سورة الأنعام 006 - الدرس (57): تفسير الآيات (133 - 134)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأنعام 006 - الدرس (57): تفسير الآيات (133 - 134)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأنعام

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأنعام - تفسير الآية: (133 - 134)

21/03/2011 08:10:00

تفسير سورة الأنعام (006)
الدرس (57)
تفسير الآيات: (133 ـ 134)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الثالثة والثلاثين بعد المئة وما بعدها بآيتين ، يقول الله عز وجل :
 
 
﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ﴾
 
اسم الله الأعظم
 
أيها الإخوة الكرام ، يعتقد بعضهم أن كلمة ( الرب ) اسم الله الأعظم ، لذلك جاءت في بعض المصاحف ملونة بلون مغاير ، وبعضهم يعتقد أن اسم ( الرحمن ) و ( الرحيم ) هما اسم الله الأعظم الذي إذا دعوت به أُجبت ، وإذا دعي الله به استجاب ، وبعضهم يقول : لكل حالة أنت فيها هناك اسم الله الأعظم ، فإذا كنت في ضيق مادي فاسم الله الأعظم في الضيق المادي هو ( المغني ) وإذا كنت ـ لا سمح الله ولا قدر ـ في مشكلة صحية فاسم الله الأعظم في هذه الحالة هو ( الشافي ) ، وإذا كنت في وضع لك أعداء كبار وحاقدون ، ويتمنون فناءك فاسم الله الأعظم ( القدير ) و ( الناصر ) .
لذلك كل حالة أنت فيها هناك اسم من أسماء الله الحسنى يكون مع هذه الحالة اسم الله الأعظم ، وأسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى ، لأنه ذات كاملة ، ولا يُقبل ولا يُعقل أن يكون كمال الله إلا كمال مطلقاً ، ولكن عقولنا قاصرة عن فهم بعض أفعاله .
لو أن طفلاً صغيراً رأى أباً يؤدب ابنه ، يقول : إنه ظالم ، أما حينما يعلم أن هذا الابن له مكانة عند أبيه لا يعلمها إلا الله ، لكنه رأى في يد حاجة أخذها من رفيقه من دون إذن فلابد من إحداث خبرة مؤلمة عند هذا الطفل حتى يرتدع عن أخذ ما ليس له ، لا يعرف حكمة الأب في تأديب ابنه إلى الأب ، أما الطفل الصغير صديق الطفل الذي يُؤدب فيظن أن الأب ظالمٌ .
لذلك عقولنا قاصرة عن أن نفهم حكمة الله ، وأحياناً لا نمكن أن نفهم لعقلنا حكمة الله إلا بحالة مستحيلة إلا أن يكون لنا علم كعلم الله .
 
طرق معرفة الله
 
لذلك هناك طرق ثلاثة يمكن أن تكون سبباً في معرفة الله ،
الطريق الأول : الآيات التكوينية
آياته الكونية ، وهذا الطريق أسلم طريق ، لأنك كلما زدت الآيات تفكراً ازددت معرفة بالله عز وجل ، ودائماً أقول : إن التفكر في خلق السماوات والأرض هو أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله لأنه يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله .
لذلك استأذن عليه الصلاة والسلام مرة زوجته عائشة في أن يقوم الليل ، وهذا أدب رفيع ، فصلّى وبكى حتى بلّ لحبته ، ثم صلى وبكى حتى بلّ الأرض ، فجاءه بلال يؤذنه لصلاة الفجر فرآه يبكي ، فقال له : يا رسول الله ، مالك تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم لك من ذنبك وما تأخر ؟ يقول عليه الصلاة والسلام لبلال : كيف لا أبكي ، وقد أنزل عليّ الليلة :
 
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ¯الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران ) .
 قال عليه الصلاة والسلام :
(( الويل لمن لم يتفكر بهذه الآية )) .
[ابن حبان]
هذا أسلم طريق لمعرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض .
الطريق الثاني : تدبُّر القرآن
هناك طريق آخر لا يقلّ عنه أهمية ، إنه تدبر القرآن الكريم ، لأن الكون خلقه ، والقرآن الكريم كلامه ، الطريق الثاني والآمن والرائع :
 
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء ) .
تدبر آيات القرآن الكريم .
الطريق الثالث : أفعال الله عزوجل
هذا الطريق لا بد من أن نسلكه ، ولكن يجب أن يأتي بعد الطريق الأول والثاني ، إنه طريق أفعاله ، فأفعاله أيضاً يمكن أن تقدم لها تعريفاً بذاته العلية ، ولكن لا بد من أن تفهم حكمته بعد فهمه كلامه ، وبعد فهم كونه .
 إذا ذهبت إلى بلد غربي وجدت الغنى الذي لا يصدق ، وجدت البلاد الجميلة ، المساحات الخضراء ، القوة ، النظام ، ووجدت الفسق والفجور ، وكل الانحرافات التي تهبط بالإنسان إلى أدنى مستوى ، إذا قرأت القرآن الكريم ، وقال الله لك :
 
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
( سورة الأنعام) .
إذاً هؤلاء بحسب هذه الآية خارج العناية المشددة الإلهية ، أما إذا وجدت بلداً مسلماً فيه صلاة ، وصيام ، وعمل ، وأعمال صالحة ، وإنفاق ، لكن وجدت مشكلات لا تعد ولا تحصى ، لعل هؤلاء المسلمين في العناية المشددة ، ولعل الله سيرحمهم ، وتؤكد هذه المعاني آية كريمة :
 
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ¯وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ¯وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
( سورة القصص ).
إذاً إذا قرأت القرآن الكريم يمكن أن تفهم حكمة الجليل ، ليكن فهم أفعال الله بعد التفكر في آياته الكونية ، وبعد تدبر آياته القرآنية ، يأتي القرآن ليبين لك :
 
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
( سورة البقرة) .
 
الموازين المقلوبة في العالَم وحكمة الله في ذلك
 
لا شك أنه ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويتألم أشد الألم من الحرب العالمية الثالثة التي أُعلنت على المسلمين ، في كل بقاع الأرض ، ولا شك أن الكيل بألف مكيال ومكيال يكاد الإنسان يخرج من جلده .
فتاة تضع على رأسها قطعة قماش في فرنسا تنفيذاًَ لأمر إلهي ودين سماوي يدين به ثلث سكان الأرض ،  تقوم الدنيا ولا تقعد ، بينما فتاة أخرى في بلاد بعيدة ترتدي ثياب الشاذات ، والمدير يفصلها ووالد الفتاة يقيم دعوى على المدير ، ويحكم له القاضي بمبلغ كبير  قال : لأن إدارة المدرسة اعتدت على حُريتها .
حينما تسقط طائرة ، وتتهم جهة عربية بإسقاطها تدفع هذه الجهة مليارين و700 مليون تعويضات لـ 270 راكب ، كل راكب تعويضه 500 مليون ل.س ، عشرة ملايين دولار ، أما ممرضات في ليبيا يحقن 400 طفل بفيروس الإيدز تضع أوربا كل ثقلها لتبرئة الممرضات ومنع عقابهم .
بلد إسلامي يريد أن يجري مفاعلاً نووياً لأهداف سلمية ، تقوم الدنيا ولا تقعد العالم كله يقوم ضدها ، بينما أعداءنا عندهم مئتا رأس نووي ، يهددون أمن المنطقة لا أحد يحاسبه ، يعني في مفارقات لا تحتمل ، لكن بعد حين ترون إن أمد الله بأعماركم ، وأمد الله أعماركم سوف ترون الحكمة البالغة من هذا الذي يجري الآن .
إخواننا الكرام ، كان الإسلام في زاوية النسيان في العالم ، معتماً عليه ، فقفز الآن إلى بؤرة الاهتمام ، وجعل الله عز وجل هذا الدين ورقة رابحة بيد من بيده الأمور بعد أن كان ورقة خاسرة ، وهناك من يلمس النتائج الإيجابية التي كانت بعد 11 من أيلول .
 
الحضارة الغربية بريق وخِداع
 
شيء آخر ، هو أن الحضارة الغربية في الحقبة الأخيرة خطفت أبصار أهل الأرض ، لأن الغربيين يتمتعون بذكاء وقوة ، وبلادهم جميلة ، وهم أقوياء ، وأذكياء    وأغنياء ، وخطفوا أبصار أهل الأرض ، ونافسوا الدين ، وطرحوا قيماً رائعة جداً ، طرحوا قيمة الحرية ، والديمقراطية ، و حقوق الإنسان ، وتكافؤ الفرص ، والعولمة بالمفهوم الأصلي احترام جميع الأديان ، لكنهم بعد الأحداث الأخيرة سقطوا كحضارة ، وأصبحوا كقوة غاشمة ولم يبقَ من منهج يستوعب قضايا الإنسان ، ويحل مشكلات الإنسان إلا الإسلام ، لذلك الخطر الذي يتهددهم لا في الجاليات الإسلامية في بلادهم التي تتنامى ، ولكن في اتساع رقعة المسلمين بين شعوبهم الأصلية ، والإسلام اليوم أول دين ينمو في العالم ، وكلاما زدته حرباً ازداد قوة .
وأنا أقول لكم دائماً : المؤمن يحترم قرار الله عز وجل ، كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب ، والمؤمنون في كوكب ، وكان من الممكن أن يكون الكفار في قارة والمؤمنون في قارة ، وكان من الممكن أن يكون الكفار في حقبة زمنية والمؤمنون في حقبة أخرى ، ولكن شاءت حكمة الله أن يجتمع المؤمنون مع غير المؤمنين في كل البلاد ، وأن تكون بينهم معركة أزلية أبدية هي معركة الحق والباطل ، ذلك أن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، وأن أهل الحق لا يستحقون دخول الجنة إلا بالتضحيات والبذل ، وأن أهل الباطل هم عباد الله أيضاً ، الله عز وجل أدخلهم في هدايته ، أدخلهم في عنايته ، فضيق عليهما أحياناً ، لذلك ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ .
إذا قلت لكم : إن كتاباً أُلف من قبل مؤلف في شرق آسيا ، واتهم بيت النبي e أنه بيت دعارة ، هو سلمان رشدي ، بسبب هذا الكتاب أسلم 20 ألف بريطاني ، الغربيون يقرؤون ، وأنا أؤكد لكم واللهِ عقب هذه الصور التي شوهت مكانة النبي عليه الصلاة والسلام والله سيدخل في الإسلام مئات الألوف بسبب هذه الصور ، وهذا شيء يجب أن يكون واضحًا عندكم ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، ورُبَّ ضارة نافعة .
أيها الإخوة ، بيتان من الشعر رائعان جداً :
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت    أتاح لها لسان حســــــود
لولا اشتعال النار فيمـا جاورت    ما كان يعرف طيب عرف العود
***
قد يكون الإنسان مستقيمًا ، لكن في التعتيم ، فيأتي من يتهمه بتهم باطلة ، فينهض الآخرون للدفاع عنه ، فإذا به يتألق ، لذلك أخطر شيء في حياة الأمة أن تهزم من داخلها ، من الداخل يجب أن تكون معنوياتكم عالية جداً ، الآية الكريمة :
 
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران ) .
 
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾
( سورة غافر الآية: 51 ) .
 
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
(سورة الروم ) .
 
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾
( سورة القصص ) .
 
أكثر أسماء الله لصوقًا بالمسلم اسم  ( الربّ )
 
إذاً يقول الله عز وجل : ﴿ وَرَبُّكَ ﴾ ، ألصق اسم من أسماء الله الحسنى بالإنسان اسم الرب ، ألصق إنسان في حياة الطفل أمه ، لأنها تربيه تعتني به ، تعتني بجسمه، تعتني بطعامه ، تعتني بأخلاقه ، تعتني بنومه، تعتني بحركته ، تعتني في نزهته ، تعتني به ، لذلك كلمة أم كلمة محببة ، وكلمة رب كلمة محببة ، رب العالمين هو الذي يرعاك ، هو الذي يمدك بما تحتاج ، هو الذي يعاقبك أحياناً ، هو الذي يكرمك أحياناً ، هو الذي ينصرك أحياناً هو الذي يرزقك أحياناً ، هو رب العالمين ، مربي .
قال الله عز وجل : ﴿ وَرَبُّكَ ﴾ أيها الإنسان ، وأكبر شرف يناله الإنسان أن ينتسب إلى الله عز وجل .
 
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾
(سورة الزمر الآية: 53 ) .
 
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ
 
﴿ وَرَبُّكَ ﴾ يا محمد ، من ربك ؟ ﴿ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ .
أحياناً تجد الغني قاسياً ، ينفق مئات الألوف في اليوم الواحد ، ويحاسب من عنده في المعمل على ليرة أو ليرتين ، إنها قسوة بالغة ، لكن الله سبحانه وتعالى أسمائه كلها حسنى .
للتوضيح : أنت أحياناً تحب إنساناً حباً لا حدود له ، لكنك لا تقدره تقديراً عالياً ، أحيانا أقرباء الرجل الذين أحسنوا إليه ، وليكن والداه يحبهم من أعماق أعماقِ قلبه ، لكنه قد حصل علماً عالياً جداً ، ويجد أن أباه ليس في المستوى الذي يتمنى أن يكون فيه ، غير متعلم أحياناً ، فالإنسان أحياناً يحب إنساناً حباً جما ، لكن لا يقدّر علمه ، وأحيانًا تقدّر علم أستاذ جامعي ، لكنك لا تحبه ، فقد تقدر ولا تحب ، وقد تحب ولا تقدر ، ولكنك مع الذات الإلهية ، ولله المثل الأعلى ، بقدر ما تحبه تعظمه .
 
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
( سورة الرحمن ) .
بقدر ما هو عظيم ، بقدر ما هو كريم ، هنا : ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ ، إذا اغتنى الإنسان يستغني عن الناس ويتكبر ، ويبتعد عنهم ، لكن الله عز وجل مع أنه غني عن  عباده :
(( لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئاً ؛ يا عِبادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئا ؛ يا عِبادِي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ ، وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ وسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ  وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )) .
[ رواه مسلم وغيره ، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ] .
ذلك لأن عطاء الله كلام وأخْذه كلام .
﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ .
بالمناسبة ، أرحم الخلق بالخلق قاطبة هو سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام ، حينما بالغ أهل الطائف في إيذائه ، وبالغوا في التنديد به وفي تكذيبه ، وفي السخرية من دعوته ، بل بالغوا في إيذائه الجسدي ، وأغروا صبيانهم أن يضربوه ، وجاءه ملك الجبال ، وقال : يا محمد ، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين ، ماذا قال ؟ مكنه الله أن ينتقم منهم ، وأن يكون انتقامه منهم إبادة كاملة ، قال : لا يا أخي ، اللهم اهدي قومي إنهم لا يعلمون ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده ، لم يتخلَ عن قومه ، واعتذر عنهم ، ودعا لهم ، وانتظر أن ينجبوا أولاداً صالحين هذا مقام النبوة .
﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ ، فسيد الخلق أرحم الخلق بالخلق ، نحن أحياناً نرحم أولادنا ، وإذا علا مقام أحدنا يرحم من حوله ، كلما علا مقامك تتسع دائرة رحمتك ، لكنك لا تحب أعداءك قولاً واحداً ، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام وسعت رحمته كل الخلق ، يحب كل بني البشر ، يتمنى لهم الخير ، لذلك قال الله عنه دققوا :
 
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾
(سورة آل عمران الآية : 159) .
تنكير ، رحمة .
 
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
(سورة آل عمران الآية : 159) .
كل هذه الرحمة التي تتمتع بها إنما هي جزء يسير من رحمة الله ، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ .
عندك قطعة أرض محدودة ، أما الأراضي كلها فعند فلان ، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ .
 
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
( سورة الكهف الآية : 58) .
لذلك عبر النبي عن هذه الرحمة حينما رأى أماً تقبل ابنها ، وهي على طرف التنور ، كلما وضعت رغيفاً في التنور ضمته وقبلته وشمته ، فقال عليه الصلاة والسلام فيما ورد في بعض الآثار : أتلقي هذه المرأة بولدها إلى النار ؟ قالوا : معاذ الله ، قال : والذي نفس محمد بيده لله أرحم بعبده من هذه بولدها .
ما من علاقة في الأرض تفوق رحمة الأم بابنها ، ورحمة الله تفوق رحمة الأم بابنها هذه قصة رمزية .
القصة الرمزية الثانية : أن أحد أنبياء الله رأى امرأة على التنور ، تقبل ابنها  وتضمه ، وتشمه كلما وضعت رغيفاً ، قال : يا رب ، ما هذه الرحمة ؟ قال : هي رحمتي  أودعتها في قلب أمه وسأنزعها ، فلما نزع الله الرحمة من قلبه أمه ، وبكى ألقته في التنور  انتهت الرحمة .
هل في عالم الحيوان حيوانات تأكل أولادها ؟ والعياذ بالله الآن في بعض الآباء والأمهات والعياذ بالله لهم قلوب قاسية على أبنائها ، إهمال شديد ، عدم اكتراث بعمله  بزواجه ، يلقيه إلى قارعة الطريق ، ويتبع شهوته وحظوظه من الدنيا .
كلما اقتربت من الله كنت أرحماً بالخلق .
بالمناسبة ، إذا كان للرحمة مؤشر وللإيمان مؤشر ، دققوا : مؤشرا الرحمة والإيمان يتحركان معاً ، كلما ازدادت رحمتك ، وكلما زاد إيمانك زاد رحمتك ، والويل لمن قلبه قاسٍ .
 
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
( سورة الزمر الآية : 22 ) .
(( إن كنتم ترجون رحمتي فارحموا خلقي )) .
[ رواه الديلمي عن أبو بكر رضي الله عنه ] .
رأت امرأة بغيّ كلباً يأكل الثرى من العطش ، نزلت بئراً وملئت خفها ماءاً وسقت الكلب فغفر الله لها .
(( إن كنتم ترجون رحمتي فارحموا خلقي )) .
 ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ ، وكلما اتصلت بالله تخلقت بكمالاته ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تتصل بالرحيم وتكون قاسياً ، وأن تتصل بالعدل وتكون ظالماً .
إخواننا الكرام ، الإسلام قضية مصيرية ، هل يكذب مؤمن ؟ مستحيل ، مؤمن يقسو ؟ يأخذ ما ليس له ؟ يظلم ؟ مستحيل ، لكن هناك مؤمن عصبي المزاج .
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب )) .
[ رواه أحمد وهو منقطع بين الأعمش وأبي أمامة ] .
 
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
(سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يخون المؤمن ، أن يكذب ، أن يغش ، أن يحتال أن يتكبر ، الإيمان طهر قلبه من كل الآثام والأضغان والأحقاد ، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ ، بقدر ما هو غني بقدر ما هو رحيم .
 
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ
 
 لا قوة مع قوة الله :
﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ  آخَرِينَ ﴾
من أنتم ؟ هذا الذي يعاند الحق ، هذا الذي يكون في خندق معادٍ للحق ، هذا الذي يتأبى على الله أن يعبده ، هذا الذي يتحدى الإله ، هذا الذي يكذب على الناس هو بثانية واحدة يصبح خبراً بعد أن كان رجلاً ، وهذا الرجل القوي الذي ما رحم إنساناً في تاريخ حياته أليس في ثانية واحدة انتهى ؟ ولم يمت بعد ، فالإنسان في قبضة الله ، من أنت ؟ من أنت حتى تقول أنا ؟ .
 
﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾
 
( سورة النساء الآية : 133 ) .
الإنسان كله ، كل مكانته ، وكل قوته ، وكل جبروته ، وكل عظمته ثمنه خثرة من الدم لا تزيد على عشر مكرونات في أحد شرايين الدماغ ، ينتهي ، قد يكون ملكا ، انتهى  الإنسان بسكتة قلبية ، بسكتة دماغية ، باحتشاء ، بتشمع كبد ، بفشل كلوي ، بفقر دم لا مصنع مات به ملك ، لأن معامل كريات الدم الحمراء كفت عن صناعة الكريات انتهى ، فقر دم لا مصنع ، الذي يقول : أنا ، هو أحمق ، من أنت ؟ أنت لا شيء ، كنت لا شيئا فأصبحت به خير شيء في الورى قد طبعك .
إذاً أيها الإخوة ، من أنتم ؟ نحن أحياناً نرى أن جهة في الأرض قوية جداً عندها قنابل ذرية ، وطائرات ، وأقمار صناعية ، ترصد كل حركة في الأرض ، وعندها أسلحة جرثومية وأسلحة كيماوية ، وأسلحة تعطل الاتصالات ، وأسلحة تعطل الطاقات ، وعندها أسلحة تميت البشر وتبقي الحجر ، هذه موجودة ، وتتحدى العالم كله .
إنّ قوة زلزال تسونامي تجاوزت مليون قنبلة ذرية ، مليون رقم دقيق ، وأخذ من مجمع علمي في العالم الغربي ، زلزال تسونامي قوته تساوي مليون قنبلة ذرية ، فالله عنده كن فيكون ، زل فيزول . 
كيف أن هناك رافعات كهربائية أساسها المغناطيس ، تحمل عشرين طنا ، وما من قوة تسحب قطعة منها ، أما العامل على هذه الرافعة فهو في مكان إذا ضغطه عشر الميلي متر وقطع الكهرباء عن هذه الرافعة كل شيء سقط فيها ، الله عنده هذه الكبسة .
هذا العالم الشرقي كان يملك قنابل ذرية كافية لتدمير خمس قارات ، الله عز وجل هو القوي .
(( أنا اللّه ملك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم ، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم )) .
[ورد في الأثر]
يروى أن ملكا كان ظالما جداً ، وحقد على شيخ النجارين ، وهو مثل النقابات الآن  شيخ النجارين يعني أعلى نجار ، مسؤول عن هذه الحرفة فأراد أن يقتله ، يريد مبررا طلب منه مئة كيس نشارة ، وأمهله إلى للصباح ، ولا يجمع في خمس سنوات ، أيقن أنه مقتول فكتب وصية ، وأنجز كل أعماله ، وودع أولاده ، مقتول 100 % وبعد أذان الفجر طرقوا بابه ، فقبّل أولاده ، وانطلق معهم ليقتلوه ، قال له : تعال واصنع التابوت ، مات الملك .
(( أنا اللّه ملك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة )) .
كلما ازددت تواضعا زادك الله عزاً ، كلما ازددت طاعة لله زادك الله قوة ، كيف وأن الله عز وجل أخبرك أنه يدافع عنك .
 
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
( سورة الحج الآية : 38 ) .
وإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربّ ، ماذا فقد من وجدك ، ماذا وجد من فقدك ؟
أيها الإخوة ، يقول أحد العلماء : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري    ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟
في الدنيا جنة فمن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
هناك حالات في القرآن الكريم الموت محقق بالمئة مليار ، فرعون بجبروته ، وقوته ، وحقده ، وأسلحته ، وجماعته ، يتبع شرذمة معهم سيدنا موسى .
 
﴿  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾
( سورة الشعراء الآية: 61 ) .
رأوا فرعون أمامهم ، والبحر أمامهم ، كم احتمال النجاة ؟ ولا واحد بالمليار .
 
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ¯قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
( سورة الشعراء الآية: 61 ) .
فصار البحر طريقاً يبساً ، فلما تبعهم فرعون غرق ، وعندي صورة لفرعون جاءتني بالبريد الالكتروني ، والله الذي لا إله إلا هو تقشعر منها الأبدان ، هذا الذي قال :
 
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات ) .
هذا الذي قال :
 
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية : 38 ).
أين هو ؟ والآن موجود بمتحف مصر .
 
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَة ً﴾
( سورة يونس الآية : 92 ) .
يده هكذا ، بذلوا كل المحاولات كي تكون مستقيمة فلم يستطيعوا ، هكذا ، في أثناء الغرق مات على هذه الحالة ، والملح في فمه .
 
البطولة أن تعرف الله في الوقت المناسب
 
أيها الإخوة ، البطولة أن تعرف الله قبل فوت الأوان ، فكل إنسان يعيش واقعه فقط ، ولا يعبأ بالنصوص ، ولا بالوعد والوعيد يكون كالدابة ، وكل إنسان يأخذ كلام الله مأخذ الجد ، ويتفاعل معه ، ويتكيف معه يكون إنسان عاقل جداً .
مرة سألوا في الصحيفة طالبا نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية : ما أسباب نجاحك وتفوقك ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر مخيلتي ولا ثانية طوال العام الدراسي .
ونحن جميعاً نتزوج ، ونتاجر ، ونؤسس معمل ، ونأخذ دكتوراه ، لكن يجب ألا تغادرك لحظة الموت ، هذه اللحظة تحاسب بها عن كل شيء .
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ¯عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
( سورة الحجر ) .
فالبطولة أن تؤمن بهذا الحدث الخطير أخطر حدث بحياتنا مغادرة الدنيا ، من بيت 140 متر لقبر ، من غرفة نوم ، وملاءات ، وأناقة ، وغرفة طعام ، وضيوف ، ومركبة    فجأة بباب صغير ، انظر إلى القبر هذا هو المصير .
اشترى عالم جليل من علماء دمشق قبرا قبل سنوات من وفاته ، يزور القبر كل يوم خميس ، هنا المصير ، هذا مفهوم الموت ليس معناه أن تثبط معنوياتك أبداً ، لكنه واقع ، من أجل أن تتأقلم من منهج الله ، لك أن تكون بأعلى درجة في عملك ، في اختصاصك ، في حرفتك ، في دراستك ، لكن الموت يجعلك تمشي وفق منهج الله ، والموت يسرع الخطى إلى الله .
يقول سيدنا علي :  << والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً >> ، لأن يقينه قبل كشف الغطاء كيقينه بعد كشف الغطاء .
يقول سيدنا علي : << والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي >>.
هذه البطولة ، وأنت حي ، وأنت قوي ، وأنت صحيح ، اعمل لآخرتك ، وأصلح دنياك .
 
﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾
 
( سورة الأنعام الآية: 134 ) .
 
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ
 
نحن جميعاً من دون استثناء أين نحن بعد مئة عام ؟ تحت التراب ، كلنا والذين كانوا قبلنا كان لهم هموم كهمومنا ، وطموحات كطموحاتنا وماتوا ، وانتهى .
قرأت مقالة عن رجل من أهل الفن بمصر يخاف من الموت خوفاً لا حدود له ، ما ركب طائرة في حياته ، ولا تناول طعاماً قبل أن ينام ، إلا الفواكه ، وما تناول إلا اللحم الأبيض ، السمك أو الدجاج ، و اعتنى بالرياضة وبصحته ، بعدها مات ، حسب أنه لا يموت  ثم مات ، ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ﴾ .
 
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ¯ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾
( سورة الغاشية ).
أين تذهب ؟ .
 
﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾
( سورة التكوير ) .
مصيرنا إلى الله جميعاً ، قال الله عز وجل : ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ معنى معجزين أي لن تستطيعوا التفلت من الحساب ، مهما كان الإنسان كبيراً دقق في هذه الآية :
 
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا﴾
( سورة النساء الآية : 78 ) .
في أي مكان ، وفي أي مكانة .
 
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾
( سورة النساء ) .
مرة قرأت مقالة عن إنسان حكم دولة بآسيا ، طائرته الخاصة فيها زيادات بـ 200 مليون دولار ، الزيادات فقط ، سيارته أيضاً تكتب عليها مقالات ، كل شيء في سيارته ، بأي مكان جميل في له قصر ، 86 قصر في العالم جاهزة لاستقباله كل 24 ساعة ، التدفئة ، والتكييف ، والطعام ، بعد هذا مات ، ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ﴾ ما دام الموت محققاً فتأقلم معه من الآن ، تكييف معه ، وأعلى درجة بالذكاء هو التكييف ، التكييف مع الموت أعلى درجة بالذكاء .
والله مرة شيعت جنازة ، وأنا على القبر حينما وضع الميت في القبر والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على سطح الأرض إنساناً أعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، هذه البطولة .
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ .
 
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِين
 
﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ أي لن تستطيعوا أن تتفلتوا من قبضة الله ، أنت في قبضة الله ، وسوف تأتي يوم القيامة فرداً ، لا هناك جماعات ، ولا هناك خمسون ألف اتصال أن هذا اتركوه ، هو من جماعتنا ، لا يوجد مثل هذا أبداً . 
 
﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ﴾
( سورة الأنعام الآية : 94 ).
وفي آية :
 
﴿ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 48 ) .
هناك تجمعات بالعالم ، الآن مثلاً دولة قوية جداً تعتدي ، كل الدول تناصرها ، على الظلم تناصرها من أجل مصالحها ، أوربا تجمع ، وآسيا تجمع ، وكل العالم فيه تجمعات ، هذا التجمع ينتهي يوم القيامة ، ﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ .
إذاً : ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ .
لا تستطيعون التفلت من قبضة الله ، ولا من عقابه .
مرة كنا في مؤتمر في بلاد بعيدة ، والمؤتمر من تقاليده أن آخر يوم يجلس الضيوف ، وكنا 11 ضيفاً في لوس أنجلوس ، ويلقي كل ضيف كلمة في دقيقة واحدة ، ألقينا عشر محاضرات ، أما يوم الوداع هذا فالكلمة في دقيقة واحدة ، فكان إلى جانبي مندوب دولة أعانها الله على أن تنجو من محنتها ـ العراق ـ قال : والله أصاب المسلمين في هذا البلد من القهر ، والخوف ما لم يصب به المسلمون مجتمعين في مئة عام ، وبكى ، ثم قال : ولكننا والله التقينا في سلم الإيمان ما لم نستطع أن نلتقي به ولا في 300 عام ، فقلت بعده أنا : إذاً خطة الله استوعبت خطة الأقوياء ، ووظفتها لصالح المجتمع البشري .
 
 
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب