سورة الأنعام 006 - الدرس (43): تفسير الآيات (110 - 112) الجدية في طلب الحقيقة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (43): تفسير الآيات (110 - 112) الجدية في طلب الحقيقة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - وجوب العمل على فك الأسرى - د. جمال خطاب           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 10 - ولئن متم أو قتلتم - الشيخ ادهم العاسمي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية -436- واجبنا تجاه الأسرى - الشيخ أمجد الأشقر           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 391 - سورة المائدة 008 - 010         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (110 - 112) - الجدية في طلب الحقيقة

21/03/2011 07:40:00

سورة الأنعام (006)
الدرس (43)
تفسير الآيات: (110-112)
الجدية في طلب الحقيقة
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس الثالث والأربعين من دروس سورة الأنعام .
 
شروط الإيمان بالله
 
مع الآية العاشرة بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(110)
أيها الأخوة ، تبين هذه الآية أن من شروط الإيمان بالله أن يكون الإنسان جاداً في طلب الحقيقة أولاً ، ومخلصاً في طلبها ثانياً ، ومستقيماً على أمرها ثالثاً ، فإذا كان مقيماً على معصية وهو متشبث بها ، إذا كان مُصرّاً على ما يناقض أصل الإيمان فإنه لا تفتح بصيرته ، ولا يرَى الحق ، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام من أدعيته الشريفة :
 (( اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه )) .
[ورد في الأثر]
هذا الدعاء يبين أن الإنسان أحياناً قد يرى الباطل حقاً ، وقد يرى الحق باطلاً ، قد يرى الباطل حقاً فيتبع الباطل ، وقد الحق باطلاً فيتبع الباطل ، قد يرى الباطل حقاً فيتبعه على أنه حق ، وقد يرى الحق باطلاً فيجتنبه على أنه باطل ، هذه القضية عالجها القرآن في أماكن عديدة :
 
﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) ﴾ .
( سورة الشعراء ) .
كيف لو أنك أسمعت إنساناً باللغة الأعجمية ، أو باللغة الفارسية ، لا يفهم منك كلمة ، ولا حرفاً ، لذلك الظالم المقيم على انحرافاته ، المتشبث بكفره ، المتشبث بنزواته هذا الإنسان لا يستنير قلبه لمعرفة الله ، لذلك قبل أن تطمع بإيمان مؤمن يجب أن تعلم أنه يبحث عن الحقيقة ، يجب أن تعلم أنه مخلص في البحث عنها ، يجب أن تعلم أنه مطبق لما يصل إليه .
 
 معنى الصدق :
 
إذاً : هؤلاء الذين أشركوا ، والذين عبدوا الأصنام ، والذين كفروا ، والذين أقاموا على كل المعاصي والآثام ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾ ، وقد جاءهم الحق ، وقد جاءهم الوحي ، وأمامهم سيد الخلق وحبيب الحق ، بكل كمالاته ، بكل سجياه ، بكل خصائصه ، ومع ذلك لم يؤمنوا ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ ﴾ ، هذا ينقلنا إلى أنك لن تؤمن إلا إذا أردت أن تؤمن ، إلا إذا بحثت عن الحقيقة ، عندئذٍ أيّ شيء يدلك عليها ، أما إذا لم تبحث عنها ، ولم تجشم نفسك عبء البحث عنها ، ولم تعبأ بها ، أنت لك مصالح ، لك نزوات مقيم عليها ، فأن ينفتح قلبك للحق ، أن يطمئن قلبك للحق ، أن تنشرح للحق ، هذا أبعد ما بين السماء والأرض ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا ﴾ .
قد يقول قائل : لماذا لا يفتح ربنا عز وجل أبصارهم ؟ ولا يفتح بصائرهم للحق؟ حينما جاء الإنسان إلى الدنيا جاء على أنه مخير ، والله عز وجل يقول :
﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) ﴾ .
( سورة الإسراء ) .
أي أن هذه الدنيا هكذا ، أنت مخير واطلب ما شئت ، لكن الله سبحانه وتعالى لا يتعامل بالتمنيات .
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (123) ﴾ .
( سورة النساء الآية : 123 ) .
الله يتعامل مع الصدق ، معنى الصدق أنك مصر على الحقيقة مخلص في طلبها ، مستعد أن تلتزم بما تمليه عليك الحقيقة ، أنت قدمت شروط الهداية ، البحث عن الحقيقة ، الإخلاص في طلب الحقيقة ، أنك مستعدة أن تطبقي كل ما تمليه عليك الحقيقة ، إذاً أنت قدمت لله عز وجل شروط الهداية ، لذلك القضية بالصدق ، إن الصدق يهدي إلى الحق ، يهدي إلى الخير ، يهدي إلى معرفة الله ، يجب أن تكون صادقاً ، هؤلاء آلهتهم شهواتهم ، وآلهتهم مكانتهم الاجتماعية ، والدين عندهم خارج اهتمامهم ، إذاً : هم يحاولون أن يستفزوا النبي عليه الصلاة والسلام ، أو يطالبونه بمعجزات ليست في يد النبي عليه الصلاة والسلام .
مرةً قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تخبرنا عن موسى الذي جاء بالعصا ، وبعيسى الذي أحيا الميت ؟ ماذا عندك من معجزات ؟
 
 الكون كله معجزة :
 
النقطة الدقيقة أن هذا الكون كله معجزة ، هذا الكون صارخ في آياته ، آياته تدل على الله ، تدل على أسمائه الحسنى ، تدل على صفاته الفضلى ، كل شيء بين يديك يدلك على الله ، فالذي يعمى عن الآيات التي لا تعد ولا تحصَى ، ويطالب النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو بشر ، يطالبه بخرق هذه النواميس والعادات هو لا يبحث عن الحقيقة ، بل يتسلى بها ، ويحاول أن يستفز ، وأن يأتي بشيء يحرج النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾ ، مع أن الدعوة جاءتهم ، ومع أن القرآن بين أيديهم ، ومع أن النبي عليه الصلاة والسلام بكل منطقه ، وكماله ، ودعوته ، وفصاحته ، وبيانه ، وشمائله بين أيديهم ، لم ينتفعوا به ، كما لم يؤمنوا به أول مرة ، ﴿ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ .
المقولة الدقيقة أيها الأخوة أن العبرة في الجامعة لا أن ينجح كل الطلاب ، العبرة في الجامعة أن تأتي النتائج مطابقة للمقدمات ، فحينما لا ينجح طالب لم يدرس فهذا وسام شرف للجامعة ، وحينما ينجح المتفوق فهذا وسام شرف آخر ، فالله عز وجل خلق الإنسان ، ونصب له هذا الكون الذي يشفّ عن أسماء الله الحسنى ، وأنزل على أنبيائه الكتب ، وبعث المرسلين .
شيء آخر ، أفعال الله جل جلاله تنطق بوجوده وبكماله ، فبين آياته الكونية ، إلى آياته التكوينية ، إلى آياته القرآنية ، إلى رسله ، إلى أنبيائه ، إلى الدعاة ، إلى التربية النفسية.
 
حينما يؤمن الإنسان يحقق مصالحه في الدنيا والآخرة :
 
قال الله عز وجل :
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) ﴾ .
( سورة الليل ) .
لا تجد وسيلة من وسائل الهدى إلا وسخرها الله للإنسان ، فإذا تعامى الإنسان عن كل هذه الآيات ، وطالب النبي أن تكون الصفا ذهباً صرفاً ، أو طالب النبي كما قال أنْ يرقى إلى السماء ، أو طالب النبي عليه الصلاة والسلام أن تفجر الأرض له ينابيع ، هذا الطلب لو أنه حصل ولم يؤمنوا لاستحقوا الهلاك الفوري ، وهذا من سنن الله عز وجل ، إذا طولب الأنبياء بمعجزة ، والأنبياء توسلوا إلى الله أن تكون هذه المعجزة ونزلت ، ولم يؤمنوا استحقوا الهلاك ، فلذلك الله عز وجل بلغ النبي e، هذه المعجزات سهلة ، لكن لو أنها نزلت ولم يؤمن قومك لاستحقوا الهلاك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام خاف على أمته ، ولم يقبل أن تأتي المعجزات فتكون سبب هلاك قومه ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ .
الحديث القدسي الصحيح :
(( يا عِبادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئاً ؛ يا عِبادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئاً ؛ يا عِبادِي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ ، فَسألُونِي ، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً )).
[ رواه مسلم عن أبي ذر ]
ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ، وأدق ما في الحديث :
(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ   نَفْسَهُ )) .
[ رواه مسلم عن أبي ذر ]
اجعل هذه الفقرة الأخيرة شعاراً لك : ((وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)) لا تعتب على الظروف ، ولا تعتب على أحد ، ولا تعتب على ما في الأرض من طواغيت ، اعتب على نفسك بحيث أنك إذا سرت إلى الله كان كل شيء في خدمتك ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
 أنت حينما تؤمن تحقق مصالحك في الدنيا والآخرة ، أنت حينما تؤمن تحقق السعادة التي خلقت من أجلها ، القضية واضحة .
 
 العاقل لا يندم أبداً :
 
أيها الأخوة :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (46) ﴾ .
( سورة فصلت الآية : 46 ) .
أنت تعيش حياة محدودة ، إن أمضيتها في طاعة الله استحق الإنسان جنة الله عز وجل ، استحق الأبد ، وإن استمتع في سنوات محدودة ثم جاءه الموت وهو على معصية ، أو على كفر ، أو على شرك ، أو على جريمة يقترفها بحق البشرية دخل النار إلى أبد الآبدين .         
أيها الأخوة الكرام ، من شأن العاقل أنه لا يندم أبداً ، والذي يندم ليس عاقلاً ، فلذلك قالوا : " ما كل ذكي بعاقل " ، فقد تحمل أعلى شهادة ، وقد تتفوق بذكاء لمّاح ، ولكن الإنسان الذي لم يعرف الله ، وما عرف سر وجوده ولا غاية وجوده ، لا يعد عاقلاً ، قد يكون ذكياً ، ولكن لا يعد عاقلاً ، المجنون من عصا الله ، المجنون من غفل عن أخطر لحظة في حياته ، إنها مفارقة الدنيا ، وهذه النقلة المخيفة من كل شيء إلى لا شيء فيما يبدو ، ولا إلى لا شيء ، إلى كل شيء سلبي ، من كل شيء إلى لا شيء فيما يبدو ، من بيت قد يكون ثمنه مئة مليون إلى قبر ، من ثروة طائلة إلى قبر ، من مكانة اجتماعية إلى قبر ، من تمتع بكل أنواع الشهوات إلى قبر ، لذلك أعقل عقلاء الأرض هو الذي يعُدّ لهذه الساعة التي لا بد منها.
أقول : لكن أيها الأخوة ، والله ليس على وجه الأرض في الستة آلاف مليون إنسان رجل أغبى ولا أحمق ممن لا يدخل الله في حساباته ، هذا الذي يؤذي عباد الله ، يسفك الدماء ، ينهب الأموال ، يعتدي على الأعراض ، يكذب ، يدجل ، هذا في نظر أهل الحق أغبى أغبياء الأرض ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ  يَعْمَهُونَ ﴾ .
هم في طغيان ، والطغيان مجاوزة الحق ، وحينما يتصل الإنسان بالله عز وجل فله مقياس ، معه مقياس دقيق لا يستطيع أن يتجاوز حده ولا في قتل نملة ، ولا في ابتسامة ساخرة .
 
 الموت عرس المؤمن :
 
السيدة عائشة قالت عن أختها قصيرة ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ، تَعْنِي قَصِيرَةً ، فَقَالَ : لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ )) .
[ الترمذي وأبو داود عن عائشة]
لو حاسبنا أنفسنا في سهرة ، في جلسة ، ما الذي تقوله ؟ لو حاسبنا أنفسنا في جوارحنا ، لو حاسبنا أنفسنا في منطقنا ، لو حاسبنا أنفسنا في علاقاتنا ، لو حاسبنا أنفسنا في كسب أموالنا ، لو حاسبنا أنفسنا في إنفاق أموالنا ، لو حاسبنا أنفسنا في غفلتنا عن هذا اليوم ، هذا اليوم أيها الأخوة يأتي على من غفل عنه كالصاعقة ، وهذا اليوم يأتي على من استعد له كيوم عرسه ، الموت عرس المؤمن ، الموت تحفة المؤمن .
مرة ضربت مثلاً ، المثل هكذا : إنسان فقير جداً ، لكن يتمتع بذكاء من أعلى مستوى ، عُرض عليه عرضٌ : إذا جاء بأعلى شهادة في اختصاص معين ، ولتكن الدكتوراه، سيكون في أعلى منصب في بلده ، ولوازم أعلى منصب أن يكون له بيت فخم جداً ، مركبة فارهة ، يتزوج أجمل امرأة بحسب مقاييس العصر ، ذهب إلى بلد غربي وهو فقير ، لا يملك من الدنيا شيئاً ، عمل حارساً ، عمل موظفاً في مطعم يغسل الصحون ويدرس ، أمضى ثماني سنوات من أصعب ما أمضى في حياته ، دراسة ، ودواماً ، وتحضيراً ، وإتقان لغة ، وكتابة موضوعات ، وحضور محاضرات ، وحراسة في الليل ، وعملاً شاقاً بالمطعم ، إلى أن انتهت الأعوام الثمانية ، وقد نال الشهادة ، وصدّقها ، وقطع تذكرة العودة ، وتوجه إلى المطار ، ووصل إلى الطائرة ، ووضع رجله على سلم الطائرة ، أليست هذه اللحظة أسعد أيام حياته ؟ هكذا الموت للمؤمن .
كل الدنيا تعب ، ونصب ، وصبر ، وعبادات ، ودعوة ، وصراع بين الحق والباطل ، وأعداء للدين ، والزوجة ، مسؤولية ، ومشكلات ، والأولاد يحتاجون إلى تربية ، وكسب المال صعب ، والإنفاق أصعب ، ومشكلات لا تعد ولا تحصَى ، نتابع حياتنا ، ساعة تقلق من أنفلونزا الطيور ، ساعة تقلق من تهديدات الأجانب ، ساعة تقلق من ارتفاع الدولار ، ساعة تقلق من أمراض لا تعد ولا تحصَى ، هكذا الحياة .
 هذه الحياة دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، لقد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي  .
 
 السعادة الحقيقية أن تكون بمقياس القرآن فالحاً وناجحاً وموفقاً ومتفوقاً :
 
أخواننا الكرام ، المؤمن متوازن ، المؤمن يعاني في الدنيا ما يعاني ، وقد تكون معاناته أشد ، لأن الجاهل كما قيل :
ذو العاقل يشقى في النعيم بعقله        وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
***
أنا أضرب مثلاً بطالب يشكو لقريبه صعوبة المدرسة ، وشدة المعلم ، وكثرة الوظائف ، وأبوه قاسٍ جداً ، وأبوه يطمح أن يكون الأول على زملائه ، والمعلم لا يرحم ، والكتب صعبة جداً ، وكلِّف بأعمال في البيت ، يشكو لصديق أو لقريبه متاعب لا تنتهِي ، هذا الشاب مرشح أن يكون في أعلى مكانة في المجتمع ، وله أب كبير ، وعالم ، وتربوي ، يهيئ له مستقبلاً مشرقاً ، لكن الطريق صعب والدراسة صعبة ، فشكا لقريب له لا يقرأ ولا يكتب ، أُمي ، يستيقظ الظهر ، يمضي الوقت في اللعب ، في لعب النرد ، يسهر إلى ساعة متأخرة ، لا يصلي ، ولا يصوم ، ومن أولاد الأزقة ، قال له : أنا ما عندي مشكلة ، فعلاً ما عنده مشكلة ، هو نفسه مشكلة .
أنت عندما تمشي في طريق الإيمان عندك متاعب كبيرة جداً ، لكن هذه متاعب مقدسة ، متاعب تزكية النفس ، متاعب معرفة الحق ، متاعب الالتزام بالشرع ، متاعب السعي للآخرة ، متاعب أن يكون إيمانك قوياً ، متاعب أن تزكو نفسك ، لا تحقد ، لا تتكبر ، تزكية النفس أعظم عمل في الأرض ، الدليل ثلاث آيات ، أو أربع آيات في القرآن كله :
﴿ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) ﴾ .
( سورة الأعلى ) .
هذا الفلاح ، فأنت لما تكون بمقياس القرآن فالحاً وناجحاً وموفقاً ومتفوقاً ، هذه السعادة الحقيقية .
لذلك أيها الأخوة ، أهل الأرض لهم مقاييس ، والله عز وجل  في قرآنه مقاييس ، بطولتك أن تكون ناجحاً لا في مقاييس أهل الأرض بل في مقاييس القرآن الكريم ، مقاييس أهل الأرض المال يرفع صاحبه إلى أعلى عليين عند أهل الدنيا ، الغني محترم جداً ، قد يكون مرتكباً لكل المعاصي والآثام ، لكنه محترم ، والناس يهابونه ، والقوي محترم جداً ، لكن عند الله المستقيم هو الذي يرقى عند الله ، المستقيم الصادق ، المخلص ، العابد ، الطائع ، فأنت انظر ، أنت متفوق على مقاييس من ؟ طبعاً إذا كان المقياس هو المال فالأولون في هذا المقياس تجار المخدرات ، لأنها أربح تجارة في الأرض ، من مكان زراعة المخدرات لمكان بيعها تقريباً ألفي ضعف ، من مكان الزراعة إلى مكان البيع .
 
المؤمن هدفه واضح جداً أن ينجو من عذاب النار وأن يتعرف إلى الله :
 
أيها الأخوة ، قضايا العقيدة تحتاج إلى تأمل ، الإنسان لا يمشي هكذا بلا تبصر ، قال الله عز وجل :
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) ﴾ .
( سورة التكوير ) .
إلى أين أنت سائر ؟ من هو الشقي ؟ الذي يعيش من دون هدف واضح ، مرةً تلو المرة أؤكد هذه الحقيقة ، ثلاثة في المئة من بني البشر لهم أهداف واضحة ، وبقية الناس يعيشون هكذا على هامش الحياة ، أما المؤمن فهدفه واضح جداً ، هدفه أن ينجو من عذاب النار أولاً ، هدفه أن يتعرف إلى الله ، هدفه أن تأتي حركته مطابقة لمنهج الله ، هذا كله أيها الأخوة حول هؤلاء الشاردين الذين يستفزون الأنبياء ، يطلبون المعجزات وهو مقيمون على شهواتهم وانحرافاتهم ونزواتهم ، ومهما بحثوا وقلبوا القرآن فليس في صالحهم ، ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ .
الآن :
﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) ﴾ .
لو رأى الناس الملائكة في أعينهم ، ﴿ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ﴾ ، استيقظ ميت من قبره وقال عما رآه بعد الموت ، ﴿ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ، هذه المشيئة ليست مشيئة جبر لكنها مشيئة قانون ، فإنه من الممكن أنْ تطبع بطاقة ، وتكتب : " الطبيب فلان " ، وتحمل بورد ، ممكن أنْ تستأجر بيتاً ، وتجعله عيادة ، لكن لا تستطيع أن تنال الشهادة إلا إذا دخلت إلى الجامعة ، قد تفعل تزويراً كل شيء ، وأمامك محاسبة شديدة جداً ، أما أن تكون طبيباً حقاً فلا بد من أن تنتسب إلى كلية الطب .
 
 الطريق الذي رسمه الله للهداية :
 
الله رسم للهدى طريقاً ، ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ، إلا إذا سلكوا الطريق الذي رسمه الله للهداية ، لا يمكن أن يسمح لك أن تعالج المرضى ، وأن تأخذ منهم أتعابك إلا إذا كنت تحمل شهادة جامعية من كلية الطب ، هذا هو الطريق الوحيد ، أما أن تكون لك أفكار في الطب ، تطالع مجلات طبيبة ، أن ترتدي ثوباً أبيض ، أن تضع النظارات على عينيك ، أن تقتني جهاز فحص للضغط ، هذا كله لا يقدم ولا يؤخر ، ما لم تلتحق بكلية الطب فلا يمكن أن تكون طبيباً ، هذا للتقريب فقط .
الله رسم للهدى طريقاً ، فما لم تسلك هذا الطريق فلا يمكن أن تهتدي ، أمرك أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، أمرك أن تقرأ القرآن ، أمرك أن تتبع سنة النبي العدنان، أمرك أن تكون مع المؤمنين .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾ .
( سورة التوبة ) .
ثمة أوامر كثيرة إن طبقتها كنت مؤمناًً ونجوت ، أما إن لم تطبقها فلا تنجو ، لذلك الإسلام فيه مظاهر كثيرة جداً ، لو طبق الإنسان هذه المظاهر لا ينجو من عذاب الله ، فلا بد من أن تسلك الطريق التي رسمها الله للهداية ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)  ﴾ .
( سورة آل عمران ) .
 
  معرفة الطريق إلى الله جزء أساسي من الدين :
 
أيها الأخوة ، ﴿ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ، الله عز وجل شاءت مشيئته أن يهتدي إليه الصادق ، التواب ، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ ، يجهلون الطريق المفضي إلى الله عز وجل ، مع أنّ معرفة الطريق إلى الله جزء أساسي من الدين ، ثم يقول الله عز وجل :
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) ﴾ .
أيها الأخوة ، هذه الآية لها شرح طويل ، ولكن وطنوا أنفسكم أن هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل ، في أي عصر ، في أي مصر ، هناك أعداء للحق ، وهناك مؤيدون للحق ، ومرة يتغلب أهل الحق ، ومرة يتغلب أهل الباطل ، ونحن في أسوأ اختبار ، نحن في وقت تغلب أهل الباطل على أهل الحق ، لذلك لهم الكلمة الأولى ، وهم يديرون حرباً لا هوادة فيها بين الحق والباطل ، لذلك وطِّن نفسك في شيء طبيعي أراده الله عز وجل ، بطولتك أن تكون جندياً من جنود الحق ، من لم يجاهد ، ومن لم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبة من النفاق ، أقلّ أنواع الجهاد جهاد النفس والهوى ، وبعض أنواع الجهاد أن تُعلِّم القرآن ، وأن تدعو إلى الله عز وجل ، وبعض أنواع الجهاد أن تنمي خبراتك ، أن تقدم لأمتك كل خير ، أن تقويها ، أن تخفف من همومها .
 
  القرآن الكريم يثبت للكفار أن من مكرهم ما يزيل الجبال :
 
إذاً أيها الأخوة ، قضية ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً ﴾ ، النبي كامل كمالاً مطلقاً ، النبي معصوم ، عنده منطق ، وأدب ، ورحمة ، ومع ذلك له أعداء ، قال له رجل : يا محمد ، والله ما كان على وجه الأرض رجل أبغض إلي منك .
أبو لهب عم النبي عليه الصلاة والسلام قال له : تباً لك ، ألهذا دعوتنا ؟ هذه قضية الحق والباطل ، قد تقول أنت : هذا داعية له أخطاء ، لكن ما بال الأنبياء لهم أعداء ؟
مما يروى حادثة فيها مغزى فقط : سيدنا موسى قال في المناجاة : يا رب ، لا تُبقِ لي عدواً ، فقال الله : يا موسى ، هذه ليست لي ، أليس هناك أعداء لله عز وجل ؟
إذاً : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ ، وشيطان الإنس مقدّم على شيطان الجن ، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ ، إذاً القرآن الكريم يثبت للكفار أن من مكرهم ما يزيل الجبال :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)  ﴾ .
( سورة إبراهيم ) .
حدثني أخ قال لي : كل خبر تسمعه لا تحتمله ، قتل أبرياء ، قتل مصلين بمسجد، قتل أناس يحتفلون بعرس ، ثمانون قتيلاً ومئتا جريح ، قال لي : اعلم علم اليقين أن هذا من فعل اليهود ، هناك في العراق شيء لا يحتمل ، العمل الذي تخرج من جلدك منه ، ولا ترضَى به ، من يرضى أن يقتل إنساناً في مسجد ؟ من يرضى أن يقتل إنساناً بريئاً في عرس في فندق ، في أنفاق ، من يرضى ؟ من يرضى أن يقتل بريئاً ويلصق هذا بالمسلمين حتى أصبحوا مجرمين ، قتلة ، جهلة ، متخلفين ؟!!
أيها الأخوة ، الفتن الآن كثيرة :
 (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً ، وَيُمْسِي كَافِراً، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً ، وَيُصْبِحُ كَافِراً ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )) .
[ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما ] .
أكثر ما تسمعون أن هذه السيارة مفخّخة ، لا يكون للسائق أي علاقة ، كلِّف أن يصل إلى هذا المكان ، وضعت فيها عبوة ناسفة ، ووراءه من يوقت تفجيرها ، أنت ماذا ترى؟ ترى سيارة انفجرت ، وقتلت ثلاثين شخصاً ، وقد يكون راكب السيارة لا علاقة له بالموضوع إطلاقاً ، وهو بريء ، ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ .
 
الدين الإسلامي كلما حاربته ازداد قوة :
 
قال تعالى :
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾ .
( سورة إبراهيم ) .
المسلم يستحيل أن يقتل إنساناً لا علاقة له بالموضوع ، مستحيل أن يقترف جريمة من هذه الجرائم ، لكن الآن كل أنواع الجرائم ألصقت بالمسلمين ، ومع ذلك الدين الأول في النمو هو الدين الإسلامي ، هذا الدين كلما حاربته ازداد قوة .
أقول دائماً : قبل خمسين سنة كان هناك أبيض وأسود ، وهناك مساحة كبيرة جداً رمادية اللون ، الآن المساحة الرمادية اختفت ، الآن هناك أبيض ناصع ، وأسود داكن ، هناك وليٌّ وإباحي ، فتاة مؤمنة طاهرة ملتزمة محجبة همها رضاء الله عز وجل ، وفتاة شبه عارية في الطريق تثير شهوات الشباب ، هذا الوضع الآن . الآن :
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) ﴾ .
( سورة الكهف ) .
الكهف الآن هو المسجد ، الكهف الآن بيتك والمسجد ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ، قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً ، وَهَوًى مُتَّبَعاً ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً ، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ، وَدَعْ الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً ، يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ قَالَ : بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )) .
[الترمذي عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ ]
الزمْ أقرباءك ، أصدقاءك ، جيرانك ، أحبابك ، من تثق به ، ودع عنك أمر العامة الفتن كثيرة ، كل شيء ملغم ، كل شيء فيه كذب ، وفيه تزوير ، فلذلك أيها الأخوة : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ .
﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
( سورة الأنعام ) .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب