سورة الشعراء 026 - الدرس (18): تفسير الأيات (217 – 217)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الشعراء 026 - الدرس (18): تفسير الأيات (217 – 217)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 273 - مقبرة باب الساهرة2           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 11 - يد الله تعمل في الخفاء - د.عمر عبدالكافي           برنامج خواطر إيمانية: خواطر إيمانية-437-المسلم صاحب همة عالية-الشيخ صالح المعطان           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 392 - سورة المائدة 009 - 012           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 46- حلقة خاصة في يوم الاسير الفلسطيني- محمود مطر -17 - 04 - 2024           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم - بيت المقدس أرض الأنبياء - د. رائد فتحي         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الشّعراء

New Page 1

تفسـير القرآن الكريم ـ سـورة الشّعراء - (الآيات: 217 - 217)

02/11/2011 15:57:00

سورة الشعراء (026 )
الدرس (18)
تفسير الآية: (217)
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا ، وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً ، وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً ، وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه ، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
    أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثامن عشر من سورة الشُّعراء ، في الدرس الماضي وقفنا عند قوله تعالى :
 
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾
( سورة الشعراء )
تذكير بما سبق :
      وبيَنْتُ لكم بِفَضل الله تعالى بعض المعاني التي تنضَوي تحت مفهوم التَّوكّل ، وكيف أنَّ الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين بالتّوكّل ، وأنَّ من لوازم الإيمان التَّوكّل ، فمن توكّل فَتَوَكُّلهُ علامةٌ قاطعة على أنَّه مؤمن ، وأيُّ مؤمن يجب أن يتوكَّل على الله ، إن توكَلْت فأنت مؤمن ، وإن آمنْتَ فيجب أن تتوكَّل ، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدَّرس والبحث .
التوكل حالٌ قلبيٌّ لا عبارات مردَّدة :
    الحقيقة أن التَّوَكّل حالٌ قلبي ؛ أن تقول شيئًا بِلِسانِك هذا لا يُقدِّم ولا يؤخِّر ، وحينما أصبحَ الإسلام عِباراتٍ تُردَدُ في الأفواه ، رأيْتُم كيف أن حال المسلمين ظلَّ على ما هو عليه من التردي والتخلف ! ربّنا سبحانه وتعالى :
 
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
( سورة النور )
     هذه وُعودٌ قَطْعِيَّة مِن قِبَل الله عز وجل ، قال تعالى :
 
﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ ﴾
( سورة التوبة )
    قال تعالى :
 
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا
( سورة النساء )
     إلا أنّ الأمر هو أن الفريق الآخر وهُم المؤمنون أخَلُّوا بما عليهم ، فكان الله سبحانه وتعالى في حِلٍّ من وُعوده الثَّلاثة ، إذًا حينما أصبَحَ الإسلام كلامًا ، وألفاظًا ، وحركاتٍ ، وسكناتٍ ، وفُرِّغ من مضمونه العلمي والأخلاقي عندئِذٍ أصْبحت كلمة المسلمين ليْسَت هي العليا ، ولو أنّنا كُنَّا مع الله لكان الله معنا .
معية الله نوعان عامة وخاصة :      
      ثمة شَيْءٌ دقيق جدًا هو أنَ مَعِيَّة الله عز وجل كما تعلمون مَعِيَتان ؛ مَعِيَّة عامَّة ، ومَعِيَّة خاصّة ، ربّنا سبحانه وتعالى يقول:
 
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
( سورة الحديد )
     هذه مَعِيَّة عامَّة ؛ يعني هو مع كُلِ مَخلوق ، ومع كلِّ كائِن ، ومع كلّ حيوانٍ ومع كل نبات ، ومع كلّ إنسان ، ومع كلّ كوكبٍ ومع كل ذرَّة قال تعالى :
 
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا ﴾
( سورة الأنعام )
     آيةٌ بِنَصِّ القرآن الكريم ، ولكنَّ المَطلوب ليْسَتْ المعِيَّة العامّة هذه ، ولكنَّ المطلوب تِلْك المَعِيَّة الخاصَّة ، قال تعالى :
 
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ﴾
( سورة المائدة )
      العلماء قالوا : مَعِيَّة الله الخاصَّة حِفْظُهُ وتأييدُه ونَصرُهُ ، إلا أنَّ مَعِيّة الله الخاصَّة لها ثمن ، ثمنها أن تستقيم على أمره ، وأن تستجيب له ، قال تعالى :
 
﴿ يَا أََيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
( سورة الأنفال )
      إذًا الشيء الذي أُحِبّ أن أقوله قبل متابعة الحديث عن التَّوكّل أنّ الإيمان ليس شَكْلاً ، وليس كلامًا ، وليس حركاتٍ وليس مظاهر ، إنَّما هو شيءٌ آخر ، قال عليه الصلاة والسلام : ((ليس الإيمان بالتَّمَني ولا بالتَّحلّي ...)) .
( الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال )
    ما من مخلوق على وجْه الأرض إلا ويتمنَّى أن يكون مؤمنًا ، ويتمنَّى أن يكون صدِيقًا ، ولكن ليس الإيمان  بالتَّمَني ولا بالتَّحلّي ؛ لا أن ترتدي ثِيابًا إسلامِيَّةً ، ولا أن ترتاد المساجد ، وأنت مُعطَّر مهفْهَف ، ثمّ تعود إلى بيْتِك ، وتتحدث نقداً للخطيب والخطبة ، وأنت في واد والإسلام في واد ، ليس الإيمان بالتَّمَني ولا بالتَّحلّي ، ولكن ما وقر في القلب ، وأقرّ به اللِّسان ، وصدَّقهُ العمل ، معنى ذلك أن الإنسان إذا خلا قلبهُ من التَّوَكُل فهو يعتمِدُ على زيْد أو عُبَيد ، ويعتمد على ماله ، أو صِحَّته ، أو على فلان ، أو عِلاَّن ، أو على هذه الجِهة القوِيَّة ، أو على هذه المكانة ، أقول : إذا خلا قلبهُ من التَوكّل ، ومن الرِّضا ومن الصَّبْر ، ومن التَسْليم ، ومن التَفْويض ، فماذا بَقِيَ من إيمانه ؟! بَقِيَ هَيْكلٌ بلا مَضْمون ، لذلك حينما نتحدَّث بالتَّفْصيل عن معاني التَّوَكُّل فهذا مِن صُلْب الإيمان ، والحديث عن التَّوَكُّل له وظيفتان ؛ أوَّلاً أن تعرفَ من هو المتوكَل عليه وما صفاته ؟ وثانيًا لِيَكون هذا البحث مِقياسًا لك وهدفًا لك ، مِقياسًا تقيس به نفْسَكَ ، وهدفًا تجْعلُهُ نُصْبَ عَيْنَيك ، وهذا ما نقْصِدُ بالتَوَكُّل ، ربّنا عز وجل يقول :
 
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾
( سورة الشعراء )
عقْربَ التَّوَكّل يُتابِعُ عقْربَ التَوحيد :
      الآن هناك نقطة دقيقة ، إذا صحَ أن نُشَبّه أنَ للتّوحيد عدَّاداً له عقْرب ، وإلى جانبِه عدَّاد آخر للتَوَكّل وله عقرب ، يجب أن تعلمَ عِلْم يقين أنَّ عقْربَ التَّوَكّل يُتابِعُ عقْربَ التَوحيد ، وإذا ارْتَفَعَت إبْرةُ التَّوحيد ترتفِعُ معها إبْرةُ التَّوَكُّل ، وكلّما علا توحيدك علا توكُّلك ، وإذا انْخفض التَّوحيد انْخفضَ التَوَكُّل ! لأنَّ هذه فِطرتُك ، لأنَك لن تتوكَل على ضعيف، لن تتوكَل إلا على قويّ ، ولن تتوكَّل على جِهةٍ لسْتَ متأكِدًا أنَ الأمر بيَدِها ، متى تتوكَّل على إنسان ؟ إذا أيْقَنتَ أنَّهُ قويّ وأنَّ الأمر بيَدِهِ ، عندئذٍ تطرُقُ بابه وتتوسَلُ إليه ، وتُلْقي عليه بِكُلّ ثِقَلِك أما إذا كنتَ مُتَرَدِّدًا أو مرتابًا في قدرته على حلّ هذه المشكلة ، أو مرتابًا في ولائِهِ لك ، أو في عِلْمِهِ ، أو في صلاحِيَّتِهِ ، فأنت لن تتوكَّل عليه ، لأنّه من السَّذاجة أن تظنّ أنَّك إذا قلتَ : يا ربّ توكَلْتُ عليك ، فهل توكَلْت ؟! لا . والله ، أنت ما فعلْتَ شيئًا ، لأنَ التَّوَكّل ليس كلامًا تقولهُ بلِسانِك إنَّهُ حالٌ قلبي ، إذا قلتَ توكَّلتُ عليك ، فقد تكون في الحقيقة معْتَمِدًا على زيد ، أو عُبَيد ، أو فلان ، أو عِلاَّن ، وأنَك واضِعٌ كلّ ثقتك فيهما ، إذاً أنت لسْتَ متوكِّلاً البتَّة ، ولو أعْلَنْتَ بلِسانك أنَّك توكّلْت على الله ألف مرَّةٍ ومرَّة ! الكلام اللَّفظي لا قيمة له إطلاقًا ، ولا يُقدِم ، ولا يؤخِر ، وإذا بَقِيَ الإسلام ألفاظًا تُرَدَّد ، وأعمالاً تُقام ، ومظاهر تُبْتغى فاقْرأ على الأمّة السَّلام فالإسلام مضمون فِكري ، ومضمون عقدي  ومضمون أخلاقي ، فإذا كان كذلك فهذا هو الإسلام .
من شروط التوكل معرفة الله :
     اليوم نتحدَث عن التَّوَكّل ، الشيء الأوّل ؛ لن تتوكَّلَ على الله إلا إذا عرفْتهُ ، أحيانًا يُصاب الإنسان بِمَرض عُضال يظنّ أو يعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يستطيعُ أن يشْفِيَهُ من هذا المرض ، ثلاثون طبيبًا قالوا : ليس لِهذا المرض دواء ، وبلغ الدرجة الخامسة ، ولا يمكن أن تُحلّ هذه المشكلة ، إذا كنتَ معْتقِدًا أنّ الله لا يستطيع أن يشْفِيَكَ من هذا المرض العُضال الذي أجْمعَ الأطِبَاء على أنَّه لا شِفاء له ، فكيف تتوكَّل عليه ؟ هنا المشكلة ! أنك لن تتوكَّل على الله إلا إذا عرفْتهُ ، يجب أن تعرفهُ خالقًا  يجب أن تعرفهُ مُربِّيًا ، يجب أن تعرفهُ مُسيِّرًا ، يجب أن تعرفهُ قدرتهُ كُنْ فيكون ، وزلْ فيَزُول ، لا توجد كلمة ثانية ، آلاف الحالات من الأمراض التي أجمع الأطِبَّاء على استحالة برء صاحبها ، ومع ذلك شُفيَتْ شِفاءً تامًّا فصَعِقَ الأطِبَاء ، وقالوا هذه حالة جديدة لا نعرفها : سمَّوْها الشِّفاء الذاتي ؛ إنَه شفاء الله عز وجل ، هناك حالات صِحِّيَّة مُسْتعصِيَة ، كيف تتوكَّل عليه ، وأنت لا تعلمُ أنّهُ بِقُدْرته أن يشْفيك ، إنَّ الحديث عن التَّوَكّل هو حديث لا جَدْوى منه ما دامَتْ معرفة الإنسان قاصرة ، ما دامَتْ معرفة الإنسان بالله محدودة ، وما دامَتْ معرفتُهُ بالله لم تبْلُغ حدَّ التَّوحيد ، فالتَّوَكُّل تشوبهُ شوائبُ كثيرة ، والعلماء قالوا : لا بدَّ من التَّوَكّل على الله حقّ التَّوَكل من أن تعرفهُ ، وهنا السُّؤال الدقيق : هاتوا لي طالبًا نالَ شهادةً عليا من دون أن يبْذِلَ من أجلها لا وقتهُ ولا جهده ولا ماله ! هذا من سابِعِ المسْتحيلات ، إذاً يجب أن تعرف الله ، والسؤال الخطير ؛ متى يجب أن تعرفه ؟ ووقْتُكَ كُله من أجل الدنيا ، تقول لأحدهم : احضَر هذا الدَرْس فيقول لك : ليس عندي وقت ! عندي سهرة ، أو على محاسبة أو موازنة !! إذا امْتصَّ عملكَ وقتك كلّه فأنت أكبر خاسِر نضْربُ على هذا مثلاً ، لو أنَ طالبًا ذهب إلى بلدٍ أجنبي لِيَدْرس ، وقد أرسل هذا الطالب بحيث لو نال هذه الشهادة فلهُ في بلدهِ أعلى منصب ، وميزة ، فذهبَ للدِّراسة ، وهو مضْطرّ لِيَعمل ويدْرس ، فإذا كان يكفيه ألف فرنك فرضًا ، وهناك عمل بِساعَتين ، وأجرة هذا العمل ألف فرنك ، ووجدَ عملاً ثلاث ساعات بألف وخمسمئة فطَمِعَ في المبلغ ، ووجد عملاً آخر لمدة أربع ساعات بألفين ! إلى أن بلغ العشرة آلاف فرضًا في اليوم ، فإذا امْتصَّ عملهُ كلّ وقْته ، وضيَعَ دِراستَهُ ، ونَسِيَ مهمَّتهُ ، ونسِيَ البعثة والدِّراسة ونسي آماله العريضة فهل هذا العمل الذي درَّ عليه مبلغًا كبيرًا في مصلحته ؟ لا لم يكن في مصلحته ! أنا أقول لكم : أيّ عملٍ مهما علا شأنهُ ، ومهما كثُرَ دخْلُهُ ، ومهما رفعَ صاحِبَهُ إذا امْتصَّ وقْتَكَ كلَّهُ فأنت أكبر خاسِر ، إنَّك مخلوقٌ في هذه الدُنيا من أجل أن تعرف الله سبحانه وتعالى ، لأنّك إذا عرفْتهُ صحَّ عملك، وإذا عرفْتهُ عبدْتَهُ ، وإذا عبدْتهُ سَعِدْتَ بِقُرْبِهِ في الدنيا والآخرة ، لا يصحّ العمل إلا بالمعرفة ، وهذه نقطة مهمّة جدًّا ، العمل أساس التَّصوّر، وأيّ عمل صالح أو طالح ، حقير أو خطير ، مُجدٍ أو غير مجدٍ ، سيّئ أو جيّد ، العمل أساسه التَّصَوّر هذا الذي يسرق لماذا يسرق؟ لأنّهُ يتصوَّر أنَّ السرقة عملٌ يعود عليه بالنَّفْع ، دَخْلٌ كبير ، وجُهْد قليل ، وهذا الذي يكذب لماذا يكذب ؟ وهذا الذي يزني لماذا يزْني ؟ وهذا الذي يأكل الرِّبا لِمَ يأكل الربا ؟ ما من إنسان يعمل عملاً إلا وقبل هذا العمل تَصَوّر لهذا العمل انطلق منه .
صحةُ العمل مِن صحة التصور :
      إذًا إذا صحَّ تصوّرك صحَّ عملك ، وإذا فسد تصوّرك فسدَ عملك ، إذا اعْتَقَد إنسانٌ أنَّ هذا الضوء الأحمر في ساعة السيارة إذاً تألّق فمعنى ذلك أنَّه يُسَلِّيك في الطريق ! وهو ضوء الزَيت ، هذا التَّصَوُر يجعل هذه السيارة تقف وتدفعُ من أجل إصلاحها عشرات الألوف ، أما إذا تصوَّرْتَ أنَّ هذا الضَّوْء إذا تألّق معنى ذلك أنَ الزَّيْت قد انتهى ، وإذا خطر لك أنَّ الزَّيْت ولو يكفي لِمِتر واحدٍ ففي سيرك خطر كبير ولابدَّ أن تقف فجأةً ، أنا أقول لكم هذا الكلام من أجل أن نعتقِدَ جميعاً أنَّ صِحَّة المعرفة أساسها صحّة التَّصوُّر ، وصِحَّة التَّصوّر أساسها معرفة منهج الله عز وجل ، لأنَّ الجِهة الوحيدة في الكون التي يمكن أن تعْطِيَك الحقيقة الصافِيَة ، قال تعالى :
 
﴿ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
( سورة فاطر )
     ليس في الكون إلا الله القادر على أن ينبئك بالحقيقة الصحيحة القَطْعِيَة في ثبوتِها ودلالتها ، إذًا المشكلة يجب أن تعرف الله حتى تسْتقيم على أمره ، وحتى تتقرَّب إليه ، وحتى ترْجو ما عنده ، وحتى تخاف عذابهُ ، يجب أن تعرف الله من أجل أن تتوكَّل عليه ، وتُفَوِّض له الأمر ، وتستسْلِمَ له ، ومن أجل أن تُحِبَّهُ ومن أجل أن ترضى بِقضائِه وقدرهِ ، ومن أجل أن ترضى عن أفعاله ، إذاً حجرُ الزاوية وركن الأركان ، وأساس البنيان أن تعرف الواحد الدَّيان  وهذا يحتاج إلى وقت ، وإلى جُهد وإلى مال ، قد تضْطرّ إلى أن تركبَ سيارة لِتَحضر هذا الدرس ، وقد تضطرّ أن تنفق من مالك في سبيل الله  وقد تضطرّ أن تشتري كتاباً ، وقد تضطرّ أن تعمل صالحًا بِمالك ، فإذا ظَنَنْتَ أنَّكَ تعرف الله وأنت في راحتك التامّة وأنت في عملك ، وأنت تعمل لِمَصلحتك ، ولأجل بيْتِك ، إذا أردْتَ ذلك فهذا من رابِع المستحيلات ، تلك أوَل نقطة في هذا الدّرس؛ لن تستطيع أن تتوكَّل على الله إلا إذا عرفْتهُ أما إذا عرفْتهُ ، وتوكَّلْت عليه فأنت أقوى الناس ، وأغناهم ، وأكرمهم ، وتشعر بِمَشاعر لو اطَّلَعَ عليها المُلوك ، والله الذي لا إله إلا هو لقاتلوك عليها بالسَّيف ، ويُلقي الله في قلبك من الأمْن ، والطُّمأنينة والرضا ، والشُعور بالراحة ، والشُّعور بالفوز ، والفلاح ، والنَّجاح ما لو وُزِّعَ على أهل بلْدةٍ لكفاهم ، قال تعالى :
 
﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
( سورة الرعد )
     لكن بشرْط أن تعرف من هو الله ؟ وأن فلاحك في هذا الأمر عائدٌ له ؟ وبيَدِهِ الأمر كله ؟ إذا رأيْتَ أنَّ الأمر كلّه إليه ، ليس لك من الأمر شيء ، قال الله عزوجل :
 
﴿ لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾
( سورة آل عمران )
      هذا الذي أتمنَّى عليكم أن يكون واضحًا في أذْهانكم ؛ التَّوَكّل على الله إذا شبَّهْناه بِعَدَّاد له إبرة ، وإلى ِجانِبِهِ عدَّاد آخر هو عداد التوحيد له إبره أيضاً ، فعدَّاد التَّوحيد ، وعدَّاد التَّوَكّل إنَّ إبرتاهما تتحرَّكان معًا ، فكلَّما ارْتَفَعَ مُسْتوى توحيدِك ارْتَفَعَ مستوى توكّلك ، ولن تتوكَّل إلا على الله الواحد الأحد ؛ في أمر الصِّحة ، وفي أمر العمل ، وفي أمر الزَّواج، وفي أمر الخصومات ، وفي أمر الأعداء والأصدقاء ، وفي أمر كسْب المال وفي أمر إنفاقه ، في أيّ شيءٍ ، إلهي أنت مقصودي ورِضاك مطلوبي ، والتوحيد هو مُلَخَّص الأديان كلّها ، قال الله عزَّ وجل :
 
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
( سورة الأنبياء )
     كيف لنا بمعرفة الله عز وجل ؟ الصَنْعة تدلّ على الصانع ، والخلْقُ يدلّ على الخالق  والأقدام تدلّ على المسير ، والماء يدلّ على الغدير ، والبعْرة تدلّ على البعير ، أفسَماءٌ ذات أبراج ، وأرض ذات فِجاج ألا تدلاّن على العليم الخبير ؟!
مِن إعجاز الله في خلقِ الإنسان :
1 - حاسة الشمّ :
     تحدَّثْتُ اليوم في خطبة الجمعة عن الشمّ ، فمن مِنَّا يصدِّق أنَّ في كلّ شقٍّ من شِقَي الأنف مئة مليون خليّة شَمِيَة ، مئتا مليون خلية شمْيّة في الأنف ، ويخرج من هذه الخلايا الشميّة عدد كبير جدًّا من الخيوط العصبية خمسون مليون خيط عصبي ، بِخَمسين مليون خيط عصبي ، ثمَّ تقلّ هذه إلى خمسين ألف ، فالعصب الشمِّي ضمنه مئة ألف عصب ، والشيء الذي يَلفِتُ النَّظَر أنَ الشمّ شخصي ، بينما السَّمع والبصر موضوعي ، فإذا وضعنا لوحةً كُتِبَتْ عليها آية ، لو رآها الناس جميعًا لقرؤوا الآية نفسها ، ولو حدثَ صوْتٌ لسَمِعَهُ الناس بِشَكل واحِد ، ولكن لكلّ إنسانٍ بُنْيةٌ خاصَّة في شمِّهِ ، هذا يُحِبّ هذه الرائحة ، وهذا لا يُحِبّها ، وهذا يحبّ هذه الأكلة لِنَكْهتها ، وهذا لا يحبّها بهذه النَكهة ، فالشمّ شيءٌ عجيب .
2 - الكريات الحمراء :
      وقبل أسابيع حدَّثتكم عن الكريات الحمراء ، الكُرَيَّة الحمراء سبعة ميكرونات ، أي سبعة أجزاء من الألف من الميليمتر ، عددها خمسة وثلاثون مليون مليون ، وفي كلّ ميليمتر مكعَّب خمسة ملايين ، وتعيش الكُريَة مئةً وعشرين يوماً ، وتقطع مئة وسِتِّين ألف رِحلة ، وتمرّ بِأوْعِيَة تتناهى في الدِّقة والضِّيق إلى حجْم الكريّة الحمراء ، فهناك أوْعِيَة دموية لا تسمح إلا بِمُرور كُرَيَّة كُرَيَّة ، وسعة هذا الوعاء سبْعة ميكرون ، وهناك أوعيَةٌ أضْيَق من سبعة ميكرون ، هذه الكريّة تنضغِط، وتتطاوَل وتمشي في هذا الوريد ، صُنْعُ مَن ؟ ويدُ مَنْ صنَعَتْ ؟ فالحديث عن الشمّ وعن السَّمع لا ينتهي .
3 – حاسة الأذن :
وكذلك الأُذن الوُسطى فيها جهاز بالغ التَّعقيد يُضَعِّف الصَّوت القويّ ، ويُكَبِّر الصوت الضعيف ، وأنت لا تدري ، قد يأتي الصَّوت ضعيفًا فهذا الجِهاز يُكَبِّر الصَّوت ، وقد يأتي فَيُضَعِّفُهُ .
4 – حاسة العين :
وكذا الحديث عن العين لا ينتهي عَمَلِيَّة المطابقة في العين تُبيِّنُ لِكُلّ ذي لبّ عظمة الله عز وجل .
5 – الكـبد والمعدة والقلب :
     أما الكبد فله خمسة آلاف وظيفة ، ناهيك عن المعدة والأمعاء ، والقلب هذا الذي يضخّ في اليوم ثمانية آلاف لتر !! ثمانية أمتار مكعَّبة ، كلّ متر مكعَّب خمسة براميل !! ما هذا ؟
6 – العضلات :
والعضلات أنواع ثلاثة ؛ عضلات إرادِيَّة مخطّطة وعضلات لا إرادية ملساء ، ونوعٌ ثالث مُعقَّد جدًّا هو عضلة القلب ؛ يعمل بلا كلل ، ولا ملل ، ولا راحة ولا مراجعة ، لا يغفل ولا يسْهو ، منذ أن يكون الإنسان في بطْن أُمِّه جنينًا ، وإلى أن يحين حينُهُ .
هذا خلق الله :
إذا فكَّرْتَ في جِسمك ، وإذا فكَّرْت إلى ما حولك ؛ في هذا الطَّعام ، وفي هذه الأزهار ، وفي هذه الطيور ، وفي هذه الثِّمار وفي هذه الخضراوات ، وفي هذه المحاصيل ، وفي هذه الجِبال ، وفي هذه التِّلال ، وفي هذه الوِدْيان ، في هذه المعادن ، في أشباه المعادن ، فيما هو جميل ، فيما هو قاسٍ وفيما هو متين ، فيما هو كثير ، فيما هو قليل ، في هذه العصافير اللَّطيفة ، في هذه الأسماك الرائِعَة ؛ أسماك للزِّينة ، وأسماك للطّعام شيءٌ لا يُصدَّق ، لذلك يجب أن تعرف الله تعالى قبل أن تتوكَّل عليه ويجب أن تعرف من هو الله ، لأنَ على حجْم معرفتك تتوكَّل عليه .
من لوازم التوكل معرفةُ قدرةِ الله وكفايته وقيوميته :
      شيءٌ آخر ينقلنا إلى أنك مطالب أن تعرفَ قدْرتَهُ ، وكِفايتَهُ ، وقيُّومَتَهُ ، قال تعالى :
 
﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾
( سورة البقرة )
     قيام كلّ شيءٍ بالله تعالى ، فهذه الطاولَة لولا أنَّ الله سبحانه وتعالى أقامها لما قامَتْ ، فلا جبل ، ولا أرض ، ولا سماء ولا كوكب ، ولا شمس ، قال تعالى :
 
﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾
(سورة البقرة )
     هو قيُّوم السماوات والأرض ، وكلّ شيءٍ قائمٌ به ، كُنْ فيكون وزُلْ فيزول ، فإذا كان الله قيُّوم السماوات والأرض فلماذا لا تتوكَّل عليه ؟ يجب أن تعرف قُدرتهُ وكفايتَهُ ، وقيُّوميتهُ ، وانتِهاء الأمور إلى عِلْمه ، فأحيانًا تتمنّى على فلان أن يعلمَ هذا الموضوع ، ولكن لا يعْلمُه ، وأنت لا تُحِبّ أن تُعْلِمَهُ إيّاه ، ولكن يجب أن تعلَمَ أنّ الله يعْلم كلّ شيء ، إذًا قبل التّوكّل تكون المعرفة ، والمعرفة لها أبواب كثيرة ، يمكن أن تعرف عظمة الله عز وجل من خلقهِ ، ويمكن أن تعرف عظمة الله من شرْعِهِ؛ خلْقُهُ وشرْعُهُ يُنْبئنِكَ بعظمته ، فإذا عرفْتَ عظمته عندئذٍ تعُدّ للمليون قبل أن تعْصيه  لأنَّك تفقدُ كلّ شيء إذا عصيته تفْقِدُ هذا الحِفْظ وهذه المَعِيَّة ، وهذه الرِّعاية ، وهذا التَّأييد وهذا النَّصْر وهذا التَّجَلِي وهذا الإقبال ، كلّ هذا تفقدُهُ فجأةً لذلك لأَنْ يُقَطَّعَ جسدُ المؤمن إربًا إربًا أهْوَنُ عليه من أن يعصي الله عز وجل ، المنافق يعْصي الله بِيُسْرٍ وسُهولة ، وبِسُرْعة ، يبْدو ذنب المنافق كالذُّبابة ، وذَنْبُ المؤمن كالجبل جاثمٌ على صدْره ، الله سبحانه وتعالى يقول :
 
﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
(سورة الرعد )
        وهناك آية أخرى تُحَيِّر ، وهذه الآية تؤكِد أنَك إذا ذَكَرْتَ الله تعالى وَجِلَ واضطراب قلْبُكَ ، طبْعًا اضْطِراب القلب إذا ذَكَرْتَهُ يعني أن تنظر إلى الآخرة ، وما فيها من أهوال ، وما فيها من نعيم مُقيم ، فهل نَجَوْتُ من النار ؟ وهل أنا مؤهَّل للجنَّة ، وإذا ذكرْتَ الله اطْمأنَّ قلبك للدنيا لأنَّ الله عز وجل لم يجْعل الدنيا عقبةً بينك وبين الله تعالى ، قال الله عز وجل :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
[ سورة النساء ]
 
     وقال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ
[ سورة فصلت ]
معرفة الله بالتفكر في خَلقه وكلامه وأفعاله :
إذاً هذا حديث يطول ، ويمكنك أن تعرف الله من التفكر في خلْقه ، فالتَّفَكُّر إذًا عِبادة كالصَّلاة ، لماذا أنت تُصَلِّي ؟ لأنَّها فرْض ، ولأنَّ الله تعالى أمَرَ بها أمْرًا مقطوعًا به ، فالفرض هو الأمر القطعيّ الثبوت وقَطعيّ الدلالة ، طيِّب كم آية هناك في التَّفَكّر ؟ إذًا تفكُّرك في خلق السماوات والأرض من أجل أن ترى عظمة الله ، ومن أجل أن تزداد معرفتك بالله ، هذا فرْض آخر ، بل إنَّ بعض العلماء جعل التَّفَكّر فريضة من أجَلِّ فرائِضِ الدِّين إذا درسْتَ شريعة الله عز وجل فإنّك تعرفُه أيضًا ، ولكنَّك تعرفُه من جهة أخرى ، لأنَّ هذا الكتاب كلامه ، وهذا الكون خلقهُ ، وهذه الأفعال أفعاله ، فَيُمكن أن تعرفهُ من خلال خلقه قال تعالى :
 
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
(سورة آل عمران )
     ويمكن أن تعرفهُ من كلامه ومن شريعته ، لأنَّ هذا القرآن كون ناطق ، ويمكن أن تعرفهُ من نبيِه عليه الصلاة والسلام ، لأنَّ القرآن خُلقهُ ؛ تعْرفُه بالأُسوة ، وتعرفه بالخَلق ، وتعرفُهُ بِكَلامه وشرْعِهِ ويمكن أن تعرفهُ بأفعاله في الدنيا ، قال تعالى :
 
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
(سورة الأنعام )
     إذًا من أجل أن يكون التَّوَكُل صحيحًا لا بدّ أن تعرف الله عز وجل اِعْرِفْهُ وتوكَّل عليه .
التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب :
    الشيء الثاني : أجْمَعَ العلماء أنَّ التّوكُّل لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب أبداً ، ومن قال لك : إنَّ التَّوَكّل يتناقض مع الأخذ بالأسباب فهذا جاهل ، وما سبَب تأخير المسلمين وغلبة أعدائهم عليهم إلا هذا الوَهْم الباطل الذي روَّجَهُ إبليس ، التوكّل لا يتناقض مع الأخذ بالأسباب ، فالله عز وجل حينما خلق الكون صمَّمَهُ وفْق قوانين ، فإذا احْترمْتَ هذه القوانين وعملت بها ، فهذا جزء من إيمانك بالله ، فإذا احْتقرْتها ولم تُبال بها وجمَدْتها ، ولم تأخذ بها فهذا جهل منك بالله ، إنَّ بعض العلماء يقولون: لا يصِحّ التَّوَكّل إلا بالأخذ بالأسباب ، فالطالب الذي يقول : أنا أخذْت بالأسباب وأنا مؤمن ، وأنا أخدم هذا الجامع ، وسوف يُنَجِّحُني الله ! هذا كلام فارغ ، وتاجر يختارُ بِضاعة سيّئة من دون جهد ، ولا يهتم بِسِعرها ثمَّ يقول : أنا أتوكَّل على الله ! الله تعالى أمرك أن تبْحث وأن تختار البِضاعة الجيِدة ، والسِّعْر المناسب ، فأيّ عمل تهْملُ فيه الأسباب فأنت لسْتَ متوكِلاً على الله أبدًا ، قال تعالى :
 
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
(سورة الكهف )
من موجبات التوكل الأخذ بالأسباب :
     أجْمَعَ العلماء على أنَّ التوكّل لا يتناقض مع الأخذ بالأسباب ، كما أنّهم أجمعوا على أنَّه من موجِبات التَّوكّل الأخذ بالأسباب ، الصانِعُ في مصْنَعِهِ والتاجر في متْجرهِ ، والزارعُ في مزرعته ، والموظَّف وراء طاوِلَتِه ، والمُعلِّم في قاعة تدْريسه ، والطبيب في حِرْفَتِهِ ، والمهندس في مكتبه ؛ هؤلاء جميعا يجب أن يدْرُسوا الأسباب التي وضَعها الله عز وجل وأن يأخذوا بها ، وأُريد أن أُوضِّح لكم هذه الحقيقة: السُّقوط له قانون ، عرفه العلماء ، ودرسه الطلاب في الثانويات والجامعات ؛ هذا القانون قائِم ، ونافِذ إنْ أعْجَبَكَ أو لم يُعْجِبْك ، وإن آمنْتَ به ، أو كفَرْتَ ، وإن أرْضاك أو أغْضَبَكَ ، وإن انْتَبَهْتَ إليه أو غفلْتَ عنه ، وإن اعْتَرَفْتَ به ، أو لم تعترف ، فلو أنَّكَ واقف في طائرة ، وكُلِّفْت أن تسقط منها لِمُهمَّة  فإذا آمنْتَ بِقانون السُّقوط تستخدمُ المِظَلَّة ، لأنّ المِظَلَّة مَبنِيَّة على أساس قانون السُّقوط ؛ وزْنُ هذا المِظَلِي واتساع رقعة المِظَلَّة، ونوع قِماشها المُحكم الذي لا ينفذ منه الهواء والأربطة المحكمة ، فهذه المِظَلَّة مَبنِيَّة على أساس قانون السُّقوط فإذا قلت : أنا لا أعْترف بها القانون ! لم يُقْنِعني ، وما قيمة هذا القانون ؟ دَعُوهُ جانبًا !! نقول له : تفضَّل وانْزِلْ ، اسْتهزئ بهذا القانون وانْزل من الطائرة من دون مِظَلَّة وسوف ترى ما سيَكُون ! قوانين الله عز وجل هكذا ؛ قائمة وموجودة ونافذة ، عرفْتَ أم لم تعْرف ، رضيتَ أم لم ترْض ، أعْجَبَكَ أم لم يُعْجِبْك ، في كلّ الأحوال ، إما أن تأخذ بها فَتَنْجو ، وإما أن تُهْمِلَها فتَهْلكَ، وهذا مُلَخَّصُ مُلَخَّصِ المُلَخَّص ! يعني إذا أردْتُم أن تضْغطوا هذا الدّرس كلّه في كلمات إنَّ لله عز وجل في كونه وفي خلْقه سُنَن ، إما أن تأخذ بها فَتَنْجو ، وإما أن تُهْمِلَها فتَهْلكَ .
     إنك إذا أهْمَلْتَ هذه السُّنَن ، فلو بكَيْتَ ، ورَجَوْتَ ، ودَعَوْتَ ، ورفعْتَ صوتك بالدُّعاء كلّ هذا كلامٌ فارغ ، أعمال لا جدْوى منها ، وحركات زائدة عن الحدّ المعقول ، هذا الذي أتمنَّى عليكم أن يكون واضِحًا بين أيديكم ، العلماء قالوا : إنَّ مِن موجِبات التَّوَكُّل الأخذ بالأسباب ، وهذا الكلام للطُّلاب والمُدرِّسين والمهندسين والأطِبَاء ، وللمحامين وأصحاب الحرف ، والصُّناع والمزارعِين ، والموظّفين ، ولكلّ إنسان ، فإهْمال العمل وعدم الأخذ بالأسباب محبط ، تُقدِم عملاً ناقِصًا من دون دِراية ، ويقول : دع الأمور لِسَيِّدك !! هذا كلام زعْبرة ! وليس له أيّ معنى إطلاقًا .
إنَّ مِن موجِبات التَّوَكُّل الأخذ بالأسباب ، وما تخلّف المسلمون إلا بِهذا المفهوم المغلوط ، لأنّهم جعلوا التَّوَكّل في الجوارح ، ولم يجْعلوه في القلب ، التَّوَكُّل حال نفسي مكانه القلب ، وأما الجوارح فيجب أن تعمل ، فإذا أهْملْت العمل أي توكَّلْتَ بِجَوارحك ! فليسَتْ الجوارح مكان التَّوَكّل بل القلب ، فالله عز وجل جعَلَ إنْجاب الأولاد يتمّ عن طريق الزَّواج ، وجَعَلَ الشِّبَع يتمّ بِتَناول الطَّعام ، وجعَلَ الوُصول إلى بلد يحتاج إلى رُكوب وسيلة كالدابة ، كلّ شيء له سبب ، أنت أيُّها الإنسان مَقْهور بالعِلَة الغائِيَّة ، لا تستطيعَ أن تأكل شيئًا إلا إذا زرعْتَهُ ، لكنَّ الله وحْده وهو خالق الكون أعمالهُ مُنَزَّهة عن العِلَّة الغائِيَّة ، فالله تعالى يقول للشيء : كُنْ فيَكُون ، أما أنت فلا بدّ أن تزْرع هذه الفاكهة حتَى تأكلها ، وهذا درْسٌ بليغٌ يوضع بين أيديكم .
      على من التَّوَكُّل ؟ لنا عَوْدة لهذا الموضوع في الدرس القادم ، قال تعالى :
 
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾
معاني اسم العزيز :
الآن دخلنا في اسم العزيز ، من هو العزيز ؟
المعنى الأوّل :
إن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة جدًّا طافحة بهذا الاسم الكريم ، قال تعالى :
 
﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
وقال تعالى :
 
﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
فالعزيز مأخوذ مِن عزَّ يَعِزُّ بكَسْر عَيْن الفِعْل ، وهو بِمَعنى نَدَرَ ، أيْ لا مثيل له ، ولا نظير ، فالله عزيز لأنَّه لا مِثْل له ، ولا شبيه ، وكلّّ ما خطَرَ بِبَالِكَ فالله خِلاف ذلك ، الله سبحانه وتعالى لا يُشْبهُ شيئًا من خلْقه، فلا مِثْل له ، ولا نِدَ له ، ولا إله معه .
المعنى الثاني :
وعندنا فِعْلٌ آخر ، هو عَزَّ يَعُزُّ ، بِمَعنى غَلَبَ يغْلب ، و ثمة مثلٌ عربي شهير يقول : مَن عزَّ بزّ ، أي من انْتَصَرَ وغلبَ له الحقّ أن يأخذ الغنائم والآية الكريمة :
 
﴿ وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ
أي غلبني في الخِطاب ، إذاً عَزَّ يَعُزُّ يعني غلبَ يغلب ، فالعزيز يعني أنَّهُ لا مِثْل له ، ولا شبيه له من عزَّ يعِزّ ، ويعني أنَه القاهر فوق عباده من عزَّ يعُزُّ .
المعنى الثالث :
وعندنا فِعْلٌ ثالث ، هو عَزَّ يَعَزُّ ، بِمَعنى اشتدَّ وقوي ، والدليل قوله تعالى :
 
﴿ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾
(ص : 14)
بقي علينا ؛ لماذا قال الله عز وجل :
 
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾
الله سبحانه وتعالى له تِسْعةٌ وتسعون اسْمًا ، لماذا اخْتار من بين أسمائِهِ كُلِها اسم العزيز ، وقال لك :
 
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
أُعِيدُ عليكم مرَّةً ثانية : عندنا في اللُّغة ثلاثة أفعال : عزَ يَعِزُّ ، وعزَّ يعُزُّ ، وعزَّ يَعَزُّ ، فالأوَّل : بمعنى ندر ينْدر ، شيء عزيز أي نادر وقليل ، والثاني : بمعنى غَلَبَ يغلب ، والثالث : بِمَعنى اشْتدَّ ، وقويَ ، نقول : تعزيز بِمَعنى مُعاونة ، ومُساعدة ، وتأكيد وتدعيم ، فالله سبحانه وتعالى عزيز من عزَّ يَعَزّ ، وعزيز مِن عزَّ يَعُزُّ أي يغلبُ ويقْهر ، وعزيز مِن عزَّ يعَزّ أي اشْتدَّ ، وقَوِيَ ، الآن الاسم الأوَّل للتَّنْزيه ، عزَ يعِزُ أي لا مثيل له ولا نظير ، وليس كمثله شيء ، والاسم الثاني والثالث من صِفات الذات الذي يغلبُ ، والذي يقْهر ، قال تعالى :
 
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
(الأنعام : 18)
وهو القويّ المتين .
      المعنى الثاني والثالث من أسماء الذات .
المعنى الرابع :
     وهناك معنى رابِع العزيز مُعِزّ ، كأن تقول : هذا جرحٌ أليم بِمَعنى مُؤْلِم ، وزن فعيل بمعنى مُفْعِل ، العزيز بمعنى المُعِزّ ، هذا من أسماء أفعاله ، فأوَّل الاسم تنْزيهي ، واسمين من أسماء الذات ، واسم من أسماء الأفعال ، هو عزيز ليس كمثله شيء ، وعزيز يغلب ويقهر من سِواه ، وعزيز قويّ وعزيز يُعِزّ ، وهذه معاني العزيز .
رأي الإمام الغزالي في معنى العزيز :
     لكنّ الإمام الغزالي له تحليل رائِع جدًّا لهذا الاسم ، يقول : العزيز الشيء الذي يقلّ وُجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ويصْعب الوُصول إليه ، فإذا اخْتلّ أحد هذه الشروط لا يسمَّى هذا الشيء عزيزًا ، إذا قلّ وُجود مثله ، واشْتدَّت الحاجة إليه ، ولكن سَهُل الوُصول إليه فليس عزيزًا ، إذا قلّ وُجود مِثْله ، وصَعُب الوُصول إليه ، ولكن لم نكن بِحاجة إليه ، فهذا ليس عزيزًا ، ولو أنَّهُ صعُب الوُصول إليه ، واشْتدَت إليه الحاجة ، ولكنَّه كثير ، فليس عزيزًا ، فلا يُسمَّى الشيءُ عزيزًا إلا إذا قلّ وُجود مثله ، واشْتدَّت الحاجة إليه ، وصعُب الوصول إليه ، أيْ لا يُنال جانبهُ ، هذه صفات الأشياء إذا سمَّيناها عزيزة أما إذا أردنا أن نفهم اسم الله العزيز ، يَقِلّ وُجود مثله حتى لا يوجد إلا هو لا إله إلا الله ، وتشْتدّ الحاجة إليه ، وكلّ شيءٍ بيَدِهِ ، ويصْعبُ الوُصول إليه فلا يستطيع أحدًا أن ينال منه ، والأمور كلّها إليه ، وليس في مقْدور أحد من خلقه أن ينال منه ، وليس كمثله شيء ، متفرّد في ذاته وصفاته وأسمائه وفي أفعاله .
     كمالُ نُدْرة وُجودِه أنَّه واحِد ، وليس كمثله شيء ، وكمال الصِفة الثانية شِدَّة الحاجة إليه ، وجميع المنافع عائدة إليه ، وكمال أن يصْعب الوُصول إليه أنَه يصل إلى خلقه ، ولا أحد من خلقه يصل إليه ، بمعنى أنَّه ينالهُ ولذلك قال بعضهم : العزيز هو الذي لا يُدْركُهُ طالبوه ، ولا يعْجزهُ هارِبوه ، وهذا الاسم العزيز ، واحِدٌ ليس كمثله شيء ، كلّ الحاجات إليه ، وكلّ المنافع بيَدِهِ ، ولا يستطيعُ أحدٌ من خلقِهِ أن ينال منه ، وعلى العزيز توكّل ، وليس كمثله شيء ، ولا شيء يصل إليه .
        هل أدْركتم معي لماذا قال الله عز وجل :
 
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
لماذا انتقى الله عز وجل من أسمائِهِ كلّها اسم العزيز ؟ لأنَّ غيره لا شيء ، ولا شيء سِواه ، وغير الله وهم ، وخيال وصورة ، أما الحقيقة هو الله عز وجل ، وغيره ليس بيدِه شيء ، وغيرهُ مقهور ، أما الله عز وجل لا شيء قبله ، ولا شيء بعده ، ولا شيء مثله ، ولا شيء نظيره ، والمنافعُ كلّها إليه ، ولا أحد ينال منه ، لا يُدركُهُ طالبوه ، ولا يُعْجزهُ هارِبُوه ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((من جلس إلى غنيّ فتضَعْضع له من أجل ماله ذهب ثلثا دينه)) !
( الترغيب والترهيب عن أبي الدرداء بسند ضعيف )
        لكن هناك آية دقيقة جدًّا يقول الله عز وجل :
 
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
(المنافقون : 8)
إذا اعْتَزَزْتَ بالعزيز فأنت عزيز ، الله عز وجل يُعطيك شيئًا من هذا الاسم ، يرفعُ مكانتك ، يمْنَع الناس من أن ينالوا جانبك وتشْتدُّ الحاجة إليك ، يجعل الخير بيَدَيْك ، إذا أحبَّ الله عبْدًا جَعَلَ حوائج الناس إليه ، إذا أقْبَلْتَ على العزيز مُنِحْت شيئًا من هذا الاسم العظيم ، والدليل قول الله عز وجل :
﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
فوائد اسم العزيز المسلكية :
تتميَّز ، وتشْتدُّ الحاجة إليه ، ويجعل الله حوائج الناس عندك ، ويحْميكَ مِن خُصومك ، ولا ينالكَ أحد ، وإذا اعتَززْتَ بالعزيز فأنت عزيز ، والدعاء المشهور : سبحانك إنَّه لا يعزّ من عاديت ، ولا يذلّ من واليْتَ فالذي تُواليهِ يا ربّ يزْدادُ عِزًّا ، والذي تُعادِيه يزْدادُ ذُلاًّ ، كُنْ مع العزيز تَكُن عزيزًا ، وكُن مع الذليل تَكن ذليلاً ، الله عز وجل قال :
 
﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾
(المائدة : 54)
ولا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه ، وابْتَغوا الحوائِج بِعِزَّة الأنفس ، فإنَّ الأمور تجري بالمقادير ، وشرف المؤمن قِيامُهُ بالليل ، وعِزُّه اسْتِغْناؤُهُ عن الناس ، واحْتجّ إلى الرجل تكن أجيرهُ ، وتكن أسيرَهُ واسْتَغْنِ عنه تكن نظيرهُ ، وأحْسِن إليه تكن أميرهُ ، لذلك فالله عز وجل جعَلَ فضلهُ مبذولاً لِكُلّ الخلق ، قال تعالى :
 
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
(النساء : 32)
قل لمن بات لي حاسِدًا       أتدري على من أسأتَ الأدب ؟
أسأْتَ على الله في فِعلِهِ      إذْ لمْ ترْضَ لـي مـا وهَـبَ
ملِكُ الملوك إذا وَهَـب       قُـم فاسْــألنَّ عن السَّــبب
الله يعطي ما يشـــاء      فَـقـِفْ عـلى حـــدّ الأدب
*  *  *
      كما أنَّ الله ربّ فلان فهو ربك ، وكما أنّ فلانًا عبدُهُ فأنت كذلك عبْدُه فالعزيز اسم دقيق جدًّا ، وأتمنَّى عليكم أن تزيدوا هذا الاسم بحثًا ودرْسًا لعلّ الله عز وجل ينفعَكم بهذا الاسم العظيم ، وإلى درس آخر .
والحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب