سورة يس 036 - الدرس (6): تفسير الأيات (66 – 77) السمع و البصر و الفؤاد من آيات الله الدالة على عظمته

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة يس 036 - الدرس (6): تفسير الأيات (66 – 77) السمع و البصر و الفؤاد من آيات الله الدالة على عظمته

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة يس

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة يس ـ (الآيات: 66 - 77) - السمع و البصر و الفؤاد من آيات الله الدالة على عظمته

14/08/2012 15:54:00

سورة يس (036)
الدرس (6)
تفسير الآيات: (66-77)
السمع و البصر و الفؤاد من آيات الله الدالة على عظمته
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 
أيها الأخوة الأكارم : مع الدرس السادس من سورة يس .
 
الله عز وجل  خلق للإنسان هذه العين ليرى بها آياته الدالة على عظمته : 
 
مع الآية السادسة والستين وهي قوله تعالى  :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) ﴾ .
هذه الآية أيها الأخوة معناها الظاهري واضح ، لو أن الله سبحانه وتعالى طمس على أعين الناس أي ألغى بصرهم ، ألغى أعينهم ، ألغى هذه القدرة على الرؤية لتاهوا وضلوا ولاستبقوا وتزاحموا .
هذا معناها الظاهر ، لكن ما معناها الدقيق العميق ؟ ما معناها السياقي ؟ أي أيها الإنسان إذا توهمت أن الله خلق مؤمناً وخلق كافراً وأنه أراد من الكافر أن يكفر وأنه خلقه كافراً ولا جريرة له بذلك ، إذا توهمت أن الله أجبر الإنسان على الكفر ، إذا توهمت ذلك فلماذا أعطاه عيناً يرى بها الآيات ؟ لماذا أعطاه سمعاً يسمع به الحق ؟ لماذا أعطاه عقلاً يكشف به الحقائق ؟  أليست هذه العين المبصرة دليلاً على أن الله خلق العين لترى بها آياته الدالة على عظمته ؟  أليست هذه العين نافذة تطل بها على العالم الخارجي ؟
 
لو شاء الله عز وجل للإنسان الضلال لطمس على عينه :
 
لو أن الله عز وجل ما أراد لك الهدى !  لو أنه أجبرك على الضلال ، لو أنه أراد لك الضلال ، فلماذا هذه الحواس الخمس ، لماذا ؟
هذا الكون الذي يطفح بالآيات الدالة على عظمة الله عز وجل :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ (66) ﴾ .
لو نشاء لهم الضلالة ، لو نشاء لهم العمى ، لطمسنا على أعينهم ، هذه العين التي زودنا الله بها ، والله أيها الأخوة لو أمضينا كل حياتنا في كشف دقائقها ما استطعنا.
الطبقة القرنية الشفافة التي تتغذى عن طريق الحلول وحدها ، كل غذاء الجسم البشري ينتقل عن طريق الأوعية الشعرية إلا قرنية العين  فالخلية الأولى تأخذ حظها وحظ جارتها من أجل أن تكون الرؤية واضحة جلية نقية ، من جعل هذه القرنية شفافة شفافية مطلقة ؟  ومنجعل تحتها القزحية تأتمر بأمر لا علم لك به ؟ تضيق وتكبر بحسب قوة الضوء ، أنت بآلة التصوير تتحكم بفتحة الآلة ، فإذا أخطأت بفتحتها احترقت الصورة ، والآلات الحديثة جداً تزيد الضوء عن طريق توسيع الفتحة وتقلل منه عن طريق تضييقها بشكل أوتوماتيكي   .
هذه العين بقرنيتها وقزحيتها وجسمها البلوري ، هذه العدسة المرنة التي يزداد احددابها بحسب بعد المنظور ، من قاس المسافة ومن أبلغ هذا الجسم البلوري ومن ضغط هذه العضلات الهدبية ؟ من أمرها أن تضغط بالميكرونات حتى يقع الخيال على الشبكية ؟
 
العين وحدها كافية كي يذوب الإنسان تعظيماً لله عز وجل :
 
هذه العين التي يحار بها العلماء ولا تزال بعض أسرارها مجهولة ترى الألوان كلها بأدق الألوان ، ثمانمئة ألف درجة من اللون الواحد تفرق العين بينها .
لو درّجنا اللون الواحد ثمانمئة ألف درجة فإن العين السليمة بإمكانها أن تميز بين درجتين تارة بالألوان وتارة بالبعد الثالث وتارة بالأحجام ، إنك ترى الشيء بحجمه الحقيقي ، لو أتيت بآلة تصوير وصورت منظراً طبيعياً وسحبت الصورة لوجدتها لا تزيد على 10×8 سم ، لكن هذه العين ترى الجبل جبلاً بحجمه الحقيقي ، فالأشياء تراها بأحجامها وألوانها الدقيقة وبأبعادها الثلاثة ، وتراها من دون تحنيط ، بالعين نرى المنظر مباشرة وبأدق تفاصيله، بينما لا نستطيع رؤية المنظر عن طريق آلة التصوير إلا بعد خطوات متعددة .
هذه العين وضعها الله في محجر وقاية لها ، جعل لها هذا الجفن لتنظيفها ، جعل هذا الدمع القلوي الذي يذيب المواد الصلبة ، هذه الأشفار وهذه الأحداب ، جعل هذا الجفن ، جعل هذه العضلات العلوية والسفلية والأنسية والوحشية ، جعل هذا العصب البصري ، تسعمئة ألف عصب تمر في حبل لا يزيد عن مليمتر ، تسعمئة ألف عصب وهذه الشبكية بطبقاتها العشر وهذه الشبكية بـ130 مليون ليف عصبي ومخروط من أجل التقاط أدق تفاصيل الصورة وأدق الألوان يد من فعلت هذا ؟ من شق هذه العين ؟ من شق هذا السمع ؟
 
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾ .
 ( سورة  الطور : الآية35  )
والله يا أخوان : العين وحدها كافية كي يذوب الإنسان تعظيماً لله عز وجل.
 
 
من أساء الظن بالله عز وجل لم يعرف الله تعالى :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ (66) ﴾ .
الإنسان يرى الضوء ، يرى الشمس ، يرى السماء ، يرى النجوم ، يرى الأزهار، يرى الأطيار، يرى الأسماك ، يستمتع بالألوان ، ما قيمة جمال ابنك الذي بين يديك لولا هذه العين ؟ كل ما في الكون من جمال تنعدم قيمته لولا هذه العين ،  لقد شقّ الله هذه العين من أجل أن ترى الآيات ، من أجل تسبيح الله عز وجل ، من أجل أن تنقل لك هذه العين صور المحيط الخارجي فيخشع قلبك وتستقيم سيرتك ، لو لم نشأ لهم الهداية ، لو لم نشأ لهم السعادة ، لو لم نشأ لهم القرب ، لو لم نعدهم لحياة أبدية فيها سعادة لا تنقضي :
 
﴿ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ (66) ﴾ .
أي لما الأب ، ولله المثل الأعلى ، يقدم لابنه أعلى مصروف للدراسة وأرقى جامعة وأعلى قسط وغرفة خاصة ، يعفيه من كل الخدمات ، يقدم له كل المراجع ، يهيئ له كل المدرسين المتفوقين ، يبذل نفقات باهظة ، ما مراد الأب من كل هذا ؟ أن يبقيه جاهلاً ؟ هل يقول ابن لأبيه أنت تريدني أن أرسب ؟ كل هذه الخدمات ، كل هذه العنايات ، كل هذا الإنفاق ، كل هذا الترتيب ، كل هذا التدبير ، وأنا أريدك أن ترسب ؟  هذا افتراء على الله عز وجل ، فهذا الذي يظن أن الله عز وجل خلق الكافر كافراً وأراده أن يكون كافراً وسوف يعذبه إلى الأبد لا لأنه كفر ولكن لأن مشيئة الله هكذا ، هذا الذي يسيء الظن بالله عز وجل لا يعرف الله عز وجل .
 
من أراد أن يعبد الله فعليه بقراءة القرآن ومن أراد أن يعرفه فعليه بالكون :
 
لذلك لو أردنا لهم الضلالة ، لو أردنا أن نشقيهم ، لو أجبرناهم على الانحراف ، لو أجبرناهم على الكفر ، لما خلقنا لهم كل هذا الكون ولا كل هذه الحواس ولا كل هذا الإدراك :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ (66) ﴾ .
الله عز وجل أعطانا سمعاً ، أعطانا دلائل ، إذا أردت أن تعرف الله فذلك الكون . النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( حسبكم الكون معجزة ))
[ ورد في الأثر ]
وإذا أردت أن تعبد فذاك القرآن منهج قويم ، صراط مستقيم ، حبل الله المتين ، نور من السماء للأرض ، هذا القرآن . إذا أردت أن تعرفه فذلك الكون ، وإن أردت أن تعبده فهذا هو المنهج ، وإن أردت أن تتقرب إليه أعطاك حركة ، قوة ، أعطاك طاقة عضلية ، وطاقة فكرية ، وطاقة نفسية ، أعطاك ملكات ، مهارات ، لذلك لو أننا أجبرناهم على الضلال، لو أردنا منهم أن يكونوا كذلك ، ولو نشاء كما يدعون لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط ، تنازعوا ، تدافعوا ، ضلوا ، فسدوا :
 
﴿ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (67)  ﴾ .
 
الله عزّ وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم :
 
لو أن الله جعل الإنسان كتلة من لحم وعظم ، لا أرجل ولا أيدي ، لا يوجد عضلات ، لا يوجد جهاز عظمي مثل المتحول الزحاري ، مثل الرخويات ، لو أن الإنسان كان من النوع الرخوي ، عضلة ملقاة على الأرض . من أعطاك الجهاز العظمي ؟ من ربط الجهاز العظمي بهذه العضلات بالمئات ، العضلات بعضها مخطط ، بعضها أملس ، بعضها إرادي ، بعضها لا إرادي ، شيء يحير العقول ، وبعض العضلات وأنت في أتم الراحة هي في أشد الانقباض ، ولولا هذه العضلة لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، بهذه العضلة تحفظ لك كرامتك ، بهذه العضلة التي في أشد حالات انقباضها أنت مرتاح ، لولا هذه العضلة لاحتاج الإنسان إلى فوط يحفظ بها ما يخرج منه من نجاسات ، لولا هذه العضلة لذهب ماء الوجه ، لولا هذه العضلة لأصبح الإنسان مهاناً ، هذه العضلة التي هي في أشد حالات الانقباض تضمن لك كرامتك ورفعتك وشـأنك ونظافتك ومهارتك ، عضلات قابضة ، عضلات باسطة ، عضلات مخططة ، عضلات ملساء ، عضلة إرادية ، عضلة لاإرادية وأنت لا تدري .
 
 إكرام الله عز وجل الإنسان بأن خلقه بأحسن صورة :
 
لو أن الله عز وجل جعل عضلة القلب بيدك ليس بإمكانك أن تنام ، إذا نام الإنسان توقف قلبه ، لو جعل حركة الرئتين منوطة بك ، خيار صعب ، النوم معناه الموت واليقظة من أجل تحريك الرئتين معناها الجهد الذي لا يحتمل :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) ﴾ .
أعطاك جهازاً عظمياً متيناً ، العظم ميناء الأسنان لا أدري بالضبط يأتي قبل الألماس أم بعده من حيث القساوة ، عظم عنق الفخذ ، الفخذ له عظم والعظم ينتهي بمشاشة ، فقط  من أجل جمال القوام ، لو أن عظم الفخذ ينتهي بالحرقف بلا عنق لصار منظر الإنسان دميماً ، جعله بحيث يكون العظم له عنق وبعده المشاشة . عظم الفخذ هذا يتحمل ضغط 250 كغ لكل رجل ،  صاروا 500 كغ ، أي نصف طن يتحمل جسمك ضغطاً :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) ﴾ .
أنت جعلك تتحرك ، جعلك تمشي ، أعطاك أرجلاً ، أعطاك قدماً ، الكعب في القدم هذا النتوء الصغير، هذا يتفق مع أدق نظريات الميكانيكا ، النتوء ، الأصابع في القدم ، الأخمص في القدم ، عضلات القدم ، الركبة ، هناك مستشفيات بالعالم متخصصة بمفصل الركبة ، لأنه ليس مفصلاً ، عظمتان متقاربتان وأربطة في غاية الإحكام وعظمة صغيرة يسميها العوام (صابونة الرجل) عظمتان متقاربتان وأربطة بمنتهى الإحكام هذه الركبة ، خلق الإنسان في أحسن تقويم .
 
 
لو أراد الله عز وجل  للإنسان الضلال لما أتقن صنعه :
 
لو نشاء له الضلال ، لو نشاء أن نشقيه لما أتقنا صنعه ، لما أتقنا عضلاته وعظامه ، لما أتقنا أجهزته.
جهاز القلب والدوران ، تجد الإنسان يقول : دفعت ثمن صمام 130 ألف ليرة، صمام صغير ، ينام له صوت ، لا ينام الليل ، الصمام الصناعي له صوت ، لا بتعرف قيمة الصمام الطبيعي حتى تركب صماماً صناعياً ، طبعاً سوف يفتح القلب والعملية خطيرة جداً والصمام ثمنه 130 ألف وله صوت بالليل ، أثناء النهار باعتبار في ضجيج لا تشعر بصوته لكن بالليل عند السكون تشعر بصوته .
إذاً القلب والرئتين الأوعية والأعصاب ، الأوردة والشرايين، المعدة والأمعاء ، الكبد والطحال ، البنكرياس ، والكليتين ، جهاز تنقية ، جهاز هضم ، جهاز دوران ، جهاز عضلي ، جهاز عظمي ، جهاز عصبي ، أعصاب حس ، أعصاب حركة .
 
الدقة والإبداع في خلق الإنسان من أجل أن يعرف الله عز وجل :
 
اليوم في الخطبة ذكرت قشرة الدماغ وزنها مئة غ سمكها 2 ملم فيها ألياف عصبية طولها ألف كم ، فيها أربع عشرة مليار خلية هي القشرة . هذه القشرة فيها كل شيء مركز السمع ، مركز البصر، مركز الحركة ، مركز الإحساس ، مركز التوازن ، فيها مركز الإدراك ، مركز المحاكمة ، مركز التذكر ، مركز التدبير ، شيء لا ينتهي ، فيها من خمسين إلى مئة مركز لم تعرف بعد وظائفها الدقيقة ، أما الدماغ 140 مليار خلية لم تعرف وظيفتها بعد .
أيها الأخوة : الدماغ عاجز عن إدراك ذاته لماذا هذه الدقة وهذا الإبداع وهذه العناية ؟ من أجل أن لا تعرف الله ؟ من أجل أن تخلق للتعذيب ؟  من أجل أن تشقى ؟ لا والله كل هذا من أجل أن تعرف الله عز وجل  .
 
تكريم الله الإنسان بأن جعله فرداً لا مثيل له :
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (67)  ﴾ .
كتلة لحم ملقاة في طرف الغرفة ، في حيوانات هكذا وحيدة خلية ، فيروسات ، في هلاميات ، في رخويات ، في حيوان ليس له حواس ، أنت أعقد حاسة من حواسك ،  حاسة السمع ، الله عز وجل أعطاك نبرة تختص بها ، أبداً .
الإنسان له هويات وليس هوية واحدة . كان يظن من قبل أن له هوية واحدة وهي بصمته ، لا ، الآن قزحية العين هوية ، أحدث بحث أفاد لي  أحد الإخوان أنه لا يوجد إنسان بالخمسة آلاف مليون إنسان يشبهه آخر في قزحية العين ، فالآن في أجهزة ، تضع عينك على الجهاز فيعرف هويتك ، لا يوجد تزوير هنا إطلاقاً ، العين هوية ، رائحة الجلد هوية ، بلازما الدم هوية ، وحدة النسيج في جسمك هوية ، نبرة الصوت هوية ، بصمة اليد هوية ، من أسماء الله أنه فرد وقد منحك هذا الاسم ، كرَّمك فجعلك فرداً لا مثيل لك .
إذاً كل هذه الدقة هي من أجل أن يشقيك في الدنيا والآخرة ؟أهكذا تظن به ؟
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (67)  ﴾ .
 
العقل الذي وهبنا الله إياه لا نعرف قيمته إلا حينما نراه في بعض الناس ضعيفاً :
 
أنا أعرف أشخاصاً كثيرين تقدمت بهم السن ضعفت ذاكرتهم ، رجل رحمه الله من إخواننا الكرام  في آخر حياته خرج من معمله وبحث عن بيته ساعة ونصف نسي بيته  والذي سكن فيه خمس و ثلاثين سنة ، عاد إلى بيت ابنه قال له : يا بني أين بيتي ؟
أعرف رجلاً آخر كان صيدلياً جاء ابنه من أمريكا قال له: من أنت ؟ قال : أنا ابنك ماهر. قال: ما أعرفك .
أعرف رجلاً قد بلغ أعلى الدرجات في حياته الدنيا ، مرة اضطرت أن تخبر زوجته قسم الشرطة أن فلاناً خرج ولم يعد ، بحثوا عنه وجدوه بالقنوات وهو بيته بالمهاجرين، خرج لم يعد يعرف كيف يرجع .
أنت أحياناً ، تضع شمعة بالسقيفة على الرف ، بعد ستة أشهر تنطفئ الكهرباء تقول: يا بني اطلع على السقيفة ، في شمعة على الرف بالسقيفة . معناها كل شيء تفعله أخذ محلاً بالذاكرة ، الذي عنده قطع تبديل أو الصيدلي ، يُسْأل : هلعندك الدواء الفلاني....يجيب مثلاً لدي قطعة واحدة ، أحضرها يا بني فهي بالرف الثالث على اليمين وراء العلبة هذه ، معناها بذاكرتك مسجلة .
ما هي الذاكرة ؟ مشكلتك كبيرة إن ضعفت ، ضعف بسيط ويبدأ الإنسان ينسى .  أحياناً يضيع مفاتيحه يبحث عنهم  ساعة وتكون بجيبه و ينسى  .
 
﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)  ﴾ .
فهذا الإدراك ، وهذا العقل الذي جعله الله مناط التكليف ، أداة التعريف ، هذا لا تعرف قيمته إلا حينما تراه في بعض الناس ضعيفاً .
 
 
أرذل العمر ليس لمن أمضى حياته في طاعة الله :
 
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ (68) ﴾ .
الإنسان يولد لا يعلم شيئاً تنمو ملكاته شيئاً فشيئاً ، تنمو قدراته شيئاً فشيئاً ، تنمو مفاهيمه ، تنمو مدركاته إلى أن يكتمل في الأربعين ، وبعدئذ يميل خطه البياني في النزول إلى أن يرد إلى أرذل العمر ، لكن أيها الأخوة أرذل العمر ليس للمؤمنين أطمئنكم ، أرذل العمر ، ضعف الملكات ، ضعف الذاكرة ، الحشرية ، إعادة القصة مئات المرات ، الظل الثقيل ، التدخل فيما لا يعنيه ، أرذل العمر هذا ليس لمن أمضى حياته في طاعة الله ، أرذل العمر ليس لمن كانت له بداية محرقة ، من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة . يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
  
 من يحفظ الله في صغره يحفظه الله في كبره :
 
والله أعرف أناساً  صالحين والله في التسعين ، في السادسة والتسعين ، مئة و ست سنوات بأعلى درجات يقظتهم وإدراكهم . أعرف رجلاً والله كنت أزوره كل عيد ، والد صديق من أصدقائي ، يحدثني عن  بعض قصصه وتمنيت أن يعيد القصة ، لم يعد قصة مرتين أبداً ، قال : عملنا فحصاً يا أستاذ فلان ، الحمد لله كله تام ، عمره 96 سنة ، عمل فحصاً كاملاً لدمه وبوله ....كامل مكمل ، قال لكن والله بحياتي ما أكلت قرشاً حراماً ولا أعرف الحرام ، لم يأكل قرشاً حراماً ولا يعرف الحرام من النوع الثاني بحياته ، يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر .
أي إذا حدثناكم عن أرذل العمر هذا لمن أمضى شبابه في معصية  الله ، لمن لم يطلب العلم في شبابه ، لمن شاب على ما شب عليه ، لمن أَلِفَ المعاصي ، لكن المؤمن : أنا أرجح ، طبعاً لا أتأله على الله لكن أرجح ، أن المؤمن له خريف مشرق ، له شيخوخة منيرة، له مكانة مرموقة ، هذا لأن الله عز وجل قال :
 
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (21) ﴾ .
 (سورة الجاثية : الآية21)
أي أنتم هل تعتقدون بذلك ؟
  
وهب الله عز وجل الإنسان سمعاً وبصراً وفؤاداً من أجل أن يطيعه ويعبده : 
 
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ (21) ﴾ .
 (سورة الجاثية : الآية21)
في الحياة :
 
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) ﴾ .
 (سورة الجاثية : الآية21)
 
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) ﴾ .
إذاً أعطاك السمع والبصر، أعطاك الحركة ، يُفهم من هذه الآيات أن الإنسان عنده قوتان كبيرتان :  قوى إدراك متمثلة بالحواس والعقل ، وقوى حركة . فأنت في الدنيا بحاجة إلى علم وعمل ، أنت بحاجة إلى علم وإلى عملوالدين كله علم وعمل ، وفحوى دعوة الأنبياء جميعاً:
 
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾ .
(سورة الأنبياء : الآية25)
يجب أن تؤمن أنه لا إله إلا الله ، ويجب أن تعبده .
  
تكريم الله الإنسان بمنحه السمع والبصر والفؤاد : 
 
نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى ، فأنت بين شيئين علم وعمل ، إيمان واستقامة ، إدراك وحركة ، فمن أجل الإدراك أعطاك الله السمع والبصر والفؤاد - الفؤاد إذا جاء مع السمع والبصر فهو : العقل :
 
﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ﴾ .
 (سورة الإسراء : الآية36)
فقواك الإدراكية متمثلة بالسمع والبصر ، الأحاسيس كلها ، الإدراك أي هو العقل. والقوى الحركية ، أعطاك جسماً يتحرك ، عضلات توازن ، مثلاً لو أن الإنسان لا يوجد عنده قنوات نصف دائرية فوق الأذن حتى يقف على قدمين ، لابد له من قاعدة استناد كبيرة جداً ، كما ترى بعض التماثيل في بعض المحلات التجارية للملبوسات الجاهزة لها قاعدة استناد 70 سم من أجل أن يقف الإنسان ، كانت قنوات التوازن في الأذن (في ثلاث قنوات فيهم سائل وفيهم أهداب) ، وهو يحتاج  إلى أرجل كل رجل قاعدتها 20-30 سم ،  إذا الإنسان استخدم حذاء ودخل في أرض فيها طين ، تعلق بكل حذاء أكثر من 5كغ طين ويصبح المشي فيه مشقة كبيرة جدا ، فلو كان الشخص رجله وزنها 5 كغ ؛ شيء لا يحتمل ، إذاً الله عز وجل لطيف جعل لك قدمين لطيفتين ، والدليل هل نستطيع أن نوقف ميت على الواقف ، مادام تعطلت قنواته الدائرية فهو لا يستطيع الوقوف . الميت دائماً ملقى على الأرض ، أما الوقوف فيحتاج إلى توازن ، إذا هذا من تكريم الله للإنسان .
 
  الله عز وجل  أعطى الإنسان قوى إدراكية و حركية و مهارات من أجل أن يؤمن به :
 
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْق أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) ﴾ .
إذاً هذه الآيات الثلاثة : الله أعطاك قوى إدراكية حواس وعقل ، أعطاك قوى حركية تتحرك ، أعطاك مهارات ، أعطاك خبرات ، أعطاك قدرات ، أعطاك مفاهيم ، أعطاك حرفة تزاولها ترتزق منها ، هذا كله أعطاك الله إياه من أجل أن تؤمن به وأن تعمل صالحاً يسعدك في الآخرة ،  من أجل أن تؤمن به وقوى إدراكية ، والعمل الصالح بدون جهاز حركي تتحرك تأتي إلى  الدرس ، تذهب لبيتك ، تشتغل ، تحضر معك طعاماً لأهلك ، تقوم بعمل نافع .
  
كلمة الشعر هنا ليست مقصودة لذاتها :
 
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ (69) ﴾ .
يا أخوان بالمناسبة كلمة الشعر هنا ليست مقصودة لذاتها ، دائماً الإنسان له نوازع شهوانية ونوازع رحمانية ، النوازع الرحمانية متمثلة بالحق ، بالقرآن ، بالسنة ، والنوازع الشهوانية متمثلة بالشعر ، كلام مزين مزخرف ، ممتع لكن ليس فيه حقائق ، فيه أباطيل ، فيه دجل  ، فيه تزوير، مثلاً هناك شاعر يقول :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبــي        و أسمعت كلماتي من به صمـم
أنام ملء جفون عن شواردهـــا         و يسـهر الخلق جراها ويختصم
الخيل والليل والبيداء تعرفنـــي         والسيف والرمح والقرطاس والقلم
*     *      *
القصيدة طويلة جداً كلها فخر . هذا الشاعر كان مرة بين البصرة وحلب في رحلة فخرج عليه عدو فولى هارباً ، قال له غلامه : ألم تقل : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ؟ ألم تقل الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم ؟ قال: قتلتني قتلك الله فعاد فقاتل حتى قتل ، كلام فارغ ، فالشعر ليس المقصود بذاته ، الشعر أي كلام فارغ ، أي كلام مزخرف ، مزين ، مشقق ، مدعم بالشواهد والطرائف والنكت ، لكن ليس فيه حقائق ، فكلام الناس ، محاضراتهم ، ندواتهم ، أحاديثهم ، مناقشاتهم ، مجلاتهم ، كتبهم ، كلها تتحدث عن شهواتهم ، وعن أباطيلهم ، وعن نزواتهم ، وعن فراغهم ، وعن انحرافهم ، فهذا كله جمع في كلمة الشعر . قال تعالى :
 
﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) ﴾ .
 (سورة الشعراء : الآية224)
 
 
أعذب الشعر أكذبه :
 
 
مرة شاعر هجَّاء لم يبق أحد إلا وهجاه حتى أمه هجاها ، ما بقي إلا أن يهجو نفسه قال : 
لي وجه قبح الله خلقـه         فقبح من وجه وقبح حامله
 *   *   *
 
هذا هجاء ،  بالجاهلية شخص مرة مدّ رجله وقال : من كان أشرف مني فليضربها ،  بقيت حرب بين القبائل عشر سنوات ، أحرقت الأخضر واليابس ، هكذا كنا في الجاهلية ، جاهلية عصبيات ، انحيازات ، فخر ، باطل ، إنسان تافه ينفخ نفسه. توفيت أم المعتصم مرة ، بعض الشعراء قال فيها:
ولو أن النساء كمن فقــدن        لفضلت النساء على الرجـال
وأخفت أهل الشرك حتى أنه         لتخافك النطف التي لم تخلـق
*     *     *
مبالغة كبيرة :
إن في بردي جسماً ناحلاً           لو توكأت عليه لانهـدم
*     *      *
قال أحد الشعراء: أعذب الشعر أكذبه .
  
الحي هو الذي يستنبط من حقائق الكون حقائق يؤمن بها :
 
لذلك هنا قال
 
 
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) ﴾ .
الحقيقة :  من هو الحي ؟ الحي هو الذي يفكر ويعقل ويدرك ، الحي هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين ، الحي هو الذي يستنبط من حقائق الكون حقائق يؤمن بها .
 
 
﴿ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) ﴾ .
أما إذا لم تؤمن فقوانين الله عز وجل تنطبق عليك .
   
النبوة لا يليق بها الشعر فالشعر فيه كذب ونفاق ومبالغة :
 
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ (69) ﴾ .
ما يعني وما ينبغي له ؟
أي مرة دخل سيدنا عمر رضي الله عنه على سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام  فرآه نائماً على حصير ، أثر فيه الحصير على خده الشريف . قال: رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ؟  قال : يا عمر إنما هي نبوةوليست ملكاً ، هي قضية متعلقة بهذه النبوة  ، هكذا قدوة النبوة ، تواضع النبوة ، تقشف النبوة ، حب للآخرين ، فالنبوة لا يليق بها الشعر فالشعر فيه كذب ، فيه نفاق ، فيه مبالغة ، فيه هجاء ، فيه غزل مكشوف ، فيه غزل غير عفيف ، فهذا الذي يتغزل يصف أعضاء المرأة ، هذا الذي يثير الشهوات في الناس ، هذا الذي يتحدث عن عواطفهم الخسيسة ، عن حبهم ، عن مشكلاتهم دون أن يرقى بها ، هذا شاعر لكن لا يعبر عن الحقيقة.
لذلك قال :
 
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) ﴾ .
 
  الحي من استجاب لله عز وجل ومن لم يستجب أقيمت عليه الحجة و دفع ثمن عمله :
 
إذا أنت ذكَّرت الإنسان واستجاب فهو حي ، الطبيب يضع  أحياناً يده على المريض فإن لم يجد نبضاً ، عمل تخطيطاً (الحركة المنكسرة معناها حركة) أما التخطيط خط مستقيم والنبض صفر والتنفس صفر والقزحية لم تتأثر بالضوء الشديد عندها يقول : عظّم الله أجركم ، فمن هو الحي إذاً ؟ هو الذي إذا دعي يستجيب ، إذا استمع يستجيب :
 
﴿  لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) ﴾ .
أما الذي لا يستجيب أقيمت عليه الحجة ، وحق عليه القول ، ودفع ثمن عمله .
 
 
تذليل الأنعام للإنسان بقدرة الله عز وجل :
 
يقولون شدة القرب حجاب : 
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا (71) ﴾ .
أنت ألست تلبس كنزة صوف ؟ ألا يوجد في بيتك سجادة  صوف ؟ ألا يوجد عندك جلد تضعه بالشتاء بغرفة الجلوس ؟ ألم تشرب كأساً من الحليب ؟ ألم تأكل قطعة جبنة؟  قشطة ؟ زبدة ؟ ألم تشرب  لبناً ؟ ألم تلبس حذاء ؟  يقول لك هذا ثمنه ألف ومئتين اشتريته  من مضايا مثلاً ، فهذا الحذاء مم صنع ؟ من الجلد ، وهذه الكنزة الموهير الغالية من أين أحضرتها ؟قال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) ﴾ .
الأنعام ، الخروف : صوفه يقدم لك شيئاً عظيماً ، وجلده يقدم لك خدمات جلى ، والحليب ، إنَّ كل حياتنا مبنية على الألبان ؛ الجبن والحليب واللبن والسمن والزبدة فهو غذاء أساسي جداً . هذا كله من الأنعام ، اللحم مادة أساسية في الحياة ،  من صمم هذه الغنمة ؟ لو أن الله عز وجل أودع طباع الضبع في الغنمة يقول لك فلان مثل الغنمة ، ماذا يعني مثل الغنمة ؟ أي القيادة سهلة ، تسحبها بقليل من الحشيش على الذبح لا تتكلم ولا كلمة ، الله ذللها، من جعلها لك مذللة ؟ الله جل جلاله .
   
موضوع الغنم بالذات من آيات الله الكبرى الدالة على عظمته :
 
لذلك    :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا (71) ﴾ .
هي آية بين أيديهم ، لو لم تكن الغنم مذللة ، من يقدر أن يجمع مئة غنمة مع بعضهم؟ تجد متكاتفين متداخلين مع بعضهم ، لو كانوا  مثل الكلاب مبعثرين فرعي الغنم صار عملية شاقة ، لو أن الله جعل بطباع الغنمة التبعثر ، أيستطيع أحد أن يجمع مئتي كلب مع بعضهم  ويقودهم معاً ؟ تجد  كل واحد بجهة ، أما الغنم يمكن جمعه كله بقطيع واحد ، تجد بحركة ، بصفرة ، يتجه نحو اليمين أو نحو الشمال ، طَبْعٌ لطيف ، طواعية ، انسياق للراعي .
موضوع الغنم بالذات ، من آيات الله الكبرى ، ويمكن أن تُرى بالعين . يجب على الإنسان أن لا يكون غافلاً إذا أكل ، وإن شرب كأس حليب ، إن أكل قطعة جبنة ، يجب أن لا ينسى الإنسان أن كل هذا من صنع ربنا ، يقول لك هذا من عند فلان ، صناعته نظيفة تماماً ، قبل فلان الله عز وجل هو الذي صمم لنا هذه الغنمة وصمم حليبها وجلدها وصمم لحمها وصمم صوفها :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) ﴾ .
  
الإنسان مصمم على الإيمان فإن لم يؤمن وأشرك وقع بمصيبة كبيرة :
 
أحياناً الإنسان ، يركب هذه الدابة تحمله إلى بلد لا يبلغه إلا بشق الأنفس ، أحد إخواننا كان في بلد غربي ،  قرأ بحثاً علمياً عن أن استعمال الفرس يقي الإنسان من أمراض القلب والكبد والكليتين ، أمَّا المركبة التي صممها الإنسان قد  تسبب أمراض القلب والكبد والكليتين ، حيث أن  الإنسان مصمم على بذل الجهد ، فإذا كف عن بذل الجهد تفاقمت مشكلاته ، ضعف قلبه ، ضعف كبده ، ضعفت كليتا ه، الطبيب يقول لك امشِ ، طبيب الكليتين يقول لك امشِ ، طبيب القلب يقول لك  اعمل رياضة ، تمشى صباحاً ، الإنسان مصمم على بذل الجهد فإذا كف عن بذل الجهد ، كل حركاته أصبحت بالمصعد والسيارة من الباب للباب ، مكتبه مريح ، حتى حركات السيارة كلها أوتوماتيكية ، كبس أزرار ، الغسيل كبسة زر ، لم يعد هناك شيئاً صعباً ، فالإنسان وقع بمصيبة جسمه ، لأن الإنسان مصمم على بذل الجهد ، فإن لم يبذل الجهد تعب قلبه وضعف ، ومصمم على الإيمان فإذا لم يؤمن وأشرك يخاف . فنحن بين مشكلتين :  بين كسل عضلي وبين شدة نفسية . وهذه وراء أكثر أمراض الإنسان المستعصية . أمراضه أكثرها المستعصية هي نتيجة للشدة النفسية مضافاً إليها الكسل العضلي ، وأجدادنا حياتهم كان فيها بذل جهد وكان هناك راحة نفسية ، الراحة النفسية مع بذل الجهد تساهم في  وقاية الإنسان ، والشدة النفسية مع الكسل العضلي يبقى الإنسان في مرض مستمر .
   
 كل شيء في الكون مصمم للإنسان تصميماً كاملاً :
 
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)  ﴾ .
منافع ومشارب أي أنواع الأشربة الحليب واللبن وما إلى ذلك :
 
﴿ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)  ﴾ .
حتى ما يخرج من بطنها يقول لك ثمن طن من السماد يتراوح بين  ثمانية آلاف ليرة و عشرة آلاف  ، أرقى أنواع السماد ، لم يبق فيها شيء ، حتى الأمعاء تصدّر بأسعار باهظة ، لا يوجد شيء بالغنم إلا يستفاد منه ،  سبحان الله هذه هدية الله لنا ، مصممة تصميماً كاملاً .
   
كل إنسان سره كعلانيته عند الله عز وجل :
 
ومعكل ذلك:
 
﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)﴾ .
اتخذ إلهاً من دون الله ، اتخذ شخصاً ، اتخذ صنماً . قال :
 
﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) ﴾ .
كان العرب في الجاهلية إن صنعوا صنماً يحرسوه ، يعتنوا فيه ، إذا شخص ناله بأذى يضربوه . فهذا الصنم من الحجر يحتاج إلى من يحرسه وإلى من يرعاه وإلى من يدافع عنه ، فإذا كنت أنت ترعاه ، فكيف تعبده من دون الله ما هذا المنطق ؟  واتخذوا من دون الله آلهة :
 
﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) ﴾ .
الإنسان مكشوف يا أخوان ، مكشوف عند الله عز وجل ، أي سريرته كعلانيته، سره كظاهره ، ما يخفيه كما لو أنه أعلنه ، فالمؤمن حينما يرى رقابة الله عليه يستقيم على أمر الله ، ويشعر حينما ينحرف قليلاً سوف يأتيه العذاب من قِبل الله عز وجل .
 
 
خلق الإنسان من آيات الله الدالة على عظمته :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ (77)  ﴾ .
ذا قال أنا ما كنت وقتها ، لم أكن في وعيي ! تقول : انظر إلى ابنك ألم تعلم أن هذا الابن جاء من نطفة من ماء مهين ، ألم تعلم أن هذا الماء المهين يزيد على ثلاثمئة مليون حوين وأن الإنسان مخلوق من حوين واحد ، حوين واحد مخلوق منه ، ﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ﴾ ، والحوين الواحد له رأس مدبب ، له عنق وله شريط لتحريكه وهذا الرأس المدبب له مادة نبيلة شفافة مغطاة بغشاء إذا اصطدمت بالبويضة تمزق الغشاء وجاءت هذه المادة النبيلة فأذابت جدار البويضة حتى يدخل إليها ، وأن هذا الحوين يحتوي على خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة بأوقات متفاوتة :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ (77)  ﴾ .
فإذا كبر ودرس فلسفة أو درس طب صار يتفلسف على الناس ، أخي أنا لا أرى إلا الأشياء المادية ، هي ما وراء الطبيعة ، هي ( ميتافيزيقا ) ، نحن يجب أن  نكون واقعيين،  لا نريد غيبيات ، لا نريد  خيالاً ، لا نريد أن نتعلق بما بعد الموت ، نريد الحياة فقط ، الآن تحكي هذا الكلام .
   
على الإنسان ألاّ يكثر من الجدال :
 
مرة كنت بالمطار ، رأيت طفلاً  يظهر أهله من كثرة ما وضعوا له فوطاً خوفاً من البلل صار كرة بوسطه ، قلت : هذا لو كبر وصار بمنصب رفيع ونسي كيف كان صغيراً بهذا الوضع المضحك :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)  ﴾ .
الإنسان تجده كان يحتاج لمن ينظفه ، من يرعاه ، من يطعمه ، كان ضعيفاً ، كان يتكلم الحرف ، كلام مضحك ، لو كبر وسمع كلامه ، فبعد أن  كبر وصار شخصية فذة ، يريد أن  يناقش الإله : أثبت وجودك ، وأنا لا أؤمن إلا بالواقع ، هؤلاء  الماديين ، الجدليين :
 
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) ﴾ .
 
 والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب