سورة المؤمنون 023 - الدرس (1): تفسير الآيات (001 – 007)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة المؤمنون 023 - الدرس (1): تفسير الآيات (001 – 007)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المؤمنون

New Page 1

تفسـير القرآن الكريم ـ سـورة المؤمنون- (الآيات: 001 - 007)

25/06/2011 18:19:00

تفسير سورة المؤمنون (023)
الدرس (1)
تفسير الآيات (1 – 7)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الأول من سورة المؤمنون .
تسمية سورة المؤمنون :
سورة المؤمنون على الحكاية ، قد يقول أحدكم : لماذا لا نقول : سورة المؤمنين على أنها مضاف إليه ؟ المؤمنون اسمٌ علمٌ على هذه السورة ، فتبقى مرفوعة بالواو ، فسورة المؤمنون على الحكاية ، إذاً مع الدرس الأول من سورة المؤمنون .
بسم الله الرحمن الرحيم
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
فضل سورة المؤمنون :
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أُنْزِلَ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ قَرَأَ : ] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ ، حَتَّى خَتَمَ عَشْرَ آيَاتٍ )) .
( الترمذي عن عمر )
 
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
 ( سورة المؤمنون )
هذه هي الآيات العشر التي من أقامَهُن دخل الجنة .
قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ
تحقُّق فلاح المؤمنين :
فقد : حرف تحقيق ، إذا جاءت قبل الفعل الماضي ، وتأتي قد حرف تقليل إذا جاءت قبل الفعل المضارع ، تقول : قد نجح فلان لتحقيق الوقوع ، وتقول : قد ينجح فلانٌ لاحتمال الوقوع ، بين تحقق الوقوع ، وبين احتمال الوقوع مسافةٌ كبيرة ، فقد إذا جاءت قبل الفعل الماضي تُعْرَب حرف تحقيق ، وإذا جاءت قبل الفعل المضارع تعرب حرف تقليل ، فهنا :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
الفلاح تحقق ، أما أي فلاحٍ آخر ينجزه الإنسان في الدنيا ربما لا يكون محققاً ، لو اشترى بيتاً فخماً ، وبالغ في تزيينه ، قد تعاجله المنية قبل أن ينتهي ، فهذا النجاح ليس محققاً ، وقد ينال المرء شهادةً عالية ، وقد تعاجله المنية قبل أن يستفيد منها ، وقد يقبض الإنسان مبلغاً كبيراً ، وقد تعاجله المنية قبل أن ينفقه ، فأيُّ نجاحٍ على وجه الأرض ليس محققاً أكيداً ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
ورود فعل أَفْلَح في القرآن في ثلاث آياتٍ حصرا :
ولو تتبَّعت فعل أفلح في القرآن الكريم لوجدت أن هناك ثلاث آيات فقط :
الأولى :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
( سورة الشمس )
الثانية :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾
( سورة الأعلى )
الثالثة :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
الفلاح هو تحقيق المراد :
وفلح الأرض أي شقَّها ، والفلاح هو النجاح ، لو أن إنساناً خطط لمستقبله ، أراد أن يكون طيباً فاجتهد في الشهادة الثانوية حتى حقق مجموعاً يتيح له أن يدخل كلية الطب ، ودخل إلى كلية الطب ، وتخرَّج  طبيباً ، ثمَّ تخصص ، ونال أعلى شهادةٍ في العالم ، وعاد إلى بلده ، وافتتح عيادةً ، وذاع صيته ، وحقق دخلاً كبيراً ، فاشترى بيتاً ، وتزوج ، واشترى مركبةً ، وكان دخله فوق حاجته ، نقول : هذا الطالب أفلح في دنياه ، أي رسم خطة ، وهذه الخطة تحققت ، فالفلاح هو النجاح ، والفلاح هو الـفوز ، والفلاح هو التفوُّق ، والفلاح هو تحقيق الهدف ، والفلاح هو تحقيق المراد ، الله سبحانه وتعالى يقول :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
أي الذين حققوا الهدف من خلقهم هم المؤمنون ، هناك من يتفوَّق في الدنيا ؛ هناك أصحاب الأموال الطائلة ، هناك أصحاب المراتب العليِّة ، هناك أصحاب الشهادات الرفيعة ، هؤلاء حققوا أهدافهم في الدنيا ، لكنَّ الحياة الدنيا إذا قيست إلى الحياة الآخرة ليست بشيء ، فالنجاح في الدنيا لا يعني النجاح الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى لعباده ، لأن النجاح الذي أراده الله سبحانه وتعالى لعباده هو النجاح الأبدي :
 
﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
 
( سورة الحديد )
النجاح الدنيوي لا قيمة له :
وما الحياة الدنيا إلا كمخيطٍ غُمس في مياه البحر ، فلينظر أحدنا بما يرجع ، إذا كانت الآخرة بحراً محيطاً كبيراً ، الحياة الدنيا نقطة ماءٍ يحملها مخيطٌ دقيق ، فالفلاح في الدنيا لا يُعَدُّ عند الله فلاحاً ، قد يعد عند الناس فلاحاً ، هذا له مال طائل ، وذاك له مرتبةٌ عالية ، وآخر له دخلٌ كبير ، ومنهم من له أولادٌ نجباء ، وهذا له زوجةٌ تروق له ، أو قوةٌ في الأرض يخافها معظم الناس ، هذه نجاحات الدنيا ، ولكن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، إذاً النجاح الدنيوي لا قيمة له ، يقول الإمام علي كرَّمَ الله وجهه : "الغنى والفقر بعد العرض على الله " .
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
لكن الفلاح الذي أراده الله سبحانه وتعالى ، وينتظره من عباده هو الفلاح الذي يمتدُّ أثره إلى الدار الآخرة ، لا الذي ينتهي في الدنيا : " إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه " .
فهل يسمَّى الذكي في الدنيا فالحاً عند الله ؟ لا .. قد يكون فالحاً عند الناس ، هل يسمى القوي في الدنيا فالحاً عند الله ؟ لا .. قد يكون فالحاً عند الناس ، هل يسمى الوسيم في الدنيا فالحاً عند الله ؟ قد يكون فالحاً عند الناس ، ولكنَّ الفلاح كلَّ الفلاح ، والنجاح كُلَّ النجاح ، والفوز كل الفوز أن تنال فلاحاً يمتدُّ إلى الدار الآخرة ، أن يكون النجاح متصلاً إلى الحياة الأبدية ، فهذا الذي ينقطع في الدنيا لا قيمة له ، قال عليه الصلاة والسلام :
((الدنيا دار بلاءٍ وانقطاع)) .
( ورد في الأثر )
والعبرة التي يغفل عنها معظم الناس ، أنَّ كل شيءٍ يجمعه الإنسان في الدنيا بدأ من أموال ، إلى بيوت ، إلى متنزهات ، إلى مركبات ، إلى مكانة ، إلى جاه ، إلى قوة ، هذا كلُّه يغادره الإنسان وهو خِلْوٌ من كل شيء ، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه :
(( كفى بالموت واعظاً )) .
( الجامع الصغير عن عمار بسند ضعيف )
مقياس الله في الفلاح :
فالمشكلة الكُبرى أن يتطابق مقياس الفلاح عندك مع مقياس الفلاح عند الله عزَّ وجل ، إذا كان لك مقياس للفلاح ، ولله سبحانه وتعالى مقياس آخر فهذه هي الخسارة ، لا بدَّ من تطابق مقياس الفلاح الذي تعتقده مع مقياس الفلاح الذي أراده الله سبحانه وتعالى ، الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان هو الفلاحُ الذي يريده لعباده ، فربنا عزَّ وجل مثلاً يقول :
1 - العدل وعدم الظلم :
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾
( سورة الأنعام )
إذا ظلم إنسانٌ زوجته ، ظلم جيرانه ، أكل حقوق الآخرين ، اعتدى عليهم ، اعتدى على أعراضهم ، استطاع أن يستغلَّهم ، أن يحتال عليهم ، هذا لا يسمَّى ذكيًّا ، وما فعله لا يسمى ذكاءً ولا تفوقاً ، إنه غباءٌ بعينه ، ربنا عزَّ وجل قال :
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾
    ( سورة الأنعام )
إذا بعت شيئاً أخفيت عيبه هل أنت ذكيّ ؟ لا .. أنت ظالم ، ظلمت المشتري بإخفاء العيب ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾
( سورة الأنعام )
ويقول :
2 – الإيمان وعدم الكفر :
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
هذا الذي أدار ظهره للدين ، وجحد نعمة الله عزَّ وجل ، ولم يلتفت إلى الله عزَّ وجل ، والتفت إلى الدنيا فحقق نجاحاً كبيراً ، هذا عند الله ليس بفالح .
﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
3 – التقوى :
من الآيات الأخرى التي تشير إلى نوع الفلاح قوله تعالى :
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة البقرة )
أي استنيروا بنور الله عزَّ وجل ، اقتبسوا من الله نوراً يريكم الخير خيراً والشر شراً ، والحق حقاً والباطل باطلاً لعلكم تفلحون .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
( سورة المائدة : 35 )
4 – العبادة وفعلُ الخير :
 
﴿وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة الحج  :آية " 77 " )
5 – ذِكْرُ آلاء الله :
﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة الأعراف )
إذا ذكرت آلاء الله ، آيات اللهِ الدالة على عظمته ؛ من شمسٍ وقمرٍ، ونجومٍ ، وليلٍ ونهارٍ ، وسحابٍ ومطرٍ ، وبحرٍ وجوٍ ، وسمكٍ وطيرٍ، وطعامٍ وشرابٍ ، هذه آلاء الله عزَّ وجل ، وما أكثرها من آيات وآلاء بينات .
﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة الأعراف )
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
 ( سورة البقرة )
ومن ذكر الآلاء والوقوف عندها تقوى الله .
فأن تتقي الله ، وأن تجاهد نفسك وهواك ، وأن تبتغي إليه الوسيلة ، ومن الوسيلة طلب العلم ، وحضور مجلس علم تستمع إلى تفسير كتاب الله عزَّ وجل ، وتنظر في ملكوت السماوات والأرض ، وتجاهد نفسك وهواك، وتلازم أهل الحق ، وتنفق من مالك في سبيل الله هذه كلها وسيلة .
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
( سورة البقرة )
وجاء الفلاح في آية أخرى تحدثنا عن فئة ارتقت ، وسمت حتى صار بينها وبين الله صلة لا حدود لها ، إنها حزب الله ،
6 – التزام جماعة المؤمنين الصادقين :
﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾
( سورة المجادلة )
        هل أنت من حزب الله ؟ هل أنت من المؤمنين الصادقين ، الطائعين ، المخلصين ، القانتين ، الصائمين ، الصادقين ؟
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾
( سورة الأحزاب )
فلذلك الظلم ليس فلاحاً ، والكفر ليس فلاحاً :
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾
( سورة الأنعام )
﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
أما تقوى الله فهي الفلاح ، وابتغاء الوسيلة هي الفلاح ، ومجاهدة النفس والهوى هي الفلاح ، وذكر آلاء الله هي الفلاح ، هذه طرق الفلاح ، والفلاح كل الفلاح أن تكون مؤمناً :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
قَدْ أَفْلَحَ :
عودة إلى حرف عمله عظيم ، وشأنه كبير ، يعطينا معنى التحقيق ، أيُّ نجاحٍ تحققه في الدنيا ربما لا يكون محققاً في النهاية ، قد تبيع ، وتشتري ، وفي لحظة تخسر منك كل الربح ، فلذلك يقول المختصُّون : "هذا ربحٌ ليس محققاً " ، لم يتحقق الربح بعد ، حتى يكون الرصيد فيه زيادةٌ عن رأس المال ، في حالة الديون والبضاعة التالفة ، والزبائن الذين لا يدفعون . فهذا ربح غير محقق ، لذلك ربنا عزَّ وجل وصف الفلاح الذي يحققه المؤمنون بأنه فلاحٌ محققٌ :
بعض الرزق من الفلاح :
والشيء بالشيء يذكر ، فحرف التحقيق والفلاح ذكراني بحديث شريف ، قال النبي عليه الصلاة والسلام :
1 - العقل واللبّ :
((  قد أفلح من رُزِقَ لُباً )) .
( الجامع الصغير عن قرة بن هبيرة بسند ضعيف )
هذا الذي رزق عقلاً يعينه على معرفة الحق من الباطل ، والخير من الشر ، وطريق الصلاح من طريق الشقاء ، هذا الذي رزق لباً قد أفلح، هكذا قال عليه الصلاة والسلام :
((  قد أفلح من رُزِقَ لُباً )) .
( الجامع الصغير عن قرة بن هبيرة بسند ضعيف )
لأن الله سبحانه وتعالى أعطى المُلك لمن لا يحبُّه ، وأعطى المال لمن لا يحبه ، وأما الذين يحبهم فأعطاهم العلم والحكمة .. " وما استذل الله عبداً إلا حظَر عليه العلم والأدب " .
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام يقول :
((  قد أفلح من رُزِقَ لُباً )) .
( الجامع الصغير عن قرة بن هبيرة بسند ضعيف )
إذا رزقت عقلاً راجحاً وحكمةً عاليةً فقد حققت كل النجاح ، لأن هذا العقل يهديك من خيرٍ إلى خير ، ومن مرتبةٍ إلى مرتبة ، ومن حالٍ إلى حال ، والنبي عليه الصلاة السلام حينما أسلم سيدنا خالد عليه رضوان الله، قال عليه الصلاة والسلام :
((عجبت لك يا خالد)) ، أي لماذا تأخرت ؟ ((عجبت لك يا خالد ، أرى لك فكراً)) .
( ورد في الأثر )
إذاً العقل شرطٌ أساسي لمعرفة الله عزَّ وجل ، لهذا يقول عليه الصلاة والسلام :
((أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً )) .
( ورد في الأثر )
((من لا دين له لا عقل له ، ومن لا عقل له لا دين له)) .
( ورد في الأثر )
والنبي عليه الصلاة والسلام رأى في الطريق مجنوناً فقال لأصحابه: " من هذا ؟ قالوا : هو مجنون ، قال :
((لا هذا مبتلى ، المجنون من يعصي الله )) .
( ورد في الأثر )
الذي يعصي الله هو المجنون لأن الآخرة لم يرها ، وكان في غفلةٍ عنها ، ويقول عليه الصلاة والسلام في موضوع الفلاح :
2 - الإسلام :
((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ)) .
( صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص )
3 – الكفاف :
ألا تحب أن تكون من المفلحين ؟ يقول عليه الصلاة والسلام :
((إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافاً)) .
( الجامع الصغير عن علي بسند ضعيف )
إذا امتن الله عزَّ وجل على أحدنا بالصحة ، وبراحة بالٍ ، وبأهلٍ صالحين ، ورزقٍ كفافٍ يكفيه فقط دون أن يزيد عليه ، فقد أحبَّه الله سبحانه وتعالى ، وقد أحبَّه النبي عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام :
((إن الله إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافاً)) .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً)) .
((من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر)) .
و ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ)) .
4 - الرضا والقناعة :
رضي بهذه الزوجة ، وبهذا البيت ، وبهذا العمل ، وبهذا الدخل ، وبهؤلاء الأولاد ، وبهذه السُكنى ، وبهذه الصحة ، وبهذا القِوام ، وبهذا الشكل رضي به ، هذا الذي رضي بما قسمه الله له عاش حياةً سعيدة .
5 - رؤية الحق وإصابته :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلإِيمَانِ ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا ، وَلِسَانَهُ صَادِقًا ، وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً ، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً ، وَجَعَلَ أُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً ، وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً ، فَأَمَّا الأُذُنُ فَقَمِعٌ ، وَالْعَيْنُ بِمُقِرَّةٍ لِمَا يُوعَى الْقَلْبُ ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ وَاعِيًا)) .
( مسند أحمد عن أبي ذر ) 
هذا هو الفلاح ، هذا الذي له عينٌ ترى  الحق ، ترى آيات الله وتعتبر ..
((أمرت أن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً)) .
فهذا الذي جعل عينه ناظرةً للحق ، وجعل أذنه مستمعةً للحق ، وجعل خليقته مستقيمةً لا زيغ فيها ، ولا انحراف ، ولا اعوجاج ، ولا ختل ، ولا مخادعة ، ولا ازدواجية ، ولا نفاق ، ولا تذبذب ، وجعل نفسه مطمئنةً بطاعة الله عزَّ وجل :
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾
( سورة الفجر )
إن الله سبحانه وتعالى يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين .
قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان ، هذا القلب وعاء أفرغه من كل شيء سوى الله عزَّ وجل ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾
( سورة الأحزاب : آية " 4 " )
6 - السلامة من الأمراض القلبية :
إما أن يمتلئ هذا القلب حباً لله ، أو أن يمتلئ حباً للدنيا ، لذلك قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان ، وجعل قلبه سليماً من كل مرض ؛ من الكبر، من العجب ، من الاستعلاء ، من الغيبة ، من النميمة ، من حب الذات ، هذه كلها أمراض مهلكة .
((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلإِيمَانِ ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا ، وَلِسَانَهُ صَادِقًا ، وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً ، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً ، وَجَعَلَ أُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً ، وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً ، فَأَمَّا الأُذُنُ فَقَمِعٌ ، وَالْعَيْنُ بِمُقِرَّةٍ لِمَا يُوعَى الْقَلْبُ ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ وَاعِيًا)) .
وفيما ترويه بعض الأحاديث القدسية أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الجنة قال لها :
((تكلمي فتكلمت فقالت : قد أفلح المؤمنون)) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف )
وفي حديثٍ آخر قالت :
((قد سعِد من دخلني)) .
( ورد في الأثر )
فهذه الآيات العشر التي بين أيدينا ، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو الصادق المصدوق يقول :
((أُنْزِلَ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ قَرَأَ : ] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ حَتَّى خَتَمَ عَشْرَ آيَاتٍ)) .
لدينا قاعدة في المنطق ، أن الصفة قيدٌ ، أي لو قلت : إنسان ، هذه الكلمة تشمل خمسة آلاف مليون إنسان ، أليس كذلك ؟ إذا وصفت هذا الإنسان بأنه إنسان عربي ، هذه الدائرة التي كانت تتسع لخمسة آلاف مليون ضاقت حتى أصبحت تشمل مئة مليون ، أليس كذلك ؟ فإذا قلت : إنسان عربي مسلم ضاقت إلى تسعين مليونًا ، فإذا قلت : إنسان عربي مسلم مثقَّف ، ضاقت إلى عشرين مليونًا ، فإذا قلت : إنسان عربي مسلم مثقف طبيب ، خمسمئة ألف ، إنسان عربي مسلم مثقف طبيب .. طبيب قلب .. يمكن ألف ، جراح قلب يمكن واحد ، كلَّما أضفت صفةً ضاقت الدائرة فالصفة قيد ، إذا قال أحدهم : أنا مؤمن ، والحمد لله أنا فالح ، يقول : انتظر .
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
صفات المفلحين :
1 - الإيمان :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
فرضاً خمسة آلاف مليون ..
2 - الخشوع في الصلاة :
 
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
ضاقت الدائرة .
3 - الإعراض عن اللهو :
 
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
 
ضاقت ..
4 - أداء الزكاة وحفظ الفرج وأداء الأمانة الحفاظ على الصلاة :
 
 
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
كلما أضيفت صفةٌ ضاقت الدائرة ، فلذلك الفلاح الذي عناه الله سبحانه وتعالى ليس لمن يَدَّعي الإيمان ، وليس لمن يتوهَّم أنه مؤمن ، ولكن لمن انطبقت عليه كل هذه الشروط ، إذاً :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
الفلاح دنيوي وأخروي :
قال بعضهم : الفلاح في الدنيا البقاء ، أن يكون عمره مديداً ، والغنى ، والعِز ، وقال بعضهم : أما الفلاح في الآخرة فهو بقاءٌ بلا فناء ، وغنىً بلا فقر ، وعزٌ بلا ذل ، وعلمٌ بلا جهل ، وهذا ينطبق على أهل الآخرة ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام كلَّما وقعت عينه على بيتٍ جميل أو على شيءٍ من حُطام الدنيا ، أو على بستانٍ جميل ، أو على شيءٍ يروق للناس كان يدعو ، ويقول :
((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة)) .
( متفق عليه عن أنس )
لأن هذا موَقَّت ، هذا لا بدَّ من أن يذهب ، سيدنا عمر رضي الله عنه أمسك تفَّاحةً شهية ، فقال : << أكلتها ذهبت أطعمتها بقيت >> .
فكل شيء تستهلكه يذهب ، أما إذا أنفقته يبقى ، والسعداء الذين قَدَّموا أموالهم أمامهم إلى الآخرة ، فإذا وافتهم المنيَّة رأوا لهم مقاماً عند الله رفيعاً ، شيءٌ آخر :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
مَن هم المؤمنون ؟
من هم المؤمنون ؟ ما هو الإيمان ؟ قال :
وكلٌ يَدَّعي وصلاً بليلى    وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا
قال عليه الصلاة والسلام :
((ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني)) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال )
لو سألت ألف مليون مسلم الآن : هل أنت مؤمن ؟ يقول لك : نعم ، والحمد لله أنا مؤمن ، وقد يكون غارقاً في المعاصي ، فهل ادعاء الإنسان أنه مؤمن يجعله مؤمناً ؟ إذا قلت : إنَّك تحمل دكتوراه ، وأنت لا تقرأ ولا تكتب ، فهذا الكلام هل يجعلك تحمل هذه الشهادة ؟ هذا ادعاء ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني)) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال )
كلنا يتمنى أن يكون مؤمناً ، ولكن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ، لك أن تلبس ثوباً أبيض ، وتضع مصحفاً في جيبك ، وسواكاً في الجيب الثاني ، أن تضع على دكانك التجاري آية قرآنية ..
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾
( سورة الفتح )
أو الحاج فلان ، هذا تحلٍّ ، أن تضع على مركبتك مصحفاً تحت المرآة ، فهل معنى ذلك أنت مؤمن ؟ لا ..
((ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني)) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال )
إذا كان الإنسان لا يقرأ ولا يكتب ، وارتدى ثوباً أبيضَ ، ووضع نظَّارات، ووضع سماعة بأذنه ، وأحضر دفتراً أبيض ليكتب ، فهل أصبح طبيباً ؟ وآخر معه بورد ، وبالمظهر نفسه، شتَّان بين هذا وذاك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ، يقول :
((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وأقرَّ به اللسان وصدَّقه العمل)) .
نريد عملاً يؤكِّد إيمانك ، نريد قلباً مفعماً بالإيمان ، ولساناً يلْهَجُ بذكر الله عزَّ وجل ، ومصداقاً في العمل ..
" ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام  ".
نريد مصداقاً في العمل ، المؤمن صادق ، المؤمن لا يكذب ، المؤمن لا يخون ، المؤمن لا يزني . الله عزَّ وجل قال :
﴿وَلَا يَزْنُونَ ﴾
( سورة الفرقان : من الآية " 68" )
ومن الزنى زنى النظر ، ومن الزنى زنى السمع ، وزنى اليد ، فالإيمان ما وقر في القلب ، وأقر به اللسان ، وصدَّقه العمل .
من تعريفاتٍ النبي عليه الصلاة والسلام للإيمان :
والنبي عليه الصلاة والسلام أعطى تعريفاتٍ عدةً للإيمان :
الإِيمَانُ :
(( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) .
إذا كان الإنسانُ أمام شخصين هل يفعل عملاً قبيحاً ، أم يستحي؟ فإذا آمنت بالملائكة ؛ ملك اليمين وملك الشمال استحييت منهما ، وأنت إذا صلَّيت تقول : السلام عليكم ورحمة الله ، تسلم عليهما ؟ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ، إذا كنت مؤمناً بالكتاب فلماذا آثرت الغني كزوج لابنتك عن الشاب الفقير الذي هو أكثر إيماناً ؟ إذاً أنت لا تؤمن بالكتاب ، ربنا عزّ وجل قال :
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
( سورة البقرة : آية " 221 " )
فإذا قرأت القرآن وقلت : صدق الله العظيم ، ولم تؤثر المؤمن في تزويج ابنتك فأنت لست مصدقاً بهذا الكتاب ، فأن تؤمن بالله أنه معك سميعٌ بصيرٌ ، مجيبٌ قويٌ ، غنيٌ ، عادلٌ ، أن تؤمن بأسمائه الحسنى ، وصفاته الفُضْلى ، وملائكته ، وكتبه ، ورسوله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، والإيمان معرفةٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان ، والإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله .. و ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
لا إله إلا الله نهاية العلم .
قال تعالى :
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ﴾
( سورة الشعراء )
وأدناها ،
الإِيمَانُ:
((إماطة الأذى عن الطريق)) .
( البخاري)
فالذي يزيح عن طريق المسلمين الأذى ، حتى ولو كانت شوكة ، أو قطعة زجاج ، هذا نوع من الإيمان ، هو يرجو مرضاة الله عزّ وجل بهذا الأذى الذي أماطه عن طريق المسلمين ..
الإِيمَانُ:
((بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)) .
( صحيح البخاري : عن أبي هريرة )
((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) .
( صحيح البخاري : عن أبي هريرة )
ويقول عليه الصلاة والسلام :
الإِيمَانُ:
((قَيَّدَ الْفَتْكَ ، ولا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ)) .
 ( سنن أبي داود : عن أبي هريرة )
من كان فيه ذرَّة إيمان لا يفتك بأخيه الإنسان ظلماً وعدواناً وتشفياً ؟ ولا يفتك بحيوان ولا بنملة ؟ لا والله  ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
( سورة النمل )
((فالإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكِ ولا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ)) .
المؤمن لا يتجنى على إنسان ، ولا يفتري على إنسان ، ولا يسبب أذى لأحد ، ولا يعتدي على ماله ولا  على سمعته عن قصد وتصميم وهو مؤمن كذبٌ والله .
((الإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكِ ، ولا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ)) .
والإيمان
كما قال عليه الصلاة والسلام :
((عفيفٌ عن المحارم ، عفيفٌ عن المطامع)) .
( ورد في الأثر )
فالذي يطمع فيما ليس له فإنه ليس مؤمناً ، والذي لا يعُفُّ عن أعراض الناس ولا عن أموالهم ليس مؤمناً .
والإيمان :
كما قال عليه الصلاة والسلام :
((نصفان نصفٌ صبرٌ ، ونصفٌ شكرٌ)) .
فالواحد منا لا يظن نفسه مؤمناً ، هذه تعاريف الإيمان كما عرَّفها النبي العدنان : ((الإيمان نصفٌ صبرٌ ، ونصفٌ شكرٌ))  .
((الإيمان عفيفٌ عن المحارم ، عفيفٌ عن المطامع)) .
( ورد في الأثر )
والإيمان :
 ((الإيمان الصبر والسماحة)) .
((الإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ ، لا يَفْتِكِ مُؤْمِنٌ)) .
        وفي الحديث :
((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)) .
( صحيح مسلم عن أبي هريرة ) 
والإيمان :
((الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ)) .
( سنن أبي ماجة عن علي بن أبي طالب )
((الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ...)) .
 ( مسند أحمد )
((وليس الإيمانِ بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن ما وقر في القلب ، وأقره اللسان ، وصدقه العمل)) .
فإذا قال ربنا عزّ وجل :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
أي هؤلاء الذين تنطبق عليهم تعاريف النبي عليه الصلاة والسلام :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
منزلة الـصـلاة في الكتاب والسنة :
1 - الصلاة نور :
الصلاة كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( ... وَالصَّلاةُ نُورٌ ...)) .
( سنن النسائي عن أبي مالك الأشعري  )
إذا اتصلت بالله اتصالاً صحيحاً قذف الله في قلبك النور ، فرأيت به الخير خيراً والشرَ شراً ، رأيت به الحق حقاً والباطل باطلاً .. لهذا قال عليه الصلاة والسلام :
((اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَرَأَ : ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ[)).
 ( سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري )
2 - الصلاة ذِكْرٌ :
والصلاة كما قال الله عزّ وجل : ذكرٌ لله ..
﴿وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
( سورة طه )
فإذا وقفت بين يديه ، وقد نسيت أن تذكره جاءتك الخواطر من كل حدبٍ وصوب ، وطاحت بك الخطرات ، فأين هو الذكر ؟
﴿وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
( سورة طه )
والله سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ
( سورة العلق )
3- الصلاة قُربٌ :
الصلاة قرب من الله عزّ وجل :
(( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ )) .
( صحيح مسلم ن أبي هريرة )
4- الصلاة طهورٌ :
والصلاة طهور ، وكما قال تعالى :
]إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر [ .
 
5- الصلاة خشوعٌ :
والصلاة خشوع :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
6- الصلاة وعيٌ :
 والصلاة وعيٌّ :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
( سورة النساء : آية " 43 " )
فهذا الذي لا يعلم ما يقال في الصلاة كأنه سكران ، في حكم السكران تماماً ، ما دام الله سبحانه وتعالى قال - وهذه الآية طبعاً منسوخة - :
﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾
لماذا ؟
﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ
7- الصلاة مناجاة :
فهذا الذي لا يعلم ما يقول هو في حكم السكران تماماً ، والصلاة مناجاةٌ ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((لو يعلم المصلي من يناجي ما التفت)) .
( ورد في الأثر )
أي ما التفت عن صلاته ، والصلاة عقلٌ .
8- الصلاة عقلٌ :
يقول عليه الصلاة والسلام :
((ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها)) .
( ورد في الأثر )
الذي عقلته من صلاتك هي الصلاة ، وما سواها لا قيمة لها .
9- الصلاة عُروجٌ :
والصلاة كما قال عليه الصلاة والسلام عروجٌ :
((الصلاة معراج المؤمن)) .
( ورد في الأثر )
      فالصلاة لها تسعة تعريفات ..
﴿وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
( سورة طه )
والصلاة نورٌ ، والصلاة طهورٌ ، والصلاة وعيٌّ :
﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
( سورة النساء : آية " 43 " )
والصلاة خشوعٌ ، والصلاة قربٌ :
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
 ( سورة العلق )
والصلاة مناجاةٌ ، والصلاة عقلٌ ، والصلاة عروجٌ ، إذاً :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
أهمية الخشوع في الصلاة :
لابد من الخشوع في الصلاة ، تصور أنك تقابل إنساناً يقع في قمة المجتمع ، المجتمع مثل الهرم تماماً ، آخر حجر في الهرم ، أو أعلى حجر هو قمة هذا الهرم ، لو أنك تقابل إنساناً يقع في قمة هذا الهرم الاجتماعي، كيف تقابله ؟ هل تعبث أمامه بسبحةٍ ؟ هل تقرأ أمامه صحيفةً يومية ؟ هل تتمطى أمامه ؟ هل تتثاءب ؟ لا والله ، هل تفكر في غير موضوع المقابلة؟ راقب نفسك لو قابلت موظفاً مهماً ، وأنت في حضرته هل تفكر في موضوعٍ آخر غير موضوع المقابلة ؟ إذا كنت بحضرة إنسانٍ ذي شأنٍ تقف هذا الموقف الخاشع ، فكيف إذا وقفت بين يدي الله عزّ وجل ؟ الخشوع السكينة والوقار من لوازم الوقوف بين يدي العزيز الجبار ..
 النبي عليه الصلاة والسلام رأى أعرابياً يعبث بلحيته في الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام :
((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)) .
( ورد في الأثر )
فالعلماء قالوا : " الخشوع محله القلب ، ومظهره في الجوارح " .
فلو خشع قلب الإنسان لخشعت جوارحه ، فهذا الذي ينظر في أثناء الصلاة إلى الأعلى ، أو إلى لوحات جميلة ، وثريات فخمة ، وستائر مزركشة زين بها جدران المسجد وسقفه ، ما هذه الصلاة ؟  
((لو خشع قلبه لخشعت جوارحه)) .
فربنا عزّ وجل لم يطلق الفلاح في الصلاة بل قال :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
حكم الخشوع في الصلاة :
أي أن الخشوع ليس من فضائل الصلاة ، لا .. بل من فرائض الصلاة ، ليس من فضائلها ، بل من فرائضها ، فلو اختل الخشوع اختلَّت الصلاة ، يوجد أشخاص يعدون دراهمهم في أثناء الصلاة ، ولكن ليس في بلادنا ، بل في بلاد أخرى ، أو ينظر إلى الساعة ، يغيِّر من وضع هندامه في أثناء الصلاة ، هذا كلُّه يتنافى مع الخشوع .
   عدّ أبو حنيفة رضي الله عنه أن أكثر من ثلاث حركات تفسد الصلاة ، لأن هذه الحركات تتناقض مع الخشوع :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
من صفات المؤمنين : اجتناب اللغو :
ما هو اللغو ؟
اللغو في أجمل تعاريفه : كل ما سوى الله لغو ، فأنت أمام عمل ينتهي أثره بالموت فهو لغو ، أو يمتد أثره بعد الموت فهو حق ، فكن مع الحق دائماً ؛ في حديثك ، في مزاحك ، في حركتك ، في غضبك ، في رضاك ، في لهوك ، في عملك ، في تفكيرك ، في نشاطك ، كن مع الحق دائماً ، كن مع عملٍ إذا فعلته امتد أثره إلى الآخرة ، أما هذا الذي يفعل عملاً ينقطع عند الدنيا هذا لهو ، كل ما سوى الله باطل :
ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطلُ    وكـل نـعيمٍ لا مـحالةَ زائلُ
***
قائل هذا البيت شاعر مخضرم اسمه لبيد ، فقال عليه الصلاة والسلام : أصدق بيتٍ قاله لبيد :
((ألا كل شيٍ ما خلا الله باطلُ)) .
( البخاري عن أبي هريرة )
فقط ولم يكمل اللهم صل عليه ، لأن الشطر الثاني غير صحيح ، وكل نعيمٍ لا محالةَ زائلُ ، نعيم أهل الجنة لا يزول ، هذا كلام شعر فيه حق ، وفيه باطل ، ولكن أول شطر صحيح : ألا كل شيٍ ما خلا الله باطلُ
تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من اللغو :
في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( طوبى من شغله عيبه عن عيوب الناس )) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف )
(( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )) .
( الترمذي ، ابن ماجه عن أبي هريرة )
(( إن الله كره لكم قيل وقال وإضاعة المال )) .
( متفق عليه عن المغيرة بن شعبة )
       فهذا لغو لأنه موضوع سخيف :
(( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافَها ، ويكره سفسافها )) .
( الجامع الصغير عن الحسين بن علي )
هذا لغو ، هناك لغو بالأقوال ، ولغو بالأعمال ، ولغو بالنشاطات ، والمؤمن يستهلك وقته ، وجهده ، وذكاءه ، وعمله ، وعضلاته في سبيل مرضاة الله عزّ وجل ، لذلك :
 
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
من صفات المؤمنين : إنفاق المال :
ينفقون من أموالهم ، من أجل تطهيرها ليتوصلوا إلى تطهير نفوسهم بهذا الإنفاق ، أي أن هناك طهارتان : طهارة المال ، وطهارة النفس ، والمال الذي يزكَّى عنه هو مالٌ طاهر يحفظه الله سبحانه وتعالى :
(( وما تلف مالٌ في برٍ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة )) .
( الجامع الصغير عن عمر)
(( من أدى زكاة ماله ذهب عنه شرُّه )) .
( الترغيب والترهيب عن جابر بسند حسن)
أي شر المال .
والمال قد يطغي ، والعلماء يقولون : " أي مالٌ دفعت زكاته فليس بكنز مهما كان كبيراً ، وأي مبلغٍ مهما كان قليلاً إذا امتنع صاحبه عن دفع زكاته فهو كنز ، ولا يحق لك أن تصف إنساناً يؤدِّي زكاة ماله بالشُّح "  ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( برئ من الشُح من أدَّى زكاة ماله )) .
( الجامع الصغير عن خالد بن زيد بن حارثة)
انتهى الأمر ، فهؤلاء المؤمنون فضلاً عن أنهم قد أفلحوا لأنهم مؤمنون .
دفعوا من أموالهم زكاة تقربوا بها إلى ربهم فأقبلوا عليه فزكت نفوسهم ، سميت الزكاةُ زكاةً لأنها تزكو بالنفس ، فالمؤمن نفسه طاهرة وبريئة ، صافية ، وعنده تواضع ، وعنده إخلاص ، وعنده صدق وأمانة ، صفات سامية عددها جعفر رضي الله عنه عندما وقف بين يدي النجاشي مدافعاً عن دينه :
(( كنا قوم أهل جاهلية ؛ نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار ، ونقطع الرحم ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه )) .
(أحمد في المسند عن أم سلمة)
إذاً هذه الصفات العالية تأتي من الاتصال بالله عزّ وجل :
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
ينفقون من أموالهم ليطهروا أنفسهم بالإقبال على الله عزّ وجل ، والحقيقة الإنسان كله كلام بكلام حتى ينفق من ماله ، فإذا أنفق من ماله الذي اكتسبه بعرق جبينه عندئذٍ يرقى عند الله عزّ وجل ، لأن الإنفاق يؤكِّد الإيمان ، سميت الصدقةُ صدقةً لأنها مصداق صاحبها ، لأنها دليل صدق صاحبها في طلب مرضاة الله عزّ وجل : أي " من شاء صام ومن شاء صلَّى" ، هكذا قال سيدنا عمر ، الصلاة سهلة لا تكلف شيئاً.. من شاء صام ، فإنه وفَّر طعاماً ، ومن شاء صلى لكنها الاستقامة ، وربنا عزّ وجل عندما قال :
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
( سورة آل عمران  )
من هم المتقون ؟
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾
( سورة آل عمران  : آية " 134 "  )
لماذا بدأ الله سبحانه وتعالى حينما وصف المتقين بأنهم ينفقون في السرَّاء والضرَّاء ؟ لأن الإنفاق وحده هو الذي يؤكِّدُ صدق إيمانهم :
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾
( سورة المؤمنون )
من صفات المؤمنين : حفظ الفروج :
سبحان الله  ! ال بعض العلماء ولا سيما في تفسير القرطبي : " إن الله سبحانه وتعالى ربط فلاح الإنسان بحفظه لفرجه " .
هذه قضية أساسية :
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾
وربنا عزّ وجل في آية أخرى بيَّن لنا طريق حفظ الفرج ، فقال الله عزّ وجل :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور : آية " 30 " )
قد يمتنع الإنسان أحياناً عن السرقة لأسباب يعلمها الله سبحانه وتعالى ، قد يقول : هناك قوانين شديدة جداً تعاقب السارق ، أحياناً قد تتفق أحكام الدين مع أحكام القانون ، فهذا الذي لا يسرق لا تدري لمَ لمْ يسرق ؟ أخوفاً من الله عزّ وجل ؟ أم خوفاً من عقابٍ شديد ؟ الله أعلم ، لكن الذي يغضُّ بصره عن محارم الله هذا بدافع خوف الله قطعاً لأن القوانين الأرضية لا تُحَظِّر إطلاق البصر ، لذلك :
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾
( سورة المؤمنون : آية " 5 " )
وطريق حفظ الفرج غض البصر .. " ومعظم النار من مستصغر الشررِ" .
وجوب الابتعاد عن أسباب الزنا ومقدماته : وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى
الأخطار الكُبرى أولها شرارة ، فلذلك غض البصر طريق حفظ الفرج :
 
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾
يقول السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :
(( ليس الشريف الذي يهرب من الخطيئة ، ولكن الشريف هو الذي يهرب من أسبابها )) .
من أسبابها ، فالزنى له طريق ، ربنا عزّ وجل قال :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى
( سورة الإسراء : آية " 32 " )
فمعنى هذا أن الزنى يجب أن تُبقي بينك وبين الزنى هامش أمان كبيرًا ، إطلاق البصر كأنك دخلت في هذا الهامش الخطر ، صحبة الأراذل دخلت في هذا الهامش الخطر ، الحديث عن النساء دخلت في هذا الهامش الخطر ، مصاحبة أهل الدنيا ممن لا يتورعون عن الزنى دخلت في هذا الهامش الخطر ، قراءة قصةٍ ماجنة دخلت في هذا الهامش الخطر ، ربنا عزّ وجل قال :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء : آية " 32 " )
لم يقل : ولا تزنوا ، بل قال :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾
( سورة الإسراء : آية " 32 " )
والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾
( سورة النور : آية " 30 " )
أول جزاءٍ كريمٍ من الله عزّ وجل لمن يغضُّ بصره زواجٌ موفق ، وأول عقابٍ أليمٍ لمن يطلق بصره ، زواجٌ شقي ، وليس في الزواج حلٌ وسط ، إما أن تكون في جنة ، وإما أن تكون في النار :
 
 
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
أدب القرآن في الكنايات : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
بعضهم يقول : لا حياء في الدين ، والله الذي لا إله إلا هو إنّ الدين كلّه حياء ، والله سبحانه وتعالى يعلمنا الحياء ، هل هناك من قولٍ ألطف وأجمل من هذه الكناية ؟
 
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
دخل في هذه الآية مئات الانحرافات الأخلاقية :
 
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
الزواج هو الطريق النظيفة لشهوة الجنس :
أي إلا على أزواجهم ، الآن لا يوجد : ]وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [ ، ولا أحد يفكر فيها إطلاقاً :
 
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾
 
ليس مُلاماً لا من الحق ، ولا من الخلق ، من الأعراس نسمع أصوات السيَّارات تصم الآذان ، الجماعة غير مستحيين ، لأن هذا وَفق الشرع ، أما إذا كان هناك شيء خلاف الشرع تجدها من غير صوت .
 
 
﴿  إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
وسوف نتابع تفسير هذه الآيات إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.
والحمد لله رب العالمين
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب