سورة الجاثية 045 - الدرس (3): تفسير الأيات (12 – 13)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الجاثية 045 - الدرس (3): تفسير الأيات (12 – 13)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الجاثية

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الجاثية ـ (الآية: 12 - 13)

01/05/2013 18:35:00

سورةالجاثية (045)
الدرس (3)
تفسير الآيتان: (12 – 13)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
      الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 
       أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثالث من سورة الجاثية ، ومع الآية الثانية عشر وهي قوله تعالى :
       
    ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
 
وظيفة الكون
 
     حقيقةٌ ثابتة دائما ، أنَّ الكون بسماواته وأرضه ، بكل ما فيه من شيءٍ ظاهرٍ أو باطنٍ ، كبيرٍ أو صغير ، الكون له وظيفتان كبيرتان :
 
       الوظيفة الأولى : أن يكون الكون وسيلةً لمعرفة الله .
 
       الوظيفة الثانية  :أن تنتفع به في الدنيا  .
 
       هذا الكلام أساسه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم حينما رأى هلالاً فقال :
 
(( هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ )) .
(سنن أبي داود عن قتادة)
          يرشدني إلى ربي ، وينفعني في دنياي .
 
       إن الكفَّار ما استفادوا من الكون إلا بالوظيفة الثانية ، انتفعوا بما في الأرض إلى أقصى درجة ، سَخَّروا المواد ، المعادن ، المناجم ، البحار ، الفضاء استغلُّوا ثروات الطبيعة إلى أقصى درجة ، ولكنهم ما انتقلوا من الكون إلى خالق الكون ، لكن الله سبحانه وتعالى أراد من خلق السماوات والأرض أن يكون الكون مظهراً لأسماء الله الحُسنى ، أن تتعرَّف إلى الله من خلال الكون ، فلذلك تأتي الآيات في القرآن الكريم تلو الآيات تُنْبِئ عن عظمة هذه الكون ..
      
 
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ﴾
 
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ
 
      البحر يشكِّل أربعة أخماس اليابسة ، أوروبة ، وأمريكة ، وآسية ، وإفريقية ، وأقيانوسية هذه القارَّات الخمس ، وقارَّة سادسة هي القطب الشمالي والجنوبي ، هذه القارَّات السِت لا تزيد على خمس سطح الأرض ، بينما أربعة أخماس الأرض بحر ، هذا البحر أكبر آيةٍ تدلُّ على الله ، وقد أحصى العلماء في البحر ما يزيد
 
 على مليون نوع من الأسماك ، والمُطَّلعون على أشكال هذه الأسماك ، وأحجامها ، وألوانها ، وخصائصها يأخذهم العجب الشديد ، فأسماك عملاقة كالحيتان ، تزن مئة وخمسين طنًّا ، وأسماك تعيش في قعر المحيطات لها أرجل تمشي بها ، وأسماك سلاحها ومضة كهربائيَّة تقتل بها مَن أمامها ، و تبلغ مضتها ستمئة فولط ، وأسماك عندها مصابيح كهربائيَّة تتألَّق فترى طريقها ، وأسماك تُطلِق سحابة دُخَّانيَّة تعمّي عن مكانها ، وأسماك كالكرات ، وأسماك متطاولة ، وأسماك كالحيتان ، وأسماك كالقنفذ ، وأسماك كالخنازير ، فعدد أنواع الأسماك لا يُعدُّ ولا يحصى ، وما تراه في مصوَّرات أو في كتب شيء لا يكاد يُصدَّق .
 
       هذا البحر يوجد في قاعه جبال ، وما الجزر إلا رؤوس الجبال ، هناك وديان ، وتضاريس ، وقد وضعوا خرائط لتضاريس البحار تحت سطح الماء ، هناك وديان في البحار ، أعمقها وادي مريانة في المحيط الهادي،هذا البحر المالح من أين جاءت ملوحته ؟ ولماذا كان مالحاً ؟ وما الحكمة في أنَّه مالح ؟ هذا البحر الذي يحوي من الأسماك ما لا عدَّ له ولا إحصاء ، لماذا في المنطقة القطبيّة يتجمَّد سطحه الأعلى فقط ، والأسماك تعيش في بطن البحر في بحبوحةٍ ويُسرٍ وسلام ؟ لماذا لا يتجمَّد الماء كلُّه من أعلاه إلى أسفله ؟
 
        خاصَّة الماء هذه لولاها لما رأيتم على وجه الأرض كائناً حيَّاً ، فإذا بردَّته فشأنه كشأن أي عنصر يتقلَّص ، وإذا سخَّنته يتمدَّد ، إلا في الدرجة زائد أربع فتنعكس الآية ، فإذا بردَّته يتمدَّد ، وإذا تمدَّدكثافته قلَّت ، فطفا على سطح الماء ، لذلك لو ذهبت إلى المحيط المتجمِّد الشمالي التجمد فقط في طبقة سطحيَّة ، لأنه كلَّما تجمَّد الماء طفا على السطح ، وبقيت أعماق المياه دافئةً كجوٍ مناسبٍ للأسماك ، لو أن مياه البحار شأنها كأي شأن عنصر آخر من عناصر الأرض إذا برَّدناها تقلَّصت فزادت كثافتها ، فغاصت في أعماق البحار ، وبعد حينٍ من الزمن ، لا أدري كم هو ؟ تصبح البحار كلها متجمِّدة ، وينعدم التبخُّر ، وتنعدم الأمطار ، ويموت النبات ، ويموت الحيوان ، ويموت الإنسان ، هذه حقيقة .
 
        الماء له خصائص ، من خصائصه أنه يدفع السطح المنغمس فيه إلى الأعلى ، ولولا هذه الخاصَّة لما أمكن أن نستفيد من البحار إطلاقاً ، لولا هذه الخاصَّة لكان البحر همزة فصلٍ ، وليس همزة وصلٍ ، إنشاء طريق يكلِّف أُلوف الملايين ، أما البحار فكلها طُرُق مجَّانية لكل الشعوب والأمم ، فالبحر همزة وصل تمخر فيه البواخر كالجبال ، كالأعلام ، بعض البواخر الآن حمولتها تزيد على مليون طن ، المليون ألف أَلف ، والطن ألف كيلو ، أي طريقٍ يستوعب هذه المركبة ، أو هذه السفينة ؟ لولا أن الماء يدفع الأجسام المنغمسة فيه إلى الأعلى ، هذا هو قانون أرخميدس .
 
       الحقيقة أن الآية فيها نقطة دقيقة جداً ، هذه النقطة هي مركز ثِقَلها :
      
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ ﴾
 
 
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ
 
       أولاً : الله عزَّ وجل خلق الخشب ، وأعطاه خصائص ، فالخشب يطفو على سطح الماء ، خلق الماء ، وأعطاه خصائص ، وخلق الإنسان ، وأعطاه عقلاً يكشف هذه الخصائص ، فكلمة التسخير تعني أنه لولا أن الله جعل البحر بهذه الخصائص ، لولاأنه حرَّك الرياح قديماً ، ولولا أنه أودع في بطن الأرض هذه الطاقة السائلة حديثاً لما أمكن التحرُّك على سطح الماء ، فالتحرُّك كان من قبل بفعل الرياح ، لأن الرياح تسيِّر السفن عن طريق الأشرعَّة ، وحديثاً هذه المادَّة التي أشار القرآن إليها :
 
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ.
(سورة يس80)
       إحدى نظريَّات البترول أن في عصور الأمطار الغزيرة ، وعصور النباتات العملاقة هذه كلها دُفِنَت تحت سطح الأرض ، وأصبحت بترولاً .
 
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ .
 
       لذلك عندما قال ربنا عزَّ وجل  :
 
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً.
(سورة النحل : آية " 8 ")
       أحياناً يستخدم الإنسان هذه لا لينتقل بها من مكانٍ إلى مكان ، بل ليزهوبه أمام أترابه ..
 
وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ
 
       لولا هذه الكلمة في هذه الآية لما كان هذا الكتاب كلام الله ، النبي عليه الصلاة والسلام في عصره ما كان يُعْرَفُ إلا الخيل ، والبغال ، والحمير ، هذه الوسائل الحيوانيّة في التنقُّل ، أما الطائرات ، والمركبات ، والصواريخ ، والسيارات ، والقطارات فهذه لم تكن معروفة ، لكن الله يعلم ما سيكون ، فقال :
 
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ.
 
       والعلماء استنبطوا من قوله تعالى :
 
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ.
 
أن الفكرة من عند الله ، وأن المواد الأوليّة من الأرض ، وأن الطاقة التي تتحرَّك بها من خلق الله عزَّ وجل ، فعُزِيَ خلق هذه المركبة إن كانت طائرة ، أو مبحرة ، أو على اليابسة تسير عُزِيَت إلى الله عزَّ وجل .
 
        هذا الكون لولا أن له قوانين ثابتة ، ولولا أن الله أودع في الإنسان عقلاً فيه مبادئ تتوافق مع هذه القوانين ، ولولا أنه أعطى كل شيءٍ في الأرض خاصَّةً ، وهدى الإنسان إلى اكتشافها ، ولولا أن الله ثَبَّتَ الخواص لما أمكن أن نستفيد من هذا الكون ، ولما كان لهذه الآية من معنى .
 
      معنى ( سخَّر ) أي جعل الماء يدفع الأجسام نحو الأعلى ، وجعل الرياح تسير بسرعات معيَّنة ، وبعض المواد تطفو على سطح الماء ، وأعطى الإنسان عقلاً كشف هذه الخصائص ، وصنع من كل هذه الخصائص مركبةً ، أو سفينةً تمخر عُباب البحر ..
       
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ﴾
 
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ
 
       إنه الله ، فهل عرفتموه ؟ هل عرفتم هذا البحر الذي تقف على شاطئه ، وتنعم برؤية منظره الجميل ، والذي يُقِلُّكَ من مكانٍ إلى مكان ، والذي تأكل منه السمك الطري ، والذي تستخرج منه حليةً لنسائك يتزيَّن بها من أجلك ، هذا البحر هل عرفت أنه مسخَّرٌ لك ؟
 
       الأشياء لها خصائص ، ولولا أن هذه الخصائص ثابتة لما استفدنا منها ، الحديد له خاصَّة ، الفولاذ له خاصَّة ، النحاس له خاصَّة ، القصدير لهخاصَّة ، الرصاص له خاصَّة ، الخشب له خاصَّة ، والخشب أنواع تزيد على مئة نوع ، ولكل نوعٍ خاصَّة ، والعقل اهتدى لهذه الخواصّ ، العقل البشري مع ثبات الخصائص هو الذي جعل الإنسان يستفيد من هذا الكون  .
 
       البقرة مسخَّرة .. مثلاً .. لولا أنها تنقاد لما أمكن الإنسان أن يستفيد منها ، الغنمة مذلَّلة ومسخَّرة ، وهناك حيوان بحجمها غير مذلَّل ، كالضبع ، العقرب غير مذلَّل ، إذا رأى الإنسان عقرباً قفز من مكانه ، وصرخ بأعلى صوته ، بينما يقود جملاً وزنه عشرة أضعاف وزن الإنسان ، وهو مطمئن ، هذا التذليل من فضل الله ونعمته ، وليس من جهد الإنسان وعقله ، الله جلَّ جلاله جعلها مذلَّلة .
 
       إذاً : ينبغي أن نعلم أن الكون كله مسخَّرٌ لهذا الإنسان تسخير تعريفٍ وتكريم ، إنسان أهداك هديَّة ثمينة جداً ، ألا ينبغي أن تشعر تجاه الذي قدَّمه لك بشعورين اثنين ؟ الشعور الأول شعور الامتنان ، والشعورالثاني شعور التقدير ، شعور امتنان لأنه قدَّم لك هديَّةً من دون ثمن ، وشعور التقدير لهذا العلم العالي الذي ينطوي عليه هذا الجهاز ، لذلك ربنا عزَّ وجل سخَّر لنا هذا الكون تسخيرين ؛ تسخير تعريفٍ لأسمائه الحُسنى ، وتسخير تكريمٍ لنا ، لذلك قال تعالى :
 
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
(سورة الرحمن87)
       الله عظيم ، والله كريم ، والإكرام من آثاره الحب ، والعظمة والجلال من أثارها الإعجاب والتقدير ، فربنا عزَّ وجل في أكثر من آية وردت يقول :
 
﴿ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
(الرحمن27)
       بقدر ما هو عظيم بقدر ما هو مُكْرِم ، بقدر ما ينبغي أن تعظِّمه بالقدر الذي ينبغي أن تحبه ..
 
﴿ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.
(الرحمن27)
        الآية قطعيَّة الدلالة ، واضحة ، وبنصها جعل الكون مسخَّرًا لهذا الإنسان ، بسماواته وأرضه ، بشمسه وقمره ، بليله ونهاره ، بفصوله ، بالهواء الذي نستنشقه ، الهواء الذي له نسبٌ ثابتة ، ولولا أن النبات يأخذ من الهواء غاز الفحم ويطرح الأكسجين ، ولولا أن الإنسان يأخذ الأكسجين ، ويطرح غاز الفحم لما ثبتت هذه النسبة في الهواء ، الهواء ذو نسبٍ ثابتة ، الطعام الذي تأكله ، النبات الذي تتمتَّع بمنظره ، التضاريس التي تألفُها ، الجبال لها مناخ خاصّ ، والسهل له مناخ خاص ، والساحل له مناخ خاص ، والوديان لها مناخ خاص ، والأغوار لها مناخ خاص ، والصحراء لها مناخ خاص ، ومن تفاوت هذه المناطق المناخيَّة يتحرَّك الهواء .
 
        ما فائدة الصحراء ؟ لولا أن الصحراء كمنطقة حارَّة تسخِّن الهواء ، فيتمدَّد ، فيتخلخل الضغط لما أتى الهواء البارد من منطقةٍ أخرى ذات ضغطٍ مرتفع ، فالضغط المنخفض يكون الهواء فيه مخلخلا ، المنطقة حارَّة ، والضغط المرتفع المنطقة فيه باردة ، والهواء كثيف ، فإذا كان هناك تفاوت في الضغطين تحرَّك الهواء ذو الضغط الأعلى إلى المكان الذي فيه هواء لضغطٍ أقلّ ، لولا أن هناك صحارى حارَّة ومناطق باردة لما تحرَّك الهواء على سطح الأرض ، هذه تسخير الرياح ، هذه حكمة الهواء ، إذاً الصحراء لها وظيفة ، في أكثر النشرات الإخباريَّة يقال لك : يوجد منخفض متمركز فوق قبرص ، حتى الجُزُر لها آثار كبيرة جداً في مناخ القارَّة ، الجزر تستقطب أحياناً المنخفضات الجويَّة ، وتحرِّكها حيث تتجه نحو المناطق الداخليَّة في الأرض ، هذا علم قائم بذاته ، علم المُناخ .
 
        هذا الكون مَعْرِض لعظَمة الله ، كيف أن الشركات أحياناً تشترك في معرض ، ولله المثل الأعلى ، تبرز بضاعتها الجميلة معروضة عرضًا رائعًا ، الكون كلُّه معرِضٌ لأسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى ، فإذا أردت أن تعرفه فلا سبيل لك إلا الكون ، من خلال الكون تتعرَّف إلى الله عزَّ وجل ، لهذا قال الله عزَّ وجل :
 
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ.
 
(سورة الجاثية )
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ
 
       لا يوجد حديث آخر ، لأن الحواس الخمس لا يمكن أن ترى الله ، قال تعالى :
 
﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ .
( سورة الأنعام : آية " 103 ")
       لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
 
(( تفكَّروا في مخلوقات الله ولا تفكَّروا في ذاته فتهلكوا )) .
[الجامع الصغير عن ابن عباس بسند حسن]
       السبيل الوحيد لمعرفة الله أن تتأمَّل فيما حولك ، كل شيءٍ صغر أم كبر ، بَعُدَ أم قرب ينطق بعظمة الله ، وما عليك إلا أن تتأمَّل ..
      
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ﴾
 
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحْرَ
 
       توجد أسماك في البحار كالأزهار تماماً ، كأنها إناء فيه أزهار ، فإذا مرَّت سمكةٌ لامستها أغصان هذه الأزهار ، فخدِّرت ، وسقطت ، وابتلعتها .توجد أسماك في البحار كالطبيبات ، يصطفُّ أمامها السمك في نَسَقٍ طويل ، وتعيش هذه الأسماك على القروح التي تتوضَّع على جلد الأسماك ، فتنظِّفها ، وكأن هناك عرفاً في البحار أن هذه الأسماك التي تعمل كطبيبات لا أحد يلتهمها ، إنها في حصن ، وقد قرأت بحثاً مطوَّلاً حول هذا الموضوع ، ورأيت بأمِّ عيني الصورة الملوَّنة كيف أنَّ نسقاً طويلاً من الأسماك ينتظر كل منها دوره في المعالجة ، فهذا السمك فيه آيات عظيمة جداً ، وهو مسخَّر لنا ؟
 
       قال لي صيَّاد : إنه يصنع مكعَّب من الحديد الشبك ، وله فتحة كالعنق ، السمكة تدخل فإذادخلت لا تستطيع أن تخرج أبداً ، فالسمك لا يستطيع أن يخرج من مكان صغير ، لولا هذه الخاصَّة لما أمكننا أن نأكل السمك ، كل الشباك أساسها الدخول من مكان واسع ، والسمكة ليس بإمكانها أن ترجع نحو الوراء ، لا يوجد رجوع ، ولا تستطيع أن تدخل إلا من مكانٍ واسع ، فإذا ضاق عليها المكان ليس عندها قوَّة تسديد ، لكن الخفَّاش مثلاً لو وضعته في غرفة ، وقسمت الغرفة بحاجزٍ إلى قسمين ، وفتحت في هذا الحاجز ثقباً لا يزيد قطره على حجم الخفَّاش ، يقطع الخفَّاش من قسمٍ إلى قسم مئة مرَّة دون أن يلامس جناحه جدار هذا الثقب ، الخفَّاش بإمكانه الخروج من مكان ضيِّق ، أما السمك فليس بإمكانه ، لذلك بهذه الطريقة يُصاد السمك ، عن طريق الشباك ذات الجهة الواحدة  .
 
       والسمك عنده جهاز هو سطح مُقَعَّر يوجد في أسفله حبَّات رمل ، وفي قعره أعصاب حسَّاسة ، فما دامت الحبَّات في مكانها فالسمك نحو الأعلى ، فإذا قلب جسمه تحرَّكت الرمال بفعل الجاذبيّة ، فعرفت السمكة أنها في اتجاه القعر لا في الاتجاه الأعلى ، ثم إن فيها خطًّا ، وهو خط ضغط في القسم الأول من سطحها الخارجي ، هذا الخط أنبوب مفرَّغ من الهواء ، فبحسب ضغط الماء على هذا الخط تعرف السمكة أين هي من سطح الماء دائماً ، وقد ورد في الحديث الشريف :
 
(( أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ : الْحُوتُ وَالْجَرَادُ  )) .
(سنن ابن ماجة عن ابن عمر)
       ولكن السمك لا يُذْبَح ، والذبح فيه تذكية للحيوان .
 
      كلكم يعلم أن الدم محرَّم أكله ، وأن النبي صلى الله عليه وسلَّم حينما أمر بذبح الأوداج دون قطع الرقبة هذا الأمر النبوي لا يعرف أحدٌ زمن الرسول حكمته ، لأن معطيات العلم وقتها لا تسمح أبداً بتفسير هذا الأمر النبوي ، الآن عرفنا أن القلب ينبض ثمانين نبضة بأمرٍ من القلب ذاته ، بمركز كهربائي أول وثانٍ وثالث ، لكن إذا كان الأمر يقتضي أن يضرب القلب مئة وثمانين ضربة فإن هذا الأمر الاستثنائي يجب أن يأتيه من الدماغ ، أو يجب أن يأتي عن طريق الدماغ من الكظرين فوق الكليتين ، فإذا قُطع الرأس تعطَّل الأمر الاستثنائي ، فضربات القلب البطيئة لا تكفي لإخراج الدم من الخروف ، لذلك نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قطع الرأس ، وحينما تُقْطَعُ الأوداج تنشأ حالة خطر عند الحيوان ، فيأتي الأمر من الكظر إلى الدماغ إلى القلب بمضاعفة الوجيب ، فالمئة وثمانون ضربة كافية أن تجعل الدم كله خارج الذبيحة ، يصبح اللحم أحمر اللون ، أزهر اللون رائعاً ، فكيف أحلَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم وهو المشرِّع ؟
 
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
( سورة الحشر : آية " 7 " )
       كيف أحلَّ النبي لنا لحم السمك الذي لا يُذْبَح ذبحاً ، بل يُصطاد اصطياداً ؟ فالسمكة تموت حينما تُخرَج من الماء ، هنا الإعجاز ، العلماء قالوا : " السمكة حينما نصطادها ينتقل دمها كله إلى غلاصمها نهى وكأنك ذبحتها " ، فدم السمكة كلُّه ينتقل إلى الغلاصم ، يفتح الغلاصم نهى فإذا كانت ممتلئة بالدم فهذه السمكة قد اصطيدت صيداً ، أما السمكة الطافية في بعض المذاهب لا يجوز أكلها ، لأنها ميتة ، فإذا كانت الغلاصم ليس فيها أثر للدم فهذه سمكة ميّتة ، وليست مصطادة ، أما إذا اصطدت سمكةً فينبغي أن تكون غلاصمها ممتلئةً بالدم الأحمر القاني .
 
       هناك معلومات عن الأسماك تضيق بها الدروس ، تضيق بها المجلَّدات ، البحر شيء رهيب ، ولا يتصوَّر العقل عظمته ، ومع ذلك يذهب الإنسان أحياناً إلى  البحر ليستمتع بمائه ، وبمنظر البحر ، وهو غافلٌ عن الله عزَّ وجل ، وكثيراً ما تُرْتَكب المعاصي على شواطئ البحار ، بدل أن نُسَبِّح الله ، وأن نوحِّده ، وأن نخشع لعظمته ، وأن نسجد لإنعامه وفضله تُرتكب المعاصي أكثرها على شواطئ البحار ، هذا معنى قول الله عزَّ وجل :
 
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
(سورة الروم : آية " 41)
       إما في البواخر العملاقة التي فيها كل الموبقات ، أو على شواطئ البحار  ..
      
﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ﴾
 
لِتَجْرِيَ الفُلْكُ بِأَمْرِهِ
 
     أي أن هذه السفينة العملاقة تتحرَّك بأمر الله ، لأنه حينما يريد الله إغراق سفينة فلا رادَّ لقضائه ، السفينة التي قال عنها من بناها : إن هذه السفينة لا يستطيع القدر إغراقها ، في عام ألف وتسعمئة واثني عشر ، اسمها ( التيتانيك ) ، كانت تضمَّ نخبةً من أثرياء أوروبة ، ثمن الحِلي الذي على النساء في هذه الباخرة يُقدَّر بمئات الملايين ، فيها المسابح، فيها المطاعم ، فيها الأبهاء الواسعة ، الثريَّات ، هي من أعجوبة العصر ، وأضخم سفينة ، وقد صُنِّعت جدرانها طبقتين ، وبين الطبقتين حواجز ، فلو أنها خُرِقَت يكفي القبطان أن يُغْلِق الحواجز ، فيبقى الخرق محصورا ومحدوداً ، ومع ذلك في أول رحلةٍ لها من أوروبة إلىأمريكة غرقت في عرض المحيط الأطلسي ، وقبل سنة فيما أعتقد عرفوا مكانها ، واستخرجوا بعض ما فيها من الثروات ، لذلك  :
      
﴿ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ﴾
 
لِتَجْرِيَ الفُلْكُ بِأَمْرِهِ
 
      لا بأمر قبطانها ، قبل سنة أو سنتين أبحرت باخرة من جدَّة إلى مصر ، فجأةً غرقت في وسط الجُزُر المرجانيَّة ، يركب رجل في أفخر غرفة من الدرجةالأولى فوجد نفسه يعالج مياه البحر ، وراح من القتلى أعداد كبيرة جداً ، فغرقُ الباخرة بأمر الله عزَّ وجل ، والطائرة شيءٌ آخر ، تجدها وقد سقطت ، ومات جميع ركَّابها ، هذه الطائرة التي تطير في جو السماء أيضاً بأمر الله عزَّ وجل ، ولو شاء الله لها أن تسقط لسقطت ، فماقولكم أن تُرتَكب المعاصي على مَتْنِ الطائرات ؟ وأن توزَّع الخمور على متن الطائرات ؟ وأن تُرتكب الموبقات على متن الطائرات ؟ هذا هو الفساد الذي ظهر في البر والبحر والجو ، لذلك قال تعالى :
 
﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ¯أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ¯سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ¯ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [.
(سورة القمر46)
      
﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
 
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
 
          قد تأكل فاكهةً ليست من بلادنا ، هذه مستوردة ، أو سُمِح باستيرادها حديثاً ، كيف انتقلت ؟ عن طريق البحار ، قد تشرب قهوة في فنجان ، هذا من أين جاءنا ؟ من آخر الدنيا ، قد تشتري خشباً لتبني بيتاً ، هذا الخشب من أين جاءنا ؟ ، إن تسعة أعشار المواد التي نستهلكها مستوردة ، كيف انتقلت إلينا ؟ هذا معنى قوله تعالى :
      
﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
 
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
 
      لذلك قد يكون البحر مادَّة للتفَكُّر ، قد يكون البحر أحد أكبر الموضوعات الدَّالة على عظمة الله عزَّ وجل ، فإذا ذهب الإنسان إلى البحر فعليه أن يفكَّر ، من حرَّك هذا الماء ؟ من جعله ساكناً ، وكأنَّه صفحة زيت ؟ ومن جعله هائجاً ، وكأنَّه الجبال ؟
 
﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ.
( سورة هود : آية " 42 " )
       إنّ بعض الأمواج ارتفاعها عشرين مترًا ، وهو ما يساوي ارتفاع بناء مؤلَّف من ثلاثة طوابق تقريباً ، وقد تبدو أكبر باخرةٍ كأنها ريشة ، وقد أصاب إعصار المحيط الأطلسي في شاطئ أمريكة الشرقي ، وكانت الخسائر ثلاثين مليار دولار ، وقبل عشر سنوات تقريباً جاءت عاصفة بحريَّة على الشاطئ السوري صدعت الميناء ، لم يبق مقهى على الشاطئ من الشمال إلى الجنوب إلا وقد غمره الماء ، فحينما يهيج البحر لا يقف أمامه شيء .
 
     لقد بُنيت قاعدة نفطية في بحر الشمال ، واستخرجوا النفط من قعر هذا البحر ، والعمق خمسة آلاف متر ، والبترول اكتشفوه على عمق خمسة آلاف متر أخرى ، وأوصلوا فوهة البئر إلى سطح البحر بأساليب عجيبة ، ثم بُنيت محطَّة عائمة ، مدينة فيها مطار ، مكاتب ، كل شيء في هذه المدينة ، وقد دُرِسَت دراسة محكمة ، درست المنطقة خلال سنوات طويلة ، ودرست ارتفاع الأمواج والعواصف يقف أمامه وما إلى ذلك ، وعلى غير المتوقَّع جاءت عاصفةٌ يقف أمامه وحطَّمت هذه المدينة قبل أعوام ، أحياناً تجد ناقلة نفط تحمل مليون طن تتحطَّم بفعل أمواج البحار ، فلذلك البحر ذاته آية كبيرة ، يمكن أن نعرف الله من خلال البحر.
 
       أحياناً يتجلَّى الله على البحر باسم ( الجميل ) ، فأن تركب البحر متعة من متع الحياة ، وأحياناً ينخلع القلب حينما تكون على سطح البحر ، والله سبحانه وتعالى يستدرج أحياناً أهل الدنيا إلى البحر ، فإذا صاروا على مَتْن سفينةٍ هاجت الأمواج ، وماجت ، وقالوا : يا الله ، فإذا أعادهم إلى البر عادوا إلى معصيته كما كانوا .
 
       الغوَّاصة تقليدٌ للسمك ، طبعاً السمك فيه أكياسٌ هوائيَّة في أحشائه ، فإذا أفرغها من الهواء غاص ، أما إذا ملأها هواءً طفا ، من أين يأتي بالهواء ؟ جهاز الهضم في السمك يُصنِّع من الغذاء هواءً ، يُصَنَّع الهواء فتملأ به الأكياس فيطفو على سطح الماء ، وهذا مبدأ الغوَّاصة نفسه ، التي إذا انحدرت تحت سطح البحر إلى أقلّ من مسافة معيَّنة قد تكون مئتي متر تتحطَّم بفعل ضغط الماء ، فما بال هذه السمكة التي لها أرجل ، وتجري في قعر المحيط ! وتتحرَّك في قعر المحيطات تحت اثني عشر ألف متر ، ما بالها لا تتحطَّم ؟ العلماء درسوا هذه الظاهرة فوجدوا أن فيها أجوافًا داخليَّة يدخل فيه الماء ، فصار الضغط متكافئًا ، كما لو أن الإنسان سمع صوت مدفع ، وفتح فمه ، يدخل الصوت مرَّة من فمه ، ومرَّة من أذنه فيتعادلا ، أما لو بقي مغلقاً فمه ، ينثقب غشاء الطبل ، كذلك هذا السمك الذي في قعر البحار له أجواف فيها من ماء البحر ، فصار الضغط متكافئًا ، هذه بعض آيات الله الدَّالة على عظمته .
 
       شيء آخر ، يجب أن يكون الإنسان في البحر مع الله دائماً ، لأن هناك أخطار ، فهناك سمك القرش ، وهو من أشدُّ الأسماك توحُّشاً ،  لذلك ما من إنسان يسبح في البحر إلا وفيه قلقٌ من سمك القرش ، من أجل أن تكون مع الله دائماً لا أن تنسى ، كبار السبَّاحين لأتفه الأسباب ابتلعهم السمك ، أحياناً يفتحون بطن سمك فيجدون فيه آثار عظام ، آثار ساعات ، لأنه كان قد التهم بعض السبَّاحين ، هناك أسماك كبيرة في الشواطئ ، هذه الأسماك آتاها الله ذكاءً عجيباً ، وهي الدلفين ، لو درست وظيفتها على شواطئ البحار لوجدت أن وظيفتها إنقاذ الغرقى ، تألف الإنسان أُلفةً لا حدود لها ، وتحب الإنسان حبَّاً شديداً ، وتقود أصحاب السفن إلى شواطئ الأمان ، وتنقذ الغرقى ، هذه مهمَّة هذه الأسماك .
 
       وإذا أردت كائناً بحريًّا يُعدُّ عملاق البحر فهناك الحوت الأزرق ، وزنه مئة وخمسون طنًا ، هذا الحوت ثروة كبيرة جداً ، لكنَّه الآن في طريق الانقراض ، هذا الحوت يتنفَّس الهواء ، لولا أنه يتنفَّس الهواء لما أمكن اصطياده ، لأن بقيِّة الأسماك تتنفَّس عن طريق الغلاصم من أكسجين الماء ، ويلاحظ في أحواض الأسماك توجد فقعات هواء ، فالسمك يتنفَّس الأكسجين الممزوج بالماء ، لكن الحوت أصله من الثدييات لا يتنفَّس إلا بالهواء ، فالحوت يخرج إلى السطح ليتنفَّس فيصطاده الإنسان ، هذا معنى :
       
﴿ سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ ﴾
 
        والعجيبأن الأخبار عن البحار أخبار غريبة جداً ، فإذا قرأ الإنسان ، وإذا تأمَّل ، وإذا درس ، وإذا سافر ينبغي أن يعلم أن البحر آية كبرى من آيات الله الدالة على عظمته  .
 
          ثم إنكم إذا أكلتم سمكاً صغيراً تشعرون ببعض اللُقيمات بمادَّة كأنَّها خشنة ، هذا مبيض السمكة ،المبيض فيه مئات ملايين البويضات ، لو أن كل بويضةٍ أصبحت سمكةً لجفَّت مياه البحار ، ولامتلأ البحر سمكاً ، لولا أن السمك الكبير يلتهم الصغير ، كما لو أنك طبخت في وعاءٍ فوضعت بقولاً وجفَّ الماء ، لذلك ثروات البحار كبيرة جداً  ..
      
    ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
 
اللحم لم يُذكَر طريَّاً إلا في السمك ..
 
﴿ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا.
(سورة النحل : آية " 14 " )
       ولحم السمك له فوائد كبيرة جداً على القلب والرئتين ، والأوعية والشرايين ، بل إن هناك أمراض كثيرة جداً علاجها في لحم السمك أحياناً ، فهو غذاء أساسي جداً  ..
      
﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ¯وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
 
وَسَخَّرَ لَكُمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ
 
الآن عطفنا العام على الخاص ، السماوات والأرض كلها مسخَّرةٌ لهذا الإنسان ..
      
﴿ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
أي عطاءً منه ..
      
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
 
      هل بعد هذه الآيات من آيات ؟ هل هناك غموض في هذه الآيات ؟ أي أن السماوات والأرض مسخَّرة لهذا الإنسان ، فما قولك أيها الأخ الكريم أن كل شيءٍ خلقه الله يسبِّح الله ؟ ..
 
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.
( سورة الإسراء : آية " 44 " )
       ما قولك في أن هذا المخلوق المكرَّم الإنسان الذي خُلِقَت له السماوات والأرض ، وسخرت له هو وحده غافل ؟ والكون كله يسبح الله عزَّ وجل ، هو وحده الغافل ، لذلك :
 
﴿ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ.
(سورة الأعراف205)
       إذا أكل الإنسان شيئًا ، أو شرب شيئًا ، أو سافر ، ونظر ، وأتأمَّل عليه أن يسبّح الله  .
 
(( أُمرت أن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً)) .
[مشكاة المصابيح عن أبي هريرة]
الطرق إلى معرفة الله ثلاثة :
       ثلاثة طرق إلى الله ..
 
      الطريق الأول : هو الكون إلا أن الكون أقصر الطرق وأوسعها ، أوسع بابٍ تدخل منه على الله وأقصر طريقٍ إليه .
 
      وفي أسلوب آخر :
 
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .
(سورة الأنعام11)
       الطريق الثاني : أن تفكِّر في أفعال الله ، كيف الله عزَّ وجل يمحق مال المرابي ، ويُرْبي مال الصدقة ، يقصم الظالم ، ويعز المستقيم ، كيف أنه يوفِّر الرزق الوفير لمن استقام على أمره ، فأفعال الله وحدها تعرِّفنا بذاته .
 
     والطريق الثالث : هو القرآن الكريم ، القرآن الكريم للتدبُّر ، وأفعال الله للنظر ، والكون للتفكُّر ، فإذا جمعت بين التدبُّر والنظر والتفكُّر فقد سلكت الطرائق الثلاثة إلى الله عزَّ وجل ، هذا في العلم بالله .
 
      أما العلم بأمره فيحتاج إلى مدارسة عن طريق معرفة أحكام الفقه :
      
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون
 
فالتفكُّر في خلق السماوات والأرض من أرقى العبادات .." تفكُّر ساعةٍ أفضل من تعبد الله سبعين عاماً ".
 
والحمد لله رب العالمين
 
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب