سورة الجاثية 045 - الدرس (1): تفسير الأيات (01 – 06)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الجاثية 045 - الدرس (1): تفسير الأيات (01 – 06)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الجاثية

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الجاثية ـ (الآية: 01 - 06)

11/04/2013 18:16:00

سورةالجاثية (045)
الدرس (1)
تفسير الآيات: (01 – 06)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
       الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ،
 
وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 
       أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الأول من سورة الجاثية .
بسم الله الرحمن الرحيم
      
﴿حم ¯تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ¯إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ¯وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ¯وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
 
 مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ¯تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾
 
أيها الإخوة الكرام ...
 
حَـــــم
      
﴿حم ﴾
 
 
معاني الحروف المقطّعة
 
      هذه الحروف من أوائل السور : إما أنها أوائل أسماء الله تعالى ، أو أوائل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، أو هي إشارةٌ إلى إعجاز القرآن البياني ، أن هذا القرآن الكريم نُظِم من هذه
 
 الأحرف ، والله سبحانه وتعالى يتحدَّى البشر جميعاً أن يأتوا بآيةٍ من مثله ، أو كما قال بعض المفسِّرين : " الله أعلم بمراده " ..
     
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
 
شرف الرسالة من شرف المرسِل
       
 الرسالة شرفها من شرف المُرْسِل ، قيمة الكتاب من قيمة الكاتب ، قيمة الرسالة من قيمة المُرْسِل ، الله سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة يشير إلى أن هذا البيان بيان الله ، وتوجيه الله ، وكلام الله ،
 
 إنّ هذا الأمر أمر الله ، وهذا النهي نهي الله ، وهذا التفسير للكون وللحياة وللإنسان تفسير الله ، إن هذا الكتاب من عند خالق الكون ، لذلك قالوا : " فضل كلام الله على كلام خلقه
 
 كفضل الله على خلقه " .
 
        إن الإنسان إذا لم يستحضر عَظَمَةَ الله عزَّ وجل وهو يتلو كلام الله لا يستفيد منه ، ما لم يشعر الإنسان حينما يقرأ القرآن أن هذا القرآن كلام الخالق ..
 
لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ
( سورة فصلت : آية " 42 " )
       الله عزَّ وجل كماله مطلق ، حكمته مطلقة ، علمه مطلق ، خبرته مطلقة ، كلامه لا يمكن أن يتطرَّق إليه شكٌّ ، ولا خطأٌ ، ولا غفلةٌ ، فمن حينٍ إلى آخر يذكِّرنا الله عزَّ وجل بأنّ  الكلام
 
 كلامه  ..
 
تَنْزيِلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ
      
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
 
     إنَّ اسم الله علمٌ على الذَّات .. على ذات الله .. الله جلَّ جلاله له أسماء حُسْنى .
 
     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
 
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
[متفق عليه]
     معنى الإحصاء ليس العدّ ، ]لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [ ، الإحصاء أرقى من العد ،  إذا قال الإنسان : الله هو الخالق ، البارئ ، المصوِّر فهذا عدٌّ ، وليس إحصاءً  ، أما النبي الكريم فقال :
(( مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
معنى إحصاء أسماء الله
       فكلمة ( الله ) هي العَلَم على الذَّات لصاحب الأسماء الحُسْنى والصفات الفُضلى ، ولا تعرف معناها إلا إذا تفكَّرت في خلق السماوات والأرض ، كلمة واحدة نلقيها على ألف إنسان كل
 
 إنسان يفهم منها شيئاً بحسب خبرته .
 
     يُروى أن إنسانًا يمشي في الطريق سمع كلمة كُرسي ، هو أستاذ في الجامعة ، ويحمل أعلى شهادة ، لكن لم يُتَح له أن يكون أستاذًا ذا كرسي ، وهو يتوقَّع أن هذا الذي يحلُّ محلَّه ليس في
 
 مستواه ، فهو متألِّم دائماً ، فإذا سمع كلمة ( كرسي ) فهذه الكلمة تثير في نفس هذا الأستاذ شجونًا وآلامًا ، وتمنيَّات ، وطموحات ، وقد يمشي في الطريق ساعةً أو ساعتين ، وكل خواطره
 
 أثارتها كلمة ( كرسي ) ، إذاً الكلمة أثارت خبرات ، أثارت تصوُّرات ، أثارت طموحات .
 
       يسمع هذه الكلمة : ( كرسي ) إنسان آخر يعمل في حلاقة الشَعر ، يوجد عنده كرسيين ، ويتمنَّى المزيد ، لكن يخشى أن ترتفع الضريبة ، يخشى ألاّ يجد من يعمل على هذا الكرسي ،
 
 أيضاً ساعة ، وساعتين ، وثلاثًا وهو يمشي في خواطر أخرى ، ما الذي أثار كل خواطره ؟ كلمة : ( كرسي ) .
 
       يسمع كلمة ( كرسي ) إنسان يحتاج في بيته إلى كَراسٍ ، ولكن لا يملكها ، ولا يملك ثمنها ، فالغرفة فارغة ، ويأتيه ضيوف ، ولا يملك ثمنها ؟ أيضاً ساعة أو ساعتين وهو يفكر في كلمة (
 
 كرسي ) .
 
      ويسمع كلمة ( كرسي ) إنسان متعب ، فيتمنَّى أن يرى كرسيَّاً يجلس عليه ، فهذه كلمةٌ واحدةٌ أثارت تصوُّراتٍ شتَّى ، ومعانيَ شتَّى .
 
       ضربت هذا المثل لأصل به إلى أنك لو قلت : الله ، فهذه الكلمة ماذا تثير في نفسك ؟ تثير في نفسك كل خبراتك مع الله .. فبحجم خبراتك ، بحجم تصوُّراتك لله ، بحجم تفكُّرك في خلق
 
 السماوات والأرض ، بحجم عطائك ، بحجم إقبالك على الله ، بحجم تمنيَّاتك أن يرضى الله عنك ، فكلمة واحدة تثير عندك كل الخبرات ، هذه الكلمات لها مضامين ، وحينما تفقد الكلمة
 
 مضمونها تصبح لا قيمة لها ، لذلك كلمة ( الله ) يقولها آلاف الناس ، هناك من يُشْهِدُ الله ، وهو يكذب ، يقول : الله وكيلك ، والله يراه ، ليس لها مضمون عنده أبداً ، هناك من يعتدي على
 
 الناس ، ويقول : الحمد لله ، الله وفَّقنا ، إلى ماذا وفَّقك ؟ إلى إيذاء الناس ؟! فهناك كلمات يقولها الناس ليس لها مضمون أبداً ، لكن المؤمن كلَّما فكَّر في خلق السماوات والأرض يزداد مضمون
 
 هذه الكلمة عنده .
 
        لو فرضنا أن لك قريبًا يعمل في حقل التعليم الجامعي ، تعرفه أنه أستاذ جامعة ، لكن لم تلتق معه ولا مرَّة ، ولا ناقشته ولا مرَّة ، فكلمة أستاذ جامعة لها عندك حجم ، أما لو جلست معه
 
 مرَّةً ، وسمعت من علمه الغزير ، يظهر حجم هذه الكلمة بشكل أوسع ، لو كنت طالباً عنده ، واستمعت إلى محاضراتٍ سنواتٍ عدَّة ، وكل محاضرة رأيتها أجمل من أختها ، وأعمق من أختها ،
 
 فحجم تقديرك لهذا الأستاذ يساوي حجم خبرتك معه .
 
      وكلما ازددت معرفة بالله اقشعر جلدك عند ذكره ووجل قلبك ، واضطرب خشوعًا ، وأتساءل : ما بال أناسٍ يسبُّون الدين أحياناً ؟ ويتهجَّمونعلى الذَّات الكاملة ، ولا تملك إلا أن
 
 تقول : هذا لا يفقه شيئاً في الدين ، فكلَّما فكَّر الإنسان في خلق السماوات والأرض ازداد حجم معرفته ، وكلَّما ازداد حجم معرفته ازداد حجم خشيته ، لهذا يقول لنا ربنا عزَّ وجل :
 
 
      
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
 
تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ
 
       فأحياناً يقول لك أحدهم : يا أخي نفِّذ هذا الأمر ، تقول : مِنْ مَنْ ؟ اهتمامك بالأمر ومبادرتك إلى تنفيذه ، وتعظيمك له بحسب الآمر ، إذا كنت جنديًا ، وأمرك عَرِّيف ، قد لا تعبأ به ،
 
 أما إذا رأيت أن قائد الجيش وقَّع على هذا الأمر تبادر إلى تنفيذه فوراً .
 
مدلولات النطق بكلمة ( الله )
       كل هذه الأمثلة ما أردت منها إلا شيئاً واحداً،كل واحد منَّا إذا ذكر كلمة( الله ) أثارت في نفسه مكنونات بحسب تفكُّره في خلق السماوات والأرض ، بحسب تأمُّله في آيات الله الدَّالة
 
 على عظمته ، بحسب خبراته في الاتصال به ، بحسب أذواقه في الإقبال عليه ، بحسب طموحه إلى مرضاته ، كل هذه الخبرات ، وتلك المعاني ، والتصورات ، والتأمُّلات ، والأذواق إنما تثيرها
 
 كلمة ( الله ) ، فـ ( الله ) تثير في الإنسان كل خبراته مع الله ، كل أشواقه ، كل ذكرياته الطيّبة .
 
       فالمؤمن عليه أن يُحْكِمُ الصلة مع الله ، لأن هذه الصلة إذا ضعُفَت أو انقطعت فلا شيء في الدنيا يرضيه ، لأنه ذاق طعم القُرب ، وما سوى هذا القُرب لا شيء يملأُ عينه أبداً ، مهما اغتنى
 
 ، وقد يغتني ، وقد يأكل أطيب الطعام ، وقد يجلس في أجمل الأماكن ، وقد يسكن في أجمل البيوت ، يقول لك : لا أنسى تلك الأيَّام الخوالي التي كانت صلتي بالله فيها محكمة ، إذاً اجهد في
 
 معرفة الله ، وفي التفكُّر في خلقه ، وفي الإقبال عليه ، وفي الاتصال به ، وفي مناجاته ، وفي خدمة خلقه ، وفي الالتزام بأمره ونهيه ، إلى درجة أنه إذا ذُكِرَ الله وَجِلَ قلبك ، واقشعرَّ جلدك ،
 
 وانهمرت دموعك ، هذا معنى :
 
] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[
(سورة الأنفال  : 2)
       لو قلت لك : حدِّثني عن ربِّك ، فماذا تقول ؟ الله خلق السماوات والأرض ؟ أكمل ! ما بالك سكت ؟ بينما ترى المؤمن الذي سلك طريق الإيمان ، وله مجلس علم ، وله اتصال بالله ،
 
 وله إقبال عليه ، وله حبُّه له ، وله شوقه إليه يحدِّثك ساعات وساعات ، يمضي الوقت فلا يشعر به لا المتكلِّم ولا السامع ، هذه خبرات ، الإنسان المؤمن الصادق شغله الشاغل الله عزَّ وجل ،
 
 لذلك قال :
 
] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ¯الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ¯وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ[ .
(3  سورة المؤمنون )
      قال علماء التفسير : " اللغو ما سوى الله  " ..
 
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
 
       حدَّثني أخ عن صديق له صلة بالله وثيقة ، أناب إلى ربه إنابةً رائعة ، حديثٍ دنيويٍّ تافه لا يلتفت إليه ، ولا يُصغي إليه ، ولا يدلي برأيه فيه أبداً ، أما إذا كان الحديث عن الله عزَّ وجل تألَّق
 
 وتكلَّم ، فالمؤمن هذه الحقيقة العُظمى تملأ نفسه ، وتحتلُّ أكبر مكانةٍ في قلبه بل تحتلُّ كل قلبه ، لذلك ورد في الأثر :
 
" أن يا عبدي ، طهَّرت منظر الخلق سنين أفلا طهَّرت منظري ساعة ؟ " .
 
       منظر الله عزَّ وجل هو القلب ، القلب منظر الرب  ..
 
(( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ـهذا طويل وهذا قصير ، هذا أبيض وهذا أسمر ، هذا وسيم الطلعة وهذا دميم ـ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) .
( صحيح مسلم عن أبي هريرة )
          الله جلَّ جلاله يحبُّ في العبد أن يكون قلبه ذاكراً ، ولسانه شاكراً ، وبدنه على البلاء صابراً ، يحبُّ في العبد أنه إذا صمت فكَّر في آيات الله ..
 
"أُمِرْتُ أن يكون صمتي فكراً ونطقي ذكراً ونظري عبرةً " .
 
       يحبُّ في العبد أن يُشْغَلَ بمعرفة الله ، أن يملأ الكون كل اهتمامه ، لأن الكون بابه إلى الله ، وأقول لكم دائماً ، وأعيد هذا الكلام كثيراً : إذا أردت أن تدخل من أوسع بابٍ إلى الله فدونك
 
 الكون،وإن أردت أن تقطع أقصر طريقٍ إلى الله فدونك الكون ، لأنك لا تعرف الله لا بعينك ولا بسمعك ، الله لا يُرى ، ولا يُسمع ، لكن لا تعرفه إلا بعقلك ، فكأنَّ الكون طريقٌ وحيدٌ
 
 لمعرفة الله عزَّ وجل ، وهذا المعنى ورد في هذه الآية :
      
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
 
الحَكِيمِ
 
       ( العزيز ) الغالي والعزيز النادر ، لكن علماء التوحيد قالوا : " العزيز هو الذي يحتاجه كلُ شيءٍ في كلِ شيء ، ويستحيل الإحاطة به والوصول إليه " ، ويمكن أن تصل إلى الله ، لكن
 
 مستحيل أن تحيط به ، باستقامتك وأعمالك الصالحة تصل إليه ، أما أن تحيط به علماً فهذا أمر مستحيل .
 
] وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ [ .
( سورة البقرة : آية " 255 " )
 
 
] وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا [ .
(85سورة الإسراء )
       إذاً يحتاجه كلُ شيءٍ في كلِ شيء ، وهو لا يحتاج شيئًا ، هو الصمد ، كل شيء بحاجته بينما وجود الله عزَّ وجل ذاتي  ..
       
﴿ الْحَكِيمِ ﴾
 
الحَكِيمِ
 
         ( الحكيم ) هو كل شيء تراه عينك ، لو لم يكن على ما هو عليه لكان هذا نقصاً في حكمة الله ، هذا الحكيم ، حكمته مطلقة ، لهذا القاعدة الدقيقة تقول : " كل شيءٍ وقع أراده الله
 
 ، وكل شيءٍ أراده الله وقع ، والذي أراده الله متعلِّقٌ بحكمته المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلِّقةٌ بالخير المطلق " ، " ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن " ، " وإرادته متعلقةٌ بالحكمة المطلقة ،
 
 والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق " .
 
       أما الإنسان فقد لا يكون حكيماً ، لماذا ؟ يرتكب الإنسان أعمالاً ليست حكيمةً لنقصٍ في علمه ، أو لضغطٍ عليه ، أو لوقوعه تحت تأثير إغراء شديد ، كل هذا الله جلَّ جلاله منزَّهٌ عنه ،
 
 لذلك حكمته مطلقة ، هذا الذي دفع بعض العارفين بالله على أن يقول : " ليس في الإمكان أبدع مما كان " .
 
       هذا الشعور وتلك العقيدة ، أو هذا التصور هذا الذي سبب طمأنينة المؤمن ، فهو لا يندم على شيء ، ولا يتمنَّى أن يكون في غير الذي أقامه الله فيه ، لأن حكمة الله مطلقة ، هو مولود
 
 في المكان الفلاني ، من الأب الفلاني ، من الأم الفلانيَّة ، بهذه الإمكانات ، بهذه القدرات ، بهذا المستوى الاقتصادي والمعاشي ، الله يسَّر له عمله ، يرى أن هذا كلُّه بحكمة الله عزَّ وجل ، من
 
 هنا قال عليه الصلاة والسلام :
 
(( عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، وَكَانَ خَيْرًا ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، وَكَانَ خَيْرًا )) .
(مسند أحمد : عن صهيب)
        حالة المؤمن حالة راقية جداً ، لأنه يرى حكمة الله ، لا يوجد شيء يزعج المؤمن ، لأن ما يزعج المؤمن هو الشرك ، الشرك أن تتعامل مع الأشياء ، وكأنَّها قِوى مستقلَّة عن الله عزَّ وجل
 
 ، شيء مخيف ، وإنسان أقوى منك ، وإنسان لا يحبُّك ، ويتمنَّى دمارك ، فإذا تعاملت مع الأشياء بهذه الطريقة .. بطريقة المشركين .. أنَّ هذه الأشياء المخيفة هي قِوى مستقلَّة عن الله عزَّ وجل
 
 فيجب أن تخاف ، ويجب أن ينخلع قلبك ، فالحياة كلها مخاوف ، أقربها إلينا مخاوف الأمراض الوبيلة ، الأمراض العُضالة ، فهناك أشخاص أقوياء ، وهناك مزالق كبيرة ، وألغام ، وحقول فيها
 
 ورطات ، لكن المؤمن إذا استقام على أمر الله ، وأقبل عليه ووحَّده ، علاقته مع جهة واحدة ، وهذه الجهة هي الله عزَّ وجل ، لهذا ورد في الأثر :
 
"اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها" .
 
(( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )) .
(رواه ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود)
 
اجعل لربِّك كل عز   .. زك يستقرُّ ويثبت
 
فإذا اعتززت بمن يمو   ت فإن عزَّك ميّتُ
 
*  *  *
       إخواننا الكرام .. لا يوجد شيء يسعدنا كالتوحيد ، والتوحيد هو الدين ، لا تعجبوا عندما ربنا يقول :
 
] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [ .
(25سورة الأنبياء )
       الآن ربنا عزَّ وجل يبيّن لك أن فحوى دعوة الأنبياء كلِّهمالتوحيد ، التوحيد نهاية العلم ، طاعتك لله عزَّ وجل نهاية العمل ، فإذا وحدَّته وعبدَّته فقد جمعت المجد من طرفيه ، الله عزَّ وجل
 
 ما خلقك إلا من أجل أن توحدّه ، وأن تعبده ، هذا هو ملخَّص الدين كلِّه ، أما التوحيد فكلمة نقولها جميعاً ، والبطولة لا في لفظها ، ولكن في فهم فحواها  تقول : ألف مليون دولار ، هذه
 
 كلمة ، وقد لا تملك منها واحدا ، أن تلفظ هذا الرقم شيء ، وأن تملكه شيءٌ آخر ، أن تقول : لا إله إلا الله بلسانك شيء ، وأن تكون موحِّداً شيٌ آخر ، الله جلَّ جلاله يقول :
 
] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ [.
( سورة محمد : آية " 19 " )
       فَاعْلَمْ أمرك أن تعلم ، لأنك إذا علمت لم تبق هناك مشكلة ..
 
] فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ¯إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[.
( سورة هود56  )
       التوحيد يحتاج إلى جهد كبير ، لكن والله الذي لا إله إلا هو لو وصلتم إلى معشاره لكنتم أسعد الناس ، التوحيد هوألاّ ترى مع الله أحداً ، لا حقد ، ولا بغضاء ، ترى اليوم أكثر
 
 الأمراض أسبابها شدَّة نفسيَّة ، والشدَّة النفسيَّة شعور بالقهر أحياناً ، يقول بعض الشعراء :
 
يا أعدل الناس ! إلا في معاملتي                  فيك الخصام وأنت الخَصْمُ والحكمُ
*   *   *
 
       أحياناً يكون الشخص قويًّا ، وهو لا يحبُّك ، وبحسب الظاهر مصيرك بيده ، هذا الشعور وحده يدمِّر الصحَّة النفسية ، أما بالتوحيد فلا ، لأنه :
 
] مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ .
( سورة هود56 )
       فهذا الكلام كلام الله  ..
      
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾
 
العَزِيزِ
 
       العزيز هو القوي ، الغني ، هو المُعطي ، المانع ، هو الرافع،  الخافض ، هو المعز ، المذل ، إن وجدت إنسانًا يضحك ببراءة أقول : هذه نعمة الله عليه ، الله قادر أن يُبَكِّي الإنسان ، يُبَكِّي
 
 الرجال ، يبكِّي الأبطال  ..
 
] وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى[.
( سورة النجم43 )
        إذا استيقظ الإنسان معافى في جسمه ، وعنده قوت يومه ، أولاده في أَسِرَّتهم ، زوجته في صحَّة جيّدة ، لا توجد عنده مشكلة ، ولا فضيحة ، يضحك ، تجده مرحًا ولطيفًا ، وجوده
 
 مؤنس ، أما لو ساق الله عزَّ وجل  له مشكلة تراه لا يضحك أبداً ، إذا تعطلت بعض أعضائه ، أو تعطَّلت بعض الأجهزة ، أين الضحك ؟ تختفي البسمة من على وجهه نهائيَّاً ..
 
] وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى[ .
 
     إذاً: ( عزيزٌ ) لا يوجد غيره ، و( حكيم ) كل شيءٍ ساقه لعباده محض رحمةٍ وفضلٍ وعلمٍ وعدالةٍ .. عزيزٌ حكيم ..
      
﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
 
 
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ
 
      السماوات ، هذه المجرَّات ، مليون مَليون مجرَّة ، في كل مجرَّة  مَليون مليون نجم ، أحياناً الإنسان في أيَّام الشتاء إذا كان في غرفة فيها أشعَّة الشمس ، وكنست الأرض ترى ذرَّات عالقة في
 
 الهواء ، هباب ، ليس لها حجم إطلاقاً ، وليس لها وزن ، الأرض لو قيست بما في الكون من مجرَّات وكواكب فهي كهذه الذرَّة  .
 
       المجموعة الشمسيَّة بأكملها نقطة على درب التبَّابنة ، ودرب التبابنة مجرة متوسطة ، إذا رسمنا درب التبابنة بشكل مغزلي نقطة على طرف هذا الدرب فهي المجموعة الشمسيَّة بأكملها .
 
     قبل عشر سنوات فيما أذكر أرسلوا مركبة فضائيَّة إلى المُشْتَري ، هذه المركبة كانت أسرع مركبة صنعها الإنسان ، تسير بسرعة أربعين ألف كيلو متر في الساعة ، الآن في الطيران هناك
 
 طائرة سرعتها أعلى من سرعة الصوت ، ثلاثمائة وثلاثين متر في الثانية ، أما الطيران التجاري العادي فسرعته تسعمئة أو ثمانمئة وخمسين كيلو متر في الساعة ، أما هذه المركبة فسرعتها أربعون
 
 ألف كيلو متر في الساعة ، بقيت هذه المركبة في طريقها إلى المشتري ست سنوات ، المركبة وصلت ، وأرسلت صورًا من هناك ، ست سنوات بسرعة أربعين ألف كيلو متر في الساعة حتى
 
 وصلت هذه المركبة إلى كوكب ليس بعيداً جداً في المجموعة الشمسيَّة .
 
       وكم من المجرات في السماء بعيدة لا تطال ؟ أحدث رقم قرأته في بعض المقالات أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئيَّة ، معنى ذلك أن هذه المجرَّة الآن صوَّرناها بطريق معقَّد جداً علمي
 
 عن طريق الطيف الضوئي ، هذه المجرَّة كانت في هذا المكان قبل أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئيَّة ، الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، الدقيقة ضرب ستين ، الساعة
 
 ضرب ستين ، اليوم ضرب أربع وعشرين ، السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، اكتب ثلاثمئة ألف ضرب ستين على الآلة الحاسبة .. ضرب ستين ، ضرب أربع وعشرين ، ضرب ثلاثمئة وخمسة
 
 وستين ، هذا ما يقطعه الضوء في السنة ، ضرب أربعة وعشرين ألف مليون ، هذه مجرَّة من المجرَّات كانت هنا قبل أربعة وعشرين ألف مليون سنة ، أين هي الآن ؟ والله لا ندري ، هذا هو
 
 الكون .
 
       هناك نجوم حجمها يزيد على حجم الشمس بملايين المرَّات ، شمسنا نجم متواضع جداً ، يوجد في برج العقرب نجم اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، بين الشمس
 
 والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس تكبُر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرَّة ، جوف الشمس يتسع لمليون و ثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر
 
 ، ونجم قلب العقرب يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، ألسنة اللهب التي صُوِّرت في أثناء الكسوف طولها مليون كيلو متر تخرج من قرص الشمس ، وبعض الألسنة نصف مليون ..
 
     
﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
 
      المذنَّب هالي كل اثنين وسبعين سنة يدور دورة ، في عام ألف وتسعمئة واثني عشر مرّ بالقرب من الأرض ، وقبل سنوات وصل للدورة نفسها ، هذه ساعة ( بيج بن ) وهي الساعة الأولى
 
 في العالم بدقَّتها ، وربما فقدت دقتها بمقدار ثانية أو ثانيتين في السنة كلها ، ويصححِونها بمرور نجم ، النجم أدق من ساعة ( بيج بن ) ، حركة الأنجم شيء لا يُصدَّق ، والحديث عنه يطول ،
 
 ويحتاج إلى صفحات وصفحات .
 
       ولكن بشكل مبسَّط الأرض تدور ، وفي دورانها الحياة ، إذا توقَّفت عن دورتها صار الوجه المُقابل للشمس حرارته ثلاثمئة وخمسون درجة ، عندها يموت كل شيء ، مئتان وسبعونتحت
 
 الصفر ، وحكمة الله جعلتها  تدور ، الله علَّمنا  ..
 
] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ[
(سورة القصص : آية "71 ")
       الله علَّمك كيف تفكِّر ، تصوَّر الشيء وخلاف ما هو عليه ، تصوَّر ليلاً أبديًا ، أو نهارا أبديًا ، تصوَّر الليل ساعة فقط ، والنهار ساعة ، تصوَّر دورة الأرض حول الشمس مئة سنة ، معنى
 
 هذا أن الربيع يدوم ربع قرن ، وربع قرن آخر للصيف ، هذا غير معقول ، تصوَّر الأرض صغيرة جداً ، يصير وزن الإنسان فيها كيلو ، ففي القمر روَّاد الفضاء وزنهم يتضاءل ممن كان على
 
 الأرض بستين كيلو ، يصبح في القمر وزنه عشرة كيلو ،  وزنك يتناسب مع حجم الكوكب ، فإذا حرَّك رائد الفضاء قدمه حركة بسيطة ارتفع عالياً في الهواء ، لأنه لا يوجد لديه وزن ، توجد
 
 أماكن بين الأرض والشمس لا يوجد فيها وزن إطلاقاً .. انعدام الوزن .
 
        إذا صلَّى أحدنا الصبح ، وأراد أن يفكِّر قليلاً فليفكِّر في الليل والنهار ..
 
] وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ [.
(سورة فصلت : آية " 37 ")
       كيف صار هذا النهار ؟ الأرض تدور ، ولو اختلف لأصبح الليل سرمديًا والنهار سرمديًا ، لو أنها دارت ومحورها عمودي على مستوى دورانها لانعدمت الفصول وألغيت ، فيكون مكان
 
 في الأرض صيف إلى أبد الآبدين ، ومكان آخر ربيع دائم ، ومكان ثالث شتاء دائم ، ومكان غيره خريف إلى الأبد ، أما تبدُّل الفصول فمن ميل محورها ، الشمس هنا ، وهنا أشعَّة عموديَّة ،
 
 هنا مائلة ، إذاً هنا صيف وهنا شتاء ، دارت الأرض صار هنا محورها عموديًّا ، وهنا مائلا ، تبدَّلت ، إذا ركب إنسان طائرة من أمريكة الشماليَّة إلى البرازيل يجد العجب العُجاب ، في الشمال
 
 خمسة أمتار ثلج ، وفي البرازيل الناس يسبحون على شاطئ البحر ، في الشامل شتاء ، وفي الجنوب صيف ، جنوب الكرة عكس شمالها ، فعندما يكون الطرف الآخر في الأرض ليلاً يكون عندنا
 
 نهار ، فإذا ركب الإنسان طائرة في الساعة السابعة ، ومشى باتجاه الغرب بسرعة الشمس يصل في السابعة هناك دون أي وقت زائد ، فهذه الآيات الكونيَّة دالَّة على عظمة الله ..
      
 
﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
 
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ
 
       طبعاً هذه أمثلة ، أما أنت فيجب أن تفكِّر ، ألم تلاحظ ذات مرة أن الشمس تُشرِق من مكان ، وفي الفصل الثاني من مكان آخر ؟! الله قال :
 
] فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ [.
(سورة المعارج : آية 40 )
       وقال :
 
] رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [.
( سورة الشعراء : آية " 28 " )
       وقال :
 
] رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [.
 ( سورة الرحمن17 )
       ورد المشرق جمعًا ومثنَّى ومفردًا ، إذا قال : مشرق أي جهة الشرق ، أما إذا قال : مشرقين أي المشرق الأدنى والأعلى ، فالذي له بيت مطل على الشرق أو على الغرب يلاحظ أن
 
 الشمس تغيب في الشتاء في مكان ، وفي الصيف في مكان ، والمسافة كبيرة جداً ، ويلاحظ الإنسان في الشتاء أن الشمس تدخل إلى أعماق الغرفة ، أما في الصيف فتكون عموديَّة ، تجد أنه قلَّما
 
 تدخل الشمس إلى الغرف في الصيف ، تدخل مترًا فقط ، معنى هذا أن أشعة الشتاء مائلة ، أما في الصيف فهي عموديَّة ، هذه أشياء تلفت النظر .
 
       فهل يا ترى فكَّرنا في الشمس ؟ هذه الشمس من خمسة آلاف مليون سنة متقدة ، ولن تنطفئ قبل خمسة آلاف مليون سنة ، فليس لدينا الآن مشكلة ، ولكن هذا الاتقاد من أين جاء ؟
 
 هل عندك شيء يشتعل من غير وقود ؟ عندك مدفأة من دون مستودع وقود ؟ عندك مركبة تمشي من غير بنزين ؟ هذه طاقة ، من أين هذه الطاقة لهذه الشمس ؟ وبعد مئة وستة وخمسين مليون
 
 كيلو متر الشمس بعدسةٍ تُحرِق الورق ، يقول لك : أشعَّة محرقة ، يحترق جلد أحدنا إذا سبح في الصيف ، لأن هذه الأشعَّة محرقة ، فما هذه الشمس ؟ الله قال :
 
] وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ[.
( سورة فصلت : آية " 37 " )
       القمر موضوع ، الشمس موضوع ، الليل موضوع ، النهار موضوع ، الفصول موضوع ، أبراج السماء موضوع ، أقسم الله جل جلاله فقال :
 
] وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [.
(سورة البروج  1 )
       المذنَّبات موضوع ، الكازارات موضوع ، الآن توجد الثقوب السوداء مقبرة النجوم ، لو أن الأرض دخلت إلى ثقبٍ أسود في الفضاء الكوني لأصبح حجمها كحجم البيضة ، ولها الوزن
 
 نفسه ، فهذه الآيات يجبأن نتأمَّل فيها ، يجب أن نفكِّر فيها ، يجب أن تكون طريقنا إلى الله عزَّ وجل  .
 
       هذا الموضوع الأول  :
       
﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ¯وَفِي خَلْقِكُمْ ﴾
 
 
وَفِي خَلْقِكُمْ
 
خَلق الإنسان ، إذاً أكبر موضوع في التفكُّر هو خلق السماوات والأرض  .
       الآن مرحلة ثانية ، قال :
 
      
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ ﴾
 
آيات الله في بديع مخلوقات
     إنسان وزنه خمسة وثمانون كيلوًا ، ولكن ما هو أصله ؟
 
] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ[.
( سورة القصص : آية " 71 ")
       إن سنتيمترًا مكعَّبًا من الحوينات فيها خمسمئة مليون حُوين ؟ والإنسان من حوين واحد ، والحوين جسم له عنق ، وله ذيل ، وله رأس مدبَّب فيه غشاء تحته مادَّة نبيلة ، وأقوى حوين يصل
 
 إلى البويضة ، إذا لامس البويضة تمزَّق الغشاء ، والمادَّة النبيلة أذابت جدار البويضة ودخلتها  ، وصار داخل البويضة لقاح ، وفي الطريق البويضة الملقَّحة من المبيض إلى الرحم تنقسم عشرة آلاف
 
 قسم ، وفي الرحم تُغْرَس فيتشكَّل الجنين ، تصير الجمجمة ، والدماغ ، العمود الفقري ، العظام ، العضلات ..
 
] ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [ .
(سورة المؤمنون : آية " 14 " )
       طفل له عيون ، يبكي ، له صوت ، يتنفَّس ، فيه أنف ، فيه قصبة متصلة بالرئتين ، فيه قلب مشطور إلى أذينين وبطين ، أوردة ، شرايين ، عضلات ، كلى ، معدة ، أمعاء ، بنكرياس ،
 
 كبد ، غدَّة درقيَّة ، غدَّة نخاميَّة ، غدد الكظرين ، الحوض ، العضلات ، الجلد ، اقرأ عن الإنسان تجد أنه حوين لا يُرى بالعين ، لقَّح بويضة لا تُرى بالعين ، غُرِس بجدار الرحم ، تشكَّل العمود
 
 الفقري ، من أين جاء العظم ؟ العظم مادَّة قاسية ، فمن أين جاءت ؟ ترسَّبت المواد الكلسيَّة ، وشكَّلت جهازًا عظميًا ، وهو قِوام الإنسان ، هيكل ، قفص صدري ، عمود فقري ، العين فيها
 
 مئة وثلاثين مليون عُصيَّة ، العصب البصري فيه تسعمئة ألف عصب ، لكل عصب ثلاثة أغمدة ، وثلاثمئة ألف شعرة ، لكل شعرة شريان ووريد ، وغدَّة دهنيَّة وغدَّة صبغيَّة ، وعضلة وعصب
 
 لكل شَعرة .
 
    كم في اللسان من خليَّة ذوقيَّة ؟ و لا يزال عملُ الأذن عجيبًا ، السمع ، البصر ، الحركة ، كيف يتحرَّك الإنسان ؟
 
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ ﴾
 
 
] وَفِي أَنفُسِكُمْ [.
( سورة الذاريات : آية " 21 " )
       فلو فكَّر الإنسان في خلقة لا ينتهي في مئة سنة ، وكلَّما فكَّر يزداد تعظيمًا لله عزَّ وجل ..
       
﴿ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ ﴾
 
        البعوضة لها جهاز رادار ، وجهاز تحليل دم ، وجهاز تمييع دم ، وجهاز تخدير ، وجناحاها يرفَّان أربعة آلاف رفَّة في الثانية ، ولها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، ولها محاجم، ولها مخالب ..
 
]إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [ .
( سورة البقرة : آية " 26 " )
       الذبابة : إن أعظم طائرة عسكريَّة صنعها الإنسان لا ترقى إلى واحد بالمئة من مناورة الذبابة وحركتها ، هل توجد طائرة تطير بأقصى سرعة ، وخلال ثانية تأخذ زاوية قائمة ؟ غير ممكن ،
 
 هل توجد طائرة تحط على مطار في السقف ؟ الذبابة تقف على السقف ، حركة الذبابة يعجز عن تقليدها أكبر طائرة عسكريَّة ، وكذلك شأن النمل .
 
       اقرؤوا عن النحل تجدوا أنه شيءٌ لا يُصدَّق ، كيلو العسل محصلة طيران أربعمئةألف كيلو متر ، اقرؤوا عن خليَّة النحل ، عن عادات النحل الاجتماعيَّة ، النظام الاجتماعي ، فيه ملكة ،
 
 فيه ذكور ، فيه إناث ، وفيه عاملات ، وفيه حُرَّاس ، وفيه كلمة سر ، هل يستطيع عاملان يعملان لبلاط غرفة ، أحدهما يبدأ من الجدار الأيمن ، والثاني من الأيسر أن يلتقيا على بلاطة نظاميَّة
 
 ؟! النحل يبدأ من كل الجهات فيشكِّل شكلاً هندسيًا نظاميًا ، وشمع النحل أيضاً شيء مذهل .
 
     اقرؤوا عن النمل ، اقرؤوا عن النحل ، اقرؤوا عن الحشرات ، اقرؤوا عن بعض الحيوانات ، قال الله تعالى :
 
] وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ [.
( سورة يس : آية " 72 " )
       هذه البقرة إذا توحِّشت فإنها تقتل الإنسان ، مرض يصيب البقر اسمه التوحُّش ، مرة بقرة توحَّشت فقتلت أول شخص والثاني الله ، وعطبت الثالث ، فقتلها ، قال الله سبحانه :
 
] وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ [.
       لو أن الله لم يذللها ، لو ركَّب الله أخلاق الضبع في الخروف فكيف يمكن أن تذبحه ؟ يضرب مثلا فيقال : فلان مثل الغنمة ، من ذلّله لنا ؟ الله عزَّ وجل ، اقرأ الآيات ، هذا الحليب الذي
 
 تشربه ، كيلو الحليب محصلة جَولان أربعمئة لتر دم في ثدي البقرة ، ثدي البقرة غدَّة كالقبَّة ، هنا توجد شبكة أوعية دقيقة جداً ، وهذه الخلية الثديية حتى الآن لا أحد يعرف كيف تعمل ،
 
 تختار من الدم ما يعجبها ، وترشح نقطة حليب منها ، فهذا ثدي البقرة ألا يتمزَّق وهي تحمل أربعين كيلوًا ؟ لأن البقرة تحلب أربعين كيلوًا ، لكن في وسط الثدي جدر عرضيَّة طوليَّة لكي
 
 تمسك الوزن ، هذا تصميم من ؟ البقرة معمل ، تصميم من ؟ الغنمة معمل ، الدجاجة معمل ، بيضة فيها كل شيء هذا والدليل تصير فرخًا صغيرًا ، البيض فيه غذاء عظيم ؟ فيه كالسيوم ، فيه
 
 بروتينات ، فيه فيتامينات ، فيه دهون ، كل شيء فيه ، الله قال :
      
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ ﴾
 
      الدجاجة موضوع ، البقرة موضوع ، الغنمة موضوع ، الحشرات موضوع ، الحوت ، الحوت وزنه مئة وخمسون طنًّا ، رضعته الواحدة إذا أراد أن يُرضِع وليده ثلاثمئة كيلو ، وجبته المعتدلة
 
 أربعة أطنان .. فكيف لو كان جائعاً ؟!! لقد جرّ ذات مرَّة سفينة لمدة ثمانٍ وأربعين ساعة في عكس اتجاهها هذا والمحركات تعمل بأقصى طاقاتها ، خلق الحوت ، وخلق الفيروسات ، الفيروسات
 
 لا تُرى بالمجهر ، فيروس الإيدز حيَّر العالَم كلَّه ، أهلك البشريَّة ، ما هو قوي أبداً ، لا يُرى بالعين ولا بالمجهر ، فالآيات تبدأ من فيروس الإيدز إلى الحوت ..
        
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ¯وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
 
أمامكم فُرَص ، هذا الكون بين أيديكم ، سخَّره الله لكم بنص القرآن الكريم :
 
] وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [.
( سورة الجاثية : آية " 13 " )
       كل شيء مسخَّر لك ، النبات موضوع للتفكُّر ، الحيوان موضوع للتفكُّر ، خلْقك موضوع للتفكُّر ، خلق الحيوانات التي حولك موضوع للتفكر ، فمن الممكن لإنسان أن يتعرَّف إلى الله
 
 بشكل واسع جداً من خلال الكون .
 
     مرَّة أخيرة : الكون أقصر طريقٍ إلى الله ، وأوسع بابٍ تدخل منه على الله ، وربنا عزَّ وجل يقول :
      
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾
 
        لا يوجد طريق ، الطريق الوحيد إلى الله هو الكون ، فكِّر ، لأنك كلَّما فكَّرت ترى الله عظيماً ، وكلَّما استعظمت الله عزَّ وجل تستقيم على أمره ، وإذا استقمت سلِمْت ، وإن عملت
 
 الصالحات سعدت بالله عزَّ وجل ، لأن الاستقامة سلامة ، والعمل الصالح سعادة أساسها معرفة الله :
 
وفي كل شيءٍ له آيةٌ    .. تدلُّ على أنه واحد
 
       كل ما في الكون ينطق بوجود الله ، ينطق بعلم الله ، ينطق بحكمة الله ، ينطق برحمة الله ، ينطق بعدالة الله ، ما عليك إلا أن تفكِّر ، هذا الفكر حرام أن تعمِله فيما لم يُخْلَق له ، مهمَّته الأولى
 
 أن يعمل في خلق السماوات والأرض ، النبي الكريم استيقظ في الليل ، وتوضَّأ ، وقرأ قوله تعالى :
 
] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ¯الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا
 
 سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [
 
ثم قال : (( الويل ـ أي الهلاك ـ لمن لم يفكِّر في هذه الآية )) .
(ال عمران 190)
[ ابن حبان عن عائشة ]
        فإذا فكَّر الإنسان في طعامه الله عزَّ وجل قال :
 
] فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ¯خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ [.
( سورة الطارق5-6 )
       هذا الذي يقف أمامك ووزنه مئة كيلو أساسه حوين من خمسمئة مليون حوين ، صار إنسانا يتحمل ، عنق الفخذ عنده مئتان وخمسون كيلوًا من الضغط ، ميناء أسنانه أقسى مادَّة في
 
 الأرض بعد الماس ، هذه من أين أصلها ؟ من حوين منوي ، من أين جاءت هذه القساوة وهذه المتانة في العِظام ؟
 
     الدماغ فيه مئة وأربعون مليار خليَّة لم تُعْرَف وظيفتها بعد في ، والله إن هذا شيء مذهل .
 
       الأطبَّاء أمامهم فرصة ، عندهم معلومات أوليَّة حول خلق الإنسان شيء لا يُقدَّر بثمن ، فالإنسان يفكِّر ، يفكِّر في طعامه ، في شرابه ، في خلقه ، في سمعه ، في بصره  ..
 
 
] أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ¯وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ¯وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [.
( سورة البلد )
       النجدان هما الثديان ، كما قال ابن عبَّاس ، هذا الحليب معقَّم ، وفيه مناعة ، دافئ في الشتاء ، وبارد في الصيف ، متدرِّج في تعييره ، شيء يعجز عن صنعه الإنسان ، والآن شركات
 
 الحليب الصناعي ، أو حليبالقوارير مكلَّفة أن تكتب على علبها : " لا شيء يعادل حليب الأم " .
 
       فنحن أمام آيات كثيرة جداً ، لو أخذت آيَة آية ، ودرستها بهدوء يقشعر جلدك ، هذا الطريق إلى الله ، استقامتك بقدر خشيتك ، وخشيتك بقدر معرفتك بالله ، ومعرفتك بالله بقدر
 
 تفكُّرك بآياته .
 
    مرَّة ثانية الآيات :
 
 
﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ¯إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ¯وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ¯وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ
 
 رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ¯تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾
 
 
والحمد لله رب العالمين

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب