سورة المائدة 005 - الدرس (38): تفسير الآيات (089 - 089) أنواع اليمين وكفارته

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (38): تفسير الآيات (089 - 089) أنواع اليمين وكفارته

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (089 - 089) - أنواع اليمين وكفارته

21/03/2011 05:48:00

سورة المائدة (005)
الدرس (38)
تفسير الآية: (89)
أنواع اليمين وكفارته
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
الفرق في اللغة العربية بين أخذ وآخذ :
 
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والثلاثين من دروس سورة المائدة، ومع الآية التاسعة والثمانين، وهي قوله تعالى:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
أيها الأخوة الكرام، في اللغة العربية أخذ وآخذ، أخذ يأخذ، وآخذ يؤاخذ، أخذ يأخذ هذه للكفار.
 
المؤمن يؤاخذ لأنه في عقد إيماني مع الله أما الكافر فعلاقته مع الله علاقة أخذ أي تدمير:
 
قال تعالى:
﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ﴾
[ سورة النحل: 46]
اللهم اهده، فإن لم تهده فخذه، الكافر ليس بينه وبين الله عقد إيماني، شرد عن الله ولم يؤمن لا بوجوده ولا بأسمائه الحسنى، ولم ينضبط بمنهجه، فالعلاقة بين الله عز وجل وبين هذا الذي كفر به علاقة أخذ، أي تدمير.
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
[سورة البروج:12]
إذاً أخذه أي نكل به أو قتله، لكن آخذه، بين المؤمن وبين الله عز وجل عقد إيماني.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[سورة التحريم:8]
يا من آمنتم بي، آمنتم بوجودي، آمنتم بوحدانيتي، آمنتم بكمالي، آمنتم بأسمائي الحسنى وصفاتي الفضلى، أنتم مؤمنون، ومعكم منهج من رب العالمين، وفي هذا المنهج افعل ولا تفعل، ينبغي أن تأتمر بما أمر وأن تنتهي عما عنه نهى وزجر، فإن لم تأتمر بما أمر فهناك مؤاخذة، هناك عقوبة، لكن لا عقوبة من دون جرم، ولا جرم من دون نص.
فالله عز وجل حينما أنزل هذا القرآن، وهو منهج كلي، وكلف النبي عليه الصلاة والسلام بشرح هذا المنهج وتفصيله، وقد أمرنا الله عز وجل أن نأخذ ما آتانا النبي، وننتهي عما عنه نهانا، إذاً إذا قصرنا في جانب، أو انتهكنا حرمة، أو قصرنا في واجب فهناك عقاب من الله عز وجل، وهذا معنى المؤاخذة، المؤمن يؤاخذ لأنه في عقد إيماني مع الله، المؤمن آمن بالله، وآمن برسوله، وآمن بكتابه، وآمن بسنة رسوله، ومعه منهج تفصيلي، فإذا خالف هذا المنهج لا بد من أن يؤاخذ.
إذاً المؤاخذة تقتضي أن الإنسان آمن بالله وعرف الحلال والحرام، فإذا زلت قدمه وفعل ما نهى الله عنه أو قصر فيما أمر به لا بد من أن يناله عقاب وهو في الحقيقة كفارة له.
 
البشر ثلاثة أصناف :
 
لذلك البشر أصناف ثلاثة:
 
1 ـ صنف عرف الله وائتمر بأمره وانتهى عما عنه نهى :
 
صنف عرف الله، وائتمر بأمره، وانتهى عما عنه نهى، هذا صنف تغطيه الآية الكريمة:
 
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
[سورة النساء: 147]
هذا الذي آمن، وشكر حقق الهدف من وجوده، عرف الله، وعرف منهجه، وأطاعه، وأقبل عليه، وأحسن إلى خلقه، لا ينتظره إلا الإكرام من الله عز وجل، لكن قد يمر بمرحلة تأديب قبل أن يستقيم تماماً، ثم يمر بمرحلة ابتلاء، فإذا تاب من تقصيره، ثم صمد في ابتلائه، بقي أمامه مرحلة الإكرام، لذلك يبين الله لنا هذه البشارة فيقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
[سورة فصلت: 30]
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
[ سورة الجن: 16-17 ]
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
[ سورة الأعراف: 96]
هذا حال الذي عرف الله، وعرف منهجه، واستقام على أمره، وأقبل عليه، هذا صنف أول، هذا نجا من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة، طبعاً امتحنه الله فنجح، أدبه الله فتاب، ثم أكرمه الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة: 51]
المؤمن حينما يصطلح مع الله لن يأتيه في المستقبل إلا الخير، هذه بشارة من خالق السماوات والأرض:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
[ سورة التوبة: 51]
 
2 ـ مؤمن في عقد إيماني مع الله لكنه أخلّ ببعض بنود العقد وهذا يخضع للمؤاخذة:
 
الصنف الثاني: مؤمن في عقد إيماني مع الله، لكنه مقصر فيما أمر، يتجاوز أحياناً ما نهي عنه، أخل بعض بنود العقد، هذا يخضع للمؤاخذة، وهذا حال المسلمين في العالم، مؤمنين بالله لا يرتكبون الكبائر، لكن يقعون في الصغائر، ويقعون في كلمة لا ترضي الله، وفي نظرة لا ترضي الله، وفي علاقة لا ترضي الله، يستحقون المؤاخذة، وهذا الذي يجري في العالم الإسلامي نوع من المؤاخذة من قبل الله عز وجل، رسالة ومؤاخذة، هذا الصنف فيه الخير، وعنده إيمان لكن معه تقصير، ومعه تجاوز فهو معرض للبلاء وللتأديب، وهذا يرد في القرآن الكريم تحت قوله تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
[سورة السجدة: 21]
 
3 ـ الصنف الثالث شرد عن الله شرود البعير لم يؤمن ولم يستقم :
 
الصنف الثالث: شرد عن الله شرود البعير، لم يؤمن، ولم يستقم، فالله عز وجل يقول في حقه:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
[سورة الأنعام: 44]
شاب صحيح الجسم يأكل ما يشاء، وشاب سقيم الأمعاء والمعدة، عنده قائمة محظورات، والطبيب يشدد عليه أشد التشديد، أما الثالث فمعه ورم خبيث في أمعائه، يقول له الطبيب: كل ما شئت. الصنف الثالث: هم الذين شردوا عن الله شرود البعير، هؤلاء تأتيهم ضربة واحدة قاصمة تنهي وجودهم، يعطيهم الله من المال والقوة والوسامة الشيء الكثير، لكن حينما يأتي الأجل ينتهي وجوده، وينقلب إلى عذاب أليم، لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
 
لله عز وجل سياسة مع خلقه :
 
الذي أريد أن أنقله لكم أن الذي يؤاخذه الله عز وجل هو في نعمة كبرى، في أمل، عنده استعداد أن يكون مؤمناً طيباً، لذلك يؤاخذه الله عز وجل، يعالجه تارةً بهمٍّ نفسي، أو بمرض جسمي، أو نقص في ماله، أو نقص في أولاده، قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ والْجُوْعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالْثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الْصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ* ﴾
[سورة البقرة: 155-157]
يجب أن تعلم أيها الأخ أن لله عز وجل سياسة مع خلقه.
 
1 ـ المرحلة الأولى الهدى البياني :
 
الله عز وجل لطيف ورحيم، يبدأ مع عبده بما يسمى بالهدى البياني، تبيان، تستمع إلى خطبة، إلى درس، تقرأ كتاباً، تستمع إلى نصيحة، وأنت معافى، وأنت صحيح الجسم، وأنت آمن مستقر في بيتك وأولادك، يأتيك الحق على طبق من ذهب ما عليك إلا أن تستجيب والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
[سورة الأنفال: 24]
 
2 ـ المرحلة الثانية التأديب التربوي :
 
إن لم تستجب أخضعك الله عز وجل لأسلوب أشد، الأسلوب الأشد التأديب التربوي، ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ في الدنيا، ﴿ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾ في الآخرة،﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾.
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
[سورة الشورى: 30]
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[سورة آل عمران: 165]
هذا التأديب التربوي.
 
3 ـ المرحلة الثالثة الإكرام الاستدراجي :
 
إن لم يتب، في التأديب التربوي احتمال التوبة كبير جداً، لأن التأديب التربوي متعب، ومزعج، والخلاص في التوبة، فإن لم يتب أخضعه الله عز وجل بطريقة ثالثة هي الإكرام الاستدراجي:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[سورة الأنعام:44]
يزداد قوة، ويزداد غنى، ويزداد سيطرة، أموره كلها ميسرة.
 
4 ـ المرحلة الرابعة مرحلة القصم :
 
الله عز وجل ينتظر منه أن يشكر، فإن لم يشكر قصِم:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
[سورة الأنعام:44]
لذلك أيها الأخوة، أن تؤاخذ من قبل الله عز وجل ببلاء، بنقص من الأموال  والأنفس، والثمرات، لا سمح الله ولا قدر بمرض، بشدة، بتضييق، بتشديد، معنى ذلك أنك مطلوب إلى رحمة الله، معنى ذلك أن فيك بقية خير، أن الله ينتظرك، ينتظر أن تأتيه طائعاً، أن الله عز وجل شدد عليك، وضيق عليك من أجل أن تندفع إلى بابه، من أجل أن تصطلح معه، من أجل أن تسعد بقربه، فكلما ازداد علمك برحمة الله وحكمته تزداد فرحاً أن الله لم يجعلك خارج المعالجة، لكن الإنسان إذا أصر على ما هو فيه، أصر على معصية، أو انحراف، أو ترك واجباً، أو عبادةً، عندئذٍ تقتضي الحكمة أن يخرج من دائرة العناية الإلهية. ولي كلمة أرددها كثيراً: المسلمون اليوم في العناية المشددة، هذه الشدة تعني أنهم في العناية المشددة، وكلما تعمقت في معرفتك بالله عز وجل تشعر أن الله إذا تفقدك ببلاء، أو بمصيبة، أو ضيق عليك، أو دفعك إلى التوبة، أو حملك على أن تمرغ جبهتك في أعتابه، معنى ذلك أنه يحبك وينتظرك.
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين ))
[ ورد في الأثر ]
 
يمين اللغو :
 
الله عز وجل يقول:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
هذا الكلام كله حول كلمة ﴿ يُؤَاخِذُكُمُ ﴾، إذا آخذك الله عز وجل غير إذا أخذك، هؤلاء الذين شردوا عن الله عز وجل ندعو عليهم فنقول: يا رب، خذهم أخذ عزيز مقتدر، أخذه أي دمره، أخذه أي نكل به، أخذه أي أنهاه، أما آخذه عالجه، آخذه عاقبه، آخذه لفت نظره. لذلك أيها الأخوة يقول الله عز وجل:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ
 [سورة فاطر: 37]
النذير؛ المصيبة، المصيبة لون من ألوان النذير:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾
الإنسان أحياناً يتكلم كلاماً يجري على لسانه لكنه لم يمر على قلبه، فهذا الأعرابي الذي ركب ناقة، وأراد أن يقطع فيها المفازة ( الصحراء )، جلس ليستريح من عناء السفر أخذته سنة من النوم، استيقظ فلم يجد الناقة، فأيقن أنه هالك لا محالة، فجلس يبكي، ثم يبكي، ثم يبكي، حتى أخذته سنة أخرى من النوم، فاستيقظ فرأى الناقة، فاختل توازنه فقال: يا ربي أنا ربك وأنت عبدي، هل قصد هذا الذي قاله؟ أبداً.
لذلك قال بعض العلماء: ما كل من وقع بالكفر وقع عليه الكفر، هذا كلام لغو، أي ملغي، أي أنه لم يمر على القلب، وقد تقول الأم في ساعة غضبها: والله لأذبحنك، ولا تحتمل أن تسيل قطرة دم من يد ابنها، هذا الكلام لم يمر على قلبها، هذا كلام لغو، أي ملغي، والإنسان أحياناً يقول لا والله، وأي والله، هذا كلام لغو الله عز وجل رحمنا، وتلطف بنا، فبلغنا أنه لا يؤاخذنا باللغو في أقوالنا. تفضل كل، والله لست بجائع، لم ينتبه، هو جائع، لكن ما أحب أن يكون متطفلاً، وجد الطعام لا يكفي، لم يدعَ إلى الطعام، والله لست جائعاً، نسي أنه قال: والله، أناس كثيرون يستخدمون اليمين وقد سماها العلماء يمين اللغو، أي لا يقصد معناها، ولم تمر هذه اليمين على قلب الإنسان جاءت على لسانه، في حياتنا كلام كثير لا نعنيه إطلاقاً، ولا نقصده، ولا نقبله لو أريد منا أن نؤكده، أي هل تحتمل الأم إذا دعت على ابنها أن تقول لها: آمين؟! لا تحتمل، لأنها لا تقصد أن تدعو عليه، لكنه كلام لغو جرى على لسانها، فمن رحمة الله بنا أن هذا الكلام الذي يجري على ألسنتنا دون أن نقصده، ودون أن يمر على عقولنا وقلوبنا، ودون أن نعتمده هذا الكلام يطمئننا ربنا أننا معفون من أن نؤاخذ عليه:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾
 
الله عز وجل تفضل علينا فجعل يمين اللغو معفاة من المؤاخذة :
 
الحقيقة هذه الآية أيها الأخوة سببها أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾
[ سورة المائدة: 87]
لأن بعض الصحابة الكرام تقرباً إلى الواحد الديان حلف يميناً ألا يأكل اللحم ما دام حياً، تقشفاً، وزهداً، وتقرباً إلى الله، وصحابي آخر حلف بالله ألا يقرب النساء تقرباً إلى الله، وخضوعاً لمنهجه، لكن النبي عليه الصلاة والسلام جمعهم وقال:
(( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))
[ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
قالوا: يا رسول الله، نحن عقدنا أيماناً، وحلفنا على ألا نأكل اللحم، وألا نقرب النساء، وألا ننام الليل، وأن نبقى في ذكر دائم، ماذا نفعل في هذه الأيمان التي حلفناها؟ فجاء جواب الله عز وجل:
﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ
هذه اليمين سماها العلماء يمين اللغو، أي الذي حلفها لا يقصدها، والذي حَلفها حلفها دون أن يشهر ودون أن يقصد، إذاً الله عز وجل تفضل علينا فجعل هذه اليمين معفاة من المؤاخذة.
 
الشدة في الفعل الثلاثي تفيد المبالغة :
 
قال تعالى:
﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ
ما معنى:
﴿ عَقَّدْتُمْ
أي وثَّقتم، وما الفرق بين عَقَّدْتُمُ وعقدتم؟ قال تعالى:
﴿ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ﴾
[ سورة يوسف: 23]
ما الفرق بين قوله تعالى: ﴿ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ﴾، وبين أن نقول: وغلقت الأبواب، الباب مفتوح، غلقه أي رده، أما غلّقه أي قفله، أرتجه، فالشدة في الفعل الثلاثي تفيد المبالغة، ما الفرق بين قطع اللحم وقطَّعه، قطع اللحم قطعتين، أما قطعه جعله آلاف القطع، ما الفرق بين كسّر وكسر؟ كسر الزجاج أصبح قطعتين، أما كسّره جاء بمطرقة وجعله آلاف القطع، غلق وغلّق، كسر وكسّر، وعقد وعقّد، يقول لك: والله، وتالله، وبالله، هذه يمين، هذه يمين منعقدة، مرت على قلب الإنسان وعقله، وقصدها، واعتمدها، وأرادها، ولم تكن لغواً ولا خطأ ولا نسياناً:
﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ
أنت حينما تحلف وتقصد ما تقول، أحياناً الزوج يقول: إن حللك شيخ يحرمك عشرة، بالثلاث، مرة واحدة، هو قصد ذلك.
 
أنواع اليمين :
 
لذلك أيها الأخوة، من رحمة الله بنا أنه لا يؤاخذنا على الأيمان التي لا نقصدها، والذي يجري على لسان الناس، ولكن السلف الصالح كانوا يتصدقون بدينار ذهبي إذا حلفوا يميناً لغواً، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾
هذا اللسان مكنك الله به، ومنحك إياه، وعلمك البيان لا لتحلف كل دقيقة يميناً لغواً بل لتذكر الله به، لذلك التوجيه بآخر الآية:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾
هناك يمين لغو لا نؤاخذ عليها، لكن الأولى ألا نحلفها، ويمين منعقدة نؤاخذ عليها، ولها أحكام تأتي بعد قليل، ويمين غموس تغمس صاحبها في النار ولا كفارة لهذه اليمين، لأنها تخرجه من ملة الإسلام، وعليه أن يعيد إسلامه، وأن يجدد إيمانه.
 
اليمين الغموس إن أراد بها الإنسان أن يقتطع حق امرئ مسلم غمسته في النار :
 
حدثني أخ كريم يعمل في المحاماة أن قضية بحجم كبير تقدر بمئات الملايين متنازع عليها، وبحسب القوانين النافذة لو أن المدعي جاء بشاهد لكانت الشهادة حاسمة، المبلغ كبير جداً، فجاء بشاهد زور، والشاهد الزور درب تدريباً دقيقاً على أن يدلي بشهادة كاذبة، لكنها في القانون مقبولة، ودخل إلى قاعة المحكمة، ووضع يده على القرآن الكريم، وأقسم بالله العظيم أن يقول الحق، وذكر شهادة الزور، يقسم لي هذا الأخ المحامي أنه كان واقفاً فأقسم بالله العظيم، وأدلى بالشهادة، فانتهى من قسمه فرفع يده وأبقاها مرفوعة، فقال له القاضي: اخفض يدك، لم يستجب له، فإذا هو ميت، بعد قليل وقع على الأرض، كان يمسك طرف الطاولة، توازن دقيق، فلما اختل توازنه وقع على الأرض.
لذلك اليمين الغموس إن أراد بها الإنسان أن يقتطع حق امرئ مسلم غمسته في النار، والآية الكريمة:
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 137]
جاءت الفاء للترتيب على التعقيب، وأحياناً الإنسان يحلف يميناً غموساً كاذبة يقتطع بها حق امرئ مسلم، وتمضي سنوات وسنوات دون أن يعاقب، هذا على ثم:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[ سورة الأنعام: 11]
ثم للترتيب على التراخي، أما إذا فقد حياته فور حلف اليمين هذه على الفاء:
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 137]
 
أمثلة تبينأن الله قد يبطش بهذا الذي حلف يميناً غموساً فوراً وإما أن يمهله :
 
الله عز وجل لحكمة يريدها إما أن يبطش بهذا الذي حلف يميناً غموساً فوراً وإما أن يمهله، وهذا المحامي بالذات حدثني في الجلسة نفسها بقصة أخرى قال لي: والله أحد الذين اتهموا بجريمة قتل، نطق القاضي بحكم الإعدام، الغريب أنه لم يتأثر، وبقي متماسكاً، إعدامه بعد يومين، قال لي: ما الذي دفعني إلى أن أشهد إعدامه؟ لا أدري، لكنني أردت أن أكون حاضراً، بعدما تلي عليه الحكم، ورفع إلى منصة المشنقة ليشنق قال: انتبهوا واستمعوا، أنا سوف أشنق، لكن هذا الذي اتهمت بقتله ما قتلته أبداً، ولكنني سأحدثكم لماذا وصلت إلى حبل المشنقة؟ قال: أنا قبل ثلاثين عاماً كنت رئيساً لمخفر في العهد الفرنسي، وجاءني ضابط فرنسي، ودفع إلي رجلاً من أجل أن أحتفظ به ليأتي بآخر فيعدما معاً، فقال: وضعته في إسطبل، وغلقت الباب، غير وغلّقت الأبواب، غلق الباب على هذا الأسير، وفي اليوم التالي جاء الضابط بإنسان آخر ليعدما، في صبيحة اليوم فتح الإسطبل فلم يجد هذا الذي خبأه في هذا الإسطبل، فذهب إلى السوق، وأتى بأعرابي، وأركبه ناقة، وجره، ووضعه مكانه، وباع الجمل، ووضع ثمنه في جيبه، في اليوم التالي جاء الضابط بإنسان آخر أعدما معاً في الإسطبل رشاً بالرصاص، ومضى على هذه الحادثة ثلاثون عاماً، واتهم بجريمة قتل ما قتله بها، قال لي: والله سمعته بأذني يبين قبل أن يشنق لماذا حكم عليه بالإعدام في جريمة لم يرتكبها؟!!
لذلك أحد الذين يطوفون حول الكعبة كان يقول: رب اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل، وكان وراءه رجل من الصالحين، قال: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله! قال: ذنبي كبير، قال: ما ذنبك؟ قال: والله كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، وهذا شأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، فإنّ:
﴿ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾
[ سورة النمل: 34]
 
حكم اليمين المنعقدة :
 
ترون وتسمعون كل يوم ما يجري في العراق، وفي فلسطين، وماذا جرى في السجون؟!
والله حدثني أخ البارحة أن الاحتلال إذا دخل إلى بيت ببغداد يأخذ كل شيء ثمين، الذهب في البيت، وكل الهواتف الخلوية، وكل الكمبيوترات، والشيء الذي لا يحمله يكسره، ذكر لي تفاصيل يندى لها الجبين من هذا الاحتلال، فهذا الذي يقول: يا رب اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل، قال: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله! قال: ذنبي كبير، قال: ما ذنبك؟ قال: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما انتصرنا، وقمعنا الفتنة أبيحت لنا المدينة، فدخلت أحد البيوت، فرأت فيها رجلاً وامرأة وطفلين، فقتلت الرجل، وقتلت الولد الأول، فلما رأتني زوجته جاداً في قتل الثاني أعطتني كل ما تملك فأصررت على قتل الثاني، فقدمت لي درعاً مذهبة، مطليةً بالذهب، فأخذتها، وتأملتها، فأعجبتني، فإذا عليها بيتان من الشعر، فلما قرأتهما وقعت مغشياً علي، كتب على هذه الدرع المذهبة:
إذا جار الأمير وحاجباه         وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويـل لقاضي الأرض من قاضي الـسماء
*   *   *
فاليمين الغموس تغمس صاحبها في النار، ولا كفارة لها، لأنها تخرجه من الملة، عليه أن يعيد إسلامه، لأنه بهذه اليمين يقتطع حق امرئ مسلم.
الآن أحياناً المدعي لا يملك الأدلة، لا يملك البينة، والمدعى عليه ينكر، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
 (( البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ))
[ أخرجه الدارقطني عن عمر بن شعيب ]
لم يبقَ بيد القاضي من دليل إلا أن يدعوه لحلف اليمين الحاسمة، وقيل للكذاب: أتحلف؟ يقول: جاء الفرج، يحلف، وإذا حلف واقتطع حق امرئ مسلم كانت هذه اليمين يمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، فهناك يمين لغو لا نؤاخذ عليها، ولكن الأكمل ألا نستخدمها، ويمين منعقدة، ما حكم اليمين المنعقدة؟
أولاً: من حلف على يمين فرأى الخير في خلافها فليفعل الخير، وليكفر عن اليمين، واحد بساعة غضب، قال: والله لن أزور أختي ما حييت، خير إن شاء الله، كفِّر عن يمينك وعد إلى زيارة أختك، لكن لو إنسان قال: والله لا أصلي، هذه اليمين لا تنعقد أصلاً، لأن الصلاة فرض، إن حلفت على أن لا تفعل فريضة لا تنعقد أصلاً، أما إن حلفت على شيءٍ لا يرضي الله فأمامك أن تكفر عن يمينك، وأن تفعل الذي يرضي الله.
 
الحنث في اليمين :
 
يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ
أي وثقتم الأيمان:
﴿ فَكَفَّارَتُهُ
إن حلفت وفعلت الذي حلفت ألا تفعله ماذا يسمى هذا؟ الحنث في اليمين، إن حلفت ألا تزور أختك ثم زرتها، زيارتك لها حنث باليمين، هذه اليمين إذا حنثت بها تدفع كفارة، لكنك إذا دفعت كفارة قبل أن تحنث هذا يسمى تحلة.
﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ
[سورة التحريم: 2]
إن فعلت قبل أن تحلف فهي تحلة لليمين، أما إذا حلفت قبل أن تكفر فالذي تفعله بعد الحنث كفارة لليمين:
﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ
 
كفارة اليمين أنت مخير إما أن تطعم عشرة مساكين أو تكسوهم أو تحرر رقبة مؤمنة :
 
الإنسان أحياناً يأكل طعاماً غالياً جداً، وأحياناً يأكل طعاماً رخيصاً جداً، أما كفارة اليمين فأن تطعم عشرة مساكين وجبة أو وجبتين من أوسط ما تأكل، يمكن أن تأكل بخمسمئة ليرة، أو بخمسين ليرة، الوسط مئتان وخمسون ليرة، وجبة أو وجبتان، إطعام عشرة مساكين، أو مسكيناً عشرة أيام، كلاهما جائز:
﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ
أن تكسوهم كساء يصلون به، أي يستر عورتهم:
﴿ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
وبعض العلماء قاسوا على الرقبة المؤمنة في آية أخرى، أي إنسان عبد فقَد حريته في حرب، ثم تاب إلى الله، وأسلم، وحسن إيمانه ينبغي أن يكون أخوك في الإسلام، ينبغي أن تحرره، فكفارة اليمين أنت مخير، إما أن تطعم عشرة مساكين، أو أن تكسوهم، أو أن تحرر رقبة مؤمنة، وبعضهم قال: أي رقبة:
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
أي من لم يجد مالاً يزيد عن نفقته ونفقة عياله في يوم واحد، وبإمكانه أن يطعم بهذا المبلغ الزائد عشرة مساكين، أو أن يكسوهم، أو أن يحرر رقبة لا يقبل منه صيام ثلاثة أيام، الثلاثة على التخيير لقوله تعالى:
﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
أو للتخيير:
 ﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
 
الله سبحانه وتعالى ينتظر منا أن نحفظ أيماننا :
 
قال تعالى:
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
لم يجد مالاً لإطعام المساكين أو لكسوتهم، ومن لم يجد مالاً لتحرير رقبة:
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
متتابعات إذا شئت، أو متفرقات:
﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ
لكن الله سبحانه وتعالى ينتظر منك أن تحفظ يمينك:
 ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ
أي مما يرفع مكانتك في المجتمع أن تقول كلاماً عادياً، الآن بعض الباعة بلا سبب، وبلا طلب، وبلا مناسبة، بالقرآن، بالكعبة، بدينه، بشرفه، بالأمانة، رسمالها أكثر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
 (( اليمين الكاذبة منفقة للسلع ممحقة للبركة ))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
 
اللسان من نعم الله الكبرى وشكر هذه النعمة أن يكون هذا اللسان ذاكراً لله عز وجل:
 
أيها الأخوة الكرام، من علامة نضج إيمانك أن تبتعد قدر ما تستطيع عن الحلف، تكلم بالحقيقة من دون أن تكون ضعيفاً، فتستعين بالحلف الذي لا يليق بك:
﴿ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
من ألطف ما قال العلماء في هذه الآية: إن هذا اللسان من نعم الله الكبرى:
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
[ سورة الرحمن: 1-4]
فشكر نعمة الكلام لا بالحلف، ولا باليمين اللغو، ولا المنعقدة، ولا الغموس، ولكن شكر هذه النعمة أن يكون هذا اللسان ذاكراً لله عز وجل، أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع:
 ((خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْراً، ونُطْقِي ذِكْراً، ونظري عبرة))
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة ]  
لذلك أيها الأخوة، أتمنى عليكم وعلى نفسي أن ينقلب هذا الدرس إلى سلوك عملي أن نحفظ أيماننا، أما حينما تدعى إلى شهادة، وبهذه الشهادة يحق الحق ويبطل الباطل، ينبغي أن تشهد، وأن تقف، وأن تحلف اليمين، هذه طاعة لله عز وجل، لقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾
[ سورة البقرة: 282]
لا أن تحلف مطلقاً، أحياناً تشهد، وتحلف، وترقى عند الله عز وجل.
الحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب