سورة المائدة 005 - الدرس (46): تفسير الآيات (106 - 108) الوصية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (46): تفسير الآيات (106 - 108) الوصية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (106 - 108) - الوصية

21/03/2011 06:06:00

سورة المائدة (005)

الدرس (46)

تفسير الآيات: (106 - 108)

الوصية
 

لفضيلة الدكتور

محمد راتب النابلسي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الآيات التالية حول الوصية :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس والأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية السادسة بعد المئة، وهي قوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الْآثِمِينَ ﴾

 أيها الأخوة الكرام، هذه الآية والتي تليها حول الوصية، والوصية واجبة في الشريعة في حالات كثيرة، من هذه الحالات: أن تكون هناك أملاك ليست لك، سجلت باسمك لسبب أو لآخر، فإذا مات الإنسان فجأة فهذه الأملاك، وقد تكون بيوتاً وعقارات غالية جداً هي لك، ولا يستطيع أحد أن يأخذها منك، من حق الورثة، فإن لم تكن لك، ولم تكتب في وصية أنها ليست لك، وأنها لزيد أو عبيد، فقد أطعمت أولادك مالاً حراماً، قد تلقى بهذا العمل عند الله عقاباً كبيراً.

 

المال قوام الحياة فينبغي أن نحسن إدارته :

 الذي في اسمه أملاك ليست له، أو عنده أمانات ليست له، أو عليه أداء واجبات لم تؤدَّ، أو عليه حقوق لم تعطَ، في مثل هذه الحالات لا يجوز أن تبيت ليلة واحدة من دون وصية، والشواهد والقصص التي نستمع إليها من خلال إهمال الوصية لا تعد ولا تحصى.
 إنسان أمواله مصادرة، فتلافى مصادرة بيته الذي يسكنه بأن سجله تسجيلاً صورياً عند صديق له، وهذا الصديق لم يكتب في الوصية أن هذا البيت ليس له، فمات الإنسان فجأة، فهذا البيت له وللورثة من بعده، معنى ذلك أننا أطعمنا الورثة مالاً حراماً. لذلك من واجب المؤمن أن يدير أمواله في حياته، وأن يحسن إدارتها بعد مماته، أن يديرها في حياته بالعدل والإحسان، أما أن يديرها بعد مماته فعن طريق الوصية، كل شيء مكتوب.
 أيها الأخوة، المال قوام الحياة، أحياناً الرجل يدع لأولاده مالاً فيشترون بيتاً يسكنونه، يتجرون بمبلغ، يتزوجون، يكون قد ترك لأولاده ما يقيم أودهم، فإذا كان هذا المال الذي تركه لهم لكن لم يحقق، كان باسم آخر، وحرم الأولاد منه، وفقدوا قوام حياتهم، فالمسؤولية تعود على الأب، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: [مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ ]، إِلَى قَوْلِهِ: [ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] ))

[الترمذي، أبو داود، ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 كما أنك مكلف أن تدير مالك في حياتك فأنت مكلف أن تعطي كل ذي حق حقه، وأن تدير المال بعد حياتك، فهذه ملاحظة أولى. المال مرة ثانية قوام الحياة، فينبغي أن تحسن إدارته، الآن هناك علوم جديدة اسمها إدارة النفس، وإدارة الوقت، ومعها إدارة المال، إدارة المال جزء أساسي من سلوك المؤمن، يعطي كل ذي حقٍ حقه.
 شيء آخر، أن الله عز وجل في هذه الآية أورد أن الموت مصيبة، فالذي جمعه الإنسان في كل حياته يخسره في ثانية واحدة، بمقياس الدنيا، بيوت، مزارع، مركبات، تجارة، أموال منقولة، أموال غير منقولة، لمجرد أن يقف القلب أصبحت هذه الأموال ليست له، إذاً الموت مصيبة، لكن بطولة الإنسان أن يجعل الموت كما قال عليه الصلاة والسلام عرس المؤمن، باستقامته وتوبته يجعل الموت أحلى لحظاته حياته الأبدية.

 

الهبة في الحياة والوصية بعد الممات ولا وصية لوارث :

 إذاً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 يا من آمنتم بالله عز وجل، يا من دخلتم مع الله بعقد إيماني، يا من آمنتم أن الله عدل، ورحيم، وحكيم، وتشريعه مطلق في خيريته، افعلوا كذا وكذا:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ﴾

 كلكم يعلم أنه لا وصية لوارث، لكن ماذا يمنع إن وجد الأب ابنته فاتها قطار الزواج، وقد تكون تحت رحمة أخوتها الذكور، بل تحت رحمة زوجاتهم، وقد تُهان، فقد هيأ لها بيتاً، منحها إياه في حياته، هذا هبة، والهبة حكمها نافذ في الشرع، ولكن الذي يهب من حوله في حياته ينبغي أن يهيأ لله عز وجل جواباً منزهاً عن الهوى، منزهاً عن المحاباة، لك أن تهب أولادك، أو من يرثك في حياتك أي شيء، ولكن بشرط أن تهيئ لله عز وجل جواباً عن ذلك. إنسان عنده ابن معاق، فلا عليه أن يهبه في حياته بيتاً أو دكاناً، بحيث تدرّ عليه دخلاً، ويعيش عزيزاً، ويتأبى أن يكون تحت رحمة أخوته.
 إذاً مبدئياً الهبة في الحياة، والوصية بعد الممات، ولا وصية لوارث، لكن الوصية هنا بمعناها الواسع، أيّ قضية مشكلة، أي إشكال في العقارات، في الأموال المنقولة، الغير المنقولة، في الشركات، لو أن إنساناً أودع عندك أمانة، مبلغاً ضخماً، وعندك صندوق حديد، ولم تكتب مع هذا المبلغ لمن هذا المبلغ، والإنسان مات فجأة، هل يستطيع الورثة أن يعطوا كل مدعٍ ما يقول؟ مستحيل، إلا أن تأتي ببينة، فأنت ما منحته إيصال لهذا الذي أودع عندك الأمانة، ولم تكتب مع المال أن هذا المال عائد لفلان أمانة يؤدى حين الطلب، ومات الإنسان فجأة، وحالات الوفاة المفاجئة كثيرة جداً. أراد إنسان أن يبدل بعض العملات، والقصة قديمة، فأعطى الذي يعمل في صرف العملة مبلغ مليوني ليرة، وعاده بعد المغرب أن يعطيه المقابل، بينهما وافته المنية باحتشاء في قلبه، لا هناك ورقة، ولا شيء، فكاد هذا الإنسان أن يختل توازنه.

 

يجب أن تُكتَب الوصية وأن يشهد عليها شاهدا عدل :

 الوصية بمعنى أيّ علاقة مالية لك أو عليك، أي واجب لم يؤدَّ، عندك موظف وعدته بمنحة بعد فترة، الآن لا تملك هذه المنحة، الإنسان مات فجأة، هذا أصبح حقه، اكتب هذا الوعد على ورقة، كل قضية مالية تخشى أن تضيع أو ألاّ تؤدّى اكتبها في وصية، والوصية تتجدد، هناك أشخاص كل شهر يجدد الوصية، وأشخاص كل سنة، لكن لو فرضنا إنساناً ليس له علاقة مالية، ليس عليه حق يؤديه، وليس له عند الناس حق يأخذه، وعلاقاته نظيفة جداً، وقلما تجد هذا الإنسان، هذا الإنسان الوصية في حقه مباحة، أي إن كتبها يكون قد اقتدى بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن العلماء يؤكدون أن الإنسان لا يجوز أن يؤوي إلى فراشه إلا ووصيته تحت وسادته، وأنا أعلم رجلاً مات بخثرة في الدماغ فجائية، هناك علاقات بالملايين، ولا وثيقة لديه، كلها اتفاقات شفهية، أذكر سنوات تزيد على عشرين سنة، والأمور لم تنتهِ، أتعب أهله تعباً لا حدود له، فالأولى أن تكتب العلاقات المالية، ما لك وما عليك، ما عليك من حقوق، ما عليك من واجبات، ما ينبغي أن تؤديه، ما يمكن أن تطالب الآخرين به، هذا كله يكتب:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ﴾

 اكتب الوصية، وأشهد عليها شاهدي عدل، ما معنى عدل؟ نحن في الحياة المدنية عندنا مصطلح اسمه الحقوق المدنية، الإنسان له حقوق مدنية، وأحياناً تسقط هذه الحقوق، لكن في الإسلام العدالة أحد خصائص المؤمن، العدالة والضبط، وهذان المصطلحان يستخدمان كثيراً في علم الحديث، ولاسيما في الجنح والتعديل، فلان عدل، غير أنّ:

(( مَن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته ))

[ سلسلة الأحاديث الضعيفة ]

العدالة من صفات المؤمن :

 هذا الإنسان عدل، لا يكذب، لا يزوِّر، لا يغير، لا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، صادق، أمين، عفيف، العدالة من صفات المؤمن، تسقط إذا ظلمت الناس، تسقط إذا وعدتهم فأخلفتهم، تسقط إذا خالفت مبادئ الدين في تعاملك معهم، عاملهم فلم يظلمهم، حدثهم فلم يكذبهم، وعدهم فلم يخلفهم. عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[أحمد في المسند عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

 إذا خان أو كذب فليس مؤمناً، بل انسلخ من الإيمان، إذاً العدالة تسقط حين الكذب، وحين إخلاف الوعد، وحين الظلم، لكن العلماء من بعض الأحكام الشرعية، ومن بعض الأحاديث النبوية استنبطوا حالات كثيرة تجرح فيها العدالة مثلاً: من علا صياحه في البيت تجرح عدالته، من تنزه في الطرقات ليملأ عينيه من الحسان تجرح عدالته، من أكل في الطريق، من مشى حافياً، من بال في الطريق، من طفف بتمرة، الوزن ما كان دقيقاً، لم يرجح الميزان، من أكل لقمة من حرام، أكل حبة من الفاكهة، وأوهم البائع أنه سيشتري، بهذا جرحت عدالته، من أطلق لفرسه العنان، السرعة العالية في قيادة السيارة، هذه تجرح العدالة، من ربى حيواناً مخيفاً أخاف به الناس، من قاد برذوناً بسرعة تجرح عدالته، من كان حديثه عن النساء تجرح عدالته، العلماء ذكروا عدة أشياء تزيد على الثلاثين بند كلها تجرح العدالة، من صحب الأراذل تجرح عدالته، أنت مستقيم مسلم، هذا الذي تمشي معه زانٍ، أو شارب خمر، وأقمت معه علاقة حميمة إذاً تجرح عدالتك، لا تقبل شهادتك، العدالة أن تتمتع بالحقوق المدنية في المصطلح الحديث، أو في المصطلح الإسلامي تقبل شهادتك، يقبل حكمك في أمور كثيرة.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ﴾

يجوز للذمي أن يشهد في السفر :

 إضافة إلى هذه الشهادة التي كتبتها عليك أن تشهد اثنين:

﴿ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾

 يتمتعان بالعدالة، بالخلق القويم، لا يكذبان، لا يدلسان، لا يزوران، لا يبالغان، بالتعبير المعاصر موضوعيان.

﴿ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾

 إن كان الإنسان مسافراً، ومعه غير المسلمين، هو المسلم الوحيد، في هذه الحالة:

﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾

 العلماء رأوا من خلال هذه الآية أنه يجوز للذمي أن يشهد في السفر، وأن تنفذ شهادته.

﴿ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

 أي سافرتم:

﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾

 الموت مصيبة طبعاً، فضلاً عن أن الإنسان المؤمن تنتظره وينتظره قبر هو روض من رياض الجنة، وفضلاً عن أن المؤمن يرى مكانه في الجنة حينما يأتيه ملك الموت، والمؤمن يعرق من شدة خجله من الله عز وجل لعظم العطاء الذي ينتظره بعد الموت، وهذا يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة حينما كان على فراش الموت. قَالَ:

(( لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام: وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْم...))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ]

الحكمة من حبس الشاهدان اللذان حضرا موت المسلم من بعد الصلاة :

 إذاً:

﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾

 أيها الأخوة، الإنسان يولد كل من حوله يضحك وهو يبكي وحده، فإذا وافته المنية كل من حوله يبكي فبطولته أن يضحك وحده.

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾

[ سورة ياسين: 26-27]

﴿ فَأَصَابَتْكُم مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾

 الآن هذان الشاهدان:

﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ ﴾

 ما الحكمة؟ القافلة وصلت، والميت دفن في الطريق، والوصية مكتوبة، وهناك شاهدان، إما مسلمان أو غير مسلمين، أتيا إلى بيت المتوفى، وسلما ما عندهما من أمانة، قد تكون مالية، قد تكون ذهباً، قد تكون حاجات، قد تكون أدوات، قد تكون بضاعة، فهذان الشاهدان اللذان حضرا موت هذا المسلم يُحبسان من بعد الصلاة، الملمح الرائع في هذه الآية أن الإنسان حينما يصلي كأنه يصطلح مع الله، فمن الصعب جداً أن يزوِّر أو أن يكذب بعد الصلاة، ملمح أنه أنت حينما تدخل بيت الله كي تصلي، الآن بعد الصلاة، بعد هذا الدرس، لو خرجت إلى خارج هذا المسجد، وإنسان سألك سؤالاً: أمعك مئة ليرة تقرضني إياها؟ ومعك ألف وخمسمئة، تقول له: والله ما معي، هذه لا تتناسب مع صلاتك، لا تتناسب مع الصلاة التي أديتها، هناك تناقض مريع.

 

اصطفاء الله عز وجل لعلة هداية خلقه ولعلة حسن علاقتهم به :

 الحقيقة هذا شيء يقودنا إلى موضوع في الصيام، الله عز وجل منعك من تناول الطعام والشراب وهو مباح في كل أشهر العام، منعك من اللقاء الزوجي في نهار رمضان وهو مباح في كل أشهر العام، فأنت في رمضان امتنعت عن المباحات، هل يعقل أن تأتي المعاصي والآثام؟ يختل توازنك، فكأن الله سبحانه وتعالى قوَّى إرادتنا على طاعته هذه، فالإنسان إذا ضبط نفسه ثلاثين يوماً في رمضان ففي الأعم الأغلب، وفي الأعم الأغلب مرة ثانية أنه يتابع هذه الاستقامة بعد رمضان، فالله عز وجل حينما اصطفى من بين الأشهر شهر رمضان كي تصفو علاقتنا مع الله في هذا الشهر، فمن أجل أن ينسحب هذا الصفاء لكل أشهر العام، وحينما اصطفى مكاناً هو بيت الله الحرام من أجل أن تصفو علاقتنا بالله في هذا المكان، العبرة أن ينسحب هذا الصفاء الذي أصابك في بيت الله الحرام إلى كل مكان تقيم فيه، وحينما اصطفى سيد الأنبياء والمرسلين ليكون سيد الخلق وحبيب الحق، من أجل أن يكون هذا المنهج، وتلك القدوة معممة على كل بني البشر، فاصطفاء الله عز وجل لعلة هداية خلقه، ولعلة حسن علاقتهم به. إذاً: هذان الرجلان يدليان بشهادة مدعمة بالأيمان:

﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ ﴾

 أحياناً أهل الميت يعلمون أن معه مبلغاً ضخماً جداً، أو اشترى بضاعة غالية جداً، وأجهزة ثمينة جداً، وإذا بالذي يأتي إلى البيت أشياء تافهة، فصار هذان اللذان كانا مع الميت في سفره في ريب، وكتب الميت وصية في ريب، وشهدا عليها في ريب، ثم جاءا بالبضاعة أو بالمتاع أو بالأموال في ريب، وعند الأهل تصور أكبر بكثير في ريب، فهنا دخل الشك، قال تعالى:

﴿ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الْآثِمِينَ ﴾

الشهادة من أعظم الأشياء في هذا الدين الحنيف :

 الحقيقة أن هذه من نعم الله الكبرى، أنه عندنا في القضاء شيء اسمه اليمين الحاسمة، لو وجدت ألف مسلم لا يتجرّأ واحد أو اثنان أن يضع يديه على المصحف، وأن يقسم بالله قسماً مغلظاً مؤكداً أنه سيقول الحق، ويقول بغير الحق، فالقسم يعد حاسم.
 مرة التقيت مع أحد المحامين، قال لي: والله أمام عيني قضية مالية كبيرة جداً بمئات الملايين، ومن أجل أن تنتقل من جهة صاحبة الحق إلى جهة معتدية لا تملك هذه الثروة يحتاجون إلى شاهد زور، وجاؤوا بالشاهد، قال لي: والله أمام عيني، وقف الشاهد أمام القاضي، ووضع يده على كتاب الله، وقال: أقسم بالله العظيم أن أقول كل الحق، ولا شيء غير الحق، وأقسم، وأدلى بالشهادة المزورة، ورفع يده فبقيت مرتفعة، فالقاضي انتبه فقال له: أنزل يدك، فارق الحياة، ثم وقع على الأرض، قال لي: والله أمام عيني رأيت هذه القضية، فاليمين الحاسمة كبيرة جداً. رجل عليه محاكمة فقيل له: ائتِ بشهود، ما عنده شهود، لكن له شهود بالأجرة، فخرج إلى ظاهر البناء فوجد أناساً كثيرين يعرضون عليه الشهادة، فاختار أحدهم، وساومه على خمسة آلاف، هي قضية تموينية، فلما دخل الشاهد أمام القاضي، ورأى مصحفاً، وعليه أن يقسم بالله، قال له: لحظة، خرج، وقال له: أريد عشرة آلاف، ظهر أن هناك يميناً، قضية لها ثمن. لذلك الشهادة من أعظم الأشياء في هذا الدين الحنيف، قال تعالى:

﴿ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾

 لو فرضنا إنساناً مات مسمماً، ويملك ألف مليون، والذي ساهم في تسميمه أحد أقربائه الذين يرثون حصة كبيرة، وجيء بالقاضي الشرعي، وأعطي خمسة ملايين، أو خمسة وعشرين مليوناً، صار الآن من يملك أربعة آلاف مليون خمسة آلاف مليون لو أعطى هذا القاضي الشرعي خمسة وعشرين مليوناً ليقول: الموت طبيعي، فقط، إذا كتب بالتقرير: الوفاة طبيعية، قبض خمسة وعشرين مليوناً، هذا القاضي مؤمن، قال له: والله لو تعطيني الألف مليون لا أكتب خلاف الحق، هذا ما اشترى بآيات الله ثمناًً قليلاً، أما لو قبض خمسين مليوناً، لو قبض نصف الألف فقد اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً.

 

الخوف من الله أحد أبرز معالم الشخصية الإسلامية :

 في الإسلام شيء لا أحد ينتبه إليه، هذا الخوف من الله، الخوف من الله أحد أبرز معالم الشخصية الإسلامية، لا يبيع دينه ولا بالمليارات.

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))

[سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري ]

 هذا هو الموقف، أنا أقول دائماً: المؤمن لا تثنيه عن مهمته في الحياة لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة، ثابت.

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 23]

 يروي بعض علماء التفسير سبب نزول هذه الآيات أن رجلاً مسلماً هو مولى العاص بن وائل السهمي كان على سفر لغير المسلمين، وحضرت له مقدمات الموت، فكتب ورقة فيما بينه وبين نفسه، ووضعها مع كل ما معه من متاع، ونادى على اثنين من غير المسلمين، وهما تميم الداري، وعدي بن بداء، وأوصاهما أن يسلما متاعه إلى أهله، أي بضاعته، وقد يكون تاجراً، ومات الرجل، لكن الاثنين فتحا المتاع، ووجدا فيه إناء مفضضاً ومذهباً، وله قيمة كبيرة، فأخذاه وباعاه بألف درهم، واقتسما المبلغ، وسلما المتاع لأهل الميت، أهل الميت عثروا على الورقة التي كتبها ميتهم في ثنايا المتاع، وفيها كل التفاصيل، بما فيها الإناء المذهب والمفضض، وسأل أهل الميت الشخصين اللذين سلما المتاع عن الإناء، فأنكرا أية معرفة به، وأنكرا أيضاً أنهما رأيا صاحب الإناء يبيعه، وبعد فترة عثر أهل الميت على الإناء معروضاً للبيع، وعرفوا أن البيع الأول كان من الشخصين اللذين حضرا موت صاحب الإناء، فذهب أهل الميت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون عليه مسألة خيانة الأمانة في أمر الوصية، مما يروى بعد هذه الحادثة أن تميم الداري كان غير مسلم، لكنه أسلم، فلما أسلم ذهب إلى أهل الميت وأدى الخمسمئة درهم نصيبه من بيع الإناء.

 

تفريق الشهود أحياناً يكون سبب كشف الكذب :

 حدثني أخ، والله له عندي مكانه بحسب ورعه، كان يعمل في لف المحركات ، قال لي: قبل أن أصطلح مع الله، وقبل أن أتوب قد يأتي محرك فيه شريط خارجي مقطوع، أصلحه في ثانية واحدة، نقطة لحام، ويعود ليعمل هذا المحرك، المحرك أجرة لفه خمسة آلاف ليرة، والقصة قديمة، الآن أكثر، في بعض الحالات يأتي محرك، يفتحه فيجد الشريط الخارجي مقطوعاً، يضع له نقطة لحام، ويعود كما كان، قال لي: قبل أن أعرف الله يأتي صاحب المحرك بعد أسبوع أعرضه عليه يعمل بانتظام، وأقبض الخمسة آلاف ليرة زوراً وبهتاناً، قال لي: بعد أن اصطلحت مع الله أقول له: خمس وعشرون ليرة، قال لي: غير معقول، انظر إلى الفرق، الفرق بعد أن عرفت الله، وقبل أن تعرفه. فتميم الداري قبل أن يعرف الله أخذوا الإناء وباعوه، وأخذ نصف قيمته، بعد أن اصطلح مع الله، وأسلم ذهب من عنده مباشرة إلى أهل الميت وأعطاهم خمسمئة درهم نصيبه من بيع الإناء.

﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ﴾

 هذان الشاهدان المسلمان أو غير المسلمين كلاهما سواء:

﴿ فَإِنْ عُثِرَ ﴾

 أي اكتشف صدفة، أحياناً هناك طريقة يتبعها القضاة في تفريق الشهود، ثلاثة أشخاص قدموا كتاباً زوراً وبهتاناً لإنسان مستقيم، أنه قبض رشوة على هذا العمل، فهذا إنسان مستقيم بريء طاهر، فلما جيء به إلى المحاكمة طلب من القاضي تفريق الشهود، فرق الشهود، جاء بالشاهد الأول، قال له: متى أخذت المبلغ؟ وكيف أخذته شيكاً أم نقداً؟ بأي عملة، وفي أي مكان، اضطرب الشاهد، تكلم بكلام ارتجالي، جاء الشاهد الثاني فتكلم بكلام آخر، جاء الشاهد الثالث فتكلم بكلام مغاير، فظهر أنهم كاذبون، أحياناً تفريق الشهود يكون سبب كشف الكذب.

 

لابدّ في الدين من أن نعتمد في النهاية على خوف الإنسان من الله :

 قال تعالى:

﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾

 يأتي شاهدان من طرف أهل الميت، ويقولان: نحن نعلم علم اليقين أنه كان في تجارة، كان معه أموال كبيرة جداً، واشترى بضاعة غالية، واتصل بنا هاتفياً قبل أن يغادر، وقال: شحنت لكم كذا وكذا وَكذا، فهناك أدلة قطعية من المتوفى قبل أن يموت عن طريق اتصال معين:

﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ﴾

 القضية كما ترون قضية ثقة وإيمان، أما في قضايا العلم فكل كلام يمكن أن يكون مزوّراً، أي لا بد في الدين من أن نعتمد في النهاية على خوف الإنسان من الله، لو ألغينا هذا الخوف لا تستقيم حياة على وجه الأرض، ممكن لإنسان أن يوصي، ويكتب وصية، ويشهد عليها مسلمان أو غير مسلمين، أما إذا اكتشف أن في القضية تزويراً أو اختلاساً أو باطلاً فعلى أهل الميت أن يعيّنا شاهدين معهم أدلة قوية على خلاف هذه الشهادة، ويقسمان أيضاً أنهما ما اعتديا على الشاهدين الأولين، إنهما:

﴿إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ﴾

حقوق العباد مبنية على المشاححة و حقوق الله مبنية على المسامحة :

 أخواننا الكرام، حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

 كل شيء له حل، لو أن إنساناً اعتدى على زوجته، وشهد شهادة كاذبة أنه رآها تزني، كيف نقابل هذه التهمة الظالمة، نقول: من حق الزوجة أن تشهد شهادة بالله أنه يكذب، في القضايا الحميمة من الصعب أن يكون معك دليل عليها، هذه قضايا ليس لها حل إلا الاعتماد على صدق الإنسان، وعلى خوفه من الله، وعلى مروءته، واليمين أيضاً حاسمة، لكن هذا اليمين الغموس سميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار، وقد تعجبون أن اليمين الغموس ليس لها كفارة، لأنها تخرج الإنسان من الإسلام، واليمين الغموس يحتاج مَن حلف بها بعد حلفها إلى تجديد إسلامه، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، وكل إنسان يتوهم أنه إذا زار بيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، مع أن في هذا حديث صحيح، إلا أن شراح الحديث يصرفون الحديث قطعاً إلى ما كان بينك وبين الله فقط، لكن ما بينك وبين العباد لا يسقط بحال إلا بالأداء أو المسامحة.
 أيها الأخوة، الإنسان يظل بخير ما لم يسفك دماً، لكن مرة ثانية، ويظل بخير ما لم يأكل مالاً حراماً ليس له، ثمة أخطاء كثيرة الله عز وجل يعفو عنها، لكن حينما تأخذ ما ليس لك، تغتصب بيتاً، محلاً، شركة، تأخذ شيئاً ليس لك، وتحرم به الآخرين فهذه مشكلة كبيرة جداً، والله عز وجل بالمرصاد. وما قولكم إن صحابياً جليلاً خاض مع رسول الله كل الغزوات ومات وعليه دَين؟ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:

(( تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ))

[أحمد عَنْ جَابِرٍ]

 مرة ثانية وأخيرة: كأن هذه الآيات تنبئ أن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
 عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَذَاكَرْتُهَا حَتَّى ذَكَرْنَا الْقَاضِيَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))

[أحمد عن عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ]

والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب