﴾
     المترفون يكفرون ، والكفَّار مترفون ، وهناك علاقةٌ ترابطيَّةٌ بين الكفَّار والمترفين .
﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾
 
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
 
      توهَّم الكفَّار أن الله عزَّ وجل لأنه أعطاهم أموالاً طائلةً إذاً هو يحبُّهم ، إذاً : لن يعذِّبهم ، أي استنباط مضحك ، إذا ذهب إلى أوروبا ، أو أمريكا ، أو اليابان ، وغاص في الزنا إلى قمَّة رأسه ، يقول لك في النهاية : إذا الله أحب عبده أراه مُلْكُه ، من قال لك هذا الكلام ؟ كلامٌ مضحك ، كلام الشياطين ، كلامٌ مضلِّل ، يجب أن تعلم علم اليقين أن الدنيا لا يمكن أن تكون مقياساً ، لا إذا أعطاك الله إيَّاها مقياس ، ولا إذا منعها عنك مقياس ، عرَضٌ حاضر يأكل منه البرُّ والفاجر ، والآخرة وعدٌ صادق يحكم فيه ملكٌ عادل ، أعطاها لأعدائه ، لم يرض أن تكون عطاءً لأوليائه ..
((لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) .
[من سنن الترمذي عن سهل بن سعد ]
       أعطى الملك لمن لا يحب أعطاه لفرعون ، أعطى المال لمن لا يحب أعطاه لقارون ، وأما الأنبياء والمرسلون أعطاهم الله العلم والحكمة، فإذا أوتيت نصيباً من العلم والحكمة فأنت قد نِلْتَ عطاء الأحباب ..
﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾
الجواب من قِبَلِ الله عزَّ وجل:
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
 
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
   
     أكثر الناس لا يعلمون أن الدنيا ليست عطاءً ، لا حرمانها إهانةً ولا عطاؤها إكراماً ، والدليل في سورة الفجر :
﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ﴾
       هو ..
﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ﴾
       هو ..
﴿ رَبِّي أَهَانَنِ(16) ﴾
       الله قال : كَلا ، ردعٌ ونفيٌ ، أي يا عبادي ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي إهانةً ، إن عطائي ابتلاء وحرماني دواء ، هكذا ينبغي أن نفهم ، ما عندك بيت ، معنى هذا أن الله لا يحبّكَ ، لا ، هذا كلام مضحك ، ربَّما كان الله لا يحبَّ الذين يملكون آلاف البيوت ، في حكمة ..
" إنَّ من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ، وإنَّ من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه " .
       هناك حكمةٌ إذا كُشِفَت رضيت بالواقع ، لو كُشِف الغطاء لاخترتم الواقع ..
 
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾
أي يعطي بحكمةٍ ..
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
        إن هذه الدنيا ليست عطاءً ، ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، أحياناً الإنسان يسترسل بالمعاصي فربنا يؤدِّبه تأديباً شديداً ، يحرمه من كل الدنيا ، فيتوب إلى الله ، هذا الحرمان عطاء ، أعطاه الآخرة ، أعطاه الجنَّة ، ضَيَّق عليك في الدنيا ، حرمك إيَّاها ، فتبت إلى الله عزَّ وجل ، وأقبلت عليه ، فاستحققت دخول الجنَّة ، حرمك الدنيا وأعطاك الجنَّة وربَّما أعطاك الدنيا كما تشتهي ، فأطغاك المال ، وجعلك من أهل النار لا سمح الله ولا قدَّر إذاً هذا ليس عطاءً ، الأمور بخواتيمها ، الأمور بنهاياتها ، الأمور عند الموت ، الأمور بعد الموت ، هذا ما قاله سيدنا علي كرَّم الله وجهه ، قال : << الغنى والفقر بعد العرض على الله >> ، قبل العرض على الله ليس الغنى غنىً ، وليس الفقرُ فقراً ..
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ﴾
 
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى
 
        فأموالكم العريضة ، بيوتكم الفخمة ، تجارتكم الواسعة ، مكاتبكم الوثيرة ، فروع شركتكم في عدَّة بُلدان ، مكانتكم العليَّة في المجتمع لن تغني عنك من الله شيئاً ، يقول لك : فلان حجمه المالي كذا ، لا أموالك ولا أولادك ، العشر النجباء أصحاب المناصب الرفيعة .. تقرِّبك عند    الله زلفى ..
﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾
       إذا كنت مؤمنا ، وكنت غنياً لا مانع ، وأنفقت هذا المال في طاعة الله أنْعِم وأكْرِم ، إذا كنت مؤمناً ، وعندك أولاد صالحون ، وقلت : الأكبر حافظ قرآن ، والثاني الحمد لله وَرِع ، ابني الثالث يحمل شهادة شرعيَّة عُليا ، له دعوة إلى الله ، شيء جميل والله ، إذا افتخرت بأولاد صالحين ، خيِّرين ، نُجباء ، مستقيمين ، لك الحق أن تفتخر ..
﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾
         فالإنسان إذا كان بين يديه مال وأنفقه في سبيل الله فهذا يرقى عند الله ، عنده ولد صالح نفع الناس من بعده هذا يرقى عند الله ..
﴿ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾
 
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
 
       إن الذي يسعى لإحباط الحق ، لإطفاء نور الله عزَّ وجل ، لوضع العصي في عجلات الإيمان ، للتشكيك بما ينفع الناس ويصلحهم ، هؤلاء الذين يفعلون هذا أيضاً سوف يعذَّبون عذاباً أليماً في الآخرة ..
﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
      فأية نفقةٍ تنفقونها في الدنيا الله سبحانه وتعالى سيخلفها ، ويعوِّضها أضعافاً مضاعفة.
       في الدرس القادم إن شاء الله تعالى نتابع تفسير سورة سبأ بدءاً من قوله تعالى :
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40 ) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ﴾
 
والحمد لله رب العالمين
 
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب