سورة الأعراف 007 - الدرس (36): تفسير الآيات (117 - 129) هزيمة تتمة قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الأعراف 007 - الدرس (36): تفسير الآيات (117 - 129) هزيمة تتمة قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 17 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 08 - فقدنا الأمل في الدعاء - د. عمر عبدالحفيظ           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - التضامن مع الأسرى           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 389 - سورة المائدة 006 - 006           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 272 - مقبرة باب الرحمة           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 07 - بشرى لمن قصف بيته - الشيخ محمد نور         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الأعراف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الأعراف - تفسير الآيات: (117 - 129) - تتمة قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة

21/03/2011 09:56:00

سورة الأعراف (007)
الدرس (36)
تفسير الآيات: (117 ـ 129)
تتمة قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
       أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس السادس والثلاثين من دروس سورة الأعراف ، ومع الآية السادسة عشرة بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
 
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
 
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
1 – ما هو الإفك ؟
 
الإفك هو قلب الحقائق ، الإفك هو الكذب .
2 – فرعون إنسان من عدم ويصير إلى عدم :
 
هم يدعّمون إنساناً ضعيفاً سبقه عدم  ، وينتهي إلى عدم ، وهو يدّعي الألوهية ، قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
( سورة النازعات )
وقال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
( سورة القصص الآية : 38 ) .
3 – إيهام السحرةِ الناس بسحرهم :
 
هؤلاء السحرة أرادوا بحيل أن يوهموا الناس أن هذه الأنابيب المطلية على شكل ثعابين ، وقد وضع بها الزئبق ، وقد وضعت فوق سطح ساخن ، فالزئبق تمدد ، وهو معدن رجراج ، وتحركت هذه الأنابيب ليوهموا الناس أنها ثعابين كما فعلوا أمام فرعون .
 
موسى عليه السلام يبطل بعصاه سحرَ الساحر :
 
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾
( سورة الأعراف )
ثعبان حقيقي ، لذلك هم الآن يكذِّبون ، ويقلبون الحقائق .
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾
سبحان الله ! ثعبان فغر فاه ، والتقم هذه الأنابيب كلها .
 
إذا أراد الله شيئا هيَّأ له أسبابَه :
 
هناك درس تلقاه فرعون ، وهو أن الذي أخبره أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على مُلكه  الله عز وجل من بديع حكمته أنه يعطل كل الأسباب ، فالطفل الذي سيقضي على ملكه ربّاه في قصره ، وألقى محبته في قلب امرأة فرعون .
 
﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
( سورة القصص )
أنت تريد ، وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد .
 
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 
( سورة يوسف )
أيها الإخوة ، حينما تعلم علم اليقين أن الله :
 
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
( سورة هود )
وأنه :
 
﴿ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ 
( سورة الزخرف الآية : 84 )
وأنه :
 
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ 
( سورة البقرة الآية : 255 )
وأنه بيده ملكوت السماوات والأرض ، حينما تؤمن هذا الإيمان تكون قد قطعت شوطاً واسعاً في طريق الإيمان ، هذا كلام يصعب أن يُفهم .
 
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ 
( سورة القصص الآية : 7 )
أيتها الأم ، إذا خفتِ على هذا الجنين ، على هذا الطفل الصغير فألقيه من الشرفة ، هذا كلام غريب !
 
﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
 ( سورة القصص الآية : 7 )
موت محقَّق .
 
﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
( سورة القصص )
هذان أمران ، ونهيان ، وبشارتان :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾
سوف نحفظه لا إكراماً لك فحسب بل لأن الله أوكله بمهمة الدعوة إليه ، هو في حفظ   الله .
 
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
( سورة الطور الآية : 48 )
لكن الله عز وجل لحكمة بالغة ينجّي نبيه ، ومع نبيه دعوة ، ودين ، والإسلام كله انتصر بخيوط العنكبوت ، من عظمة الله ، وقد تكون النجاة بأصغر الأسباب ، وأحياناً يدمر الله أعداءه بأتفه الأسباب ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
هذا العبد الفقير ، سأخاطب الشباب ، ومعظم الذين أمامي من الشباب ، أما المتقدمون في السن فهم شباب أيضاً ، لماذا ؟ أنت لمجرد أن تؤمن بالله العظيم فأنت شاب حتى الموت ، أنت شاب في الـ96 ، لأن الهدف كبير ، ومن معاني الشيخوخة حينما تحقق أهدافك المادية تنتهي ، ومعظم الناس همه الأول أن يشتري بيتًا ، وأن يتزوج ، وأن يأكل ، ويشرب ، ويفرح ، فإذا حقق هذه الأهداف انتهى ، إنها حياة مملة ، وكل شيء فيها يُمَلّ ، ولحكمة بالغةٍ ما سمح الله أن يمدك بمتعة مستمرة في الدنيا إطلاقاً ، إنها متعة متناقصة ، وقد تعقبها كآبة ، أما إذا توجهت إلى الله تألقت ، لذلك أنا أخاطب الشباب ، قياساً على هذين الأمرين ، والنهيين ، والبشارتين .
 
ما مِن آيةٍ تخصّ الأنبياء إلا وللمؤمن نصيب منها :
 
أريد أن أؤكد لكم أنه ما من آية تخص الأنبياء الكرام ، أو نبينا عليه الصلاة والسلام إلا ولك منها أيها المؤمن نصيب ، أنا أقول للشباب : ما دمت مستقيماً ، ما دمت موحداً  ، ما دمت ملتزماً ، ما دمت صادقاً ، ما دمت أميناً ، ما دمت مخلصاً ، ما دمت تطلب العلم فلا تخَف ، مهما ساءت الأخبار ، ومهما قيل : المستقبل مظلم ، لا ، المستقبل مشرق ، ومهما قيل : إن هناك مؤامرة على المسلمين ، بل على مستوى الأرض ، هذا كلام :
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
إن إخوة يوسف أقوياء ، أشداء ، أرادوا له أن يموت ، وضعوه في البئر ، ما الذي   حصل ؟ أنه أصبح عزيز مصر ، دخلوا عليه وهم صاغرون .
 
﴿ قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾
( سورة يوسف الآية : 90 )
سيدنا موسى ، سيدنا إبراهيم ، فإذا كان الله معك فمن عليك ظ وإذا كان عليك فمن معك ؟
واللهِ عندي قصص واقعية في هذا العصر لا تعد ولا تحصى عن شاب اتقى الله فهيأ له عملا ، وزوجة صالحة ، وبيتا ، وأهلا ، وأولادا أطهارا ، لك عنده حق ، دقق ، هذا الإله العظيم خالق السماوات والأرض أنشأ لك حقاً عليه ، فعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍيُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ، فَقَالَ : يَا مُعَاذُ ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم ]
لا تقلق ، العالم الغربي ، ينهب ثرواتنا ، وييئسّنا بمجاعة عالمية ، ونقص مواد غذائية ، سوف يكون هناك اضطرابات من أجل غلاء الأسعار ، الله موجود ، أنا أدعوكم للكسب ، وللأخذ بالأسباب ، لكن لا تسمح لإنسان بعيد عن الله أن يوقعك في اليأس ، لك عند الله حق .
والله مرة دخل بيتي إنسان ، وقال كلمة والله أعرفها ، وأرددها مئات المرات ، لكنني بكيت منها ، قدمت له قطعة حلوى ، أخذ لقمة أولى منها ، ووضعها في فمه ، وقال : سبحان مَن قسم لنا هذا ، ولا ينسى من فضله أحدا .
وأنتِ أيتها الفتاة المؤمنة المحجبة الطاهرة لا ينساك الله ، إياك أن تتوهمي أن التفلت أحد أسباب زواجك ، قد تتزوجين مع التفلت ، لكن يأتي زوج يريك النجوم ظهراً ، فلا بد من الحجاب والاستقامة والعمل الصالح ، وأن تتعرفي إلى الله عز وجل الذي يقول :
 
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ 
( سورة الرحمن )
جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، رغم أنف التهديدات بالحصار ، وبالحرب  ، وبالضغط .
﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أقول هذا الكلام : إن هناك الآن حالة إحباط عند المسلمين ، العالم كله يهاجمه ، العالم كله يهدده ، وادعاءات ، لكن علاقتنا بالله ، والذي خلقنا لا يسْلمنا إلى أَحدٍ ، لأنه إلهنا ، وربنا ، دقق في هذه الآية :
 
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
( سورة الزمر )
عليك أن تطيعه ، وانتظر الخير ، وبعدها اشكره على هذا الخير ، علق أملك بالله  ، اتق الله ، اعقد الأمل على الله ، توكل على الله ، عليك أن تستقيم على أمره ، وعلى الله الباقي  ، يا رب طالبتني بالطاعة فأنا أطيعك ، طالبتني بضبط اللسان فأنا أضبط لساني ، طالبتني بالصدق فأنا أصدق إن شاء الله ، طالبتني أن أكون أميناً فأنا أمين إن شاء الله ، هذا الذي عليك ، والباقي على الله .
هذا الإيمان يعطي راحة للنفس ، أما القلق ، وسماع التهديدات ، وتارةً الحصار ، وتارةً الهجوم ، وتارةً العزل ، وتارةً نقص مواد ، وتارةً ارتفاع أسعار ، هذه الأخبار فوق طاقتنا ، يجب أن نوحد أنْ لا إله إلا الله .
 
الإنسان عزيز بمَن ينتمي إليه :
 
بشكل أو بآخر أنت مع مَن ؟ مع خالق السماوات والأرض ، فقد يكون سائق وزير يمشي بكبرياء ، ولسانه طويل ، ويهدد ، ويتوعد ، وقد يكون موظفًا في الخارجية ، يقول لك : عينَّا فلان في الخارجية ، أنت مَن ؟ أنت مستخدم بالوزارة ، يعدّ نفسه جزءا منها ، عينا فلانًا سفيرًا ، مَن أنت ؟ الإنسان ينتمي أو يعتز إلى مَن ينتمي إليه ، أنت كمؤمن أنت مع من ؟ مع خالق السماوات والأرض ، مع الذي منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد .
كن مع الله تـر الله مــعك                 و اترك الكل وحاذر طمـــعك
وإذا أعطاك مــــن يمنعه                  ثم من يعطي إذا مـــــا منعك

***
أطع أمرنا نرفع لأمرك حجبنا            فإننا مـــنحنا بالرضا من أحبنا
ولذ بحمـــانا واحتمِ بجنابنا            لنحميك ممـــا فيه أشرار خلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل            وأخلص لنا تلقَ المــسرة والهنا
وسلم الأمر إلينا في كل ما يكن           فما القرب و الإبعاد إلا بأمــرنا
              فيا خجلي منه إذا هو قـال لي             يــا عبدنا هـل قـرأت كتابنا
            أما تستحي منا ويكفيك ما جرى            أما تختشي من عتبنا يوم جمـعنـا
        أما آن أن تقلع عن الذنب راجـعاً         و تنظر مــا به جـاء وعـدنــا
***
الأبيات طويلة ، لكن أيها الإخوة ، المسلمون اليوم في أمسَّ الحاجة إلى التوحيد ، فإنه لا إله إلا الله ، والله كبير ، لذلك كلمة :
 
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾
( سورة طه الآية : 72 )
من هؤلاء السحرة هل هي قليلة ؟ ماذا رأوا ؟
أحيانا مواطن في دولة نامية يخاف من مُساعد ، قال له : أعطني هويتك ، يخاف ، لكن السحرة خاطبوا فرعون :
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾
بالتعبير الدمشقي : يدك وما تعطيك .
 
﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
( سورة طه )
 
الرجوع إلى الله ، وعنده تحتكم الخصومُ :
 
سمعت قصة تأثرت لها كثيراً ، لعلي رويتها من قبل ، لما ذهبت إلى تركيا أعطوني كتابا فقرأته ، فيه قصة مؤثرة ، هي لعالم جليل من العلماء الورعين الأتقياء العاملين  المخلصين ، ألّف كتابا صغيرا عن حرمة التشبه بغير المؤمنين ، أخذ الكتاب موافقة على التأليف ، وموافقة على الطبع ، وموافقة على النشر ، وكما تعلمون كمال أتاتورك منع اللباس الإسلامي كلياً ، وأمر باللباس الغربي ، حتى القبعة أمر بنزعها ، فإذا الكتاب في الأسواق ، هذا الكتاب يحرم من تقليد الأجانب ، أُخِذ هذا العالِم وأودع في السجن ، هذا العالم معه منطق ، معه حجة ، أنا ألفت الكتاب سابقاً ، والكتاب مرخص في التأليف ، والطبع ، والنشر ، والتداول ، أين الذنب ؟ بدأ بكتابة مذكرة ، راوي القصة صديقه في السجن ، أنه كتب 80 صفحة ، ومعه أدلة قوية ، أين الذنب ؟ نحن في العالم كله ممنوع أن تعمل القوانين بمفعول رجعي ، وهذا كتاب قديم ، ومؤلف سابقاً ، وله تراخيص ، فأين الذنب ؟ يقول رفيقه في السجن : في أحد الأيام استيقظ هذا الإنسان بحال عجيب ، بحال من السرور والإشراق ، وجهه متهلل ، يكاد يرقص من الفرح ، قال له صديقه : ما القصة ؟ قال له : رأيت رسول الله في النوم ، وقال لي : أنت ضيفنا غداً ، أمسك الأوراق ومزقها ، 80 صفحة ، يصبح بحاجة إليها ، ثاني يوم أُعدم شنقًا ، لكن انظر إلى الحقيقية ، انظر إلى الظاهر .
هؤلاء السحرة قتلوا ثاني يوم ، قتلهم فرعون ، إلى أين ؟ .
 
﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾
( سورة آل عمران )
 
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
( سورة الزخرف )
المشكلة أن الناس المقصرين يرون الموت أكبر مصيبة ، والله أيها الإخوة قرأت تقريباً ، ودرست سيرة سبعين صحابيًّا ، في هذه السِّيَر كلها قاسم مشترك واحد بينهم جميعاً ، أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند لقاء ربهم .
وا كربتاه يا أبتِ ، قال : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، غداً نلقى الأحبة محمد وصحبه .
مَن واجه هؤلاء السحرة ؟ لم يواجهوا مساعدا ، واجهوا فرعون :
﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .
نقطة دقيقة : مرة وزير الدفاع الصهيوني اسمه موشي ديان ، دخل بعض الفدائيين ، وعملوا عملا هز إسرائيل ، فكان في جلسة برلمانية ، فالنواب تهجموا على هذا الوزير ، أين عملك ؟ أين جيشك ؟ قال له كلمة رائعة ، قال : أنا أقصى ما أملك أن أهدد الإنسان بالموت ، بأن أقتله ، فإذا جاء ليموت ماذا أفعل به ؟! 
 
﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾
( سورة طه الآية : 71 ) .
جاء الفرج ، وهذا مقصدنا .
 
﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
( سورة طه ) . 
حينما يزهد الإنسان في الدنيا يكون قويا جداً ، وحينما يعلق أمله بالآخرة يصبح إنساناً فذاً .
أيها الإخوة ، لما قال سيدنا موسى : أنا رسول الله ، هذه نسبة كلامية ، تقول : محمد مجتهد ، مجتهد خبر ، محمد مبتدأ ، نسبة كلامية نصية ، أما إذا ذهبت إلى مدرسته ، وسألت عن علامته ، وكان الأول صارت نسبة أخرى واقعية .
فسيدنا موسى قال : أنا رسول الله .
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ 
( سورة الأعراف ) 
 
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
 
وهذا الثعبان أكل كل سحر السحرة ، وأنابيب الثعابين المتوهمة ، وعرف فرعون أنه إنسان آخر فذ ، لا أنه إنسان طبيعي .
تروى قصة ، أن رجلا يعمل حمَّالاً على حمار ، هذا الحمار مات ، فأصبح بلا دخل إطلاقاً ، هو ذكي جداً ، فخطر في باله فكرة جهنمية ، بنى أربعة أسوار ، وقبة خضراء ، وسمّى هذا الحمار باسم ولي ، سماه الشيخ زنكي ، وجاء الناس ، وتباركوا بهذا الولي ، وقدموا الذبائح ، وقدموا الدجاج ، والسمن ، هذا عاش في بحبوحة تفوق حد الخيال ، أنا أقول : هل هناك قوة في الأرض يمكن أن تقنعه أن الذي دفِن تحت هذه القبة حمار ؟ هو دفنه بيده ، بل قناعته أنه حمار أكبر ممن يحاوره ، لكن المنتفع لا يناقَش ، والقوي لا يناقَش ، والغبي لا يناقَش ، وقد يجتمعون في شخص واحد .
فرعون عرف نفسه إنسانا عاديا ، ويمرض ، ومرة سمعت طبيبا من نيكادو الذي يدعي الألوهية أنه أسلم ، معه في جسمه خمسون علة ، وهو إله ، بزعمه !!! أين الإله ؟ كل إنسان يعرف نفسه .
 
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
( سورة القيامة )
فلذلك تطابق عند السحرة دعوى هذا الإنسان العظيم مع الواقع ، هذه ليست قضية سحر ، إنه ثعبان حقيقي ، أكل كلّ حبالهم وعصيَّهم .
 
لا يقف الباطلُ أمام الحق : فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
 
أيها الإخوة ، ما الذي حصل ، قال :
 
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
 
( سورة الأعراف )
فرعون أوهم الناس أنه إله ، وهو ربهم الأعلى ، وليس لهم مِن إله غيره ، هذا الوهم تتضعضع :
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
 
الواقع أقوى من الفكر النظري :
 
لذلك أقوى شيء في الدين أن يكون الدين واقعياً ، الآن يقال : مثاليات ، أحلام ، خيالات ، أما إذا ركل إنسان بقدمه الملايين ، وقبِل بدخل محدود ، لكنه نظيف ، وعاش معك ، فهذا أقوى من مليون محاضرة ، دائماً الواقع أقوى من الفكر النظري .
لماذا أحتفل بالقصص ؟ القصة حقيقة مع البرهان عليها ، حقيقة لكن معها برهان ، بل أحتفل بقصة معاصرة بالذات ، لماذا ؟ هذا الذي يعيش معنا ، يتحمل الضغوط  التي نتحملها ، وهو واقع تحت قوة الإغراءات التي نقع تحتها، يستمع إلى الأخبار التي نستمع إليها ، ومع ذلك وضع الدنيا تحت قدمه .
إن أكبر قصة مؤثرة لإنسان يعيش معنا ، واتقى الله ، وركل بقدمه الدنيا من أجل الدين ، فملَك الدنيا والدين معاً ، لذلك اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها .
 (( من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هم دنياه )) .
[ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر ]
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ
 
فَوَقَعَ الْحَقُّ : إسقاط على واقعنا اليوم :
 
والآن أيها الإخوة أنا أسلط هذه القصة على واقعنا ، الحق الآن ظاهر،  إذا كان قبل خمسين سنة حق ناصع لونه أبيض ، وباطل داكن لونه أسود ، و بينهما مساحة كبيرة جداً لونها رمادي ، فهذا شيء يحيّر ، حق مع باطل ، باطل مع حق ، بنسب متفاوتة ، الآن عندنا ظاهرة جديدة ، حق أو باطل ، إمّا إنسان ولي أو إباحي ، إمّا أكبر محسن أو أكبر مجرم ، إمّا أكبر صادق أو أكبر كذاب ، إمّا أكبر رحيم أو أكبر مجرم ، العالم انقسم قسمين : قسم يؤمن بالله ، لكنه ضعيف الآن ، وأنت ضعيف ، وهذا سر قوتك ، والقسم الآخر قوي جداً ، معه 90% من ثروات الأرض ، معه الإعلام ، معه المال ، معه كل شيء ، يتكلم كما يشاء ، يوزع التهم على من يشاء ، يتهم من يشاء أنه إرهابي ، هم يفعلون كل شيء ، هذا الواقع الآن ، العالَم انقسم قسمين : أناس إنسانيون ، وأناس عنصريون ، أناس مع وحي السماء ، وأناس مع مصالح الأرض ، أناس مع الدنيا ، وأناس مع الآخرة ، أناس صادقون ، وأناس كاذبون ، أناس أمناء ، وأناس خائنون .
المشكلة أيها الإخوة أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا  :  يا رسول الله  وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال  :  نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ، ونهيُتم عن المعروف قالوا  :  يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال  :  نعم ، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا )).
[ زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
فرعون صغُر ، دعواه أنه رب الناس ، ربهم الأعلى ، وما من إله غيره سقطت كلها ، لأن السحرة قالوا :
﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
 
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ
 
﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
ودائماً المؤمن قوي ، والآخر ضعيف وصغير ، وسيدنا موسى ما غلب السحرة ، بل غلب مَن يدعم السحرة ، فرعون أمامه ، وفي رواية أن الثعبان بعدما أكل كل ما أمامه مِن أنابيب ، ومن عصِيّ ، ومن حبال ، توجَّه نحو فرعون ، وفغر فاه ، فقطع قلب فرعون ، أين : أنا ربكم الأعلى ؟ هذا الشاعر المشهور الذي ادعى النبوة ، المتنبي ، قال :
الخيل والليل والبيداء تعرفني             والسيف والرمح والقرطاس والقلم
في طريقه من البصرة إلى حلب لحقه عدو ، فهرب منه ، قال له غلامه : ويحك ، ألم تقل : الخيل والليل ؟ فقال له : قتلتني قتلك الله ، ورجع فقاتل حتى قُتِل .
الادعاء سهل :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
تقطع قلبُه من الثعبان :
﴿ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾
لا إله إلا الله .
 
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
 
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
روعة تعبير القرآن : وَأُلْقِي 
 
دقق في كلمة ﴿ وَأُلْقِي ﴾ ، كأن شيئاً دفعهم نحو الأرض ، ما هذا الشيء ؟ قال بعض المحللين : إنها دهشتهم ، هم سحرة ، هذا ليس ساحرا ، هذا رسول ! فانبهروا .
أنا أذكر قصة سمعتها قبل أسابيع ، صحفية بريطانية خُطفت ، الذين خطفوها هويتهم إسلامية ، فهي تحقد على الإسلام كثيرا ، وعلى هذا العمل العنيف ، فحينما أسرت تفننت في إحراجهم ، طلبت دخانا فقدموه لها ، والأكل النادر جاءوا به ، أكرموها تكريما عجيبا ، بل استفزتهم بخلع ملابسها أمامهم ، فغضوا أبصارهم عنها ، و القصة طويلة ، لم تدع شيئاً يستفزهم إلا وفعلته ، وكانوا لها بأعلى درجة من الإكرام ، بحسب تعليمات النبي ، كان الصحابة الكرام يأكلون أردأ الطعام ، ويطعمون أَسراهم أطيب الطعام ، الأسير إنسان ، لما أطلق سراحها عقدت مؤتمر صحفياً ، هي انبهرت ، في بذهنها أن هؤلاء إرهابيون ، قتلة ، جهلة ، متخلفون ، رأتهم كالملائكة ، أول كلمة قالتها في المؤتمر الصحفي : أشهد أن لا إله إلا الله أن محمداً رسول الله ، والآن هي أكبر داعية في بريطانيا .
هناك انبهار ، هؤلاء السحرة انبهروا ، ليست قضية سحر ، هذا رسول من الله ، هذا فعل الإله ، فعل الخالق ، دعك من هذا الاستثناء ، دعك من خرق العادات ، هذا الكون ألا توقن أن وراءه إله عظيم ، الشمس آية عظيمة ! عمرها خمسة آلاف مليون سنة ، وستبقى أيضاً خمسة آلاف مليون أخرى ، فاطمئِنوا ، لسان اللهب طوله مليون كيلومتر ، القمر  آية ؟ الليل والنهار ، البحار ، الأسماك ، الأطيار ، النبات ، الطعام ، الشراب ، الهواء ، هذه آيات ، والحقيقية كلما تقدم الإنسان فالكون بوضعه الراهن أكبر معجزة ، وقديماً الذي يُظَن معجزة هو خرق النواميس والقوانين ، الكون بوضعه الراهن أكبر معجزة .
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
مَن ألقاهم ؟ انبهارُهم .
 
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
 
﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
ماذا قال فرعون ؟
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى
حتى لا يتوهم أنهم آمنوا بفرعون قالوا :
﴿ آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
 
﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
موسى أنا ربيته
﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾
يعني ليست أنت يا فرعون ، هذا كلام دقيق جداً :
﴿ آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ
 
سبيل الطغاة عند الشعور بالخطر هو التهديد بالقتل :
 
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
( سورة الأعراف )
ماذا عنده فرعون ؟ قال :
 
﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
شيء صعب جداً ، يد يمين ، ورِجل يسار
﴿ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
 
﴿ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
قال فرعون :
﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾
﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ 
 
ما هو ذنبنا ؟ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا
 
﴿ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾
( سورة الأعراف )
ما الذنب الذي ارتكبناه :
﴿ إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ﴾
فلان ذنبه أنه صادق ، هذا اسمه في اللغة تأكيد المدح بما يشبه الذم .
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم      بهن فلولٌ من قراع الكتائب
فلان بخيل إلا أنه لئيم ، هذا تأكيد الذم بما يشبه المديح ، قال النبي عن نفسه :
(( أنا أفصح العرب قال ، بيْدَ أني من قريش )) .
[ ورد في الأثر ]
قريش أفصح قبيلة ، هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو أسلوب بلاغي قرآني ، قال تعالى :
﴿ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾
 
لا بد من الصبر حتى نلقى الله عزوجل :
 
إخوانا الكرام ، في كلمة : بدأت الحرب بالإنسان ، ثم أصبحت بين آلتين ، ثم بين عقلين ، ثم انتهت بالإنسان ، وهناك كلمة قالها مسئول كبير في دولة كبرى هي قطب العالم اليوم ، قال : ماذا نفعل بحاملات الطائرات ، والصواريخ العابرة للقارات ، لا تجرؤ دولة في العالم أن تحاربهم ، ولكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي أراد أن يموت ؟ وأن يهز كياننا ؟ 
كل ما يملك فرعون على السحرة أنه سيقتلهم ، فإذا قُتلوا انقلبوا إلى رحمة الله .
(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]
 
﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾
( سورة التوبة الآية : 52 )
إما الشهادة أو النصر ، وكلاهما شيء رائع جداً ، المؤمن أحد أسباب قوته أنه مؤمن بالآخرة ، مؤمن بحياة أبدية ، مؤمن بجنة عرضها السماوات والأرض أعدها الله له ، لا يعيش للدنيا ، آماله ليست في الدنيا ، بل للآخرة ، هذا أحد أكبر أسباب قوته .
مرة حاكم من التتار أراد أن يذل العلماء ، فجاء بلحم خنزير أمام ملأ كبير ، وجمع الناس ، وأمرهم أن يأكلوا منه ، كل واحد على حسب قوة إيمانه وضعفه ، بعضهم مضطر ، وأكثرهم أكل ، إلا أكبر عالم رفض أن يأكل ، فجاء من يهمس في أذنه ، أن هذا اللحم من أجلك ليس خنزيراً ، كل ولا تخف ، قال له : هو عند الناس خنزير ، فإذا أكلته سقط العلم ، ولم يأكله وقتِل ، وأبقى أملا في الناس .
هناك إنسان يجهر بكلمة الحق ، فتكلم .
 
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ
 
كلُّ منتفِعٍ بفكر فرعون يحاسَب حسابَه :
 
هنا نقطة دقيقة ، كل واحد منتفع بفرعون سيحاسب مثله ، الدليل :
 
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾
( سورة القصص )
وهؤلاء المنتفعون بقربهم من هارون في مكاسب كبيرة ، فإذا ظهر الحق أنه ليس إلهاً ضاعت مكاسبهم ، لذلك :
 
﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
هم استفزوه ، القوي معه جماعة ، معه من حوله ، هؤلاء جميعاً منتفعون  وسيحاسبون طبعاً :
﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾
طمأنهم ، لكن الذي حصل .
 
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا
 
﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة الأعراف ) .
والآن أيها الإخوة ، والله أتمنى أن تكون هذه الآية في قلوبنا جميعاً :
شعار المؤمنين : اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا
 
﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾
لا تخافوا ، الله موجود ، الله كبير ، بيده كل شيء ، ولن يتخلى عن المؤمنين ، لكن يؤدبنا ، نحن معنا التهاب معدة حاد ، الأمل في الشفاء كبير جداً ، أما الطرف الآخر فمعه ورم خبيث منتشر ، قال له : كل ما شئت ، أما نحن فعلينا تشديد جداً ، كل شِّدة وراءها شَدّة إلى الله ، ومحنة وراءها مِنحة من الله .
 
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
 
﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
هؤلاء صناديد قريش ، الأقوياء ، الأغنياء ، الغارقون في شرب الخمر ، وأكل الربا ، الذين أرادوا قتل النبي ، وأخرجوه من مكة ، مَن تبع النبي ؟ الضعاف ، الشباب الصغار ، الفقراء ، تقول الآن : سيدنا بلال رضي الله عنه ، وتقول : أبو لهب لعنه الله ، أليس كذلك ؟ 
 
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ 
( سورة المسد ) 
كن مع الله ترَ الله معك ، كن مع الله ولا تخَف .
 
التفسير التوحيدي للمصائب غير مقبول عند الناس :
 
أيها الإخوة ، عندنا حالة صعبة جداً ، التفسير التوحيدي للمصائب غير مقبول .
 
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾
( سورة الزمر الآية : 45 )
 
﴿ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ﴾ 
( سورة غافر الآية : 12 )
 
﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ .
( سورة الأعراف )
وفي درس آخر إن شاء الله نقف عند هذه الآية ملياً .
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
 
 
 
 

 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب