سورة القمر 054 - الدرس (2): تفسير الأيات (09 – 16) - الدعاء مخ العبادة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة القمر 054 - الدرس (2): تفسير الأيات (09 – 16) - الدعاء مخ العبادة

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - بئس الضجيع - الشيخ توفيق الصايغ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - ضوابط التفاؤل - د. أحمد السيد           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 17 - موعد تحرير فلسطين - د. راغب السرجاني           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية - 438 - شد الرحال للأقصى - الشيخ محمد ماهر مسودة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 398 - سورة المائدة 032 - 033           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - 163 - أنا عند ظن عبدي بي         

الشيخ/

New Page 1

     سورة القمر

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة القمر ـ الآيات: (09 - 16) - الدعاء مخ العبادة

29/08/2013 18:16:00

سورة القمر (054)
الدرس (2)
تفسير الآيات: (9-16)
الدعاء مخ العبادة
 
لفضيلة الأستاذ الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً  وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة الكرام : مع الدرس الثاني من سورة القمر ، ومع الآية التاسعة :
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾
القرآن الكريم أحياناً آياته تفسِّر آياته .
 
   عدم اجتماع الهوى مع الحق :
  
قال تعالى :
﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾
 (سورة القمر : آية " 3 " )
أي كذبوا لأنهم اتبعوا أهواءهم ، أو كذبوا لأن حالتهم إتباع الهوى ، فالهوى والحق لا يجتمعان ، ولقد قلت لكم من قبل إن وراء كل عملٍ يفعله الإنسان أحد باعثين العقل أو الشهوة ، إرضاء الذات ، أو إرضاء الله عزَّ وجل ، الإحسان أو الإساءة ، القِيَم أو الحاجات ، العمل للدنيا أو العمل للآخرة ، وهذان الباعثان لا ثالث لهما ، فإن لم تكن بالباعث الأول فأنت بالباعث الثاني ، فالآية الثالثة وهي قوله تعالى :
     
 
﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾
  
 عدم الاستقامة تؤدي إلى عدم التقيُّد بأوامر الشرع :
  
أيها الإخوة : حينما قال الله عزَّ وجل  :
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾
 
 (سورة النور : آية " 55 " )
فإن لم تجد الاستخلاف ، ولا التمكين ، ولا التطمين ، فلا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين ، فكيف تفسر هذه الآية ؟ هذا الوضع تفسره آيةً ثانية :
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
 (سورة مريم(
أما إضاعة الصلاة فلا تعني أنهم تركوا الصلاة ، ولكن أضاعوا قيمتها بعدم الاستقامة ، فالإنسان إذا استقام فإنه يتَّصل ، وإن لم يستقم قلا يتصل ، وكل إنسانٍ بإمكانه أن يتوضأ ، وأن يقف ، وأن يقرأ ، ويركع ، ويسجد ، ولكن ليس بإمكانه أن يتصل إن لم يكن مستقيماً ، فمن إضاعة الصلاة عدم الاستقامة ، ومن إضاعة الصلاة أكل المال الحرام ، ومن إضاعة الصلاة عدم التقيُّد بأوامر الشرع ، ومن إضاعة الصلاة التفلُّت في العلاقات النسائية ، لذلك التكذيب يرافقه إتباع الهوى .
 
التكذيب : ألا يأتي عملك مطابقاً لمعتقدك :
   
     
﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾
 
 
ولكن أيها الإخوة : أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى توضيح عميق لمعنى التكذيب ، وأحياناً الإنسان يصدِّقُ بلسانه وهذا شأن عامة المسلمين ، ما من مسلمٍ في العالم الإسلامي يمكن أن يقول : أنا لا أعتقد بالآخرة ، ولست مؤمناً بها ، وهذا الكلام لا يقع ما دام الإنسان نشأ من أبوين مسلمين في عالمٍ إسلامي ، فالجو العام جو فيه آخرة ، وفيه جنة ، وفيه نار، وحساب ، وعذاب ، وصلاة ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، فليس هذا هو التكذيب العميق ، فالتكذيب العميق ألا يأتي عملك مطابقاً لمعتقدك .
فالإنسان حينما يرتكب الحرام ، أو يأكل المال الحرام ، أو يتفلَّت من منهج الله ، وهو مقيمٌ على هذه المعصية ، وليس في رغبته أن يقلع عنها ، وهو يقرأ القرآن ويحضر خطب الجمعة ، فهذا مكذبٌ بعمله لا بلسانه .
 
التكذيب نوعان :
  
1ـ التكذيب باللسان :
التكذيب بالعمل أبلغ من التكذيب بالقول ، لأن الذي يكذِّب بلسانه تناقشه ، وتحاوره ، وتجيبه ، وتوضِّح له ، وتؤكِّد له ، وتقنعه ، وتقيم عليه الحجة والبرهان .
2 ـ التكذيب بالعمل :
الذي يكذب بعمله فهذا قد يقول بلسانه : أنا مؤمن ، والآخرة حق ، والجنة حق ، والنار حق ، ولكن لا ترى في عمله أثراً للإيمان بالآخرة .
 
   التكذيب العملي أخطر من التكذيب النظري :
 
الامتحان محدد في شهر حزيران ، والطالب لا تراه إطلاقاً يفتح كتاباً ، ولا يعكف على دراسةٍ ، ولا يسأل سؤالاً ، ولا يؤدي واجباً ، فهذا عدم الاهتمام بالقراءة والمطالعة والحفظ والمراجعة وأداء الواجبات وهو يعلم علم اليقين أن الامتحان في حزيران فنقول : إنه يكذب بالامتحان لا بلسانه ولكن بعمله ، فحذارِ أن يقع الإنسان في هذا المأزق ، فتنفصل عقيدته عن سلوكه ، ويعتقد أن الإسلام حق ودين عظيم ، والآخرة حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وهناك حساب ، وعذاب ، وما شاكل ذلك ، فإذا دخلت بيته أو زرته في عمله فلا تجده منضبطاً ولا على طريق الاستقامة قائماً ، ولا تجد دخله حلالاً ولا إنفاقه حلالاً ، فكيف نوفِّق بين هذا الوضع ؟ لا شك أن يكون هناك ما يسمى بالتكذيب العملي ، والتكذيب العملي أخطر بكثير من التكذيب النظري .
والمؤمن الصادق دائماً وأبداً يطابق بين سلوكه ومعتقده ، وبين سلوكه ومنهجه ، بين سلوكه والحلال والحرام ، وقوام الدين بعد معرفة الله الحلال والحرام:
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )) .
( رواه الطبراني عن ابن عباس )
 
التكذيب قديم و مستمر :
   
الإنسان حينما يكذب يكون متبعاً للهوى ، اتبع الهوى فكذب ، أو كذب فاتَّبع الهوى ..
﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾
 
فلذلك  :
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾
 
أي أن التكذيب قديم ، والتكذيب مستمر ، والإنسان حينما يقرأ كلام الله عزَّ وجل يشعر أن هناك سُنَنَاً ثابتةً في الحياة ، فالحق قديم ، والحق يعاديه الباطل من القِدَم ، وهناك معركةٌ بين الحق والباطل ، كانت ولا تزال وستبقى ، فإنسان متفلت إن كان له أخ في البيت ملتزم دائماً يحاسبه حساباً عسيراً ، ودائماً يضعه تحت الأضواء الكاشفة ، ودائماً يكبِّر أغلاطه ليثبت أنه على حق وأن أخاه على الباطل .
 
    عاقبة الإنسان الهلاك إن خالف الدين واتبع هواه :
 
أيها الإخوة الكرام  :
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾
 
الحقيقة أن هذه القصص حينما يبيِّن الله لنا جلَّ جلاله أن هؤلاء الأقوام كذَّبوا فأهلكهم ، أريد بعد حين بعد أن نأتي على كل قصص هذه السورة ، وأريد آيةً أساسيةً في هذه السورة وهي قوله تعالى  :
﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ *بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾
 (سورة القمر (
هذه الآية هي مغزى تلك القصص ، إذا أهلك الله قوم نوحٍ بأنهم كذبوا واتبعوا أهواءهم ، وأهلك قوم عادٍ وقوم ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقوم شُعيبٍ ، فمن نحن ؟ إن أهلك هؤلاء الأقوام ، فلابد من أن نهلك إن خالفنا واتبعنا أهواءنا ، هذا هو المغزى ، وقد يقول الأب لابنه أحياناً : انظر إلى فلان وفلان لقد انحرفا فدمرا نفسيهما ، أي لا تنحرف لئلا تدمر كما دمر غيرك ، ولا تأكل مالاً حراماً لئلا يتلف مالك كما أتلف مال غيرك ، ولا تنحرف أخلاقياً تُصَب بالمرض نفسه ، فالإنسان العاقل يستنبط من التاريخ أَجَلَّ المواعظ .
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾
 
(سورة القمر)
 
عدم الإيمان بالآخرة من أكبر المصائب : 
 
والذي أريد أن أؤكِّد عليه أن التكذيب الخطير هو التكذيب العملي ، والتكذيب العملي ألا يأتي السلوك مطابقاً لما تعتقد ، وحينما لا تجد في حياة الإنسان ما يؤكد أنه مؤمنٌ بالآخرة فهذه من أكبر المصائب ..
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾
 
أما عبدنا ، العبد هو سيدنا نوح وأما هذه ( نا ) ضمير الدال على الجماعة ، أُضيف هذا الإنسان إلى ذات الله عزَّ وجل ، كما قال العلماء : إضافة تكريمٍ وتشريف .
 
   تسخير السماوات والأرض للإنسان تسخير تعريف وتكريم : 
 
حينما يقول الله عزَّ وجل :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾
 (سورة الزمر : آية " 53 " )
       فحينما يقول الله عزَّ وجل :
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
 (سورة الحجر (
﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
 (سورة الإسراء : آية " 53)
 
                                      ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾
 
 (سورة الحجر : آية " 42 " )
هل تشعر أن هذا العبد إذا أضيف إلى ذات الله عزَّ وجل فهذه إضافة تكريمٍ وإضافة تشريف ، أيليق بالإنسان وهو الذي سخرت له السماوات والأرض تسخير تعريف وتكريمٍ أن يكون غافلاً عن الله في حين أن كل المخلوقات تسبح بحمد الله وتقدِّس له .
                         ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾
 (سورة الإسراء : آية " 44 " )
 
استمرار وجود الإنسان منوط باتباع تعليمات الخالق :
 
حينما يأتي الإنسان ليستمع إلى تفسير آياتٍ من كتاب الله ، فهل هناك عمل أجل وأخطر وأنفع من أن تتعرف إلى منهجك في الحياة ؟ فإذا اشتريت آلةً غالية الثمن ، غاليةٌ جداً ، ولها أرباح طائلة ، وجعلتها قِوام عملك ، فهل من عملٍ أخطر وأنفع وأجدى من أن تعكف إلى تعليمات الصانع فتدرسها ، فالذي عنده آلة ثمنها ثلاثون مليونًا ، آلة إلكترونية ، ويعلق عليها آمالاً كبيرة ، وهي مصدر رزقه الوحيد ، فهل من عملٍ أجل وأخطر من أن يعكف على تعليمات الصانع فيترجمها ويفهمها ، ويستعملها ؟ وأنتم ؟ ألا تحبون أنفسكم ؟ فالإنسان يحب ذاته ، ويحب وجوده ، و كمال وجوده ، واستمرار وسلامة وجوده ، فسلامة وجودك ، وكمال وجودك ، واستمرار وجودك منوطٌ بإتباع تعليمات الصانع ، فالإنسان حينما ينطلق من حبه لذاته في تطبيق تعاليم الله عزَّ وجل فهذا من أعظم النعم .
 
طلب العلم أساس في معرفة الله :
   
ذكرت اليوم لمن فاته استماع هذه الحقيقة أن مركبةً فضائيةً أرسلت إلى الفضاء الخارجي قبل أربع سنوات ، وهي تقطع في الساعة أربعين ألف ميل ، والميل كيلو ونصف تقريباً ، وقبليومين أرسلت إشارةً إلى وجود مجرةٍ تبعد عنا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية ، أُذيعت هذه الحقائق في إذاعة عالمية ، فالمجرة التي اكتشفت حديثاً جداً تبعد عن الأرض ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية ، ومعنى ذلك أن هذه المجرة كانت في هذا المكان قبل ثلاثمئة ألف بليون سنة وهي تمشي بسرعة مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية ، وأين هي الآن ؟ ألم يقل الله عزَّ وجل :
 
                          ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾
 (سورة الواقعة (
 أهذا الإله العظيم يعصى ؟ أهذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ أينسى ؟ أم يغفل عنه ؟ فالإنسان العاقل يطلب العلم ليتعرَّف إلى الله عزَّ وجل ، وليتعرف إلى منهجه ، ويملك كما يقولون عزيمة قوية تحمله على تطبيق الأمر والنهي ، فهذا هو الفلاح ، والنجاح ، وهذا هو الفوز والتفوق .
 
الاعتراف بفضل الله عبودية له :  
 
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾
عبدنا ، هل أنت عبدٌ لله ؟ وهل تشعر بافتقارك إلى الله ؟ فالعبودية لله عزَّ وجل ليست تأدُّباً ولكن حقيقة ، وأحياناً الإنسان يتواضع وهو يعلم أنه كبير ، وأنه قوي ، وقادر ، وغني ولكنه يتواضع ، إلا أن العبودية لله شيءٌ آخر ، وكلما ازددت معرفةً بذاتك تواضعت لله ، وافتقرت إليه ، وأقبلت عليه ، والإنسان لا شيء ، إنه قويٌ بالله ، وعالمٌ به ، غنيٌ بالله ، ومعافى بفضله ، إذ يتحرَّك بفضل الله ، ويفكر بفضله ، والإنسان مُعَرَّض في أية ثانيةٍ إلى فقد أحد أعضائه أو أحد أجهزته ، أو إلى خللٍ خطيرٍ يصيب أجهزته ، فعندئذٍ تصبح حياته جحيماً ، فالذي يعترف بهذه الحقيقة هو عبدٌ لله .
وحينما تشعر أن هذه الآلة كل ميزاتها لا تقوم إلا إذا وصلتها بالتيار الكهربائي ، فتشعر أنها مفتقرة إليه ، فلو انقطع عنها سكتت ، وتعطَّلت وأصبحت عبئاً عليك ، وليست في خدمتك ، فالاعتراف بالحقيقة عبودية لله عزَّ وجل ، فالإنسان حينما يفتقر يرقى ، وحينما يستغنى يسقط .
 
   طغيان الإنسان سببه الاستغناء عن الله : 
 
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾
متى..
﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾
 (سورة العلق)
إذا استغنى عن الله يطغى ، أما إذا افتقر إلى الله يستقيم على أمره ، فإذا شعرت أنك عبدٌ وأن الله هو كل شيء ، وأن هذا منهجه ، إذاً عليك بطاعته ، أما إذا شعرت أنك مستغنٍ عنه فهذه هي الطَّامة الكبرى .
 
خُلِقَ الإنسان ضعيفاً ليفتقر في ضعفه : 
 
وبالمناسبة أيها الإخوة : ذكرت مرةً أن هذه المنضدة مثلاً موضوع عليها هذا المصحف ، وهذه الآلات ، وهذا الكأس ، لكن هي تتحمل أوزانًا أكبر من هذا بكثير ، بمعنى أن هناك احتياطاتٍ كثيرةً أودعت فيها ، فيمكن أن يقف عليها إنسان ، ويمكن أن تتحمَّل إنسانين ، وقلَّما تصاب بالعطب لأن احتياطها كبير ، وكان من الممكن أن يكون الإنسان على شاكلة هذه الطاولة ، بكل عضو من أعضائه ، بكل جهاز من أجهزته احتياط كبير ، بحيث لا يمرض أبداً ، بل يعيش شاباً إلى أن يأتيه الأجل ، فيموت فجأةً ، كان من الممكن أن يكون الإنسان كذلك ، لكن شاءت حكمة الله أن يخلق الإنسان ضعيفاً ، لماذا ؟ ليفتقر في ضعفه ، وليرى ضعفه .
      ولعل من حكم الصيام أن الإنسان القوي الشديد ، العتيد حينما يدع الشراب والطعام في أيام الصيف الحارة يرى أنه ذاب كما تذوب الشمعة، وذبل كما تذبل الورقة ، وتتوقف نشاطاته على كأس ماء ، ولعله في الصيام يعرف حجمه ، وضعفه ، وافتقاره .
 
يتولى الله الإنسان بالرعاية إذا افتقر إليه :
 
أيها الإخوة : يفتقر الإنسان إلى أن يكون عبداً لله ، فالعبودية أن تعرف الله ، ولا أبالغ إذا قلت : إن الدرساليومي الذي نمتحن به مقدار افتقارنا إلى الله ومقدار اعتزازنا بأنفسنا ، ففي اللحظة التي نفتقر إلى الله يتولاَّنا الله بالرعاية والعناية ، وفي اللحظة التي نعتد فيها بأنفسنا يتخلى الله عنا ، ولذلك فمن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام :
(( فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين لا إله إلا أنت ))
( أخرجه أبو داود عن ابن أبي بكرة )
فالقانون أنك تفتقر فيتولاَّك ، وتستغني فيتخلى عنك ، فأنت بين الافتقار وبين الاستغناء ، الاستغناء جهل ، والافتقار علم ، الاستغناء ضعفٌ في الأخلاق ، أما الافتقار قمة الأخلاق ، ولا تنسوا أن أصحاب النبي رضوان الله عليهم وهم قمم البشرية حينما قالوا : لن نغلب من قلة تخلى الله عنهم ..
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
 (سورة التوبة (
       يوم حنين أعجبتكم كثرتكم ، وفي بدرٍ افتقرتم :
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
 (سورة آل عمران : آية " 123 " )
 
العبودية لله أعلى مرتبة من مراتب الإيمان :
 
صدقوني أن هذا الامتحان يصيب كل مؤمن في اليوم عشرات المرات ، إذا خطر بباله أنه متمَكِّن ، وأن خبرته عميقة ، وأن ماله وفير ، أنه بالدراهم يحل كل مشكلة،فقد اعتز بماله ، واعتز بقوته ، وبعلمه ، و بخبراته ، فيتخلى الله عنه ، ويلقِّنه درساً لا ينسى ، تأتيه المشكلة من حيث لا يحتسب ، من مكان طمأنينته ، ومأمنه ، إذ يؤتي الحذر من مأمنه ، فأنا هذا الكلام تعليق على قوله تعالى  :
     
                                                 ﴿ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾
 
فأنت في شؤون العلم تبدأ بإتمام مرحلة ابتدائية ، فإعدادية ، فثانوية ، فإجازة أو ليسانس أو بكالوريوس ، ثم دبلوم عام ، ودبلوم خاص ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثم بورد إذا كان بالطب مثلاً، أكريجيه ، إف آر إس ، كيف الشهادات مسلسة هكذا ، صدقوني أن مراتب الإيمان مسلسلة إلى أن تنتهي في أعلى مستوياتها في العبودية لله عزَّ وجل ، وحينما بلغ النبي سدرة المنتهى ، ماذا قال الله عزَّ وجل :
                                         ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾
 (سورة النجم (
أي أنك في أعلى مستوياتك حينما تشعر بعبوديتك لله عزَّ وجل ، وأنت في أعلى درجات رقيك حينما تشعر أنك مفتقرٌ إلى الله ، وكلما ازددت إدراكاً لعبوديتك لله ازددت رفعةً عند الله وعند الناس ، وأمدك الله بقوةٍ منه ، وبعلمٍ منه ، وغنًى ، فأنت غنيٌ بالله فقيرٌ بذاتك ، وأنت قويٌ بالله ضعيفٌ بذاتك ، وعالمٌ بالله جاهلٌ بذاتك .
 
إكرام الله للإنسان إذ خلقه بأحسن صورة :
 
لذلك أيها الإخوة كان الأنبياء عُبَّاداً لله عزَّ وجل ، والمؤمن يعرف هذه العبودية ، ولذلك حينما يعقل الإنسان هذه الحقيقة لا تجد على لسانه فلتةً تشير إلى شِرْكِهِ ، فدائماً يقول : إن شاء الله ، لقد أكرمني الله ، لقد منّ الله علي بفضله فأعطاني كذا ، فلا يرى أن الذي حصله بجهده ، ولا بكسبه ، ولا بذكائه ، فماذا قال قارون ؟ .
                                           ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾
 (سورة القصص : آية " 78 " )
       فأهلكه الله :
                                         ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾
 (سورة القصص : آية " 81 " )
       وماذا قال إبليس ؟
 
                                              ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾
 (سورة ص : آية " 76 " )
       فأهلكه الله عزَّ وجل ، وماذا قال قوم بلقيس  :
﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾
 (سورة النمل (
هذا هو الشرك ، والمؤمن يرى أن الله سبحانه وتعالى أكرمه ، أكرمه إذخلقه ..
 
المؤمن من ينسب النعمة إلى المنعم :
 
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾
 (سورة الإنسان (
أنعم عليه بنعمة الوجود ، والإمداد ، والإرشاد ، ولذلك فالمؤمن دائماً ينسب النعمة إلى المُنْعِم ، والكافر يقف عند النعمة ، والمؤمن يعزوها إلى المُنْعِم ، أما الكافر فيقف عندها ويستمتع فيها بلؤمٍ شديد .
 
مَجْنُونٌ : كلمة لها عدة تفسيرات :
 
   1 ـ المجنون من عصى الله :
إذاً :
     
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾
و الحقيقة إن المجنون من عصى الله ، وقد مَرَّ النبي عليه الصلاة والسلام برجل مجنون (في اصطلاح الناس) ، فسأل عنه سؤال العارف فقالوا : هذا مجنون يا رسول الله  ، قال : ليس هذا المجنون ، المجنون من عصى الله هذا مبتلى .
 هذا مريض ، مرضٌ أصاب دماغه ، أما المجنون من عصى الله ، ولذلك  :
﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
 (سورة القلم(
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾
 
 (سورة هود : آية " 28)
 2 ـ المجنون من عُميت عليه رحمة الله :
من هو المجنون ؟ الذي عُمِّيَت عليه رحمة الله ، ففي مقتبل العمر يرى المال كل شيء ، وفي أوسطه يراه شيئاً وليس كل شيء ، وإذا على شفير القبر يراه لا شيء  :
)) يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم ، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم والتبعة علي ))
( ورد في الأثر )
فالمؤمن يرى طاعة الله هي كل شيء ، يُصَدِّق الله عزَّ وجل .
 
   التعليم عن طريق اللغة يليق بالإنسان :
  
هناك نقطة دقيقة جداً ذكرتها اليوم في الخطبة : كان من الممكن أن نأتي جميعاً إلى الدنيا دفعةً واحدة ، وأن نغادرها دفعةً واحدة ، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً ، فلماذا ؟ لأنه يمكن لأحدنا أن يُعَلِّم الآخر ، فالإنسان الذي عمره خمسون سنة قد تراكمت عنده الخبرات ، والحقائق والتجارب ، والمعارف ، وعرف الله ، فيُلَخِّص كل هذا العمر وكل هذه التجارب لمن كان صغيراً بكلمات ، فسر التعليم أنك تأخذ خبرات الأجيال ، فهذا كتاب الله عزَّ وجل ، حينما تستمع إلى تفسيره ، فهذا عمل خطير جداً لأنه منهجك في الحياة ، فالتعليم عن طريق اللغة شيء راقٍ جداً ، وهذا الشيء يليق بالإنسان ، لأن الله عزَّ وجل قال :
﴿الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾
 (سورة الرحمن(
فأنت مكرم بالبيان ، والبيان شفهي ، وهناك بيان كتابي ، والكتابي أرقى وأسمى لأنه ينقل المعارف من جيل إلى جيل ، ومن أمة إلى أمة ، ومن قارة إلى قارة .
 
من علامات آخر الزمان تصديق الكاذب وتكذيب الصادق :
 
فلذلك  :
     
﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾
 
فإذا أمسك إنسان بكيلو من الذهب الخالص ، وقال له آخر : هذا ليس بذهب ، بل هو معدن رخيص ، فهل هذا الاتهام يجعل هذا المعدن رخيصاً ؟ أبداً ، فتقييمك لا يغيِّر حقائق الأشياء ، فلو قالوا عنه : ﴿ مجنون وازدجر ﴾ هو عند الله نبيٌ مرسل ، فالمؤمن الصادق لا يلقي بالاً لأقوال الناس ، من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به ، ازدجر أي زجرته الجن ، أي أصابته لوثةٌ عقلية ، فهذا من عمل الجن ، والحقيقة حينما يتخلف المجتمع وتفشو فيه المادة ويصبح المؤمن غريباً ، قال عليه الصلاة والسلام :
((بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ))
( رواه مسلم عن أبي هريرة)
(( طوبى للغرباء فقيل من الغرباء قال  أناسٌ صالحون في أناس سوءٍ كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ))
( أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص)
فالإنسان إذا أقام شرع الله وترك كل الموبقات ، وترك كل الُملهيات ، وضبط لسانه ، يتهم عند الناس بأنه مجنون ، وأنه لا يعرف كيف يعيش ، وأن الذين أكلوا المال الحرام هم الأذكياء والأقوياء،فهذا حال المجتمع في آخر الزمان، يكذَّب الصادق ، ويصدَّق الكاذب ، ويؤتمن الخائن ويخوَّن الأمين ، فهذا من علامات آخر الزمان التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام ..
 
ألأنبياء قدوة للناس :
 
                                    ﴿ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾
 
ومعنى ذلك هناك سؤال دقيق الآن ، أي أن هذه التهمة التي اتهم بها هذا النبي الكريم سيدنا نوح عليه السلام ، ألا يسأل أحدكم هذا السؤال : لماذا أثبتها الله في القرآن الكريم ؟ تهمة طرحت ، والنبي عليه الصلاة والسلام قالوا عنه : ساحرٌ ومجنون ، وكاهن ، وشاعر ، فلماذا أثبت الله هذه التهم المفتراة على أنبيائه في قرآنه الكريم الذي يتلى إلى يوم الدين ؟ الجواب بسيط جداً : أي من أنت إذا كان نبيٌ كريم قد اتهم بالجنون ، وأثبتت هذا التهمة في القرآن الكريم لتتلى إلى يوم الدين ، ومن أنت إذا انتقدك منتقد أو انتقص من قدرك إنسانٌ جاهل ؟ لا تعبأ فربنا عزَّ وجل جعل الأنبياء قدوةً لنا .
 
الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء :
        
﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ* فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾
 
فالله عزَّ وجل ما كان بالإمكان أن يخلق النبي وأصحابه المحبِّين في عصرٍ دون أن يخلق معهم إنساناً كافراً ولا مكذباً ولا مفترياً ، فيعيش النبي مع أصحابه حياةً هنيئة وادعةً ، كلها مودة ، ومحبة ، وخدمة ، ومؤاثرة ، والإسلام ينتشر هكذا بيسر ، من دون جهد ، وحروب ، و غزوات ، دون أن يوجد رجل كافر ينتقد النبي ، ولا شاعر يهجوه ، ولا  كفار يخرجونه من بلده ، ولا أشخاص يتَّبعونه في طريق الهجرة ، ولا  أشخاص يؤذونه في الطائف ، ولا آخرون يأتمرون عليه في الخندق ، ألم يكن هذا ممكناً ؟ ممكناً ، إنه ممكن ، ولكن كيف يظهر كمال النبي ؟ شاءت حكمة الله أن يجعل الحياة الدنيا دار ابتلاء ، وامتحان ، والإنسان بالابتلاء والامتحان يظهر معدنه ، فما كان لنا أن نعرف قدر النبي لولا هؤلاء الكفار الذين نَكَّلوا ، واتهموا ، وأخرجوا ، وكذبوا ، وفعلوا الأفاعيل ، وقد صبر النبي وصبر حتى أكرمه الله عزَّ وجل .
أنا أقول لكم هذا الكلام : الإنسان إذا اتبع الحق فربما أصابته بعض المتاعب ، وأحياناً من أقرب الناس إليه ، وأحياناً من زوجته ، وأولاده ، و إخوته ، و جيرانه ، فوطِّن نفسك على أن الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء ، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح ، ووطِّن نفسك على أنك مبتلى ، وممتحن ، و أن الله لن يمكنك قبل أن يبتليك ، ولن يعطيك قبل أن يجعلك تجاهد في سبيله ، فلذلك هذا معنى قول الله عزَّ وجل :
﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾
 
   أعلى مرتبة ينالها الإنسان أن يكون عبداً لله :
 
أثبت لنا هذه التهمة الباطلة المفتراة على نبيٍ كريم كي يكون لنا قدوةً في تحمل الشدائد ، وذكر  :
     
﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾
و الله جلَّ جلاله جعل أعلى مرتبةٍ ينالها الإنسان أن يكون عبداً لله ، وكلما ازداد افتقاراً لله ومعرفةً بقدره وضعفه ازداد قرباً ورفعةً وقوةً وعلماً وغنى ، ولذلك فالنقطة الدقيقة جداً أن الله خلقك ضعيفاً لتفتقر في ضعفك فتسعد في افتقارك ، ولم يخلقك قوياً لأنه إذا فعل ذلك استغنيت بقوتك فشقيت باستغنائك ، إذن استغنيت فشقيت ، وافتقرت فسعدت ..
 
   الدعاء هو العبادة : 
     
                                                   ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ﴾
إخوانا الكرام : والله الذي لا إله إلا هو يكاد الدين كله في النهاية يكون دعاءً صادقاً لله عزَّ وجل ، وما أحسن هذه الأدعية التي دعا بها النبي ، وأصل الدعاء من أرقى أنواع العبادة ، فالدعاء هو العبادة ، والدعاء هو افتقار ، فالإنسان لما يكون مؤمنًا بالدعاء ، فربنا عزَّ وجل قال :
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾
)سورة الفرقان : آية " 77 " )
أي أن الله عزَّ وجل يعبأ بنا إذا دعونا ، ويحبنا ، ويكرمنا إذا دعوناه ، ويستجيب لنا ، وينصرنا ، وينقذنا ، ويحمينا ، ويوفقنا إذا دعوناه ، فلماذا ؟
 
   من أسباب دعاء الله عز وجل : 
 
أولا ً : لأن الإنسان لا يدعو إلا من يؤمن بوجوده ، وهل يمكن لك أن تدخل إلى بيت فارغ لا يوجد فيه إنسان وتخاطب واحداً موهوماً ؟ إنه غير معقول ، أنت لا تدعو إلا إنساناً مؤمناً بوجوده .
 ثانياً : وأنت لا تدعو إنساناً لا يسمع ، بل تدعو إنسانًا أمامك تراه رأي العين وهو مستمعٌ إليك ، فإذا كان لا يسمع فإنك لا تدعوه  .
ثالثاً : وإنسان موجود ويسمعك ، لا تدعو عدوَّك ، بل تدعو من يحبك.
رابعاً : الإنسان لا يدعو إلا إنسانًا مؤمنًابوجوده ، يستمع إليه ، محباً له ، قادراً على إنقاذه مما هو فيه ، فأنت حينما تدعو الله حقيقةً فأنت مؤمنٌ بوجوده ، ومؤمنٌ بأنه يسمعك ، ويحبك ، وأنه قادر على إنقاذك مما أنت فيه ، لذلك يعبأ بك ، والدعاء معناه معرفة ، وأنت لا تدعو الله إلا إذا عرفته لذلك  :
 
 
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ
 
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
 
 
(سورة الزمر  (
   
وراء كل مصيبة للإنسان المستقيم قفزتان :
 
شيء آخر   :
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾
)سورة النمل : آية " 62 " )
فالمضطر من له غير الله ؟
إخوانا الكرام : يجب أن تعلموا علم اليقين أن الإنسان إذا أَلَمَّت به مصيبة وكان مستقيماً على أمر الله ، فعليه أن يعلم العلم القطعي أن هذه المصيبة التي شاءها الله له وهو على استقامةٍ على أمر الله سوف ترفعه مرَّتين ، وسوف ترفع مستوى معرفته بالله ، وسوف ترفع مستوى محبَّته لله ، وهناك قفزتان وراء كل مصيبة للمؤمن المستقيم ..
 
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
 (سورة البقرة (
   
إن الله يحب الملحين في الدعاء : 
 
       أيها الإخوة:
﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾
إن الله يحب الملحين في الدعاء ، من لا يدعُني أغضب عليه ، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، إن الله يجب من عبده أن يسأله ملح عجينه  :
((ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا نقطع ))
( أخرجه الترمذي عن ثابت بن أنس )
ادع الله :
(( إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ )) .
) رواه مسلم عن أبي هريرة)
       فيجب أن تجعل الدعاء أساس حياتك ، إذا كان هناك مشكلة ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمرٌ بادر إلى الصلاة ، فيكون لك صلاة الحاجة ، والنبي شَرَعَ لنا صلاة الحاجة ، لك مشكلة صلّ صلاة الحاجة ..
 
الدعاء سبب قوة الإنسان و غناه :
 
﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ *فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾
لدينك يا رب ، يقولون : إن نور الدين الشهيد (هكذا قرأت والله أعلم) ، حينما أراد أن يدفع الفرنجة عن هذه البلاد وكانت هناك معركةٌ حاسمة فسجد وقال : " يا رب من هو نور الدين حتى تنصره ؟ انصر دينك " ، وأيضاً أنت ادعُ الله عزَّ وجل ، وربنا عزَّ وجل إذا ساق لك شبح مصيبةٍ من أجل أن يسمع صوتك ، ومن أجل أن يسمع دعاءك ، وأن تستيقظ لقيام الليل ، وأن يسمع تهجُّدك ، وأن يكرمك ، وبعد كل مصيبة هناك شَدةٌ إلى الله ، وكل شِدَةٍ وراءها شَدّة ، وكل محنةٍ وراءها مِنْحة ، هذا هو المعنى .
﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً﴾
 
أنت بالدعاء تصبح أقوى الناس ، لأن الله أقوى من كل قوي ، وأنت بالدعاء تصبح أغنى الناس لأن الله أغنى من كل غني ، فالدعاء ، ملخَّص الدين كله أي أن تكون مع الله بالدعاء ، وإذا قال الله عزَّ وجل :
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾
 (سورة المعارج (
 أي يدعون الله دائماً في كل أحوالهم .
 
   الدعاء في أي لحظة وبأي لغة دعاء مقبول :
 
والدعاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام   :
((الدعاء مُخّ العبادة ))
( أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك )
ومن لا يدعوني أغضب عليه ، والدعاء هو العبادة ، والشيء الدقيق أن الإنسان بالدعاء يقفز قفزةً نوعيةً في معرفته بالله ، وفي محبته له ، وإذا أردت أن تحدث الله فادعوه ، وإذا أردت أن يحدثك الله عزَّ وجل فاقرأ كلامه ، فهل هناك أمتع من أن تناجي الله عزَّ وجل ؟ ولذلك احفظ أدعية النبي عليه الصلاة والسلام ، أدعيةٌ جامعةٌ مانعةٌ محكمة ، واجعل كتاب دعاءٍ في جيبك ، الإنسان ميِّت أحياناً ، فيركب مركبة عامة أحياناً ، ويسافر ، ويمشي في الطريق ، فإذا كان معه كتيِّب دعاء ، وقرأ أدعية النبي وحفظها وأصبحت ملكه ، فهو قادر على أن يدعو الله في كل لحظة ، وإن كان بأي لغة ، وبأية طريقة ، وبأي أسلوب فالدعاء مقبول .
 
   أدعية النبي الكريم :
 
تجد أن دعاء النبي جامع مانع ، مثلاً :
(( اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ))
( رواه الترمذي عن الحسن بن علي )
 اللهم اهدنا فيمن هديت (بعد الهدى العافية) ، وعافنا فيمن عافيت (بعد المعافاة يتولاك) ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، فأحياناً  يخلق الله من الشيء القليل شيئًا كثيرًا ، وهنا دعاء جامع  .
 
(( اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعفُ عني ))
( أخرجه الترمذي عن عائشة )
(( اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ))
( رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري )
(( اللهم اغفر ذنبي ، وأقل عثرتي ، وأمن حوائجي ))
       اقرأ الأدعية :
(( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ...))
(أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن مسعود)
(( اللهم اهدنا بالهدى ونقنا بالتقوى ))
(( اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه ، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب....))
( أخرجه الترمذي عن عبد الله بن يزيد )
(( اللهم دلني عليك ودلني على من يدلني عليك  ((
       أدعية جميلة جداً ..
(( اللهم نحن بك وإليك ))
(( اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، و أغنني بفضلك عمن سواك )) .
( أخرجه الترمذي عن علي)
 
   دعاء سيدنا نوح عليه السلام : 
     
                   ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾
 
سمعت مرة أنه في قرية من قرى إيطاليا نزل فيها أمطار في ليلة واحدة ثمانمئة ميليمتر ، ونحن مستوى أمطار دمشق في العام كله مئتان وستة عشر ، وهناك في ليلة واحد نزل ثمانمئة ميليمتر،فربنا عزَّ وجل إذا فتح أبواب السماء يصبح الماء مصيبةً ..
     
﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾
ماء السماء مع ماء العيون ..
 
حفظ الله للمؤمنين ونجاتهم من الغرق :
 
  ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾
أي أن هذا الأمر هو إهلاك هؤلاء القوم غرقاً ، أما المؤمنون  :
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
 (سورة الأنبياء(
﴿وَحَمَلْنَاهُ﴾
سيدنا نوح ومن آمن معه  ..
﴿عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾
أي في سفينة مؤلَّفة من ألواح ومن حبال مربَّطة بها الألواح .
﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾
أي بحفظنا ، ورعايتنا .
 
نجاة المؤمن من الكرب عند نزول البلاء الشديد :
 
 
أحياناً الإنسان يتكلم كلمة لطيفة ، فيقول لك : هذه الحاجة لزمتني في وقت الشدة فكأن ثمنها مليون ليرة ، فالإنسان حينما تأتي مصيبةٌ كبيرة ، يأتي كربٌ عظيم ، ويكون مستقيماً سابقاً والله ينجيه ، فيشعر بقيمة الإيمان ، ففي الرخاء المؤمن غير واضح ، إنه مؤمن مستقيم لكنه ضائع مع الناس ، أما حينما يأتي الكرب العظيم والبلاء الشديد ، فالله عزَّ وجل يجعل الناس كأعجاز نخلٍ منقعر ترى هذا المؤمن قد حفظه الله عزَّ وجل بحفظه الشديد ، وهناك آلاف القصص ، ولا مجال لذكرها هنا ، آلاف القصص تؤكِّد أن المؤمن المستقيم ينجيه الله عزَّ وجل ، وأنا أقول لكم دائماً : أنه ما من مصيبةٍ أعظم من أن ترى نفسك فجأةً في البحر ، في الليل ، وأنت لا تحسن السباحة ، في أعماق البحر ، ثم يأتي حوتٌ فيلتقمك ، فتصبح في بطنه ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر ، وظلمة الليل البهيم .. فسيدنا يونس نادى في الظلمات :
﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
 (سورة الأنبياء(
يجب أن توقن بهذه الآية ، المؤمن ينجِّيه الله من الكرب العظيم دائماً :
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
 
 (سورة الأنبياء(
 قانون ، هذا قانون .
 
عاقبة المكذبين بالدعوة إلى الله : 
 
 طبعاًً  :
﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾
دعا إلى الله ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانيةً ، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً ، فنادى نوحٌ ربه :
                  ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً﴾
 (سورة نوح (
والله عزَّ وجل قال  :
﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾
وحفظنا ، ورعايتنا،﴿ جزاءً لمن كان كفر ﴾ ، أي بهذا النبي الكريم الذي كفروا بدعوته .
﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾
 
   إنذار الله تعالى للناس قبل عذابهم :
 
نحن يهمنا آخر آية التي هي مفصلية كما يقولون ، هنا :
﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾
وبالمناسبة في ساعة عامة وساعة خاصة ، الإنسان إذا طغى وبغى له ساعةٌ خاصة ينتهي فيها ، فالموت ، والإنسان إذا استقام وعمل أعمالاً صالحة يكون الموت عرسه ، وفرحته ، وتحفته .
﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾
أي هل من متذَكِّر ؟
                                           ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾
دائماً العذاب يأتي قبله إنذار ، وهذه السور ، وهذه القصص إنذار من الله عزَّ وجل ، فالإنسان العاقل يبادر إلى طاعة الله ، والصلح معه ، والإنابة إليه حتى ينجو من عذاب الله ، والعذاب محقق ما دام هؤلاء الأقوام فعلوا فاحشة واحدة ، أما في آخر الزمان فالفواحش كلها مرتكبة .
 
الاستقامة والتوبة ثمن النجاة من عذاب الله :
 
لذلك فالله عزَّ وجل :
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾
إن من ، أي ما من ..
 
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾
 (سورة الإسراء (
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
 (سورة النحل  (
فنحن يجب علينا أن نُعِدَّ الاستقامة والتوبة كي ينجو الإنسان إما من ساعةٍ خاصة أو من ساعةٍ عامة  .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب