سورة الأنعام 006 - الدرس (32): تفسير الآيات (092 - 092) القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (32): تفسير الآيات (092 - 092) القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 18 - رمضان - 1445هـ           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 41- اقتصاد الأسرة في ظل الأزمات- سامر خويرة -27 - 03 - 2024           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - رمضان - 160- كلية رمضان           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 18 - رمضان في ظلال ايات الرباط - الشيخ عيد دحادحة           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - رمضان الانتصارات - في ظلال بدر وفتح مكة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 370 - سورة النساء 135 - 135         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (092 - 092) - القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه

21/03/2011 07:18:00

سورة الأنعام (006)
الدرس (32)
تفسير الآية: (92)
القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس سورة الأنعام .
 
 القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه :
 
مع الآية الثانية والتسعين ، وهي قوله تعالى :
 
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) ﴾.
أيها الأخوة ، كما يقولون : الشيء بالشيء يذكر ، الآية الأولى من سورة البقرة :
 
﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾.
( سورة البقرة ) .
مطلع سورة البقرة أي كلمة يمكن أن تقف عليها : ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ ، يعني إذا كان في الأرض كلها كتاب واحد فيه مبادئ سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة فهو القرآن الكريم  ، ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ ، إن قلت : ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ﴾ ، حقاً هو الكتاب الذي فيه مبادئ سلامتنا وسعادتنا ، إن قلت : ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ ، أيضاً يصح أن نقف عند كلمة فيه ، أيضاً إذا قلت : ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى ﴾ أيضاً يصح أن نقف عند هذه الكلمة .
أما الآية اليوم : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ ﴾ ، هذا الذي بين يديكم ، هذا القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ، وسوف أوضح في هذا الدرس إن شاء الله بعضاً من عجائبه .
 
 نزول القرآن الكريم دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا :
 
أولاً : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ ، قال علماء العقيدة : إن القرآن الكريم أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا .
 
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ﴾.
( سورة القدر ) .
أما إذا قلت :
 
﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) ﴾.
( سورة الشعراء ) .
عندئذٍ نزل منجماً ، آيةً آية ، مجموعة آيات مع بعضها في مناسبة معينة في ثلاث وعشرين سنة ، إذاً الفرق بين أنزلناه وبين نزل فرق كبير ، أنزلناه بهمزة التعلية ، أي أن الله عز وجل أنزل هذا القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مرة واحدة ، في ليلة واحدة ، في ليلة مباركة ، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ ، أما أن ينزلَ نزلَ ينزلُ القرآن تباعاً منجماً بحسب المناسبات ، نزل في ثلاثة وعشرين عاماً بحسب المناسبات ، وهناك حديث طويل حول حكمة أنه نزل منجماً .
أيها الأخوة ، أما معنى مبارك قد تقول أنت : بارك الله في الطعام ، أي طعام قليل أكله عدد كبير ، وشبعوا ، دخل قليل ، بارك الله به ، انتفعت به انتفاعاً كثيراً ، إذاً بارك الله لك في مالك ، وقد يكون قليلاً تنتفع به كثيراً ، وإذا بارك الله لك في صحتك تنتفع بها كثيراً ، وإذا بارك الله لك في زوجتك تنتفع بها كثيراً ، وإذا بارك الله في أولادك تنتفع بهم كثيراً ،  الشيء المبارك هو شيء قليل تنتفع به كثيراً ، هذا تقريب ، كتاب مبارك ، ماذا أقول لكم ؟ الكتب التي في الأرض لا تعد ولا تحصى ، أحياناً تمسك بكتاب علمي في آخر الكتاب ثلاث وثمانون صفحة ، مراجع ومصادر في موضوع واحد ، عدد الكتب التي على سطح الأرض يكاد العقل لا يصدقه ، بعض الإحصاءات في اليوم الواحد يطبع من الكتب ما لا تستطيع أن تقرأه في مئتي عام  .
 
 القرآن لكل زمان ومكان وكل حرف فيه يُعدُّ قانوناً :
 
الله عز وجل قال : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ ، فيه كل مبادئ سلامتنا ، فيه كل مبادئ سعادتنا ، فيه سلامتنا وسعادتنا في الدنيا ، وفيه فوزنا يوم القيامة ، وفي الجنة إن شاء الله ، فيه قصص الأقوام السابقة ، فيه مشاهد من يوم القيامة ، فيه أمر وفيه نهي ، فيه آيات كونية ، مع أنه كتاب لا يزيد على ستمئة صفحة ، فيه كل الخير ، والذين عكفوا على تفسير هذا القرآن ألَّفوا ملايين الصفحات ، ولا تنقضي عجائبه حتى الآن ، وهناك بعض    التفاصيل : لو قرأت كتاباً أُلِّف قبل ألف عام لا يمكن أن تحتمل الأخطاء العلمية التي فيه ، بعد ألف عام تستصغر المؤلف والكتاب ، أما كتاب ينزله الله قبل ألف وأربعمئة عام ، وقفز العلم قفزة خيالية قي الخمسين عاماً الأخيرة ، تطور العلوم من آدم إلى ما قبل خمسين عاماً من كفة ، ومن خمسين عام إلى الآن التطور في كفة ثانية ، ومع ذلك لم يظهر في هذا التطور العملاق في العلوم ، في الفلك ، في الرياضيات ، في الطب ، في الهندسة ، في علم الأجنة ، في التاريخ ، في الجغرافيا ، مع هذا التطور المذهل الذي يعد انفجاراً في المعلومات ، نحن في ثورة المعلومات ، نحن في ثورة الاتصالات ، يعبرون عن التطور السريع بالانفجار ، مع انفجار البحوث العلمية والمكتشفات ، في شتى العلوم والفنون والآداب ، لا تجد في هذا القرآن كلمة واحدة ينفيها العلم الآن .
إذاً معنى : ﴿ مُبَارَكٌ ﴾ ، أن الخير الذي يأتيك منه في صحتك ، في زواجك ، في تربية أولادك ، في عملك ، في سمعتك ، في مكانتك ، في سلامتك ، في سعادتك ، في معرفة سر خلقك ، في معرفة ماذا بعد الموت ؟ وأين كنت قبل الموت ؟ ولماذا أتى الله بك إلى الدنيا ؟ كم من الحقائق تسعدك وتطمئنك ؟ ونجعلك تضع يدك على سر الوجود وغاية الوجود ، هذا المعنى الأول مبارك ، أي صفحات قليلة فيها خير كثير .
صدقوا أيها الأخوة ، أحياناً تقرأ قصة ، هناك قصة مشهورة حجمها ثمانمئة صفحة تقرأها ، حوادث ، وتحليل ، وعقدة ، وحل ، كلها تلخص في كلمة واحدة ، الإنسان أقوى من أي عقبة توضع أمامه ، أما أن تقرأ الحرف الواحد في القرآن يعد قانوناً الحرف الواحد ، الله عز وجل يبين أن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين .
 
القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية لذلك ينبغي أن يغطي كل الحالات البشرية :
 
أول شيء الأداء المبارك ، أن هذا الكتاب ينفعنا في دنيانا ، وفي أخرانا ، وفي نفوسنا ، وفي أجسامنا ، وفي علاقاتنا ، وفي كل شؤون حياتنا ، المعنى الآخر أن هذا القرآن جاء في عصر محدود جداً ، والمعلومات قليلة جداً ، والحياة بسيطة جداً ، ولكنه استمر إلى أعقد العصور في تاريخ البشرية ، ومع ذلك استمر بقوة ، استمر بجدة ، ما سر ذلك ؟
الحقيقة هناك شيء دقيق جداً من هذه الأشياء الدقيقة أن القرآن فيه ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ، لماذا امتنع النبي عن تفسيرها ؟ ولا حديث يشرح آية كونية ، مع أنه في أي موضوع عبادي أكثر من مئتين في البيوع ، في الموضوعات التشريعية مئات الأحاديث ، من ألهم النبي ذلك ؟ ذلك لأن الله لو سمح للنبي أن يفسر هذا القرآن تفسيراً بسيطاً لطيفاً مألوفاً يستوعبه أصحابه في عصر بسيط جداً من حيث المعلومات لأنكرنا عليه كل هذه التفسيرات ، ولشككنا في نبوته ، ولو أنه فسره تفسيراً عميقاً يتناسب مع أحدث البحوث العلمية الآن لأنكر عليه أصحابه ، فكيف يمكن لكتاب ينزل في عصر ، ويستمر تأثيره إلى عصور متقدمة جداً دون أن تجد خلل في كلمة واحدة .
إذاً معنى : ﴿ مُبَارَكٌ ﴾ ، المعنى الأول أنه يشمل كل شؤون حياتك ، بدءاً من عقيدتك وانتهاء ببعض التوجيهات في طعامك ، كلوا من ثمره إذا أينع ، فيه تحذير من أن تأكل الثمرة قبل أن تنضج ، بدءاً من عقيدتك إلى توجيهات في شؤون طعامك ، هذا الكتاب المعجز أيها الأخوة هو الذي يستمر بك إلى ما شاء الله .
بالمناسبة ، يتميز هذا الكتاب عن بقية الكتب السماوية ، أن الكتب السماوية إنما أُنزلت لأقوام محدودين ، الإنجيل جاء به السيد المسيح ، والتوراة جاء بها سيدنا موسى ، أما القرآن فهو لكل الشعوب ، ولكل الملل والنحل ، ولكل البشر ، إلى نهاية الحياة ، هذا آخر الكتب ، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، كذلك هذا الكتاب القرآن الكريم هو خاتم الكتب السماوية ، إذاً ينبغي أن يغطي كل الحالات البشرية . مثلاً في القرآن الكريم :
 
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (28) ﴾.
( سورة الشعراء الآية : 28 ) .
واضحة ، تأتي آية :
 
﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) ﴾.
( سورة الرحمن ) .
 
 الله عز وجل أحياناً يخاطب الأقوام بأسلوب تحتمله عقولهم :
 
الآن هناك مشرق واحد ، صار هناك مشرقان ، تأتي آية :
 
﴿ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ (40) ﴾.
( سورة المعارج الآية : 40 ) .
هناك معبد في مصر بناه الفراعنة فيه ثلاثمئة وخمس وستون نافذة ، وكل يوم تدخل الشمس من واحدة من هذه النوافذ ، الله عز وجل حينما أهلك بعض الأقوام ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوة ، كل يوم تدخل الشمس إلى هذا المعبد من نافذة واحدة ، زوايا هذه النافذة تتناسب مع أحد أيام السنة ، الشمس في يوم من الأيام لها زاوية شروق ، في اليوم التالي تنتقل هذه الزاوية ، وهكذا .
إذاً : ﴿ رَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ﴾ ، هذه آية ، أي كل يوم في مشرق ، ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾ ، هناك أقصى مشرق وأقصى مغرب ، لو أن إنساناً له بيت مرتفع في جهة الشرق يرى بشكل واضح أن الشمس تشرق في الصيف من القسم الجنوبي ، وفي الشتاء من القسم الشمالي ، أو بالعكس ، في الشتاء من القسم الجنوبي ، وفي الصيف من الجهة الشمالية.
إشارات إلى قضايا علمية الآن عُرفت ، أحياناً يخاطب الله الأقوام بأسلوب تحتمله عقولهم ، هناك الآن من يزعم أن الأرض مسطحة ، مع أن الأرض التقطت صورها من القمر كرة ، الآن هناك من يزعم أن الأرض مسطحة ، فكيف إذا قال الله للبشر قبل ألف وأربعمئة عام الأرض كرة ، الآية الثالثة الأرض كرة يكذبون هذا القرآن كله ، لكن :
 
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ (88)﴾.
( سورة النمل الآية : 88 ) .
الأرض إذاً تنطلق بدورة حول الشمس .
 
﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ (5) ﴾.
( سورة الزمر الآية : 5 ) .
لا يتداخل الضوء مع الظلام في شكل هندسي إلا الكرة ، المكعب تداخل ما في الضوء يظهر إذا دار المكعب ، وفي جانبه منبع ضوئي الضوء يظهر فجأة ، ويختفي فجأة ، أما الكرة يتداخل ضوء المنبع الضوئي مع الظلام تداخل عجيب ، تماماً إذا غابت الشمس يتداخل الضياء مع الظلام إلى أن يأتي وقت العشاء فيغيب الشفق الأحمر .
 
 بعد تقدم العلم اكتُشفت حقائق كانت مخبوءة في بعض الآيات :
 
إذاً الله عز وجل ذكر الأشياء العلمية بطريقة تحتمله العقول ، لكن بعد حين يتقدم العلم فيكشف حقيقة كانت مخبوءة في بعض الآيات تتضح للعيان ، هذا المعنى الجديد المخبوء لا يلغي المعنى الأول ، الأول مقبول كيف ؟ الله عز وجل قال :
 
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ .
( سورة الطارق ) .
المعنى البسيط أن هذا الماء الذي في البحار يتبخر ، ويصعد إلى السماء فيرجع أمطاراً واضحة ، يتقدم العلم ويكتشفون أن طبقة اسمها طبقة الأثير كل الأمواج الكهرطيسية المنطلقة إلى الفضاء الخارجي ترتد إلى الأرض من خلال هذه الطبقة ، ولولا هذه الطبقة لما كان هناك إرسال إذاعي إطلاقاً ، ولا لاسلكي ، ولا تلفزيوني ، بفضل هذه الطبقة تنطلق هذه الموجات الكهرطيسية إلى الفضاء الخارجي ثم ترتد إلى الأرض ، إذاً المعنى الآخر : ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ ، ثم يكتشف علماء الفلك أن كل نجم في الكون يدور في مسار مغلق حول نجم آخر ، بمعنى أنه يرجع إلى مكان انطلاقه النسبي ، وكلما تقدم العلم ظهر معنىً جديد لا يلغي المعنى السابق ، من يستطيع أن يصيغ الحقيقة صياغة يفهمها كل عصر بحسب معطياته ، فإذا جاء عصر آخر وتقدم العلم كشف عن معنىً جديد لهذه الآية دون أن يلغي المعنى الأول ، شيء لا يصدق .
إذاً الله عز وجل حينما يخاطب الناس بهذا القرآن الكريم يخاطبهم بطريقة تحتملها عقولهم ، فإذا تقدم العلم كشف معنىً في القرآن مخبوءاً فيه تبدى وقت التقدم العلمي .
 
 أمثلة عن إعجاز الله في الكون كما ورد في بعض الآيات القرآنية :
 
جميعنا نقرأ الآيات :
 
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) ﴾.
( سورة النجم ) .
الآن العلم كشف أن الذي يحدد نوع الجنين ليست البويضة لكنها النطفة ، هناك كروموزوم X أو Y ، أحدهما يحدد نوع الجنين ، الله عز وجل قال :
 
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)
( سورة الرحمن ) .
في أثناء صعودهم إلى الفضاء وتصوير البحار وجدوا أن هناك خطاً كل بحرين ، هو خط تمايز لونين ، فانتبهوا لهذه الظاهرة ، علماء البحار بحثوا عنها فاكتشفوا في النهاية أن لكل بحر تركيباً وخصائص يتميز بها ، ولا يمكن أن تتداخل مياه البحار فيما بينها ، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾ ، مياه البحر الأحمر لها كثافة ، ولها ملوحة ، ولها خصائص ، ولها مكونات ، مع أن البحر الأحمر موصول بالمتوسط ، موصول بالبحر العربي ، ﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ، عندنا في الأرض مكان فيه أشعة شمس ومكان فيه ضوء ، ضوء وليس أشعة ، السبب أن أشعة الشمس عندما تسلط على ذرات الهواء ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة بكل الاتجاهات فتجد في الأرض الضوء لكن ليس هناك شمس .
البيت الشمالي فرضاً فيه ضوء ، ترى الأشياء في البيت بوضوح لكن ليس فيه أشعة شمس ، هذا اسمه انتثار الضوء . لكن لو صعدت في الفضاء الخارجي ووصلت إلى طبقة انعدام الهواء طبقة الهواء سماكتها خمس وستون ألف كم ، بعد هذه المسافة يقول رائد الفضاء : لقد أصبحنا عمياناً لا نرى شيئاً ، أما أن تأتي آية قبل ألف وأربعمئة عام يقول الله عز وجل :
 
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) ﴾.
( سورة الحجر ) .
فكيف هذا القرآن الكريم : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ ، بكل معاني البركة ، مبارك في أنه يعطيك عطاءات ملايين الصفحات مع أنه بحجم محدود ، مبارك بما أنه يمتد أثره إلى كل العصور .
 
كلما تقدم العلم اقترب من حقائق القرآن الكريم :
 
أخواننا الكرام ، عندنا نعمة كبيرة ينعم بها المسلمون ، أنه لا يمكن أي يظهر حدث أو اكتشاف أو شيء ينقض ما في القرآن الكريم ، بالعكس كلما تقدم العلم اقترب من حقائق القرآن الكريم ، وأنا أحذر من أن تثني على القرآن إذا وافق العلم ، بل أؤكد ينبغي أن تثني على العلم إذا وافق القرآن ، إن الأصل هو القرآن ، فكلما اقترب العلم من حقائق القرآن يكون قد اقترب من الحقيقة المطلقة التي جاءت في القرآن الكريم ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام يصف هذا القرآن الكريم أنه لا تنقضي عجائبه .
 
﴿ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (31) ﴾.
( سورة فاطر الآية : 31 ) .
﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ ، بين يديه التوراة والإنجيل ، والقرآن الكريم يصدق ما في التوراة وما في الإنجيل ، والذين يعلمون حقيقة الإنجيل والقرآن يرون أن هذه الكتب الثلاث تنطلق من مشكاة واحدة .
﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، بعضهم يقول : هذا كتاب للعرب وحدهم والدليل هذه الآية ، من قال لك ذلك ؟ ما معنى : ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، الآن النقطة ما هو الذي حولها ؟ حولها دائرة ، هذه الدائرة تتسع ، وتتسع ، وتتسع حتى تشمل أهل الأرض ، كما قال الله عز وجل في آية أخرى :
 
﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ (123) ﴾.
( سورة التوبة الآية : 123 ) .
الجهاد لا يقف ، كلما فتحت بلداً بقي عليك أن تفتح البلد الذي يليه ، معنى ذلك أن الجهاد لا يقف إلى يوم القيامة حتى يعم الحق الأرض كلها .
 
 مكة المكرمة تعد الوسط الهندسي للقارات :
 
الشيء الغريب أنه في مصر في مركز بحوث علمية تابع لجامعة القاهرة اكتُشِف أن مكة المكرمة مركز الأرض ، الوسط الهندسي للأرض . مثلاً لو جئت بمربع ووصلت خطاً بين زاويتيه وخط آخر بين زاويتيه الأخريين يتقاطع الخطان في نقطة ، هذه النقطة اسمها الوسط الهندسي لهذا المربع ، وقد يكون الحجم مكعباً ، لو أخذت النقاط الثمانية ووصلت بينها بخطوط تتقاطع هذه الخطوط في نقطة في مركز هذا المكعب ، هذه النقطة نقول : هي الوسط الهندسي للمكعب ، اكتشف أن مكة المكرمة تقع في الوسط الهندسي للأرض ، الدليل : نحن عندنا عالم قديم وعالم جديد ، العالم القديم عدا أمريكا ، أوروبا ، وإفريقيا ، آسيا ، أستراليا ، هذه القارات الأربع لو أخذنا أبعد نقطة فيها من كل الاتجاهات ، ثم وصلنا أقطاراً من كل نقطتين متقابلتين متباعدتين هذه الأقطار تتقاطع في مكة المكرمة ، مكة المكرمة تبعد عن أي نقطة نائية في القارات الأربع ثمانية آلاف وخمسمئة كم ، لو ضممت العالم الجديد إلى القارات الخمس ضممت أمريكا ، تصبح مكة المكرمة وسط هندسي للعالم كله ، وتبعد عن أي نقطة في العالمين ثلاثة عشر ألفاً وخمسمئة كم ، يعني أم القرى حقيقة هي في الوسط الهندسي للأرض ، والشيء اللطيف أنه لا يقابلها في الطرف الآخر مدينة يقابلها المحيط الهادي ، مدينة واحدة هي مكة المكرمة تعد الوسط الهندسي للقارات الخمس ، أو للقارات الأربع ، لذلك قال تعالى : ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، من حولها كقوله تعالى : ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ ﴾ ، هذه الدوائر تتسع ، وتتسع ، وتتسع ، في عهد النبوة مكة المكرمة اتسعت إلى أن وصلت إلى الشام ، وإلى المغرب ، وإلى الصين ، ولا يزال الحق يتسع ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام دققوا في هذا الحديث قال :
 (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار )) .
[ رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد عن تميم الداري ] .
أي مكان في الأرض فيه ليل ونهار الحق سيصل إليه ، وأنا سافرت إلى أقصى مدينة في العالم ، في أستراليا المدينة التي تقع في أقصى الجنوب ؛ ملبورن ، وفيها إذاعة إسلامية ، والدروس ، والقرآن ، والشرح ، والتفسير ، والأناشيد ، سبحانك يا رب ، (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار )) ، معنى ذلك : ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ ، ولو ذهبت إلى أقاصي بلاد الغرب ؛ لوس أنجلوس يعقد فيها كل عام مؤتمر إسلامي كبير يضم عشرات الألوف ، يحجز فندق بكل طوابقه الثلاثين لاستقبال زوار هذا المؤتمر من شتى بقاع أمريكا ، وتلقى فيه المحاضرات لأربعة أيام في عيد الشكر عندهم ، (( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار )) ، ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ .
 
 الإيمان باليوم الآخر وحده هو الذي يحملك على أن تستقيم :
 
أيها الأخوة ، هناك ملاحظة ذكرتها في الخطبة اليوم ، هناك من يقول : ما الباعث على أن يأتمر الإنسان لبعض الأوامر ، ما الباعث على أن يلتزم الإنسان ببعض القيم؟ الصدق قيمة ، والأمانة قيمة ، والعفة قيمة ، والورع قيمة ، والعدل قيمة ، والعفو قيمة ، والحلم قيمة ما الذي يدفعك على أن تكون عادلاً ومنصفاً ؟ ما الذي يدفعك إلى أن ترحم من حولك ؟ الحقيقة هناك نظريات ، بعضهم يقول : العقل ، الذين يخترعون الأسلحة الفتاكة في العالم ، والتي تبيد الجنس البشري هم أذكياء جداً وعقلاء ، لكن بالمناسبة ما كل ذكي بعاقل ، الذكي ما تفوق بما هو فيه ، في اختصاصه فقط ، أما إذا غفل عن سر وجوده وغاية وجوده ولم يتعرف إلى ربه فهو مجنون ، مع أنه ذكي ، من هو العاقل ؟ الذي عرف الله ، العاقل الذي عرف سر وجوده ، عرف غاية وجوده ، العاقل الذي ائتمر بالأمر ، وانتهى عما نهى الله عنه ، العاقل الذي اتصل بالله عز وجل ، العاقل هو الذي عمل للآخرة ، إذاً : ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴾ ، إذاً العقل لا يكفي ، الآن الضمير ، أخي ، عنده ضمير حي ، الضمير الحي أحياناً ينهار أمام إغراء كبير ، أو أمام ضغط كبير ، كما ترون وتسمعون ، تجد شخصاً في أعلى درجة من الفهم والوعي يقول لك : عنده ضمير مسلكي ، بعد هذا وجد أنه مختلس مبالغ فلكية ، أين ضميره المسلكي الذي تحدثنا عنه ؟ لا يكفي الضمير ، ولا يكفي العقل ، وهناك مبادئ كثيرة جداً ، أنا الذي أراه وأثق بصوابه معتمداً على ما في القرآن الكريم الإيمان باليوم الآخر وحده هو الذي يحملك على أن تستقيم .
قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، قال : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق وأمين ، ولكن أين الله ؟
 
 الباعث الوحيد على أن تستقيم أن تؤمن أن الله سيسألك يوم القيامة عن كل شيء :
 
أنت لا تستطيع أن تستقيم على أمر الله إلا إذا خفت من يوم الحساب ، لو أن واحداً ذهب إلى مدينة مجاورة ، وفي نيته أن يشتري أغراضاً كثيرة لبيته ، في طريق الذهاب وجد تفتيشاً يفوق حد الخيال ، لا يسمح ولا بدواء ، كل ما في جيوبه يضعه على الطاولة ، كل حقائبه تفتش حاجةً حاجة ، وأكمل إلى المدينة ، فوجد غسالة صغيرة ، يقول لك : لن تعبر هذه ، كلما اشتهى أن يشتري شيئاً يرى المنظر الذي رآه في الذهاب ، يقول : هذه لن تعبر معي ، هذا حال المؤمن ، قبل أن يقول كلمة ، قبل أن ينبس ببنت شفة ، قبل أن يعطي ، قبل أن يمنع ، قبل أن يغضب ، قبل أن يرضى ، قبل أن يصل ، قبل أن يقطع ، يحاول أن يجيب ربه عن سؤال لماذا فعلت كذا ؟
أيها الأخوة ، مرة ثانية : الباعث الوحيد على أن تستقيم ـ وهذا كلام واضح كالشمس ـ أن تؤمن أن الله سيسألك يوم القيامة عن كل شيء .
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾.
( سورة الحجر ) .
وقال :
 
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾.
( سورة الزلزلة ) .
سوف تُسأل عن كل شيء من دون استثناء ، لذلك الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
 
آيات العفو والمغفرة :
 
إياك أن تستجيب لمن يقول لك الله غفور رحيم ، اقرأ القرآن في ثماني آيات :
 
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَلِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
( سورة النحل ) .
لذلك :
 
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ﴾.
( سورة الحجر ) .
وقال :
 
﴿ لِمَنْ تَابَ (82) ﴾.
( سورة طه الآية : 83 ) .
وقال :
 
﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) ﴾.
( سورة الحجر ) .
وقال :
 
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) ﴾.
( سورة الزمر ) .
كل آيات المغفرة والعفو تعني الذي تاب قبل أن يموت ، أما الذي لم يتب فحالته صعبة جداً .
 
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) ﴾.
( سورة الإنسان ) .
الإنسان يجب ألا يفهم القرآن على غير ما أراد الله عز وجل .
 
 الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي لا يسقط بأي حال :
 
إذاً : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ .
أخواننا الكرام ، أركان الإسلام خمسة ، النطق بشهادة لا إله إلا الله ، وهذه ينطق بها مرة واحدة في العمر ، والصيام يسقط على المسافر والمريض ، والحج يسقط على المريض والفقير  ، والزكاة تسقط عن الفقير ، ماذا بقي من أركان الإسلام كفرض متكرر لا يسقط بحال ؟ هو الصلاة .
أخواننا الكرام ، قال بعض العلماء : في الصلاة جانب من النطق بالشهادة ، أنت في القعود الأوسط والأخير تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وفي الصلاة جانب من الحج ، لأنك تتجه في صلاتك إلى بيت الحرام ، وفي الصلاة جانب من الصيام ، لأنك في الصلاة فضلاً عن أنك تمتنع عن الطعام والشراب ، تمتنع عن الكلام والحركة في غير موضوع الصلاة ، وفي الصلاة جانب من الزكاة ، لأن الوقت أصل في كسب المال ، عندك محل تبيع مثلاً المرطبات في الصيف ، وعليه إقبال شديد ، فإذا أردت أن تصلي في المسجد ينبغي أن تغلق هذا المحل ، إذاً فاتك ربح كثير في وقت الصلاة ، فلذلك الوقت أصل في كسب المال ، فأنت حينما تقتطع من وقتك وقتاً لأداء الصلوات كأنك تنفق المال الذي يمكن أن يحصله من وقت الصلاة ، إذاً في الصلاة معنى الزكاة ، وفي الصلاة معنى الحج ، وفي الصلاة معنى الصيام ، وفي الصلاة معنى النطق بالشهادة ، وفي الصلاة معنى الاتصال بالله عز وجل ، إذاً هو الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال .
 
 حينما تؤمن أنه لا بدّ من أن تحاسب حتماً تستقيم :
 
لذلك : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ به ﴾ ، هناك أوامر ، وهناك نواهٍ ، فإذا لم يؤمن الواحد بالآخرة حقيقة لا يعبأ بهذه الأوامر ، والدليل :
 
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾.
( سورة الليل ) .
صدق أنه مخلوق للجنة ، تصديقه هذا حمله على أن يتقي أن يعصي الله ، وحمله على أن يعمل الصالحات تقرباً إلى الله ، ﴿ أَعْطَى ﴾ ، عملاً صالحاً ، ﴿ وَاتَّقَى ﴾ أن يعصي الله ، لأنه صدق بالحسنى ، هذا الإنسان :
 
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) ﴾.
( سورة الليل ) .
ييسر إلى ما خُلق له من سلامته في الدنيا وسعادته في الآخرة .
 
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) ﴾.
( سورة الليل ) .
إذا كذب إنسان بالآخرة فعلاً فما مِن داع ليستقيم ، الآن عملياً دعك من أقوال الناس ، أقوال الناس لا تقدم ولا تؤخر ، يقول لك : أعوذ بالله ، أنا أؤمن بالآخرة ، لماذا تكسب المال الحرام ؟ لماذا تفعل المعاصي والآثام ؟ المؤمن بالآخرة لا يعصي الله ، فأنت حينما تؤمن أنه لا بد من أن تحاسب حتماً تستقيم ، لذلك قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ ، هنا معنى يؤمنون به ، يؤمنون بالأمر والنهي ، يأخذون بالأمر ، ويدعون ما نهى الله عنه .
 أنت عندما تكون راكباً مركبة ، والإشارة حمراء ، وشرطي واقف إلى جانب الإشارة ، وشرطي آخر على دراجة ، وضابط بسيارة ، أنت مواطن من الدرجة الخامسة ليس لك أي قوة ، ماذا تفعل ؟ ما في مئة مليون إنسان بهذه الصفة في الإشارة الحمراء ، وهناك من يضبطك بمخالفة ولا يرحمك ، وأنت لا تقوى على أن ترد هذه المخالفة ، فأنت إن آمنت بالآخرة لا يمكن أن تعصي الله ، والدليل أن الله عز وجل قال :
 
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ﴾.
( سورة الطلاق ) .
اختار الله من بين أسمائه اسمين فقط ، اختار اسم القدير واسم العليم ، لأنك حينما تعلم أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه ، وأنت حينما تعلم أن هذا الشرطي سوف يكتب ضبط ، وسوف تسحب منك الإجازة ، وقد تدفع مبلغاً كبيراً وقد تحجز المركبة ، وأنك ضعيف لا تقوى على فعل شيء ، حينما تعلم أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك فلا يمكن أن تعصيه .
 
  الحياة لا تصح إلا بالإيمان بالله :
 
أنا أؤمن ، أؤمن لا بعقل ، ولا بمنطق ، ولا بتربية بيتية ، ولا بضمير حي ، ولا بضمير مسلكي ، ولا بأي شيء آخر ، ليس إلا أن تخاف من الله ، آتي لك بمثل بسيط : لو أن الصيام بأمر من دولة ، فأعطت أمر بالصيام ، كم من إنسان يصوم حقيقة ؟ ولا واحد ، يدخل إلى البيت ويشرب .
الحياة لا تصح إلا بالإيمان بالله ، تجد المؤمن ، قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها : ماتت ، قال له : ليست لي ، قال له : خذ ثمنها، قال : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق وأمين ، ولكن أين الله ؟ أما أن يأتي إنسان ، ويضع قانون السرعة مئة ، مئة ميل بأمريكا ، ركبت سيارة وجدت فيها صوت جرس ، قلت له : ما هذا الصوت ؟ قال لي : رادارات تكشف السرعة الزائدة ، أنا اشتريت جهازاً يحذرني من الرادار قبل خمسة كيلومترات ، تكون سرعته مئة وثمانين تنزل للمئة ، معنى ذلك أن واضع القانون ذكي ، والمواطن أذكى .
الآن الدول تخترع جهازاً يكشف أجهزة السيارات ، هذه قضية لا تنتهي ، هي حرب بين عقلين ، لأن المشرع أرضي ، ما دام التشريع أرضيّاً فهكذا الأمر ، والله قصص التحايل على القوانين شيء لا تنتهي ، لأن المشرع إنسان والمواطن إنسان ، هذا عاقل وهذا عاقل ، هذا ذكي وهذا أذكى ، فيمكن أن تفرغ كل القوانين من مضمونها ، أما إذا كان التشريع سماويّاً الله معك لا تستطيع ، ولكن أين الله ؟ أنا أرى أنه لا تستقيم الحياة إلا بالإيمان بالله ، ولا أقبل أي تعليل للانضباط إلا أن يكون التعليل أن تؤمن باليوم الآخر الآية الكريمة : ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب