سورة المائدة 005 - الدرس (45): تفسير الآيات (105 - 105) الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (45): تفسير الآيات (105 - 105) الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (105 - 105) - الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون

21/03/2011 06:04:00

سورة المائدة (005)
الدرس(45)
تفسير الآية: (105)
الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
هذه الآية من أدق الآيات الدالة على الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون:
 
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس والأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الخامسة بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
هذه الآية أيها الأخوة من أدق الآيات الدالة على الحياة الاجتماعية التي ينبغي أن يحياها المؤمنون، لا بد من أمثلة كثيرة الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
[ سورة النساء:29]
 المعنى البديهي: لا تأكلوا أموال أخوانكم فجاءت الآية:
 ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 188]
أي إن مال أخيك هو مالك من زاوية وجوب المحافظة عليه، فلئن تمتنع عن أكله من باب أولى، أي إن هذا المال ملك المسلمين جميعاً، هناك ملك خاص وملك عام، أنت إنسان تملك مالاً هو لك، لكن ينبغي أن تنفقه بطريقة لا تؤذي بها المسلمين، المسلمون جميعاً لهم حق في هذا المال، لا أن يأكلوه، ولا أن يغتصبوه، ولا أن يأخذوه منك، ولكن أن تحسن إنفاقه في الصالح العام، فالمسلمون وحدة لا تتجزأ.
 
المؤمن حينما يستقيم ينتفع المجموع من استقامته :
 
أيها الأخوة الكرام:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
يجب أن تهتم بكل المسلمين، بكل المؤمنين، لم تأتِ الآية: عليك نفسك:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
ذلك أن المؤمن حينما يستقيم ينتفع المجموع من استقامته، ويتأذى الضلَّال، لأن استقامته كشفت انحرافهم، المؤمن حينما يصدق ينتفع جميع الناس من صدقه، إلا أن الكاذب كشف كذبه، فالمؤمن حينما يحسن، وحينما يستقيم، ينتفع المجموع من استقامته وإحسانه، ويتأذى الضالون، لذلك هناك معركة قديمة أزلية أبدية بين الحق والباطل في أي عصر، في أي مصر، في أي مكان، في أي زمان، لا بد من هذه المعركة بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، بين المستقيم وبين المنحرف، المستقيم يكشف المنحرف، العفيف يكشف السارق، المخلص يكشف الخائن، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
لا يمكن أن يقبل من مؤمن أن ينجو وحده، لا بد من أن يسعى لهداية من حوله، أسرته، أقرباؤه، زملاؤه، جيرانه، أصدقاؤه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
معنى عليكم: أي الزموا، طبعاً جار ومجرور مصنفة في علم اللغة باسم فعل، هناك أسماء أفعال ليست أسماء، وليست أفعالاً، ولكنها اسم فعل، هي اسم ولكن تؤدي معنى الفعل، حي على الصلاة، أي أقبل على الصلاة.
 
المؤمن حينما ينقل الحق إلى الآخرين يعود الخير عليه أيضاً :
 
إذاً حينما قال الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
كما تعلمون أن الله يخاطب عامة الناس بأصول الدين، ويخاطب المؤمنين بفروع الدين، يا من آمنتم بالله، آمنتم بعلمه، وبحكمته، وبكماله افعلوا هذا:
﴿ عَلَيْكُمْ ﴾
أي الزموا، الزم، ودقق، وأصلح، وصوب، وحاسب:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
معنى الزم، إن قلت لأب: الزم ولدك، أي انتبه له، دقق في تصرفاته، ابحث عن أصدقائه، دقق في تحصيله، لاحظ أخطاءه، حاول أن تصلحها، كامل العناية تفهم من كلمة الزم:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أي الزموا، لذلك المؤمن حينما يصلح من حوله، وحينما يهدي من حوله، وحينما يحمل على طاعة الله من حوله، هذا الخير الذي عم يعود عليه بالخير، أنت مؤمن أمرك الله أن تكون صادقاً، فإذا أقنعت مجموع الناس أن يصدقوا تصرفوا معك، ولم يكذبوا، أنت مؤمن لا تسرق، حينما تقنع مجموع الناس ألا يسرقوا إذاً هم لم يسرقوا منك، أنت مؤمن، حينما تقنع الناس أن يغضوا أبصارهم عن نساء لا تحل لهم، فإذا أقنعت الناس بطاعة الله هؤلاء الناس جميعاً غضوا أبصارهم عن أهلك، القضية رائعة جداً، أنت تحرص حرصاً كبيراً على أن تنقل هذا الحق إلى الآخرين، فإذا انتقل إليهم عاد الخير إليك، المثل واضح.
 
قد تفهم الآية التالية فهماً ما أراده الله :
 
قال تعالى:
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
في الحقيقة أن هذه الآية سبحان الله! قد تفهم فهماً ما أراده الله، قد تفهم أن أيها الإنسان عليك نفسك، ولا تعبأ بمن حولك، مع أن الآية على عكس هذا المعنى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أي كل نفس تلوذ بك شئت أم أبيت، إن استقامت تنتفع أنت من استقامتها، وإن انحرفت تتأذى من انحرافها، أنت حينما تشتري بضاعة من بائع مسلم ينصحك، ويأخذ منك سعراً معتدلاً، أما إذا اشتريتها من إنسان غير منضبط فقد يغشك، وقد يأخذ منك سعراً فاحشاً، فحينما يعم الخير تنتفع بهذا الخير، وحينما يعم الشر تتأذى بهذا الشر، فالمؤمن يهتدي، ويسعى لهداية الناس، يستقيم، ويسعى لحمل الناس على الاستقامة، يصدق، ويسعى لحمل الناس على الصدق، لذلك الذي يبدو أن هناك فريقين من أقدم العصور وإلى نهاية الدوران، فريق مؤمن، وفريق غير مؤمن، يمكن أن نقول: هناك مؤمن وكافر، مؤمن آمن بالله، وطبق منهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، وإنسان آخر كفر بالله، فلم يطبق أمره، وأساء إلى خلقه، فشقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد إنساناً ثالثاً.
 
الله عز وجل يهلك الصالحين وينجي المصلحين وفرق كبير بين الصالح والمصلح :
 
أيها الأخوة الكرام:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أما إذا فسد المجتمع يتضرر المؤمن، لا يجد صادقاً، لا يجد مخلصاً، لا يجد ناصحاً، لا يجد أميناً، لا يجد عفيفاً، وهذا حال فساد الأمة الآن، كل إنسان له علاقة معه لغم قد ينفجر، قد يخونك، قد يختلس منك، قد يضحك عليك، قد يكذب عليك، إذاً المؤمن من شأنه أنه يسعى لإصلاح الناس، وما لم تنشأ هذه الرغبة عند المؤمن فإنه لن يفلح، لذلك ورد في بعض كتب الحديث:
 (( أن الله أرسل ملائكة لإهلاك قرية، فقال الملائكة: يا رب، إن فيها صالحاً، قال: به فابدؤوا، قالوا: ولمَ يا رب؟ قال: وجهه لا يتمعر إذا رأى منكراً ))
[ورد في الأثر]
لذلك الله عز وجل يهلك الصالحين وينجي المصلحين، فرق كبير بين الصالح والمصلح، يهلك الصالحين، وينجي المصلحين، فمعنى قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
الزموا، انصحوا، ارشدوا، ادعوا، دققوا، حاسبوا، اخرج من ذاتك لهداية الخلق لا تتمحور حول ذاتك، لا تقل: لا يعنيني أمر هؤلاء، ينبغي أن تحمل همَّ المسلمين، ينبغي أن تسعى لهدايتهم، لذلك:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
جميعاً، إن صلح الناس سعد المجتمع، صلاح الناس يعود بالخير على المؤمن، وفساد المجتمع يعود بالشر على المؤمن.
 
المسلمون وحدة إذا صلحوا سعد الأفراد بصلاحهم وإذا انحرفوا شقي الأفراد بانحرافهم:
 
مرةً إنسان استنصحني قبل زواجي، قلت له: يتوهم معظم الأزواج أنه لمجرد أن يقترن بفتاة دخل في سعادة لا تنتهي، لا، ما لم تأخذ بيد الفتاة إلى الله، ما لم تدلها على الله، ما لم تحملها على طاعة الله، لن تنتفع منها، لن تسعدك، أما تسعدك إذا تعرفت هي إلى الله، أو ساهمت أنت في هدايتها إلى الله، الآن أنت لا تنجو من المجتمع، كله يكذب، كله يغش، كله يحتال، كله يقتنص، كله يأخذ ما ليس له، أما إذا ساهمت في هداية هؤلاء يعود الخير عليك، ولا تنسى أبداً أن الله نهاك عن أن تكذب نهى ملياراً وثلاثمئة مليون مسلم عن أن يكذبوا عليك، وإذا نهاك عن أن تسرق نهى ملياراً وثلاثمئة مليون مسلم أن يسرقوا منك، فكلما صلح المجتمع عاد الخير عليك:
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
المسلمون وحدة، كتلة واحدة، إذا صلحوا سعد الأفراد بصلاحهم، وإذا انحرفوا شقي الأفراد بانحرافهم:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
الزموا، وجهوا، ائمروا بالمعروف، انهوا عن المنكر، خذوا بيد الآخرين إلى الله، دلوهم على الله، أعينوهم على طاعته، هيئوا لهم أسباب الهداية:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
ابدأ بنفسك، ابدأ بأولادك، ابدأ بأولاد أخيك، ابدأ بأولاد جيرانك، ابدأ بمن حولك، ابدأ بزملائك، ابدأ بأصدقائك، مثلاً:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ﴾
[سورة النساء: 5]
المعنى: أموالهم، السفيه المجنون له إرث كبير، المعنى: لا تؤتي هذا السفيه ماله.
 
مال الفرد هو مال المجموع :
 
الآية:
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾
[سورة النساء: 5]
المال ملك المجموع، بمعنى أنه يجب أن ينفق بمصلحة المجموع، المال ملك جميع الناس، بمعنى أن يوظف هذا المال لمصلحة المجموع، أنت معك مال أسست معمل غذائيات، وطرحت بضاعة جيدة في السوق بأسعار معتدلة، فساهمت في خفض الأسعار.
إنسان معه مال، أنشأ معمل خمور، يقول لك: مالي، هو مالك فعلاً، لكن هذا المال مال الأمة، أن تنفقه في صنع شراب يعطل العقل فأنت أسأت إلى مجموع الأمة.
إذاً معنى مال الفرد هو مال المجموع بمعنى أن ينفق في صالح المجموع، هذا المعنى، حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾
 [سورة البقرة: 188]
المعنى الحرفي لا يستقيم، واحد له جيبان، أخذ مئة ليرة من هنا، وضعها هنا، ماذا فعل؟
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 188]
لا أريد أن آكل أموالي من جيب إلى جيب، هذا المعنى غير مقبول، لكن الله عز وجل يلفت نظرنا إلى أن هذا المال الذي تملكه أنت ملك الأمة، مسموح أن تنفقه إنفاقاً لصالح الأمة، أما أن تنفقه إنفاقاً لإفساد الأمة، الأمة تمنعك من ذلك، هذا المعنى بالضبط، لذلك:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾
[سورة البقرة: 188]
هو ماله، لكنه مال الأمة من حيث أن تكون رقيبة على إنفاق هذا المال.
 
للزوج الحق في أن يمنع زوجته من أن تستثمر مالها في طريق غير مشروع :
 
لو أن إنساناً متزوجاً، والزوجة تملك مالا وفيراً، أرادت أن تتاجر بالمهربات، لو أن هذا التهريب كشف تعتقل الزوجة، تتعطل الأسرة، يشرد الأولاد، يقول لها الزوج: هذا المال هو لك، ولكنه لمجموع الأسرة، أي أنفقيه لصالح الأسرة، لو أنفق هذا المال في مشروع يعود على الأسرة بالضرر فأنا أمنعك من ذلك، لذلك للزوج أن يمنع زوجته أن تستثمر مالها في طريق غير مشروع، يعود بالدمار، لو أنبأها تاجر مخدرات أن القرش بمليون فلزوجها أن يمنعها، لأن هذا قد يجلب إعدامها بحسب القوانين، فمع أن المال مالها ينبغي أن ينفق لصالح الأسرة، هذا المعنى، ومع أن المال مال زيد أو عبيد فينبغي أن ينفق لصالح المؤمنين، لذلك:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ﴾
[سورة البقرة: 188]
بعدئذٍ يقول:
﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾
[سورة النساء: 6]
ما قال: أموالكم، هذه ملمح رائع جداً:
﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾
[سورة النساء: 6]
 
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
 
إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
ينبغي أن تهتم بمن حولك، ينبغي أن تهتم بأولادك، بأسرتك، بأهلك، بجيرانك، بأصدقائك، بأقربائك، ينبغي أن تهتم بمجموع المسلمين، ينبغي أن تخرج عن ذاتك إلى هداية الآخرين، ينبغي أن تحمل هم الأمة، ينبغي أن تسهم بشكل أو بآخر في التخفيف عنها، في تقويتها، في صلاحها، في صلاح أبنائها:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أي اجتهد، مر بالمعروف، انهَ عن المنكر، وضح للناس الحق.
قد يغيب عنكم أيها الأخوة، وقد ذكرت هذا كثيراً أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، عينٍ، عينٍ وليس فرض كفاية، هي فرض كفاية على بعض المسلمين، إذا قاموا بها سقطت عن المجموع، التبحر، والتفرغ، والتعمق، وامتلاك الأدلة التفصيلية، والرد على كل الشبهات هذه فرض كفاية، إذا قام بها بعض العلماء المتبحرين، المتفرغين، المتعمقين سقطت عن المجموع، يؤكد هذا قوله تعالى:
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
[ سورة آل عمران: 104]
أما الدعوة إلى الله كفرض عيني تؤكدها الآية الكريمة:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
[ سورة العصر: 1-3]
 
التواصي بالحق فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :
 
التواصي بالحق فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، يؤكد هذا الفرض العيني آية أخرى:
 ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
 [ سورة يوسف: 108 ]
إن لم تدع إلى الله على بصيرة فأنت لست متبعاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
[ سورة آل عمران: 31 ]
معنى ذلك أنك إن لم تتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام فأنت لا تحب الله بنص هذه الآية. إذاً معنى:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أن تسعى لهداية من حولك.
 
من لم يفكر بنشر الحق الطرف الآخر يقوى ويفرض عليه دينه :
 
قال تعالى:
﴿ عَلَيْكُمْ ﴾
الزموا، دققوا  شددوا، اهتموا، احرصوا على هداية الآخرين، ذكروهم، أعطِ أخاك شريطاً تأثرت به كثيراً، اسمعه ورده إليه، أنت ساهمت، أعطِ أخاك مقالة قرأتها فتأثرت بها، اقرأها وردها إليه، اجلس مع أخوانك في لقاء لطيف قصير معتدل، ذكرهم بآيات الله، بيِّن لهم آية كونية، اشرح لهم آية قرآنية، بيّن لهم حديثاً شريفاً، بيّن لهم حكماً فقهياً، بيّن لهم موقفاً من مواقف الصحابة المشرفة، ذكرهم بالآخرة، ذكرهم بعظمة هذا الدين، ذكرهم بعظمة هذا النبي الكريم، بيّن لهم عدل الإسلام، سماحة الإسلام، سمو الإسلام، تحرك، تكلم.
هناك حالة اسمها إدمان سماع، مدمن لسماع دروس، إلى متى؟ أيعقل أن يمضي إنسان كل عمره يسمع؟ ينبغي بعد أن سمع أن ينطق، أن يتكلم، أن يتحرك، أعطِ شريطاً إن كنت لا تحسن إلقاء الموعظة، إلقاء العلم، أعطِ شريطاً، وزع الحق بين الناس.
أيها الأخوة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
لماذا؟
﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
إن لم تفعلوا ذلك ضركم من ضل، الآن الذين ضلوا ألا يضروننا؟ يصلون إلى أدق تفاصيل حياتنا، يريدون أن يبدلوا كلام الله، يريدون أن يضعوا بين أيدينا قرآناً من صنعهم، فرقاناً جديداً، فيه آيات عجيبة: يا محمد أأنت أضللت عبادي، فيقول محمد: يا رب، لقد ضللت فأضللتهم!!!
هذه إحدى آيات الفرقان الحق، يريدون أن يضعوا لنا قرآناً آخر، يريدون أن يمنعوا أولادنا من تعلم الشريعة، يريدون أن يوقفوا كل العمل الخيري، أليس كذلك؟ هذه الآية، إذا أنتم لم تفكروا بنشر هذا الحق الطرف الآخر يقوى، فإذا قوي فرض عليكم ثقافته، وفرض عليكم إرادته، وفرض عليكم دينه، أليس كذلك؟!!
 
عليكم أنفسكم حتى لا يضركم من ضلّ :
 
هذه آية العصر:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
فإن لم تفعلوا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا ﴾
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
عندئذٍ:
﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
أما إذا لم تهتدوا تدخَّلوا في أدق تفاصيل حياتكم، ومنعوا عنكم كل خير، ومنعوكم أن تؤدّوا عباداتكم ، منعوكم أن تدفعوا زكاة أموالكم، أليس كذلك؟ هذا ما يجري في العالم الإسلامي. في بلد إسلامي في شرق آسيا أغلقت خمسة آلاف معهد شرعي، في مكان آخر منع من طبع المصحف، في مكان ثالث الأخبار سيئة جداً:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أو يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ، فلئلا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
 
كيفية إنكار المنكر بالقلب :
 
أخواننا الكرام، موضوع دقيق جداً، حينما قال الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
أي ينبغي أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، أمرت بالمعروف، وانتهى الأمر، لكن هذا المنكر الذي أمامك كيف تنهى عنه؟ ابنك وجدت معه حاجة ليست له، هنا ينبغي أن تزيل هذا المنكر بيدك، لأنه ابنك، لعل ابن أخيك لا تستطيع أن تعامله كابنك، ينبغي أن تزيل المنكر بلسانك، لكن لو رأيت إنساناً لا تعرفه ولا يعرفك، وهو أقوى منك يرتكب منكراً كبيراً لا تستطيع أن تنصحه، يسحقك، مثلاً، كما أنه لا تستطيع أن تزيل هذا المنكر بيدك، ماذا تفعل؟ ينبغي أن تنكره بقلبك، هنا المشكلة، ما معنى إنكار المنكر بالقلب؟ قد يفهم الناس خطأ أن إنكار المنكر بالقلب بحيث تقول في قلبك: اللهم إن هذا منكر لا أرضى به، لكن هذا الذي يقترف هذا المنكر ينبغي ألا تبتسم له، ينبغي ألا تحتفل به، ينبغي ألا تعظمه، ينبغي ألا تقيم معه علاقة حميمة، ينبغي ألا تمدحه، إنكار المنكر بالقلب أيضاً حركة، لكن حركة سلبية، لا تمدحه أبداً، ولا تثنِ عليه، ولا تزره، ولا تعظمه، ولا تحتفل به، ولا تبتسم له إن رأيته، كل إنسان فعل منكراً فرأى المسلمين تجهموا به، وابتعدوا عنه، ولم يسلموا عليه فأنت حاصرته، وضيقت عليه، فحملته على أن يستقيم، إنكار المنكر بالقلب له معنى عملي.
مثلاً: إنسان له أخت متفلتة، متبرجة، مستهترة، تبرز كل مفاتنها في الطريق، دخلت عليه زائرة، قال بقلبه: اللهم هذا منكر لا أرضى به، كيف حالك يا أختي؟ إن شاء الله بخير، والله اشتقنا لك، لم نعد نراك، أطلت الغياب علينا، هكذا قلبكِ قاس علينا؟! بهذا المنظر البشع المتفلت؟! هذه الشقيقة حينما ترتدي هذه الثياب ينبغي ألا تستقبلها في بيتك، وينبغي أن يفعل هذا أخوك أيضاً، وأخوك الثالث، فإذا رأت أنها معزولة ومحاصرة عادت إلى رشدها، إنكار القلب أي أن تأخذ موقفاً سلبياً، ألا تثني على من يفعل المنكر، ألا تمدحه، ألا تحتفل به، ألا تبتسم له، ينبغي أن تأخذ منه موقفاً، هل تصدقون أن إنساناً إذا ظَلَم، ونظر إليك، ولم تقل شيئاً، إلا أنك هززت برأسك، وكأنك أشعرته أنك توافق على هذا الظلم، فقد شاركته في الإثم، لأنه:
 (( من أعان ظالماً سلطه الله عليه ))
[ رواه ابن عساكر عن ابن مسعود]
(( من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيس من رحمة الله ))
[ أخرجه الديلمي عن أنس رضي الله عنهما ]
 
صلاحنا بصلاح المجموع :
 
المفهوم الذي ينبغي أن نفهمه من إنكار القلب أن تأخذ موقفاً سلبياً، هذا إنكار القلب، أنت لا تستطيع أن تمنعه بيدك، كما أنك لا تستطيع أن تنصحه، لا يلقي لك بالاً، لكن بإمكانك ألا تقيم معه علاقة، دعاك إلى نزهة تعتذر، تعال زرنا، تقول: واللهِ أنا مشغول، ينبغي أن تشعره أنه معزول، وأن مجموع المسلمين قاطعوه، هذا الذي ينبغي أن يكون، إذا فعلنا هذا فقد طبقنا قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
صلاحنا بصلاح المجموع، ثمة حالة استثنائية سأوردها لكم، قال عليه الصلاة والسلام حينما سئل مرة عن هذه الآية: يا رسول الله ما تعني:
﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾
فقال:
(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً، وَهَوًى مُتّبَعاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصّةِ نَفْسِكَ، وَدَعِ الْعَوَامّ))
[أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن ماجه عن أبي أمية]
من هم خاصة النفس؟ أولادك، أقرباؤك، جيرانك، أصدقاؤك، زملاؤك.
 
في هذا الزمان دع عنك أمر العامة وعليك بالخاصة ممن يثق بك وتثق به :
 
أنت لست مكلفاً بعصر وصفه النبي:
(( إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً ))
مادية، يبيع دينه بمئة ليرة، يقسم يميناً معظماً كاذباً أن شراء هذه البضاعة أعلى مما يبيعها، وهو كاذب:
(( حَتّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً، وَهَوًى مُتّبَعاً ))
الجنس هدف كل إنسان:
 (( وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
كل إنسان محور العالم، تقول له حديث صحيح، يقول: الحديث غير واقعي، لا يطبق في هذا الزمان، الله حرم الربا، مستحيل، يقول لك: الحاجة أساسية:
(( وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ))
في هذا الزمان بالذات دع عنك أمر العامة فقط، العوام لا علاقة لك بهم، لكن:
 (( فَعَلَيْكَ بِخَاصّةِ نَفْسِكَ ))
بمن يلوذ بك، بمن يثق بك وتثق به، بمن يقبل نصيحتك لذلك الله عز وجل قال:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ* وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
[ سورة الشعراء: 213-214]
القريب واثق منك، القريب لا يخاف منك، القريب يستمع إليك، ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( فإنّ مِنْ وَرَائِكُم أيَامَ الصّبْرِ، الصّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلَ أجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ ))
[أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ابن ماجه ]
إذاً عندنا حالة خاصة:
 (( إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً، وَهَوًى مُتّبَعاً، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامّ ))
خاصة النفس كل من يثق بك وتثق به ينبغي أن تبلغه هذه الرسالة، ينبغي أن تنصحه، ينبغي أن تأمره بالمعروف وأن تنهاه عن المنكر، حتى تسلم هذه الأمة، وحتى يتحقق قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))
[ البخاري والترمذي أخرجه وأحمد في مسنده عن ابن عمرو ]
الحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب