سورة الكهف 018 - الدرس (6): تفسير الآيات (50 – 59) ، لطائف الإنعام وسلاسل الامتحان

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات

"> سورة الكهف 018 - الدرس (6): تفسير الآيات (50 – 59) ، لطائف الإنعام وسلاسل الامتحان

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات

">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الكهف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الكهف - (الآيات: 50 - 59)

05/05/2011 14:35:00

تفسير سورة الكهف (018)
الدرس (6)
تفسير الآيات (50 – 59)
لطائف الإنعام وسلاسل الامتحان
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
          الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 
تذكير بالقصتين الماضيتين :
 
           أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السادس من سورة الكهف ، وقد مرَّ بنا في هذه السورة قصتان ، القصة الأولى تتحدث عن أصحاب الكهف ، وكيف أنهم آثروا رضوان الله عز وجل على الدنيا العريضة ، وكيف أن الله حفظهم ، وتولاهم ، وأكرمهم في الدنيا والآخرة ، وكيف أن مبدأ الهدى أن يختاره الإنسان ، وعندئذٍ تأتيه الزيادات من الله عز وجل .
 
 
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
          والقصة الثانية : قصة الشرك ، شرك الأسباب ، وهو أنَّ الإنسان إذا نجح في حياته الدنيا ، نجح في تجارته ، أو صناعته ، أو  زراعته ، أو مشاريعه ، أو درجاته العلمية ، أو أي نجاح كان ، فقد يعزو هذا النجاح إلى قدراته الذاتية ، وإمكاناته ، وذكائه ، فيستحق عندها التأديب من الله عز وجل ، وهو يستحقُ التأديب والتربية ، لأنه مؤمن يعترف بالله خالِقاً ومُربيّاً، والدليل قوله تعالى :
 
﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ﴾
            لكنه قال :
] قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [ .
                          (سورة القصص : 78)
 
﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾
فجزاء الاعتداد بالذات التأديب .
 
          واليوم ننتقل إلى قصة ثالثة ؛ قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح الذي آتاه الله من لدنه رحمة ، وعلماً ، وقبل أن نصل إليها لابد من آيات ربما استغرقت الدرس كله ، أو بدأنا بأولها إن شاء الله تعالى .
          وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
 
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾
علاقة هذه الآيات بما قبلها :
 
          قد يسأل سائل : ما علاقة هذه الآية بالتي قبلها ؟ لأن آيات القرآن الكريم مترابطة ، والدليل :
]كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [ .
                              
(سورة هود : 1)
        الآية التي قبلها :
 
 
﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ¯وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدا ¯وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾
      الحشـر ... والعرض ... والكتاب ...
 
 
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾
كل عبد يُحشر معه كتاب فيه أعماله :
        مرَّ بنا في درس العقيدة في يوم الأحد ، أن المؤمن يأخذ كتابه بيمينه ، وأن الكافر يأخذ كتابه بشماله ، أو من وراء ظهره .
] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه].
(سورة الحاقة : من 19 ـ إلى 29)
          وقد ورد في بعض كتب العقيدة استناداً إلى بعض الآيات الكريمة أن الإنسان حينما يأخذ كتابه يُصاحبه معه الملك الذي كتبه ،  فإذا أنكر فيه شيئاً فالمَلَك الذي كتبه يشهد عليه بالحق .
          وورد أيضاً أن الذي يتلقى كتابه بشماله ، أو من وراء ظهره لو أنه أنكر ما فيه بلسانه عندئذٍ :
] الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ .
(سورة يس : 65)
          فكاتب الكتاب واقف مع الكتاب شاهد ينطق بالحق ، إذا كَذَبْتَ ، أو إذا كَذَّبْتَ هذا الشاهد ، فإن الفم سوف يختم عليه ، وسوف تنطق الجوارح ، [وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] .
(سورة فصلت : 21)
 
 
﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾
           من هنا يأتي قوله تعالى :
] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [.
(سورة الزلزلة : 7)
          قال بعضهم : لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفت الناس جميعاً ، وحينما وعظ النبي عليه الصلاة والسلام أحد الأعراب الذي قال له : يا رسول الله عظني وأوجز ، تلا عليه قوله تعالى :
] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [.
(سورة الزلزلة : 7)
          قال : قد كفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فقُه الرجل ، لم يقل فقِه ، قال : فقُه ؛ أي أصبح فقيهاً .
          أيها الإخوة الأكارم ؛ العلاقة بين الآيتين هي أنه بعد أن ذَكَرَ الله عز وجل الموقف الصعب ، والذليل ، والمخيف ، والعصيب الذي يقفه العصاة يوم القيامة ، حينما يفتح الكتاب لينطق هذا الكتاب بكل أعمالهم ، صغيرها وكبيرها ، عندئذٍ ذَكَّرَ الله عز وجل  بني آدم كيف أخذ عليهم العهد ألا يعصوه ، وألا يستجيبوا للشيطان .
 
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾
ما نوع سجود الملائكة لآدم ؟
 
          أيها الإخوة ، هذا سجود التعظيم ، وليسَ سجود العبادة ، توهّمَ بعضهم أنَّ إبليس من الملائكة ، لكن هذه الآية صريحة بأن إبليس من الجن ، والدليل قوله تعالى في الآية السابقة .
هل إبليس كان من الملائكة ؟
 
          أمّا أن يستنبط إنسان أن إبليس ملَك بدليل قوله تعالى :
] وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ [ ، هذا اسمه استثناء منقطع ، فقد تقول : حضر الطلاب إلا المدرس ، فالمدرس ليس طالباً ، لكنه اشترك مع الطلاب في حضوره الساعة الثامنة ، فالطلاب طلاب ، والمدرس مدرس ، يُدعى هذا في اللغة استثناء منقطعاً ؛ ومعنى الاستثناء المنقطع  أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه .
          بينما الاستثناء المتصل فتقول : حضر الطلاب إلا خالداً ، أو إلا طالباً ، فالمستثنى من جنس المستثنى منه ، بـ إلا ، والدليل أيضاً في آيات أخرى :
] فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [.
(سورة الحجر : 30)
          ليسَ إبليس من الملائكة ، وهذه الآية صريحة في ذلك :
] كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [ .
معنى الفسوق :
 
معنى فسق ؛ بمعنى خرج ، و كل إنسان يخرج عن أمر الله فهو فاسق .
          أمرك الله عز وجل أن تغض بصرك ، فنظرت إلى الحرام فهذا فسق ، وأمرك بتحرّي الحلال في الكسب ، فكسبت مالاً حراماً فهذا فسق ، وأي معصية هي فسق .
] كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [.
(سورة يونس : 33)
          والعصاة المقيمون على المعصية ، الذين خرجوا عن الصراط المستقيم يُفكّرون تفكيراً خاصاً بطريقة تُبرر معاصيهم ، فمنطقهم تبريري ، يدافعون به عن عاداتهم وتقاليدهم ، ومعاصيهم ومخالفاتهم ، وانحرافاتهم وشهواتهم ونزواتهم .
 
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ ﴾
 
         لأنه خليفة الله في الأرض .
] وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [ .
(سورة البقرة :30)
       قال عليه الصلاة والسلام :
(( آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر )) .
[ الترمذي عن أبي سعيد بسند صحيح ]
       يتبيّن من خلال مجموعة أحاديث أنَّ سيدنا آدم يأتي بعد النبي عليه الصلاة والسلام في المرتبة ، فسيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو سيد ولد آدم ، وخير خلق الله ، ويليه سيدنا آدم في المرتبة ، فالبشرية بدأت بأكرم نبي بعد رسول الله ، وختمت الرسالات بأعظم الأنبياء من دون استثناء .
 
 
﴿ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾
        مثلما كانَ سيدنا جبريل رئيساً الملائكة كان إبليس رأساً للشياطين .
 
 
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾
 يا للعجب ممن يتخذ الشيطان وذريته أولياء :
 
       هنا يعجب الله عز وجل ؛ أتتخذ الشيطان ولياً لكَ من دون الله !!!
] اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [ .
(سورة البقرة : 257)
          التفوق الأكبر في الأرض أن تكون ولياً لله ، وما من مرتبة على وجه الأرض أعظم عند الله من أن تكون وليه .
] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [ .
(سورة يونس : 62 ـ 63)
          وذريّة إبليس من الجن ، توسوس للإنسان بالشر ، بالشهوة  وبالنزوات ...
] أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي [ .
          فكيفَ تدعون كتاب الله ، وصراطه المستقيم ، وتوجيهه الكريم ، ودستوره العظيم ، وتتجهون إلى وسوسة تُهلِك صاحبها إلى الأبد .
          هل يُعقل أن تستشيرَ عدواً فهو يأمُرُكَ أن تخرب محلك التجاري ، أو أن تكثر البضاعة الكاسدة ، أو أن تُغلق في ساعات العمل ، أو أن تسلم نفسك للموظفين في مخالفات ، فهل يعقل هذا ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
 
 
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ ﴾
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ:
 
        هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني ، وتتحركون بتوجيهاتهم ، وبوساوِسِهم الشيطانيّة هم أعداء لكم ، وما كانوا حاضرين يوم خُلِقَت السماوات والأرض ، أي أني ما استعنت بهم على خلق السماوات والأرض ، بل كانوا غائبين ونفي الاستعانة بهم في غيابهم أشد من نفيها في حضورهم.
          هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء تعبدونهم ، وتستجيبون لوساوسهم ، وتأكلون المال الحرام استجابة لهم ، وتعتدون على الأعراض استجابة لهم ، وتعبدونهم من دون الله ، وما خلقوا السماوات والأرض ، ولا استعان الله بهم ، وما كانوا شاهدين يوم خلق الله السماوات والأرض .
 
 
 
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ﴾
        هذا المولود من ساهم في خلقه ؟
] أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [ .
(سورة الواقعة : 59)
          يُبيّن الله عز وجل في هذه الآيات أن الذي يستحق العبادة هو الله وحده ، ولا شيء سواه ، وما ساهمَ الشيطان في خلق الإنسان حتى يكسب حق عبادة الناس له .
          حيوان منوي واحد من ثلاثمائة ألف حيوان يلقح بويضة تنقسم في ثمانية أيام إلى عشرة آلاف قسم ، ثم تلتصق في جدار الرحم ، ثم يبدأ تشكل الدماغ ، والأحشاء ، والأعضاء ، في تسعة أشهر وعشرة أيام يصبح طفلاً كاملاً ، دماغ ، جمجمة ، مخ ، مخيخ ، بصلة سيسائية ، نخاع شوكي ، أعصاب قلب ، شرايين ، رئتان ، معدة  أمعاء ، كبد ، بنكرياس ، كليتان ، مثانة ، عضلات ، عظام ، جلد  غدد دهنيه ، غدد صبغية .
 
 
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾
ليس لله مُعينٌ في هداية خَلقه:
 
         ما كان الله عز وجل ليتخذ إنساناً مضلاً عضداً له في تعريف الناس به ، المضل لا يوفق في هداية الناس ، لأن الله لا يتخذه عضدا ، أي لا يتخذهُ مُعيناً له في هِداية خلقه .
          لذلك :
] وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ  * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ  * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [ .
(سورة الحاقة : 45-47)
الأدلة على تفرد الله بهداية الخلق:
 
     الآيات المتعلقة بهذا الموضوع :
] وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[ .
(سورة البقرة : 124)
         متى جعله إماما ؟ بعد أن ابتلاه فصبر :
] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [.
(سورة السجدة : 24)
] الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلّا اللَّهَ [.
(سورة الأحزاب : 39)
      هذه علامة ثالثة .
] شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [.
(سورة آل عمران : 18)
     هذه علامة رابعة .
] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [ .
(سورة يوسف : 108)
علامة خامسة .
          التنزّه عن الدنيا ، الدعوة على بصيرة ، الصبر على بلاء الله ، الفوز في امتحان الله ، هذه كلها شروط لابد من توافرها حتى يتخذ الله هذا الإنسان وسيلة للهدى .
 
    
﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ¯وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ﴾   
معنى الآية : نَادُوا شُرَكَائي
 
للمفسرين رأيان في هذه الآية :
المعنى الأول :
        يقول ربنا سبحانه وتعالى للمشركين ذلك من باب تعريفهم بعجز شركائهم  .
المعنى الأول :
         بعض المفسرين يرى أن اعتقاد المشركين بآلهتهم التي عبدوها من دون الله ، قد يستمر معهم إلى ما بعد الموت ، عندئذٍ يقول الله عزَّ  وجل :
 
 
﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ ﴾
 
      هذا الذي اعتقدت أنه كل شيء في الحياة ينفع ويضر ، أين هو الآن ؟ ناده ، اطلب منه أن يخلصك ، وادعه أن يستجيب لك ، وقد أرادَ الله عزَّ وجل بهذه الآية أن يبين لنا أن هذه الآلهة التي عبدت من دون الله عز وجل سوف تكشف على حقيقتها المزرية يوم القيامة ، فليسوا  شركاء ، ولا آلهة ، وليسَ بيدهم الحل والربط ،  وحينما أمرك الله عزَّ وجل أن تعبده طمأنك أن الأمر كله راجع إليه .
] وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [.
(سورة هود : 123)
          إن كنتم تزعمون أنهم آلهة ، وأنَّ بيدهم الفعل فادعوهم أن يخلصوكم .
 
 
﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾
         قال : لم يستجيبوا لهم ، ولم يقُل : لم يُخلصوهم ، لأنهم إذا كانوا عاجزين عن أن يستجيبوا لهم فهم عن تخليصهم أعجز ، وهذا من بلاغة القرآن .
 
 
﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ﴾
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا
 
         الموبق ؛ هو الهلاك ، أي هؤلاء الذين أَشركوا ، والذين أُشركوا هؤلاء الذين عَبدوهم من دون الله ، والذين عُبدوا من دون الله ، جميعاً هالكون ، تجمعهم نار جهنم التي تلفح بلهيبها وجوههم .
 
 
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ¯وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾
توقُّع المصيبةِ مصيبة فوق المصيبة:
 
 
     هناك قول شهير : أن تُوقِع المصيبة مصيبةً أكبر منها ، وأنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرض .
] النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [ .
(سورة غافر : 46)
 
 
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ﴾
 
       إذا حكم على إنسان بالإعدام شنقاً حتى الموت بجريمة ارتكبها ، فهو كلما أطل من كوة السجن ، ورأى المشنقة في فنائه ، وشعر بقرب تنفيذ حكم الإعدام ، ناله من الألم أضعاف ما لو أُعدِمَ فوراً . 
 
﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ﴾
        هذا ظنٌّ يقيني ، كلمة ظن تعني إمّا حسب ، أو تعني أيقن يقيناً عقلياً ، لا يقيناً شهودياً ، ومعنى يظنون ؛ أي يعتقدون اعتقاداً جازماً لا كما يتوهم بعض الناس فكلمة ظن في القرآن، تأتي بمعنى الاعتقاد الجازم ، وتأتي بمعنى الشك ، ظننته عالماً فإذا هو جاهل ، بمعنى حسبته ، أما هنا بمعنى تيقّنوا أنهم مواقعوها .
 
 
﴿ وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا
 
       وكأن الله عز وجل يلفت نظرنا إلى كتابه الكريم ويقول :
 
 
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾
معنى تصريف الأمثال في القرآن الكريم :
        ذَكَرَ ربنا عز وجل قصصاً ، وأمثلةً ، وأخباراً سابقة ، وتشريعات ، وذكر أوامر ، ونواهي ، وذكر مرغبات ، ومخيفات ، وذكر مشاهد من يوم القيامة ، ومن الجنة ، ومن جهنم ، رغب ، ورهب ، وخوف ، وحذر ، وبشر وأنذر ، وبين ، ووضح ، ومثل ، وقص ، فأساليبه عديدة ، تقرأ السورة ، فترى فيها حُكماً شرعياً ، ثم آية كونية أحياناً ، فقصةً بليغةً ، ثم مثلاً رائعاً ، ثم خبراً ماضياً ، ثم بشارةً ، ثم مشهداً من مشاهد الجنة ، ثم مشهداً من مشاهد النار ، ثم ملخصاً فهي سورة ذات موضوعات متكاملة .
 
    
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾    
وَكَانَ الإِنِسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلاً
 
              خُلِقَ الإنسان ضعيفاً ، وخُلِقَ الإنسان هلوعاً ، وخُلِقَ الإنسان عجولاً ، وكانَ الإنسانُ أكثرَ شيءٍ جدلاً ، هذه الصفات التي وصف بها الإنسان في القرآن ليست نقاط ضعف تستوجب اللوم ، لكنها نقاط ضعف لمصلحته ، كيف أن الجهاز الغالي يحوي نقطة ضعف كهربائية من أجل أن لا يحترق ، تُسمّى " الفيوز " ، كذلك الإنسان ، خُلِقَ ضعيفاً .. وخُلِقَ الإنسان هلوعاً .. وخُلِقَ الإنسان عجولاً ، خُلِقَ ضعيفاً ، لو خلقه الله قوياً لاستغنى بقوته ، وشقي باستغنائه ، وخُلِقَ عجولاً يرقى إذا اختار الآجلة إلى أعلى عليين ، خُلِقَ هلوعاً ، لولا أنه يهلع لما عرف الله عز وجل ، فلو خلقه متجلداً لا يخاف ، يبقى على معاصيه إلى يوم القيامة ، لكن ضعفه ، وخوفه ، وفرقه ، وكونه يهلع ، ويجزع ، وتخور قواه ، وترتعد أطرافه ، هذا كله لمصلحته ، من أجل أن يعود إلى الله عز وجل .
 
 
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾
       زوّدَ الله الإنسان بالمنطق ، يناقش ، ويحاور ، ويسأل ، ويريد البرهان والدليل .
 
         
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ﴾
ما الذي يمنعكم أيها العباد أن تؤمنوا ؟
 
 
        يعجَب ربنا عز وجل في هذه الآية !! ما الذي يمنعكم أيها العباد من أن تؤمنوا ؟ لا تؤمنون بي حتى يأتيكم العذاب ، وهذا الكلام لنا ، أي لِمَ أنتَ غافل ، وأنت في شبابك ، وصحتك ، وبحبوحتك ، وقوتك ، وغِناك ، ألا تريد أن تؤمن بالله إلا بعد المرض  والفقر والذل  وبعد الإهانة ، أهكذا المروءة ؟!! أهكذا الذكاء ؟!! أهكذا الوفاء ؟!! لا يؤمن بالله إلا بعد الشدة ، أنحن عبيد أم أحرار ؟
        السيدة رابعة العدوية تقول : " العباد ثلاثة ؛ العبيد هم الذين يعبدونه خوفاً من ناره ، والتـجار يعبدونه طمعاً في جنته ، والأحرار عرفوا أن لهم رباً فأطاعوه ، وما مقصودهم جنات عدنٍ ؟ ولا الحور الحسان ، ولا الخيام ، سوى نظر الحبيب فذا مناهم ، وهذا مطلب القوم الكرام " .
          ألا يليق بك أيها الأخ الكريم وأنت في شبابك ، وصحتك ، وأنت مستمتع بسمعك وبصرك ، وذاكرتك ، وقوتك ، وأعضائك ، أن تعرف الله ؟ وأن تعرف ماذا يريد منك ؟ وما طريق رضوانه ، معظم الناس يقول : يا رب ، يا رب عندما يأتيهم المرض الشديد العضال ، أو حين يظهر التحليل أن هناك ورماً خبيثاً ، أو حين يفقد أحدهم ماله كله ، أو يوضع في وضع صعب جداً ، قُل : يا رب وأنت في الرخاء ، إن كنت بطلاً فقل : يا رب ، وأنت في الرخاء ، وأنت معافى ، وأنت شاب ، وأنت مستمتع بسمعك وبصرك ، وقوتك ، وعندك زوجة وأولاد ، هذه البطولة .
 
 
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى ﴾
      هذا الهدى بين أيديكم ، كتاب الله بين أيدينا .
 
 
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾
معنى مجيء سنة الأولين:
 
            أي عذاب الاستئصال أو البلاء والقهر ، وكأن الله عز وجل يتمنى لنا في هذه الآية  أن نؤمن به طوعاً لا كرهاً ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ :
(( اسْتَضْحَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ مُقَرَّنِينَ فِي السَّلاسِلِ )) .
[مسند الإمام أحمد]
        من لم يتجه إلى الله بلطائف الإنعام ساقه الله إليه بسلاسل الامتحان ، إما أن تأتي إليه طوعاً ، أو هو قادر على أن يجعلك تنساق إليه كرهاً .
] اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [ .
(سورة فصلت : 11)
نصيحة للشباب :
         البطولة أن تُنفق وأنت في صحتك ، وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمن الغنى ، لذلك قال النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل موتك )) .
[الحاكم في المستدرك  ، عن ابن عباس ، وابن أبي شيبة في المصنف عن عمرو بن ميمون]
 
 
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
فتية ، شباب .
          عيّنَ النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا أسامة بن زيد قائداً للجيش ، وكان من جنود هذا القائد سيدنا عمر بن الخطاب ، كان عُمُرُ هذا القائد الجليل سبعة عشر عاماً ، وكان عمر ، وعثمان ، وعلي جنوداً في هذا الجيش ، أراد سيدنا الصديق رضي الله عنه أن يدعم مركزه فمشى في ركابه ، فما كان من أسامة بن زيد إلا أن قال : يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ، قال : والله لا ركبت ، ولا نزلت ، وما عليّ أن تغبر قدمايَ ساعة في سبيل الله ، وحينما وصلا إلى مركز الانطلاق والتجمع ، استأذن سيدنا الصديق من قائد الجيش الذي لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً أن يبقي له عُمَرَ مستشاراً في المدينة .
          هذا كلام موجه للشباب ، ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من شاب تائب ، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
          عندما يصل الإنسان إلى خريف العمر حيث الأمراض ، والهموم  والانزواء ، وقلة الشأن ، عندئذ لا يبقى له إلا المسجد ، أما البطولة أن تأتيه ، وأنت صحيح شحيح ، وأنت في ريعان شبابك .
 
 
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾
سُنّة الأولين أنه إذا كفر قوم بربهم ، بعدَ مجيء المعجزة استؤصلوا استئصالاً نهائياً .
 
 
﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ﴾
 
أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلاً
 
معنى قُبُلاً ؛ يعني عياناً ، وجهاً لوجه .
 
 
﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾
      الناس رجلان : مؤمنٌ تقي كريمٌ على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، هذا يبشر ، وهذا ينذر .
 
 
﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً ﴾
إيّاكم والاستهزاء بالحق !!!
 
        قال العلماء : " أن أشد أنواع الكفر الاستهزاء بالحق "، فجلوسُكَ  تناقش أهل الحق ، وأنت تريده أشرف بكثير من أن تستهزئ بالحق ، وأشد أنواع الكفر أن يتخذ الإنسان الحق هزؤاً ، أن يتخذ آيات الله لعباً ، أو أن يهزأ بدين الله ، ويلعب بأحكامه .
 
  
﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً ﴾     
ما هو الباطل ؟
 
          الباطل هو الشيء الزائل ، لو وضعت هذه الثريا مع السقف تماماً كان مكانها بالباطل ، ولو وضعت إلى الأرض تماماً لكان مكانها بالباطل ، ومعنى الباطل أنه لابُدَّ أن يزال هذا المكان غير الصحيح ، فالباطل هو الشيء الزائل ، أما الحق فالشيء الثابت ، فالحق ثابت ، وهادف ، وواقع ، بينما الباطل زائل ، وعابث ، وكاذب .
          يُروى أنَّ رجلاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام سمى ابنه الله ، أو سمى نفسه الله استهزاءً بالله عز وجل ، فجاءت صاعقة فقتلته فوراً .
      يجب على الإنسان ألاّ يتورط بالاستهزاء بآيات الله ، و بمقدسات الدين ، بالقيم الدينية ، بالقواعد الشرعية ، بالأحكام القرآنية ، هذا مكان خطر جداً .
 
 
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾
مِن أشد الناس ظلما المُعرِضُ بعد التذكير 
 
      
أي ليس في الأرض إنسان أشد ظلماً ممن دُعِيَ إلى الحق فأعرض ، وقال : هناك وقت طويل ، نحج ، ونتوب عندما نبلغ ثمانين عاماً.
          دعيت إلى الحق فأعرضت ، دعيت إلى طاعة الله ، فقلت : الله غفور رحيم ، دعيت إلى التصدق ، فقلت : الله يغني من يشاء ، دعيت إلى غض البصر ، فقلت : أين أذهب بعيني، دعيت إلى تحرير كسبك من الحرام ، فقلت : الناس كلهم كذلك ، كلما دعيت إلى طاعة أعرضتَ عنها ، ورفضتها محتجًّا بشتى الأعذار .
 
 
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾
غفل عن أعماله السيئة ، وظلمه ، وتعدياته .
 
 
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾
   
          قد يفهم القارئ هذه الآية فهماً ما أراده الله عز وجل .
 
 
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ﴾
      ذِكرُ الله عزَّ وجل ، مرات عديدة ، وتؤكده آيات أخرى .
] فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [.
(سورة الأنعام : 44)
          حيث يُذَكِّرُ الله عز وجل عباده ليلاً نهاراً ، عن طريق الأنبياء ، والرسل ، والعلماء ، والدعاة ، والقرآن ، وعن طريق المكتشفات العلمية ، والآيات الكونية ، حتى إن بعض التفاسير ، وهو القرطبي في تفسير قوله تعالى :
] أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [ .
(سورة فاطر : 37)
        قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية :" إن النذير هو الموت ، فموت الأقارب ، أكبر نذير ، والقرآن هو النذير ، والنبي هو النذير ، والعالم هو النذير ، والمرض هو النذير ، والمصائب هي النذير ، والشيب هو النذير ، وسن الأربعين هو النذير ، وسن الستين هو النذير " ، ]وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ [ .
 
       
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ 
الإضلال الجزائي:
 
         حينما اختار الضلال جعل على قلبه هذا أكنّة ، لذلك أوضح آية توضح هذه الآية ، ] فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ .
(سورة الصف : 5)
          هذا هو الضلال الجزائي ، المبني على الضلال الاختياري ، يختار الإنسان الضلال فيمنع الله عنه كل هذه الحقائق ، تماماً كما لو أنك كنت مسافراً إلى بلد قريب ، ووجدت في الطريق مفترقين لا تدري أيهما تسلك ، سألت واحداً من الناس : أين حمص ؟ قال لك : من هنا ، قلت له : جزاك الله عني كل خير ، بعد أن استجبت له ، وقبلت هذه النصيحة زودك بمعلومات شتى عما في الطريق ، من تحويلات ، ومن حواجز ، ومن مطبات ، زوّدكَ بِكُل هذه المعلومات بعد أن قَبِلتَ النصيحة ، أمّا الذي يتهم هذا الدليل بالكذب ، هل بإمكان هذا الدليل أن يعطيه من المعلومات شيئاً ؟ .
          معنى الإضلال هنا أنه حينما ذَكَّرَه الله عز وجل ، أعرض عن هذا التذكير ، ونسي ما قدمت يداه عندئذ :
 
 
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً﴾
        لا يستطيع كائن من كان في الأرض  أن يهدي من اختارَ الضلال والدليل :
] إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [ .
(سورة القصص : 56)
] لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [ .
(سورة البقرة : 272)
] وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [.
(سورة الأنعام : 107)
] لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ [ .
(سورة الغاشية : 22)
 
] وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [ .
(سورة هود : 86)
 
 
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ﴾
سَعَةُ رحمة الله تعالى بعباده : يمهل ولا يهمل 
 
          في آية أخرى :
] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [ .
(سورة آل عمران : 159)
          أجمع العلماء على أن أرحم مخلوق بالمخلوقات قاطبة هو النبي عليه الصلاة والسلام ، أرحم الخلق بالخلق ، قال تعالى :
] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ .
(سورة التوبة : 128)
         ومع ذلك قال الله عز وجل :
] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [ .
          أما ربنا عز وجل :
]وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [ .
         فالرحمة كلها من عند الله .
 
﴿ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ﴾
سَعَةُ رحمة الله تعالى بعباده : يمهل ولا يهمل 
 
 
      تقتضي رحمة الله عز وجل أن يُمهل ولا يُهمل .
 
 
﴿ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ﴾
سَعَةُ رحمة الله تعالى بعباده : يمهل ولا يهمل 
 
 
] وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ .
(سورة طه : 129 ـ 130)
         ربنا حليم ، أي يحلم على عباده إلى درجة تفوق التصور .
 
 
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ﴾
سَعَةُ رحمة الله تعالى بعباده : يمهل ولا يهمل 
 
 
أين المفر ؟ لا ملجأ من الله إلا إليه 
 
 
أيْ مفراً ، أو ملتجئاً .
 
 
﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً﴾
قانون الإهلاك : الظلم 
 
 
         هذه الآية آية محكمة ، تأخذ شكل قانون ، جاءت هذه المصائب الجماعية ، من زلزال ، أو بركان ، أو فيضان ، أو قحط ، أو سيل ، أو طوفان ، جاءت من الله بحسبان ، وتوقيت دقيق .
] قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [ .
(سورة الأنعام : 65)
] وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [ .
(سورة النحل : 112)
         هناك توقيت دقيق .
       في الدرس القادم إن شاء الله نبدأ بقصة سيدنا موسى مع الخضر ، في هذه القصة مغزى كبير ، تأتي الإنسان أحياناً أشياء لا يرضى عنها قال تعالى :
] وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ .
(سورة البقرة : 216)
         هذه الآية هي مغزى قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام ، وهذه القصة يحتاجها كل مؤمن ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام ، باعتقاده الجازم بأن الله عز وجل لا يسوق لعباده إلا الخير ، كان إذا جاءت الأمور وفق ما يريد قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكان إذا جاءت الأمور على خلاف ما يريد قال : الحمد لله على كل حال .
          فقصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام ، قصة تؤكد أن الفعل بيد الله ، وأن فعل الله كُلُهُ حِكمة ، ورحمة ، وعدل ، وعلم ، فهذه القصة إذا قرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ينبغي أن نستسلم لله عز وجل ، وأن نرضى بقضاء الله وقدره ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ، يحمل سيدنا موسى علم الشريعة ، بينما يحمل سيدنا الخضر عليه السلام الحقيقة ، وهناك تكامل بين الحقيقة والشريعة ، وإن شاء الله تعالى نشرح هذا في الدرس القادم .
 
والحمد لله رب العالمين
 
 
 
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب