سورة الشعراء 026 - الدرس (12): تفسير الأيات (176 – 191)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الشعراء 026 - الدرس (12): تفسير الأيات (176 – 191)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 18 - رمضان - 1445هـ           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 41- اقتصاد الأسرة في ظل الأزمات- سامر خويرة -27 - 03 - 2024           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - رمضان - 160- كلية رمضان           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 18 - رمضان في ظلال ايات الرباط - الشيخ عيد دحادحة           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - رمضان الانتصارات - في ظلال بدر وفتح مكة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 370 - سورة النساء 135 - 135         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الشّعراء

New Page 1

تفسـير القرآن الكريم ـ سـورة الشّعراء - (الآيات: 176 - 191)

20/10/2011 16:47:00

سورة الشعراء (026)
الدرس (12)
تفسير الآيات: (176 – 191)
قصة سيدنا شعيب ـ علم اليقين
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثاني عشر من سورة الشعراء ، لا زلنا في هذه السورة وفي القصص التي أوردها الله فيها ، ونحن اليوم مع قصة سيدنا شعيب ، وهي آخر قصة في سورة الشعراء ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴾
قصة سيدنا شعيب مع أصحاب الأيكة :
الأيكة ؛ الشجرة الملتفة ، يبدو أن هؤلاء القوم كانوا في أرضٍ خصبةٍ ، وفيها أشجارٌ كثيفة ، لكن المفسرين يقولون ، إن سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، أُرسل إلى قومين اثنين ، أرسل إلى قومه ، أهل مدين ، وأرسل إلى أصحاب الأيكة ، والدليل أن الله سبحانه وتعالى حينما حدثنا عن أهل مدين فقال :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾
( سورة الأعراف : 85 ) .
بينما هنا يقول الله عز وجل :
﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾
حينما حدثنا عن أهل مدين قال :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾
إذاً أهل مدين قوم سيدنا شعيب ، بينما أصحاب الأيكة قوم آخرون أرسله الله إليهم ، والأيكة هي الشجرة الملتفة ، أما الأيك فجمع أيكة ، يعني الغابة ، ويبدو أن هؤلاء يعيشون في بحبوحة ، وفي ظلٍ ظليل ، وماء فرات ، وحياة رخيّة ، لكنهم كفروا بالله عز وجل ، فأهلكهم الله عز وجل كما أهلك الأقوام السابقة .
 
﴿قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
تكرار الأمر بالتقوى لأهميتها :
هذه الآيات تتكرر مع كل قصة بالتمام والكمال ، الآن الخطاب الخاص لأصحاب الأيكة :
﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾
الأمر باستيفاء الوزن وعدم بخض الناس أشياءهم :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا وَزَنْتُمْ فَأَرْجِحُوا )) .
[ أخرجه ابن ماجة ] .
فأن تزن بالقسطاس المستقيم هذا من لوازم الإيمان ، وَالله سبحانه وتعالى يقول في سورة أخرى :
﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾
( سورة المطففين : 1 ) .
الويل هو الهلاك ، والشقاء لمن يبخس الناس أشياءهم ، وإذا ذكر الله الوزن ، فالمقصود أيضاً أشياء أخرى ، يعني إذا أنت أقنعت البائع أن بضاعته سيئة ، ولم يستطع أن يبيعها لرداءتها ، وأنه تورط في شرائها ، فانهارت معنوياته ، و باعك إياها بثمن بخس ، هذا من قبيل أنك بخست الناس أشياءهم ، وأنت إذا كلفت أن تقيم داراً ، أو تقيّم مركبة، أو تقيم أرضاً ، فإذا كان لك مصلحة في أن يهبط السعر ، ولا تعطي الرقم الصحيح ، فأنت ممن ينطبق عليه قوله تعالى :
﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ﴾
فهذا التطفيف يكون في الكيل ، والمساحة ، والعدد ، والتخمين ، حتى يدخل فيها تقييم الرجال ، يجب ألا يخرجك رضاك عن الحق ، وكذلك ألا يخرجك غضبك عن الحق ، فيبدو أن هؤلاء أصحاب الأيكة كانوا يبخسون الناس أشياءهم .
الآن جرب أن تبيع حاجةً فتعرضها على الناس ، فإنهم يعطونك أقل الأسعار ، فإذا أردت أن تشتري هذه الحاجات ، يطلب منك أعلى الأسعار ، ما معنى ذلك ؟ أن الذي عرض عليك سعر الشراء بخسك قيمتها ، ومما تعلمون أن الذي يطفف بتمرة واحدة تجرح عدالته ، وليس المقصود الوزن فقط ، الوزن ، و الكيل ، والمساحة والعدد ، الذي يقيس القماش ، إذا قاسه مشترياً يرخى القماش ليشكل خطاً منحنياً فإذا قاسه بائعاً شد القماش ، هذا يفرق بالثوب الواحد نصف متر ، أو متراً ، فهذا ممن يبخس الناس أشياءهم أو من المطففين .
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
إذا بعت سلعة غالية ، تضع لها العبوة من ورق ، أو من كرتون بنفس الثمن ، بينما السلف الصالح يضعون في الكفة الثانية ورقة تماثل ورقة العبوة ، لئلا يكون ثمن الورق بثمن الشاي ، أو البن ، فهذا كله من قبيل
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾
﴿قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ*إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ
بيع المضطر : الذي يشتري بثمن بخس من إنسان مضطرٍ ليبيع هذه السلعة ، فقد بخس الناس أشياءهم ، وأكل مالاً حراماً ، مثلاً شخص ابنه في المستشفى ، وهو مضطر أن يبيع هذه الخزانة فيأخذها المشتري منه بربع ثمنها ، هذا من قبيل أنه بخس الناس أشياءهم .
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾
النهي عن الفساد والإفساد :
الإفساد كلمة واسعة جداً ، من صفات المنافقين أنهم مفسدون ، يفسدون العقائد ، ويفسدون الأخلاق ، والعلاقات ، الأخلاق تفسد ، والعلاقات تفسد ، والعقائد تفسد ، وهذا كله من عمل المنافقين ، والكافرين .
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾
(سورة البقرة : 11 ـ 12 ) .
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾
متى يعصي الإنسان ربه ؟
الحقيقة ، سألت نفسي سؤالاً ، وأنا أقرأ هذه الآيات ، متى يعصي ؟ لمّا لم يستقم هؤلاء على أمر الله ؟ لمّا بخسوا الناس أشياءهم لما طفّفوا في الميزان ، لما باعوا بيعاً حراماً ، لما لم ينضبطوا ، في عندنا سؤال كبير ، هذا سؤال دائم ، الآن ترى أنَّ القرآن بين أيدي الناس ، والخطب الرنانة ملْءَ أسماعهم ، والأشرطة يسمعونها في البيت ، وفي السيارة ، والحق محيط بهم من كل جانب ، والسؤال الخطير ، لماذا يعصي الإنسان ربه ؟ بينما يستمع إلى الحق بشكل مستمر ، الجواب : أن الإنسان يعصي ربه إذا لم يتيقن من أن الله عالم ومن أن الله قادر ، وربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
( سورة الطلاق : 12 ) .
ربنا عز وجل اختار من أسمائه الحسنى الكثيرة ، ومن صفاته الفضلى الكثيرة ، اختار اسمين ، العليم ، والقدير ، يعني أنك لن تطيع جهة ، إذا لم توقن أن علمها بالمخالفة يطولك ، وإنك لن تطيع جهة إذا لم توقن أن قدرتها تطولك ، دعوا هذا البحث المهم ، وتعالوا إلى الواقع ، إنسان يصدر أمراً متى ينفذ بحذافيره ، ومتى لا ينفذ ، إذا كان الذي أصدر هذا الأمر قوياً ، ويعني ما يقول ، ويفعل ما يقول ، وأنت موقن بذلك فلن توصيه ، ولكنك تعصيه في حالة واحدة ، إذا كان علمه بالمخالفة ناقصاً أنت في مكان ناءٍ ، وقانون وتنظيم السير شديد جداً ، لكن ما في المكان شرطة ، مادام علم الذي أصدر هذا القانون لا يطولك فإنك تعصيه ، وإذا كان يطولك علمه فإنك لا ولن تعصيه .
الإنسان يعصي في حالتين ، إذا كان علم الآمر لا يطوله ، أو إذا كانت قدرته لا تطوله ، أما إذا تيقنت أن علمه يطولك ، وأن قدرته تطولك ، بشكل طبيعي أكيد حتمي قطعي ، تطبق الأمر ، لذلك إذا علمت من قدرة الله ما علمت ، أنك في قبضته ، وأن كل شيء في حياتك بأمره ، مبدئياً صحتك ، أجهزتك ، عقلك ، أعصابك ، أوردتك ، قلبك ، رئتاك الجهاز الهضمي ، الكليتان ، العضلات ، العظام ، كل خلية في جسمك إنما هي بأمره ، وأهلك ، وأولادك ، ومن فوقك ، ومن تحتك ، وما حولك ، والجراثيم ، والعصيات ، والفيروسات ، كلها بأمره ، وكلها جنوده ، إذا علمت أن قدرته تطولك ، وأن علمه يطولك فلا ولن تعصيه ، يقول سبحانه :
﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى
( سورة طه : 7 ) .
يعلم الذي أسررت ، والذي أعلنت ، يعلم خواطرك ، يعلم مشاعرك ، يعلم طموحاتك ، يعلم نواياك ، إذا تحققت من علمه ، وتحققت من قدرته ، فالنتيجة الحتمية ، الطبيعية ، القطعية ، أنك تستقيم على أمره ، وأي إنسان لا يستقيم على أمر الله ففي يقينه بعلم الله خلل أو يقينه بقدرة الله خلل ، أما لو تحقق من علم الله ، ومن قدرته ، التحقق الكافي ، واليقين الكافي لرأى نفسه بشكل لا شعوري قد استقام على أمر الله .
مثل آخر : ما الذي يحكم حركة الإنسان اليومية ؟ لماذا فلان يسرق ؟ لماذا فلان يطلق بصره بالحرام ؟ لماذا فلان يغض بصره عن محارم الله ؟ لماذا قال سيدنا يوسف :
﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
( سورة يوسف : 23 ) .
الاعتقاد الفاسد والتصور الخاطئ سبب المعصية :
ولماذا آلاف الآلاف من الناس إذا سمحت لهم فرصة كفرصة سيدنا يوسف يرونها مغنماً ، لماذا هذا أقدم ، وهذا أحجم ؟ لماذا هذا أكل مالاً حراماً ، وهذا قال : معاذ الله ، أموت جوعاً ، ولا أقبض هذا المبلغ لماذا ؟ يعني سؤال آخر ، ما الذي يحكم تصرفات الإنسان ؟ ما الذي يسيره؟ ما الذي يوجهه ؟ إنها تصوراته ، فالسارق يتصور أن السرقة مغنم، وأنها جهد يسير ، ودخل كبير ، ولم يقبض عليه ، فالذي يدفعك نحو هذا العمل ، أو يحملك على أن تحجم عنه تصورات ، هذه التصورات تعد تقليداً إذا افتقرت إلى الدليل ، فالسارق مثلاً يقول : أخي هكذا الناس يفعلون ، نحن مع الناس ، هذا كلام عامة ، مادام عملك ينطلق من فكرك وأنت تفتقر إلى الدليل ، فهذا الموقف فيه تقليد أعمى .
ولا تنسوا أيها الإخوة ، أنه لا يقبل التقليد في العقيدة ، لو قبل التقليد في العقيدة ، لكان كل الضالين وجدوا آباءهم على هذا الضلال فاتبعوهم ، ولهم العذر عند الله عز وجل لكن ربنا عز وجل ما قبل من هؤلاء الناس أن يقولوا إنهم وجدوا آباءهم هكذا ففعلوا مثلهم ، فالتقليد في العقيدة مرفوض ، كل الرفض ، وأشد الرفض ، إذاً الذي يحكم هذه التصرفات ، وهذه الحركة ، وهذا الإقدام ، هذا الإحجام ، هذا الوصل ، هذا الفصل ، هذا العطاء ، هذا المنع ، هذا الغضب ، هذا الرضا ، هذه المسايرة ، هذا الانسجام ، هذا الاشمئزاز هذا التقزز ، الذي يحكم كلماتك ، مواقفك ، مشاعرك ، تصرفاتك سلوكك هو التصورات ، فإذا خلت تصوراتك من الدليل فهو التقليد الأعمى ، و التقليد لا يليق بالمؤمن، والتقليد مرفوض في عالم العقيدة .
الآن إذا افتقرت هذه التصورات إلى القطعية ، يعني أنت لست متأكداً ، أنت في شك ، فهذا يسمى شك ، أو وهم ، أو ظن ، سبعين بالمائة ظن ، ثلاثين بالمائة وهم ، خمسين بالمائة شك ، فأنت بين الشك والوهم ، والظن ، ولا يقبل في العقيدة لا شك ، ولا وهم ، ولا ظن ، لأنه ما دام لديك ظن ، فيجوز حسب رأيك أنك لا تحاسب ، فقول : أعصي إذاً ، مادام هناك وهم أو شك ، أو ظن ، أنك لن تحاسب ، أو أن الذي أمرك لا يراك ، أو أنه إذا رآك فلن يعاقبك ، مادام دخل الشك ، والوهم ، والظن ، فهذا التصور لن يحملك على طاعة الله عز وجل ، إذاً يجب أن تنتفي من أفكارك ، وعقيدتك ، التقاليد العمياء ، والتقليد يعني الفكرة التي لا دليل عليها ، و يجب أن تكون عقيدتك التي تسيرك قطعية ، فإذا لم تكن مقطوعاً بصحتها كانت شكاً ، أو وهماً ، أو ظناً ، فإن الشك والوهم والظن ، لن يحملك على طاعة الله عز وجل وهذا تحليل علمي ، لماذا الناس يستمعون إلى الخطب ، والجوامع مليئة ، يقول أحده لك : هذا الجامع فيه خمسة آلاف ، هذا ثمانية آلاف ، هذا عشرون ألفاً ، غضَّ المسجد ، والمعاصي على قدم وساق ، والكلام واضح وكلام الخطيب واضح ، والآيات واضحة ، والأحاديث واضح والأحكام واضحة ، ومع ذلك هناك من يعصي ، إذاً إنَّ في عقيدته أو في تصوراته ، أو في أفكاره ، تقليداً بلا دليل ، أو في عدم قطع يعني في شك ، أو وهم ، أو ظن .
مرتبة العلم واليقين حاجز عن المعصية :
أما إذا كانت أفكارك ، وتصوراتك ، لا علاقة لها بالواقع ، أو لم تطابق الواقع فهي عين الجهل ، وقد كان سبب الخلاف الزوجي ذات مرة أن امرأة ألقت ماء مع ملح في طريق الزوج ، هذا جهل وحمق ، وهو زوج سيئ ، أحمق في تصوراته فيعزى هذا الشقاء الزوجي إلى شيء لا علاقة له بالشقاء الزوجي ، فكل شيء لا يطابق الواقع يعد جهلاً ، فيجب أن تنفي من عقيدتك كل جهلٍ ، أي كل فكرة لا تطابق الواقع ويجب أن تنفي كل تقليد ، أو فكرة ليس عليها دليل ، ويجب أن تنفي كل ظن ، أو شك ، أو وهم ، إذا نفيت الشك والظن والوهم ، ونفيت التقليد ، ونفيت الجهل ، فأنت إذاً مع العلم .
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر 28 ) .
إذا كانت أفكارك تنطلق من علاقة ثابتةٍ ، مقطوع بصحتها يؤكدها الواقع ، توافق المنطق ، عليها دليل ، إذا كانت أفكارك كلها هكذا فأنت إذاً في طريق الإيمان ، وأنت في اتجاه الحق ، وأنت مع الحق وأنت محفوف برعاية الله عز وجل ، فالقضية قضية علم ، أخطر عدو للإنسان هو الجهل ، هذا الجواب مثل قوم شعيب ، قوم ثمود ، قوم عاد ، لماذا فعلوا ما فعلوا ؟ لماذا عصوا ؟ ليس لديهم يقين أن الله سبحانه وتعالى يعلم سرهم ونجواهم ، ولا يقين عندهم أن الله سيحاسبهم على أفعالهم حساباً عسيراً ، فأنت لو ارتقت معرفتك إلى درجة اليقين ، أن علم الله يطولك أينما كنت ، وأن قدرته تطولك أينما كنت ، تجد نفسك بشكل عفويٍ طبيعيٍ مستقيماً على أمر الله من دون تردد ، فهذا هو السر ، لذلك العلماء أفردوا أبواباً طويلة في كتب التصوف لليقين ، مرتبة اليقين عبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام بالإحسان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : مَا الإِحْسَانُ ، قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ )) .
[ أخرجه البخاري ] .
لذلك قال العلماء : اليقين من الإيمان كالروح من الجسد ، اليقين من الإيمان ، يعني هذا الذي يأكل مالاً حراماً ، لابد من أن يتلف ماله وإذا كان لابد من أن يتلف المال الحرام ، إذاً لا تأكل هذا المال إطلاقاً ، وما الذي يجعل المؤمن يستقيم على أمر الله ؟ يقينه أن هذه معصية ، وأن لكل معصية عقاباً ولماذا يفعل الخيرات ؟ لأن الله عز وجل سيثيبه على أفعاله كل خير .
علاقة الحقائق بالقلب :
موضوع اليقين موضوع دقيق جداً ، اليقين أن تستقر الحقائق في قلبك ، و أن تنتقل من فكرك إلى قلبك ، لقول الله عز وجل :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾
( سورة الحج : 46 ) .
قال العلماء : علاقة الحقائق بالنسبة إلى القلب كالعلاقة اليقينية بين القلب والحقائق ، كعلاقة المرئي بالعين ، كيف أني أرى أن هذا مصحف وأني متيقن من أن هذا مصحف مئة في المئة ، كذلك المؤمن إذا بلغ درجة متقدمة في الإيمان تنتقل هذه الحقائق من أفكار إلى أشياء يراها من هنا العلماء قسموا بين علم اليقين ، وبين عين اليقين ، وبين حق اليقين .
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ﴾
( سورة التكاثر : 5 -6) .
نحن عندنا يقين حسي ، هذا ماء ، أمسكت هذه الكأس بيدي ، وأحسست بأعصابي ، تذوقته بأعصاب الذوق ، هذا يقين حسي ، هذا الإنسان وغير الإنسان مشتركان فيه ، اليقين الحسي ، الإنسان أرقى من ذلك ، الإنسان أودع الله فيه هذا الفكر ، أو ذلك العقل ، بالفكر أو بالعقل ينتقل إلى يقين استدلالي ، أنا موقن بشكل قطعي ، ومئة بالمئة أن في أسلاك الكهرباء كهرباء ، والدليل ، الآثار ، هذه المصابيح المتألقة فيقيني أن التيار الكهربائي يصل إلى هذا المسجد يقينٌ قطعي لأنني أرى الأثر ، الأثر يدل على المؤثر ، والخلق يدل على الخالق ، والنظام يدل على المنظم ، والتسيير يدل على المسير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرضٌ ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير ، فاليقين الحسي يقين سهل هو أن ترى بعينك ، تسمع بأذنك ، تحس بأعصابك ، ولكن اليقين الاستدلالي هو يقين أيضاً ، فالإنسان أحياناً بحسب المهنة والحرفة عنده أدلة مقطوع بها .
فمثلاً : لو أنَّ أنبوب الوقود السائل مقطوع هذه المركبة لن تسير طبعاً لن تسير يقيناً ، لأن المحرك يحتاج إلى وقود ، والوقود مقطوع عن المحرك ، فلن تسير ، اليقين الحسي سهل ، اليقين الاستدلالي أن ترى الله من خلال خلقه ، أن ترى المؤثر من الأثر ، أن ترى الخالق من الخلق ، أن ترى المنظم من النظام ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، هذا اسمه علم اليقين ، علم قطعي الثبوت ، علم يقيني استدلال يقيني ، من خلال هذا العلم نتعرف إلى الله عز وجل ، لذلك ربنا عز وجل قال :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
( سورة آل عمران : 190-191) .
سؤال ثانٍ : النبي عليه الصلاة والسلام جاءه سيدنا الصديق مع سيدنا حنظلة ، قال له الصديق : عندما نكون معك في المجلس نشعر أننا نحن وأنت في الجنة كهاتين ـ وجمع بين السبابة والوسطى ـ وقال سيدنا حنظلة : فإذا عافسنا الأهل ننسى ، يعني أن الإنسان في ساعة الدرس مسرور جداً ، فإن يذهبْ إلى البيت فهذه الحقائق تغيب عنه ويعود ليعيش دنياه ، فقد ضعف اليقين ، أما إذا بلغ مرتبة اليقين ، هذه الحقائق تبقى أمامه ماثلة انتقلت من عقله إلى قلبه ، وأصبح يعيشها ، وشتان بين من يفهم فكرة و بين من يعيشها ، نأتي بمثل ، ربنا عز وجل لما قال :
﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
( سورة الأحزاب : 71 ) .
اليقين والصبر والسماحة :
الآية واضحة لا تحتاج إلى تفسير ، لكن أنت كمؤمن إذا كنت مؤمناً مستقيماً على أمر الله عز وجل ، ولك صديق منحرف ، ضال فاجر ، فاسق ، لا يبالي من أين يكسب المال ، وله ثروة طائلة ، ويعيش حياة فيها رخاء وبحبوحة ، فإذا شعرت بالحرمان أمام هذا الصديق المترف ، إذا شعرت أن الله قد حرمك ، وقد أعطاه فأنت لم تدرك معنى هذه الآية الكريمة :
﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
فهمُها سهل ، ولكن أن تعيشها شيء آخر ، أن تفهمها شيء سهل ، أما أن تعيشها شيء آخر ، لذلك إذا استقرت هذه الحقيقة في القلب ، تصبح يقيناً وإذا بقيت في الذهن كفكرة فهذه الفكرة تغيب وتحضر ، ففي ساعات الغضب ، أو ساعات الشدة تغيب عنك هذه الفكرة ، ترى أنك محروم ، وأن هذا الفاسق الفاجر هو سعيد في حياته ، وأن الله قد حرمك وأعطاه لكن في ساعات التذكر ، تشعر أنك مؤمن ، فإذا انتقلت هذه الفكرة من عقلك إلى قلبك أصبحت تعيشها ، وإذا عشت هذه الفكرة هذا شيء ثمين جداً في حياتنا ، العلماء قالوا : إذا تزوج الصبر باليقين ولد الإمامة في الدين ، والدليل :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سورة السجدة : 24 ) .
الصبر واليقين عنصران أساسيان في الإمامة في الدين ، يعني إذا أردت أن تكون للمتقين إماماً ، فعليك بالصبر ، وعليك باليقين ، وإن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الإيمان كله في الصبر ، قال :
((الإيمان هو الصبر والسماحة )).
( سلسلة الأحاديث الصحيحة)
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام :
(( أفضلُ الإيمانِ الصبر والسماحة )) .
( سلسلة الأحاديث الصحيحة)
فإما أن الله أمرك بالبذل ، أو نهاك عن أشياء ، فإذا انتهيت عما نهاك عنه فهذا هو الصبر ، وإذا بذلت ما أمرت به فهذه هي السماحة ، فالدين كله صبر وسماحة .
من صفات الكافرين يوم القيامة ، أنهم ليسوا بمستيقنين ، قالوا :
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ
( سورة الجاثية : 32 ) .
عدم اليقين هو الذي جعلهم يعصون خالقهم ، نحن الآن مشكلتنا مشكلة اليقين ، أما الأفكار سهلة ، فكل واحد منا حضر واستمع خطباً دينيةً ومحاضراتٍ ، وقرأ كتباً ، وعنده أفكار جيدة جداً ، لكنها لم ترقَ إلى مرتبة اليقين ، فإذا ارتقت إلى مرتبة اليقين انقلبت إلى فعل حقيقي ، ترجمت الأفكار إلى أعمال ، وهذه مشكلة المشكلات في العالم الإسلامي ، أفكار كثيرة ، تعاطف مع الدين شديد ، لكن من غير التزام ، لأن اليقين ضعيف ، اليقين بأن علم الله لا يطوله ، أو أن قدرته لا تطوله ، أو أن الحساب غير يقيني .
لا إرضاء للناس بسخط الله :
يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا ترض أحداً بسخط الله )) .
( ورد في الأثر )
عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْوَرْدِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ :
(( كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلا تُكْثِرِي عَلَيَّ ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ ، سَلامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلامُ عَلَيْكَ )) .
[ أخرجه الترمذي ] .
إذا أرضيت إنساناً بسخط الله ، معنى ذلك أن هذا الإنسان أكثر وجوداً بحياتك من الله عز وجل ، لأنك أرضيته ، وعصيت الله عز وجل ، وهذا من علامات ضعف اليقين ، كما قال النبي الكريم ، إنه من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ، هذا الإنسان وجوده صارخ أمامك ، وعده مخيف ، وعده محبب ، وعيده مخيف ، أمرك بشيء فيه مخالفة للشرع ، فأنت انصعت إلى أمره ، فأين الله عز وجل ؟ .
قال له بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال : ليست لي ، قال له : قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب ، قال : ليست لي ، قال : خذ ثمنها قال : والله إني بأشد الحاجة إلى ثمنها ، فقال هذا الأعرابي أو هذا البدوي : ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟
لا حل لها ، أنت تقدر أن تلعب على الناس كلهم ، لكن على الله لا يمكنك ذلك ، فأين الله ؟ هذه الكلمة ، لو قالها الإنسان مستيقناً لحلت كل مشكلاته .
ملخص أسباب المعصية :
أنا أريد بهذا الدرس أن أوضح أنَّ سبب المعاصي والمخالفات والتقصيرات هو عدمُ اليقين بعلم الله ، أو بقدرته أو بمحاسبته ، إنه من ضعف اليقين ، كما قال سيد الأنبياء والمرسلين :
(( لا ترضِ الناس بسخط الله )) .
( ورد في الأثر )
هل هم أغلى عندك من الله عز وجل ؟ استحييت أن تظهر بمظهر التخلف ، صافحتك امرأة ، فخجلت وصافحتها ، وكأن الله عز وجل أمْره أخفُّ عندك من نظرة هذه المرأة لك ، إنه من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله ، وأن تحمدهم على فضل الله ، فالفضل فضله ، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله ، إن رزق الله لا يجره إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره ، لا حرص حريص ولا كراهية كاره ، وإن الله تعالى جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، و جعل الهم والحزن في الشك والسخط .
درسنا اليوم اليقين ، ولابدَّ أن تعمل جرداً لكل معلوماتك يجب أن تنقلها من مرتبة التصديق ، إلى مرتبة اليقين ، إذا نقلتها إلى مرتبة اليقين انقلبت إلى عمل قطعي ، لو أخذت هذا المال حراماً ، لابد من أن يتلف المال ويتلف صاحبه ، كفكرة مخيفة موقتاً .
لي قريب كان يدخن بشكل كبير ، إلا أن الأمر انتهى به إلى مرض خبيث في رئتيه ، على فراش الموت قال : والله إذا شفاني الله عز وجل لها عندي حساب عسير ـ يعني هذه السيجارة ـ لكن الموت جاء في وقت كان يظنه بعيداً ، كان يسمع قبل أن يموت أنها تعمل سرطان بالرئة ، فيقول : كله كلام بكلام ، ويقول لك : مبالغات ، أما حينما أصيب بهذا المرض انتقل إلى مرتبة اليقين ، فعقد العزم الأكيد على ترك التدخين ، لكن متى ؟ بعد أن تيقن ، لكن هذا اليقين لم ينفعه ، جاءه بعد فوات الأوان .
معرفة الحقيقة بعد فوات الأوان :
أخطر شيء بالحياة أن تعرف الحقيقة بعد فوات الأوان ، ما من إنسان على وجه الأرض إلا و سيعرف الحقيقة ، ولكن بعد فوات الأوان .
﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ
(سورة ق : 22) .
وقال سبحانه :
﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ*أَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ
( سورة يونس : 90 ) .
مادام القلب ينبض ، وفي الأجل فسحة فهذا هو الوقت المناسب للاستقامة على أمر الله ، ولعقد الصلح مع الله ، وللتوبة النصوح ، أما إذا تمهل الإنسان ، وسوف ، وقال غداً أو بعد غدٍ ، فقد يأتيه الموت في وقت يفاجئه ، في وقت ليس مستعداً فيه للقاء الله عز وجل .
من علامات اليقين :
1 - قلة مخالطة الناس :
قال العلماء : من علامات اليقين قلّة مخالطة الناس ، يعني علاقته كلها مع الله عز وجل ، بعض الناس علاقاته الاجتماعية بلغت إلى درجة النفاق ، وفيها أكل مال حرام وفيها اختلاط ، فهذا يقينه بالله ضعيف ، فمن علامة اليقين قلة الاختلاط بالناس ، يعني أيّ لقاءٍ فيه شبهة وفيه معصية ، يعني هناك خلل ، وممالأة للباطل ، يتكلم بغير حقٍ مثلاً ، فيه غيبةٌ ، نميمةٌ ، ومجالس اختلاط ، في كذا وكذا ، فيقينه أن الله عز وجل ، ليس إلا الله .
ألا كل شيئا ما خلا الله باطل وكـل نعـيم لا محالة زائـل
* * *
2 – ترك المدح :
من علامات اليقين ترك المدح لهم في العطية ، بل تمدحهم بحسب أمر النبي ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ )) .
[ أخرجه البخاري ] .
لكن أن ترى لهم فضلاً عليك ، الفضل لله عز وجل ، من علامات اليقين أن الله هو صاحب الفضل ، وأن تذمهم عند المنع ، هذا من ضعف اليقين ، أما إذا تنزهت عن ذمهم عند المنع ، فقد عرفت أن هذا الشيء ليس لك ، قال تعالى :
﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
( سورة فاطر : 2 ) .
ما جاء في الآية من معنى فهذا هو اليقين ، ومن علامات اليقين ، النظر إلى الله في كل شيء ، كل قصة ، كل مشهد ، وراءه يدٌ رحيمة ، يد حكيمة ، يد عادلة إذا رأيت الله في كل شيء فأنت من الموقنين ، أما إذا انغمست في حديث طويل ، تقول : زيد قال ، وعبيد قال ، فلان تدخَّل ، وفلان توسط وفلان منع ، وأين الله ، من علامات اليقين أن ترى الله في كل شيء ، أن ترى أنه ما من ناطق ، ولا ساكت ، ولا متصرف ، إلا والله عز وجل هو الذي دفعه ، أو ، ألهمه أو منعه ، أو كبّله .
يقول بعضهم : الطيب والله شفى لي ابني ، هذا من ضعف اليقين ، قل الله عز وجل تفضل علي بشفاء ابني على يد هذا الطبيب ، هذا كلام صحيح ، أما أن تقول الطبيب شفى لي ابني ، وفلان أنقذني ، هذا كله من ضعف اليقين ، فأنت لا ترى الله بل ترى زيداً أو عبيداً ، أنت مع الناس ولست مع الله عز وجل ، لكن كلما ارتقى مستوى الإيمان فلن ترى إلا الله فهو المانع ، وهو المعطي ، وهو القابض ، وهو الباسط ، هو المعز ، هو المذل ، هو المعطي ، هو كل شيء .
كذلك الرجوع إليه في كل أمر ، والاستعانة به على كل حال ، هذا كله من علامات اليقين .
هؤلاء القوم ، قوم سيدنا شعيب :
﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾
لما يغش الإنسان ، أو يبخس الناس أشياءهم ، يظن نفسه ذكياً ، يعني تمكن أن يجلب لنفسه النفع ، لو تيقن أن الله عز وجل بالمرصاد ، وأن هذا المال سيتلفه ، وأن سيحاسبه عليه ، وأنه سيكيل له الصاع صاعين ، ما فعل ذلك ، إذاً لن تجد إنساناً يعصي ربه إلا وهو جاهل ، وأكبر عدو للإنسان الجهل .
الفرق بين علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين :
العلماء فرقوا بين علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
علم اليقين : أن يقول لك إنسان صادق أنا عندي عسل تقول له صدقت ، وأنت عندي صادق فهذا علم اليقين ، فإذا زرته في البيت ، وأراك العسل فهذا عين اليقين ، فإذا أكلته فهذا حق اليقين ، إن صدقته وهو الصادق هذا علم اليقين ، فإن رأيته فهو عين اليقين ، فإن أكلته وذقته فهو حق اليقين والإنسان يبدأ بعلم اليقين ، يوقن بالجنة والنار ، فإذا شارفهما فقد انتقل إلى عين اليقين ، فإذا دخل الجنة فقد صار في حق اليقين .
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين﴾
( سورة الزمر : 74 ) .
هناك قول منسوب إلى بعض العلماء ، وهو منسوب خطأ إلى سيدنا علي ، يقول : << لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً >> ، فهو متيقن مما في القرآن الكريم ، قبل كشف الغطاء ، كيقينه بعد كشف الغطاء ، إذاً هذه أعلى مرتبة في اليقين ، بل إن أحد العلماء يقول : الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، متيقن برحمته ، متيقن بعلمه ، متيقن بحكمته ، متيقن بعدالته ، أصابك ما أصابه ، يا رب لك الحمد ، هذا أمرك ، وهذا فعلك، وهذه حكمتك ، وهذا عدلك ، وهذا لطفك ، هكذا المؤمن .
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، وَكَانَ خَيْرًا ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا )) .
[ أخرجه أحمد ] .
ينتقل المؤمن حالةٍ في اليقين عجيبة ، لا أحد إلا الله عز وجل ، كل هؤلاء الناس بيد الله ، الأمور كلها بيده ، هذا الذي وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، كل شيء وقع أراده الله ، وإرادة الله عز وجل إرادة متعلقة بالحكمة البالغة ، وحكمته البالغة متعلقة بالخير المطلق ، والأمور عندما تأتيك برداً وسلاماً ، أنت عبد لله مستسلم ، وهو الحكيم ، لكن لما يقصِّر الإنسان في عمله ، أو يقصر في الاحتياطات ، والأخذ بالأسباب ، وإذا وقع تقصير وصار الأمر مؤلماً ، هذا الشيء المؤلم ما عاد كما يظن ، بل هو عقاب ، وهذا جزاء التقصير ، أنت متى تقول هذا أمر الله ، وهذه حكمته ، وهذه عدالته ، حينما تأخذ بالأسباب ، وبعدها تدع الأمر لله عز وجل .
درجات اليقين :
قال بعضهم : اليقين ثلاث درجات ، تصديق الخبر من الصادق ، والمشاهدة ، والاستدلال ، جاءك الخبر صدقته ، جاءك الدليل العقلي زادك هذا يقيناً ، رأيته ، يعني أنت قلت : رأيت دخاناً ، فقلت : لا دخان بلا نار ، هذا استدلال ، ذهبت إلى خلف الجدار فإذا النار تراها بعينك ، هذا صار عين اليقين .
﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾
الجبِلَّة :
الجبلَّة ؛ الخلق ، يعني المخلوقات التي جاءت من قديم ، فالله هو الخالق لكم ولأسلافكم .
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾
عادة الكفار رميُ الأنبياء بالسحر والجنون :
أنت إنسان مثلنا ، تأكل وتشرب ، المسَحّر هنا يأكل ويشرب ، طبعاً النبي رسول إنسان بشر ، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ )) .
[ قطعة من حديث أخرجه مسلم ] .
صلى الظهر مرة ركعتين صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسيًا ، فعَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ :
(( صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ )) .
[ أخرجه النسائي ] .
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
استعجال الكفار العذاب أكبرُ أنواع التحدي :
هذا أشد أنواع التكذيب والتحدي ، أين العذاب ، أنت يا شعيب تقول : إن ربك يعذبنا ، هات العذاب ، هذا أعلى درجة من التحدي والتكذيب .
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
إنّ أشد أنواع التكذيب أن تطالب باستهزاء وعيد خصمك :
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
ما هو عذاب يوم الظُّلة ؟
تذهب كتب التفسير مذاهب شتى في تفسير
﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾
بعضهم قال : أصابهم حر شديد ، فانتقلوا إلى البساتين ، وفي البساتين أمطر عليهم الله صواعق من السماء ، وأحرقتهم .
وبعضهم قالوا : جاءتهم سحابة استظلوا بظلها في أيام حر شديد ، السحابة نفسها ، بعد أن تجمعوا تحتها أيضاً أحرقتهم ، على كلٍ يكفينا قول الله عز وجل :
﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
يعني :
﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ*يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
( سورة الدخان : 10 ـ 11 )
وقال سبحانه :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾
( سورة الحج : 1 ـ 2 ) .
المؤمن آمِن من عذاب الله :
لكن حال المؤمن يلخصه قول ربنا عز وجل قال :
﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
( سورة الزمر : 61 ) .
وربنا عز وجل لما قال عن سيدنا يونس :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
( سورة الأنبياء : 87 ـ 88 ) .
المؤمن وعده الله عز وجل بالنجاة ، إذا أصاب الناس مكروه شديد يوم عظيم ، عذاب عظيم ، ضائقة عظيمة ، وعد الله المؤمن بالنجاة ، وهذا وعد محقق .
 
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
هذه الآيات إن شاء الله تعالى أتركها للدرس القادم ، ولكن هناك آيات كونية تقع في العالم ،هذه الزلازل ، الفيضانات ، هذا الخسف أحياناً ،هذه البراكين حينما تفور ، هذه الأمراض الوبيلة ، مرض الإيدز ، هذه كلها آيات مستمرة ، يعني أنَّ الله عز وجل جعل في هذا القرآن آيات ، وجعل آيات كونية نراها كل يوم بأعيننا :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ﴾ .
( سورة الطلاق : 8 ) .
وقال عزوجل :
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
( سورة النحل : 112 ) .
جيرانا .
﴿ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
( سورة النحل : 112 ) .
هي أيضاً آيات .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب